الاثنين، 27 أبريل 2009

لا فضيلة في استباحة حرمات الآخرين... أحمد الزرقة


قد تكون اليمن دولة هشة أو فاشلة أو ما شئنا إطلاق عليها من تسميات لا تغير من الواقع الفعلي شيئاً ،لأننا نلحظ يوميا تصرفات خرقاء تؤكد إن اليمن تمر بحالة من المخاض الصعب في شتى المجالات وهي حالة قد تستمر طويلا ،ابرز تلك الملامح هو تراجع دور الدولة ككيان يفترض أن يتساوى تحت جناحه جميع المواطنين ،ولا معنى لوجود الدولة إذا ما فوضت جزء من صلاحياتها لمجموعة من الناس تحت أي مسمى يقومون من خلاله بتصفية حساباتهم واحتقاناتهم من خلاله.
كنا نهاية الأسبوع قبل الماضي أمام واحد من مشاهد غياب الدولة وتواطؤ مؤسساتها مع مجموعة من الغوغاء الموجهين والموتورين بحمى الدفاع عن المقدسات في واقعة لم يتم إثبات حدوثها وفق تضارب الروايات المتعلقة بقيام مواطن بتمزيق المصحف الشريف ،والذين قرروا بناء على فتوى دينية من احد علماء الدين الذي لم يسمه موقع الصحوة نت في الخبر الذي بثه" قبل ان يتم حذف هذه الفقرة لاحقا"
مهاجمة وتدمير بيت وسيارات وممتلكات من زعم تمزيقه للمصحف،في خرق واضح لجميع الأنظمة والقوانين التي تنظم العلاقة بين الدولة والمواطنين وبين المواطنين أنفسهم.
وفي نسخة منقحة من سيل الاتهامات والتشهير بهدف تغطية الجريمة التي وقعت في وضح النهار في قلب العاصمة كال خطيب مسجد العنقاء وعاقل الحارة سيلا من التهم الكيدية عن وجود بقايا عظام لفتيات تم اغتصابهن ،إضافة لاتهام صاحبة المنزل بإدارة شبكة للدعارة وغيرها من التهم التي ليس من شأنها التقليل من حجم الجريمة ،والدفاع عن مرتكبيها ، الذين نصبوا أنفسهم قضاة وجلادين على مرأى ومسمع من أجهزة الأمن التي كانت تراقب عملية التخريب وتدمير ممتلكات الغير بناء على أحكام دبرت بليل.
أين كان هؤلاء الغيورين على الدين على سبيل السؤال وقت وقوع الجريمة التي بحسب الروايات المختلفة تمت في المسجد أو في جوار منزل الضحية.
2
- لم يكتفي أولئك الغوغاء الذين ارتكزوا على فتوى تحريضية تقوم على استعراض العضلات بتدمير وإحراق المنزل بل وجهوا سيلا من الادعاءات اقلها القذف واستباحة أعراض وحرمات المسلمين دونما إثبات ،وتلك جريمة وزرها اكبر.
والغريب في الموضوع قيام أجهزة الأمن بالتواطىء على هذا الجرم وبدلا من القبض على الجلادين تم القبض والتحفظ على الضحية ،وإخضاع أسرة كاملة للتحقيق والاهانة.
3
- المضحك المبكي كان في موقف البرلمان الذي تجاهل الجلادين ووجه بالتحقيق مع المتهم بتمزيق المصحف وهو أمر كان يفترض ان يسير في اتجاهين الأول يدين حادثة تدمير المنزل ويطالب بالقبض والتحقيق مع المتسببين في تلك الواقعة،والاتجاه الثاني بالتحقيق مع المتهم بتمزيق المصحف.
فعلا العدالة هنا عرجاء والخلل يبدأ من تحت قبه البرلمان الذي يبدو أن أعضائه مشغولين باقتناص مزايا التمديد لهم والانتصار لأصحاب الفضيلة من المحرضين على الفوضى والعنف ،ولا ندري عن أي فضيلة يتحدث الملالي والآيات وسط الفوضى التي يخلفونها وراء كل تدخل لهم بإسم الدفاع عن الدين والمقدسات ،وهي قضايا لا خلاف عليها ولا تحتاج لكل هذا العنف بل تحتاج للاحتكام للمؤسسات الرسمية التي يتوافق عليها الناس ،حتى لايتحول الخطاب الديني إلى مجرد سوط للجلد وسيف للقتل، وفي ظل التعدد المذهبي القائم ووجود الاختلافات المذهبية إذا لم يتم الاحتكام لمؤسسات الدولة ستسود حالة من الفوضى التي من شأنها القضاء على الأخضر واليابس.
4
مئات المنظمات المدنية والحقوقية وعشرات الأحزاب بمختلف توجهاتها لم تكلف نفسها عناء إدانة هذه الجريمة والوقوف إلى جانب المواطنين بل اكتفوا بالفرجة ،مالذي يلزم لتتحرك الأحزاب والمنظمات ،لماذا تخاف القوى التي تدعي أنها حداثية وتقدمية من الوقوف ولو لمرة واجدة في وجوه القوى التقليدية التي استمرت في عرقلة جهود اليمن للتقدم والخروج من عنق الزجاجة وجرنا للخلف دوما ،وجعلت من نفسها عدوة للتقدم والتطور بحسب سنن الكون ،وتحاول الربط بين الدين والتخلف ومصادرة حقوق الآخرين وإخضاعهم لرغبات الملالي .
في ظل السكون المخيف طالعنا عدد من قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح بتصريحات عن الانتصار للمقدسات الإسلامية وللفضيلة والغيرة على الشريعة وباركوا قيام الغوغاء بهدم المنازل ،ربما قد يفسر هذا جزءاً من سبب عدم تحمس اللقاء المشترك لإدانة التصرف الذي باركة الأخ الأكبر والوصي على اللقاء المشترك،وهذه واحدة من النجاحات التي استطاع الإصلاح تحقيقها من خلال دخوله اللقاء المشترك التي انتهت بسيطرته على مفاصله وتطويعه وفقا لأهوائه ومصالحة الإستراتيجية التي بالتأكيد تختلف عن أجندة بقية الأحزاب الأخرى.
Alzorqa11@hotmail.com


المصدر: موقع نيوز يمن + صحيفة الغد

الأحد، 26 أبريل 2009

عقاب سماع الموسيقى عند طالبان: حلق نصف الرأس والشارب!!

عمد عناصر من طالبان الى حلق رأس وشاربي رجال كانوا يستمعون الى الموسيقى في منطقة بونر التي احتلوها هذا الاسبوع، بحسب شهادة احد الرجال الاحد.
وصرح شاب رفض الكشف عن اسمه في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس "كنت وثلاثة اصدقاء في سيارتي نستمع الى الموسيقى عندما اوقفنا مسلحون من طالبان. وبعد ان حطموا الشرائط والة التسجيل، حلقوا نصف الرأس والشاربين".
واضاف "ضربونا وامرونا بالامتناع عن الاستماع الى الموسيقى بعد الان" موضحا انه واصدقاءه لم يشتكوا الى الشرطة من الحادثة لان ذلك "غير مجد".
وقال "كان ذلك ليزعج طالبان اكثر، واخشى على حياتي".
وانسحب مقاتلو طالبان من منطقة بونر التي احتلوها هذا الاسبوع في انتهاك لاتفاق ابرموه مع السلطات، ونشرت الحكومة قوات اضافية فيها، على ما اعلنت مصادر رسمية السبت.
والاحد، افاد سكان ان عناصر محليين في طالبان راوحوا مكانهم.وينص الاتفاق بين طالبان والحكومة على وقف اطلاق النار مقابل الموافقة على انشاء محاكم اسلامية في المنطقة.

في الحصبة .. غابت الدولة مرتين... رشاد الشرعبي


حال سماعي لماحدث في منطقة الحصبة تذكرت حادثة وقعت قبل 10 سنوات في منطقة قريبة لقريتي
وأنا أتابع تداعياتها شعرتُ بالألم وأحزنني أكثر الغياب التام للدولة (السابق أو اللاحق) ما يبعث على الخوف والقلق.
و بإختصار تمثلت الحادثة في أن شقيقان (حدثان) تشاجرا وأشتبكا بالسلاح وتدخل آخرين بينهما وأثناء ذلك قُتل أحد المتدخلين (مُفارع)، لكن عم القتيل أحتجز والد القاتل في (دار الشيخ) وجمع الناس في المقبرة وأعطى شقيق القتيل (حدث أيضاً) السلاح وعلمه التصويب على القاتل المُكبل وأمره بالتنفيذ فأرداه قتيلاً، وعاد الناس إلى بيوتهم وكأن شيئاً لم يكن وحضر قانون الغاب ولم تحضر الدولة مُذاك حتى بالتحقيق.
تختلف التفاصيل لكن حادثة الحصبة بأمانة العاصمة كانت على بعد أمتار من أهم وزارتين في البلاد (الداخلية والإدارة المحلية) وعكست صورة واضحة عن التراجع المستمر لدولة حلمنا بها لعقود وأُجهضت في غمضة عين ولازالت جنيناً يتشكل ولم نلمس منها إلا قمعها وبطشها وجبايتها.
غابت الدولة عن مسئوليتها مرتين، في الأولى حينما كان المواطنين ويلجأون إليها للشكوى، ويُفترض في أجهزة الأمن والسلطات المحلية القيام بدورها وواجبها ومسئوليتها وفقاً لنصوص الدستور والقوانين، والتحري والتحقيق وإحالتها للقضاء كمرجعية لحسم النزاعات الشكاوي والإتهامات.
طبعاً، هنا الدولة كالعادة حضرت بإجراءات مملة وبيروقراطية تتيح المجال للبيع والشراء والإبتزاز وتدخل الوساطات وقوى النفوذ والمتواطئين و..و...إلخ.
في المرة الثانية كانت مسئولية الدولة (وهي هنا سلطات تنفيذية وقضائية) الحضور بديلاً عن (دولة الغاب) فتتلافي تقصيرها في الأولى ولا تتنازل عن مسئولياتها وواجباتها وإختصاصاتها للمواطنين ليكونوا خصوماً وشاكين وأجهزة ضبط قضائي وتحقيق وتحري وقُضاة يقررون العقوبة وأجهزة لتنفيذ العقوبة.
فديننا الإسلامي الذي حضر قانون الغاب في حادثة الحصبة غيرةً عليه والمستندة على أحكامه نصوص الدستور والقوانين النافذة، لا يخول لأي مسلم القيام بدور الدولة وممارسة صلاحياتها وسلطاتها ولا يُجيز له أن ينصب نفسه حاكماً على الآخرين ويعاقبهم حتى وإن كان ذلك دفاعاً عن المصحف الشريف أو حماية للآداب العامة والأخلاق, فقد ربط كل شيء بالدولة والقضاء وتشدد في ذلك.
وفي حال عجز الشاكين أو الغيورون على الدين والأخلاق بعد إتباعهم للطرق القانونية في إنكار المنكر وعدم التجاوب معهم لإنهاء ذلك المنكر وردع مرتكبيه, فبإمكانهم إستخدام حقهم في النهي عنه بالطرق السلمية والقانونية كالمسيرات والإعتصامات واللجوء للإعلام والسلطات التشريعية والقضائية وغيره, لا أن ينصبوا من أنفسهم قُضاة وشرطة قضائية بعد أن مارسوا دور سلطة الضبط القضائي وهم في الأساس خصوم وشاكين.
ليست قضية الحصبة أول قضية, يلجأ فيها المواطنين للأجهزة المختصة يشكون ويستنكرون أعمال مشبوهة وغير قانونية, سواءاً كانت منازل أو فنادق أو غيره فيجدون مماطلة وتنصل عن القيام بالواجب الدستوري والديني أو قد يجدون صداً أو تواطؤ في بعض الأحيان.
لكن يجب أن تكون كحادثة ذُبحت فيها معاني الدولة, رسالة تحذير وإنذار من قادم أسوأ إذا ما أستمر التعامل بذات الطريقة مع شكاوي المواطنين أو التواطؤ مع من يمارسون الأعمال المشبوهة وأوكار الرذيلة المُجرمة بحسب القانون المستمد من شرعنا الإسلامي.

وهدر لدماء موظفيها أيضاً
في الجلسة الأخيرة لمحاكمة الجندي المتهم بقتل الطالب بجامعة صنعاء, أمر القاضي الذي ينظر في القضية بحبس أحد شهود الدفاع بمبرر أنه شاهد زور, وبصورة غير موضوعية تؤكد أن خللاً في إجراءات المحاكمة وتدل على إستمرار حضور القبيلة وضغوطها ونفوذها أكثر من القانون.
وما أقدم عليه القاضي واحدة من الإختلالات المرافقة للقضية منذ بدايتها فتهديدات وضغوط قبيلة القتيل لم تتوقف عند السيطرة المسلحة على أكبر صرح تعليمي في البلاد وما أعقبه من تقديم الشكر لها, ولم يعانِ من ذلك فقط المتهم وأسرته وزملائه ومحاموه وشهود الدفاع, لكنها طالت حتى صحف وصحفيين لأنهم حاولوا الإشارة للوجه الآخر.
ليس جديداً القول أنه صار من السهل على الدولة أن تجعل موظفاً كان يؤدي واجباً وينفذ توجيهات وتعميمات وتعليمات تلقاها ممن هم أعلى منه رتبة هدرا وتقدمه مع هيبتها قرباناً لرضا القبيلة ونافذيها, ولا يهمها خضوع موظفها لمحاكمة عادلة ولا حتى تعصب عضو النيابة مع إبن منطقته أو ميل قلب القاضي إليه لسبب ما.
لكن على الدولة القيام بمسئوليتها وحماية موظفها (الجندي شكري الصبري)على الأقل بتوفير محاكمة عادلة له وحماية أسرته وزملائه ومحاميه وشهوده من التهديدات والضغوط المحيطة بهم وبشتى الصور, فتنصلها عن أقل الواجب هذا يزعزع لدى موظفيها ومواطنيها ماتبقى لها من ثقة.
والأخطر أن مضمون شريط زامل (كاسيت) صادر عن قبيلة القتيل –رحمه الله-, بأنهم لن يكتفوا بمليوني (شكري) وما تنبعث منه من روائح لعصبية نتنة سيُضاعف حالة الإحتقان, وسيزيد وطننا أوجاعاً فوق أوجاعه السابقة.
Rashadali888@gmail.com

نيوز يمن + صحيفة الناس

السبت، 25 أبريل 2009

حريق الحصبة.. حين تكتب ما لايعجب الناس


منى صفوان، نيوزيمن:
يفور الناس مع شرارة الخبر الأول، وتستمر هذه الفورة رغم تغير مسار الخبر.
" حريق الحصبة" الشهير هو عنوان حادثة فجرت الكثير من القلق والتكهنات، وعندها كانت بلبلة الرأي العام قد أثرت في مسارها لتكون بعيدة تماما عن مسار نمو المعلومات الطبيعي.
كانت المعلومات تتدفق من اتجاهات مختلفة، و في البداية لم يكن لها مصدر يمكن وصفه بالموثوق ، لكن المصدر الأكثر شيوعا هو كلام الناس، وكلام الناس هو المصدر الذي يصدقه الناس وينجذبون له أكثر من كلام الصحف، التي لا توافق كلامهم.فان لم توافق الصحف كلام وتكهنات الناس فكلام الصحف هذا يهمل ولا يصدق.
الناس يبحثون عن الفضيحة والإثارة والغامض، و هنا لا ينساقون للمنطق، ولا يسكن الهدوء لهفتهم لمعرفة المزيد، و مع فجر الحادثة كان الصباح ذاته محملا بأخبار الناس، أخبارهم، بعضها انسجم كثيرا مع ما تداولته أخبار بعض الصحافة، و صحافة أخرى لم تساير ولع الناس.
"نيوز يمن" لم يساير كثير، فهو كواحد من المواقع الإخبارية الرصينة، لم ينساق وراء ولع الناس بالتفاصيل الفاضحة، وأدار مهمته بعيدا عن هذا التأثير المغري، ولذا كان خبره يحوم حول صبغ الخبر بتفاصيل خفيه لم تعلن بعد، و اهتم هو بالبحث عنها.
هذه التفاصيل الخفية للحادثة هي مالم يهتم به الناس الذين يهمهم التفصيل الأكثر شيوعا لبناء بقية الخبر على طريقتهم. و في تفاصيل البحث "لنيوز" كانت الحقيقة مرهونة بإمكانية إثبات نظرية، أن ما أشيع منذ أول شرارة ليس هو الحقيقة الكاملة.
ما حدث بعد ذلك في منتدى نيوز يمن الإخباري كان مرعب، انصب هجوم القراء على الموقع وطريقة قراءته للخبر، و نال نبيل الصوفي رئيس تحرير الموقع نصيبه من الهجوم الشخصي، فشخصنه القضايا، سمة يمكنها بسهوله أن تلتصق بطريقة التغطية الإخبارية التي يديرها أصحابها "بمهنية" من وجهة نظرهم.
لم تجري الأمور لتداول الخبر كما يريد الموقع، وغيره من الصحف الرصينة. وما يفرق الموقع عن غيره من الصحف انه أني و سريع التفاعل مع القراء.
القراء، وهم جزء من الجمهور المؤثر في الحدث كانت مشاعرهم ملتهبة، فما قيل هو يكفي تماما لإثارة شعور الغيرة والحنق والغضب، فهذه هي مقدسات الناس و خصوصيات ثقافتهم و وقود حياتهم.
وليس من السهل الدخول لهذه المنطقة المقدسة والخروج دون خسائر فادحة، خاصة إن كان الدخول ليس هو ذلك الدخول الاعتيادي لدعم فرضيات مسبقة.
مسار تطور المعلومات الطبيعي ظل ينمو في مساره بعيدا عن اهتمامات الناس الذين بعد أن صبوا غضبهم الكافي على من يخالف مسارهم اهتموا بتنمية المعلومات التي تدعم فرضياتهم و تفرغوا لتغذية مصادر المعلومات الخبرية التي تؤكد لهم أن هناك انتهاك واختراق لحياتهم.
التفاصيل كانت مرعبه، والأفكار حولها كانت مشوشة في البداية والتفاصيل متضاربة، وهذا لم يعني أن هناك تأني في تناول خبر حساس كهذا.
بعض الصحافة أججت الموضوع وزادت ولع الناس، واقتربت من المنطقة الحساسة دون أن ترغم نفسها على تحيد مشاعر الناس. في المقابل الخبر المتأني لقي المعارضة المتوقعة.
ولهذا يمكن وصف الأمر بالمغامرة، ربما هي بطوله نادرة لصحافة جادة تريد أن تعرف هي أولا قبل أن تنقل ما يتم تداوله، ولكن هذه البطولة يمكنها بسهولة أن تصيب أصاحبها بتهم لا تختص بمهنيتهم ويمكنها أن تكون سببا في اختراق خصوصيتهم، فببساطة الدخول لفوضى الأخبار التي تخدش الحياء العام، و تهيج الرأي العام ، و تناولها بطريقة لم تجري عليها العادة،أمر يعرض هذه الصحافة أيضا للانتهاك، خاصة عندما يفسر الخبر انه دفاع عمن أدانهم الناس.
الصحافة بوصفها لعبة المعلومات، هي أحيانا ضحية لهذه اللعبة في وقت يكون للمجموع العام كلمته، بغض النظر عن "كيف كانت هذه الكلمة"
"نيوز يمن " كان تناوله للضحايا مختلفا، و الضحايا في "نيوز يمن" هم الذين احرق منزلهم وممتلكاتهم "ومن وجهة نظر صحافة أخرى هؤلاء هم المجرمين" !
" نيوز يمن" مثلا قدمهم بصيغة عاطفية ومؤثرة، و اظهر ألمهم وخسارتهم و دموعهم. لان العاطفة وحدها هي من هيجت الموضوع من البداية، وتوظيفها عليه أن يكون هنا في لعبة تهدئة الأمر، أو بالأصح إنصاف الخبر.
لم يهدا الأمر، لم يعد العامة مهتمون بما يقوله التفصيل الجديد للخبر، و أصبح الخبر معروفا لديهم، ولديهم الآن دليل الجريمة و المجرمين، والتحقيق لم ينتهي بعد! وهذا هو المعتاد عندما يكون الخبر والحدث هو ملك العامة.
لم يعد الكثيرين مهتمين بأخر التطورات، بالنسبة لهم أهم التفاصيل هي التي نقلت صباح الأربعاء، ومنها تم إشعال شعلة التفاصيل اللاحقة، و الكثيرين بل أي شخص يمكنه بسهوله أن يتحول لشاهد عيان، و فجاءه ستجد بسهوله شاهد يؤكد انه رأى وسمع كل ما قيل عنه من انتهاك وتدنيس واغتصاب و أعمال فاضحة.
لا يمكنك أن تستثني المخيلة العامة والولع بالأخبار الفاضحة و شهوة الاشتراك في رواية التفاصيل كمصدر للخبر.
هذا الولع العام يجعل التهمة ثابتة تماما، لا مجال للشك إذا ، و هذه هي الخسارة الحقيقة لمهمة الصحافة المتحرية، التي ليس من مهامها الدفاع عن احد أو تثبيت التهمة على طرف، ولكن لعب دور المحايد ليس سهلا، ولا يوجد في الحقيقة خبر محايد، عادة الخبر ينحاز لفكرة يود إثباتها بالبحث عن تفاصيل تخدمه، و لكن بعض التفاصيل ليست هي ما يبحث عنه الناس، الذين اهتموا بالخبر الذي اظهر تفاصيل تؤكد لهم أن هناك من انتهك قدسيتهم.
هنا تقفز لأذهانهم رغبة الانتقام من كل من دنس مقدساتهم ولم يستطيعوا الوصول له، و تكون الصحافة التي تقف أمام غوغاء الشارع لتقول لنهدا أولا و نفكر و نبحث و نتحقق. و لنؤكد أن ما حدث هو جريمة انتهكت القانون والدولة، هذا يجعلها صحافة تخسر هذا الجمهور العريض.
برغم ا ن هذه الصحافة المسئولة هي الوحيدة القادرة على محاسبة المجرم إن ثبت تورطه في تدنيس معتقدات وحرمات ومقدسات الناس.
مقدسات الناس منطقة محرمة لا يجب الاقتراب حولها، أو اختبار مشاعر الناس بها، وهي أداة قاتلة بسهولة. ما حدث صباح الأربعاء يصف تماما كل ما حدث للصحافة المحلية في تغطية خبر غير اعتيادي وحساس، و المهتمين بصحافة رصينة لا تستخدم كأداة، يخسرون الجولة الأولى دائمان ولكن فقط يخسرون الجولة الأولى فقط، فمع مرور أسبوع واحد فقط تتصدر هذه الصحافة موقع الصحافة المحترمة ، سواء أدين المتهمين أم أثبتت براءته. و لكنها لن تهتم أن تدين من يدينه الوعي الجمعي.
والوعي الجمعي هو النوع الصعب للصحافة في السيطرة، ووسط العقل الجمعي ببساطة يختفي المنطق وينهي أمر أي تفكير مختلف
و في صحافة التي لا تنصاع لشرارة الخبر الأول لتخرج لمسار مختلف تماما، يضيع ما يبحث عنه الناس ويعجبهم، وما يثر فضولهم، ويزيد تهيجهم، و كذلك يزيد تدفقهم على هذه الصحافة ، عندها قد لا تكسب في توسع قاعدتها الجماهيرية، وتواصل بحثها الاستقصائي لتثبت نفسها وحقيقة أنها فقط تنتصر للمهنة والحقيقية. وليس دفاعا عن طرف ما حتى لو خسرت لفترة محدودة جزء من جمهورها.
وهذا تماما ما فعله نيوز يمن الإخباري وما حدث معه، فهذا الموقع الأهم الذي اجبر للحظة للدفاع عن نفسه ودفع ثمن خياره، ولكن كان عليه أن يفعل.

الجمعة، 24 أبريل 2009

اجهاز على بقايا دولة وحقوق الانسان باسم الغيرة على الدين


سامي نعمان
اسبوع آخر يمضي على هدم وانتهاك حرمة بيتين مأهولين بالسكان وإعدام كل مقتنياتها من اثاث ومتعلقات شخصية، اضافة الى حرق سياريتين من قبل متطرفين مختلفين يرون في "الغيرة على الدين" شرعنة لتطبيق شريعة الغاب والانتصار للدين على حساب حقوق الاخرين، وقبل كل ذلك فإنهم يجهزون بفعلتهم تلك على مؤسسات الدولة الحاضرة الغائبة في القضية، ورغم ذلك لا زالت القضية تدور حتى اللحظة حول نقطة واحدة تنكب عليها النيابة ولجنة مجلس النواب: هل مزق أحدهم المصحف؟ وبعدها لا شيء يهم من التفاصيل..
مجلس الوزراء الذي اجتمع بالامس لم ير ما يستحق في القضية لنقاشها في جدول أعماله، فنائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والامن في السعودية ووزير الداخلية تغيب لمهام أخرى، وذلك كان كافيا بالنسبة للحكومة لعدم ادراج الموضوع في جدول اعماله غير أن الناطق الرسمي للحكومة حسن اللوزي طمأن سائليه فالقضية تحتمل التأجيل، وستبحث الاسبوع القادم، ولم ينش التأكيد على أن ما جرى في حي العنقاء بالحصبة كان خارج النظام، مؤكداً أن أي تصرف يفترض أن يتم وفق الشرعية والنظام والقانون..
وفي ظل صمت مريب من قبل منظمات المجتمع المدني، تحرك البرلمان العقيم، ليشكل لجنة تنظر في نصف القضية على ما يبدو ، بدافع الغيرة على الدين ذاتها التي انتهكت بها حرمة الدولة والمواطن، فالتحيقيق يبدو انه فقط يتجه لتأكيد حادثة تمزيق القرآن،
وفي حديث للجزيرة نت قال عضو لجنة تقصي الحقائق البرلمانية النائب الدكتور غالب القرشي –وزير الأوقاف والإرشاد الأسبق- إن المؤشرات تفيد أنه ثبت فعلا قيام الشخص المتهم بتمزيق نسخة من المصحف الكريم، واعتبرها الحادثة "خطيرة" بالرغم من كونها حالة نادرة في اليمن، لكنه في الوقت نفسه أبدى ارتياحه لما أسماه "غيرة الناس الكبيرة على كتاب الله"... هو كان يأمل ايضاً أن تسارع السلطات الأمنية والشرطية إلى حصر القضية وإلقاء القبض على المتهم قبل قيام الناس بهدم منزله وإحراقه، اما الجزء الاخير من القضية فهو مجرد ردة فعل مبررة بالنسبة للقرشي المحسوب على الجناح الاخواني المستنير في حزب الاصلاح..
مجلس النواب أقر السبت تشكيل لجنة خاصة لمتابعة إجراءات وزارة الداخلية والأجهزة المعنية إزاء اتهام مواطن بتمزيق المصحف وإهانته... حتى هنا يكون المجلس منطقيا، غير انه على ما يبدو يشرعن لما بعده، فالتحقيق سيشمل ما تلى ذلك من ردود أفعال "غاضبة" من قبل أبناء الحارة الذين أقدموا الأربعاء الماضي على إحراق وهدم منزل عبد الملك البيضاني المتهم بإهانة المصحف، وايضا التحقيق في اعتقال الاشخاص عقب احراق المنزل.
شكلت لجنة من النواب غالب القرشي(قيادي اصلاحي) ، أحمد عبد الرزاق الرقيحي (نائب مؤتمري وخطيب الجامع الكبير بصنعاء القديمة وجامع الصالح)، وعبد الله حسن خيرات(نائب وفقيه مؤتمري) ، ومحمد عبداللاه القاضي(نائب عن الحزب الحاكم)، واثار القضية في المجلس نائب قل ان يناقش، عبدالرحمن المحبشي الذي اعتبر حادث إهانة المصحف وتداعياته يستوجب الوقوف إزاءه بجدية، ومطالبا ايضا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الأشخاص الذين تم اعتقالهم على ذمة إحراق وهدم منزل المتهم بإهانة المصحف، ولم يفوت النائب محمد الحزمي هذه الملحمة ليؤكد إن غياب الأجهزة المعنية هو من دفع المواطنين إلى إحراق منزل المتهم باهانة المصحف، وخاض الملحمة ايضا القاضي احمد الرقيحي الذي دعا إلى الوقوف أمام الحادث بجدية ودون توان، معتبراً الإساءة للمصحف ارتداد عن الإسلام.
مجلس النواب الذي لم ينته بعد من ملحمة استجواب وزير العدل في ظل ما يحسبه عجزاً عن اطلاق نائب برلماني معتقل يخوض ملحمة أخرى بدافع الغيرة على الدين ايضاً، غير انه اعشاءه لم يكلفوا انفسهم التفكير بسيادة الفوضى وانتهاك الدولة اذا وصل الامر حد ان يلجأ كل فريق لتنفيذ العقوبة بنفسه، كما يحدث منذ بضعة عشر عاما في الصومال وحتى الوقت الراهن، على ان بعضاً من الغيرة على مؤسسات الدولة، وحرمة المواطنين وحقوقهم واموالهم واعراضهم، لا تعني بالمطلق التعارض مع مقتضيات الغيرة على الدين. تستمر التحقيقات في القضية في جانب واحد كما سبق حتى في النيابة التي تسرع باجراءات محاكمة المتهم بتمزيق المصحف عبدالملك البيضاني، ورغم تواتر المعلومات عن عدد المعتقلين على ذمة هدم المنزلين التابعين لاسرة البيضاني، الا ان التحقيقات مع المتهمين تراوح مكانها، وربما تؤول الى موضع رفع العتب، خصوصاً بعد اطلاق سراح عدد من المتهمين، وقلة عددهم رغم ان مالكي المنزل قدموا اسماء عديدة يتهمونها بالتحريض والشروع في الهدم، ويستنفر الطرف المعتدي على املاك البيضاني كل مقدراتهم الدينية والقبلية للتأثير على سير القضية، وذكر موقع نيوز يمن الاخباري ان خطيب جامع العنقاء "نبيل العنسي" قال إنهم التقوا بالشيخ صادق الأحمر وشرحوا له أسباب لجوء الناس لهدم المنزل، وأن الشيخ وعدهم التواصل مع الأجهزة الأمنية لإطلاق سراح الشيخ محمد الوادعي، ابرز المتهمين في القضية من قبل البيضاني، ويبدو ان محاولات حثيثة تبذل لاستمالة رئيس الجمهورية إلى صف الغيورين، ولا زالت الاخبار غير مؤكدة عن موقف الرئيس حتى اللحظة.

محمد القاضي: مشهد "طالباني" في الحصبة

محمد القاضي
ما حدث في الحصبة، الأربعاء الماضي، شيء مروع ومفجع للغاية، حيث قام مجموعة من المتشددين، ومعهم مواطنون، بتهديم منزل مواطن يدعى عبدالملك المنصور -حسب موقع "نيوزيمن"- وإحراق محتوياته، وحرق سيارتين تابعتين له، بتهمة أنه قام بتمزيق المصحف الشريف والدوس عليه تحت قدميه.
يقال إن الفاعلين تقاطروا من عدد من المساجد بعد صلاة فجر الأربعاء، وقرروا -بناءً على ما قيل إنها فتوى صدرت من بعض رجال الدين- تهديم منزل المنصور، واستأجروا "شيول" للقيام بعملية الهدم والحرق أمام أنظار قوات الأمن والإطفاء التي تقاطرت إلى المكان، وظلت تشاهد عملية الهدم والحرق التي استمرت 6 ساعات، دون عمل أي شيء يذكر.
إننا أمام مشهد درامي جدا. أشخاص يقال إنهم ينتمون إلى هيئة الفضيلة التي أعلن العام الماضي عن إنشائها، اتهموا الرجل وحاكموه وأصدروا الحكم ثم نفذوه بصورة مستعجلة. عملية حرق وتهديم لمنزل وتشريد لأسرته تتم بكل بساطة، وفي العاصمة صنعاء، وعلى بعد مئات الأمتار من وزارة الداخلية، التي كان لأفرادها شرف الإشراف على هذا المشهد الذي أستغرب سكوت الأحزاب والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان عنه، باستثناء الناشط الحقوقي والمحامي خالد الآنسي الذي أدان العملية واعتبرها انتهاكاً صارخاً للدستور والقانون.
عملية تمزيق القرآن والدوس عليه أمر يستفزنا جميعا ولا نقبل به على الإطلاق، لكن وبما أن هناك دولة لها مؤسساتها ومحاكمها، فإن أمر معاقبة الرجل على فعلته –إن كان قد ثبت فعلها- فهي من مسؤوليات الدولة ومؤسساتها، وليس الأفراد.
إن البرلمان مسؤول عن مساءلة الحكومة ووزير الداخلية عن عدم تدخل أفراد الأمن لوقف عملية التهديم والحرق للمنزل وتدمير ممتلكات صاحبه وتشريد أسرته.
إن أمر محاسبة صاحب المنزل عن تهم تمزيق المصحف أو إدارة شبكة دعارة في منزله، كما تحدثت بعض وسائل الإعلام، هي من مهمة القضاء الفصل فيها. كما أن حماية حياته وحياة أسرته وممتلكاته هي أيضا مسؤولية الدولة.
التقيت شخصاً في مكتبة "أبو صلاح" بشارع الزراعة، صباح الخميس، وقال لي: "إن ما حدث في الحصبة أمس أثار فيّ الخوف والرعب، إذ باستطاعة أي شخص اختلفت معه أن يلفق لي تهمة كهذه ويباشر بمعاول المواطنين هدم منزلي وقطع رأسي".
نعم، من حق صاحبنا ومن حق أي شخص أن يخشى على نفسه بعد أن وصل الأمر والاستخفاف بالدولة الى هذه الدرجة. يوماً تلو آخر ونجد أنفسنا أمام مشاهد طالبانية في اليمن. من خول لهؤلاء الناس القيام بهذه العملية؟ وكيف نصبوا من أنفسهم قضاة ومحاكم شرعية تحاكم وتصدر أحكاما بهذه السرعة؟
إن حادثة الحصبة خطيرة جدا إذا نظرنا إلى أبعادها، فهي تعني انهيار وسقوط مؤسسات الدولة، وفي العاصمة صنعاء، وتسليم أمر الناس إلى مجموعة من الأشخاص يريدون أن يجعلوا من أنفسهم محاكم تفتيش وأدوات لـ"طلبنة" اليمن. أعتقد أن حياة الناس ستتحول إلى فوضى يسود فيها قانون الغاب إذا ما تنصلت الدولة من مسؤوليتها في احترام سيادة القانون، وما حادثة الحصبة إلا نذر لذلك.
باصرة وجامعة الحديدة
تصرف الدكتور صالح باصرة وزير التعليم العالي تجاه حادثة غرق عدد من طلاب جامعة الحديدة، يعكس شعوره بالمسؤولية واحترامه لنفسه. لكن ما يثير الأسى هو إصرار رئيس جامعة الحديدة على أن الأمر قضاء وقدر، وأن الأمر لا يستحق استقالته من منصبه. إن الاستقالة أو الإقالة من المنصب هي ثقافة لم نتعود عليها في حياتنا، ولذا عليك أن تدرك يا دكتور صالح أنك تؤسس لثقافة وسلوك جديدين.
mhalqadhi@hotmail.com
صحيفة الشارع

الخميس، 23 أبريل 2009

استيقاظ هوية "طالبان" في صنعاء: لقد قدمت عرضاً غير مسبوق


متطرفون يحرضون المئات على هدم منزلين في العاصمة، بحجة تمزيق المصحف والدوس عليه، وآخرون يقتلون مدير مدرسة في البيضاء

* نائف حسان
خلال الـ20 عاماً الماضية؛ تجلت اليمن بأكثر من صورة، غير أنها بدت الأربعاء بصورة مخيفة ومرعبة. مئات الأشخاص هاجموا منزلين وهدموهما مستخدمين "شيول"؛ بدعوى أن أحد أبناء الأسرة التي تملك المنزلين مزق المصحف وداس عليه. عندما هاجموا المنزلين؛ كان هؤلاء الأشخاص يكبرون، ثم بدأوا بإخراج أثاث المنزلين إلى الشارع حيث تولوا إحراقه مع سيارتين. وخلال موجة الغيرة على المصحف والدين، لم ينسَ بعض المعتدين تغطية وجوههم بـ"الشيلان". لقد استيقظت الهوية الطالبانية في صنعاء، وقدمت عرضاً غير مسبوق.
بدأت القصة الثلاثاء، عندما قال عدد من سكان حارة جامع سنهوب، الواقعة خلف مركز الأطراف في الحصبة، إن الشاب عبدالملك علي صالح البيضاني مزق، في الثالثة عصراً، المصحف وداسه أمام منزله. ومساء الخميس تجاوزت التهم عبدالملك لتنال من سمعة والدته (مكية صالح النهمي)، وأسرته إجمالاً.
مساء الخميس كانت "مكية" تتنقل بين سجني مباحث العاصمة، والنيابة المناوبة، فيما كان المعتدون على منزلها يتجولون في المواقع الإلكترونية مواصلين التنكيل بها عبر تصريحات وتهم من قبيل القول بأنها تدير شبكة دعارة وبيع الخمور والمخدرات. وقد بلغ الأمر بإمام جامع العنقاء، نبيل العنسي، القول إنه تم العثور، داخل منزل "مكية"، على مقابر يعتقد أنها لفتيات استخدمتهن للدعارة! (يبدو أن الرجل متأثر بقصة "ريا وسكينة").
قبل مغرب الخميس؛ زار صلاح، الأخ الأصغر لعبدالملك، مقر صحيفة "الشارع". روى صلاح (28 عاماً) القصة، وبين حين وآخر كان ينتحب.
مغرب الثلاثاء جاء طقم عسكري يبحث عن عبدالملك، بعد تلقي قسم شرطة الحصبة بلاغاً عن قيامه بـ"تشطيط" المصحف. لم يكن عبدالملك موجوداً حينها في بيت أمه أو في الحي. ويقول صلاح إن المعتدين حاولوا، قُرب فجر الأربعاء، إحراق سيارته (كراسيدا موديل 87) غير أنه صحا وتمكن من إخماد الحريق. بعدها أبلغ البحث وقيادة المنطقة، التي أخذت أقواله وأقوال والدته: "جاء المعمل الجنائي، وقلنا للبحث إن غرماءنا هم الذين يبحثون عن عبدالملك".
صباح الأربعاء استمر البحث الجنائي وقسم الشرطة في البحث عن عبدالملك، تاركين المعتدين، ورموز التحريض، طلقاء: "في الصباح جاء عسكر من قسم الشرطة قالوا: يا صلاح توقف.. العُقال عيخربوا لك البيت.. تعال إتوقف حتى يهدؤوا. رحت القسم أتوقف، وبعد قليل ما شفت إلا أمي وأختي جائين للقسم.. جابهن القسم وقالوا يحموهن من عُقال الحارة".
هكذا تعامل رجال الأمن ابتداءً مع المعتدين باعتبارهم عُقالاً، يجب حبس صلاح وأفراد أسرته وإخراجهم من بيوتهم حتى يهدأ هؤلاء الذين أُطلق عليهم لقب العُقال!
أخذ صلاح (متزوج ولديه 3 أولاد) يلهج كطفل مذعور، وبعد دقائق استعاد أنفاسه: "زوجتي بقت، هي وعيالي وأخي الصغير، في بيتي القريب من بيت أمي.. بعدها جاء المتجمعين (يبدو أن هذه تسمية أنسب من "العُقال") إلى القسم، وأمام القسم كسروا سيارتي (فيتارا موديل 2007).. كسروا اثنين من فريماتها وبابها الخلفي". بدلاً من إيقاف المعتدين، أخذ قسم الشرطة صلاح وأخته وأمه إلى نيابة شمال الأمانة. المتجمعون، الذين أصبحوا "العصابة الإرهابيين" في هذا الجزء من القصة عند صلاح، لحقوا طريدتهم إلى النيابة.
"النيابة قالت: أين عبدالملك؟ قلنا: واصلي ذلحين". وطبقاً لصلاح فقد اتصل عند ذاك عبدالملك. كان حينها عاد إلى البيت، وأخذ يسأل شقيقه صلاح:
"أين أسلم نفسي؟". النيابة كلفت 3 أطقم عسكرية الذهاب لإحضار عبدالملك، الذي انضم إلى بقية أفراد أسرته الـ3 في سجن النيابة. بعد نحو ساعة ونصف تلقت الأسرة المُطاردة من "المتجمعين" اتصالاً هاتفياً إلى السجن. كان صوت أحد الجيران يقول على سماعة الهاتف: "يخربوا بيتكم، وحرقوا الثنتين السيارات".
كان عبدالملك قد دخل السجن، لكن يبدو أن الغيورين على المصحف كانوا يريدون تصفية حساب متراكم مع الأسرة برمتها. لقد غادروا النيابة إلى الحي، حيث بدأوا اعتداءهم الهستيري المخيف.
"طردوا زوجتي وأولادي.. قالوا عايفجروا البيت.. مخلوش زوجتي تخرج حتى بملابس عيالها، ولا الشنطة.. ما خلوهاش حتى تقفل البيت". ينتحب صلاح مجدداً. يمسح دموعه ثم يقول بصوت متقطع: "خربوا البيتين كامل، ثم أخذوا التراب بالشيول إلى فوق السيارتين (كرولا 2005، وكرسيدا 87) التي كانوا قد انتهوا من إحراقهما تماماً". بدأ "المتجمعين" أولا بإخراج أثاث البيت وراكموه فوق السيارتين ثم أحرقوه.
لدى صلاح 3 أطفال (محمد 6 سنوات، غيداء 4 سنوات، وسام عامين) شهدوا بشاعة ما حصل. وكان في بيت صلاح أيضاً أخوه سليم (13 عاماً)، الذي قال صلاح إنه لم يتم العثور عليه حتى صباح الجمعة. حين ذكر صلاح أن أخاه سليم مفقود أخذ يلهج في البكاء مجدداً.
عدد صلاح الأثاث الذي في بيت أمه وفي بيته، بما في ذلك ذهب بـ3 ملايين، كما قال، وبصائر، وأشياء ثمينة أخرى. كان صلاح يتساءل: "إذا أخي يتهموه بتشطيط المصحف.. ليش يحرقوا بيتي ويهدموها، ويحرقوا السيارتين حقي؟ كان المفروض يشتكوا بأخي إذا كانوا صادقين، والدولة تحكم".
عندما كنت أودعه، تذكر صلاح شيئاً فعاد إلى البكاء بصوت أعلى. لقد تذكر أن المعتدين أحرقوا أيضاً إقامته التي يعمل بموجبها في السعودية.
هوجة الغاضبين للمصحف، طالت منزل شخص آخر لا علاقة له بالأمر. يتكون منزل أم صلاح من 3 طابق، الطابق الأرضي مؤجر لشخص مغترب في الخارج. طبعاً منزل الرجل مغلق، وفيه أثاث، غير أن "المتجمعين" اقتحموه، وأحرقوا ما فيه!
سألت صلاح عن المعتدين، فأورد قائمة طويلة: يحيى سنهوب (عاقل الحارة)، عزيز السماوي (في البحث الجنائي)، فضل الروني، فيضي الروني (عاقل الحارة المجاورة)، محمد سعد المطري (عسكري متقاعد)، أحمد العريف (ضابط)، البعادنة، أحمد المعلمي (مأذون شرعي)، أحمد الزنداني (تاجر)، الجعادبة (عسكر)، عبده الروميثا وأولاده (عسكري)، محمد الوادعي وإخوانه، علي الوادعي، نبيل العنسي (خطيب جامع العنقاء).. وناس آخرون قال إنه لا يعرفهم.
نفى صلاح التهم التي وجهها هؤلاء لأسرته، وأرجع سبب هذا العداء الشديد نحوهم إلى مشاكل قديمة.
وقال صلاح إن قسم الشرطة حاول، الخميس، توجيه تهم لأمه: "بعد أن حققوا مع أمي احتجزوها، وبعدها قالوا إنهم عندما خربوا بيتها لقوا حشيش وسلاح!". يواصل: "أمي قالت أنا أنكر.. مع عيالي سلاحهم الشخصي فقط".
مصدر في النيابة المناوبة أكد لـ"الشارع"، مساء الخميس، أن البحث الجنائي كان يصر على حبس "مكية"، غير أن النيابة رفضت ذلك. رفضت النيابة حبس المرأة كونها المُعتدى عليها، وقالت للبحث إنها لن تسجنها، وإنه إن أراد أن يخالف القانون فليفعل. وبسبب موقف النيابة تم الإفراج عن "مكية" في الساعة الثانية من صباح الجمعة.
في الـ8 من صباح أمس، تواصلت "الشارع" مع المرأة، التي قالت إن السلطات مازالت تتحفظ على شقيقها عبدالعزيز، الذي من المتوقع الإفراج عنه بعد ظهر الجمعة.
وأفادت المرأة بأن عدداً من رموز المعتدين، عرضوا عليها في وقت متأخر من مساء الخميس، 60 مليون ريال كتعويض ومقابل بيتيها وبيت ابنها صلاح، شريطة أن تغادر الحي، غير أنها رفضت ذلك.
بعد مغرب الخميس، كان مصدر رفيع في وزارة الداخلية قال لـ"الشارع" إن هناك 8 معتقلين من المعتدين على ذمة القضية، غير أن "مكية" أكدت، في الاتصال الهاتفي معها، أن المعتقلين أصبحوا 4 هم الذين حرضوا العامة، وكانوا على رأس المعتدين: فيضي الروني، يحيى سنهوب، صاحب الشيول، وشخص آخر.
وصباح الجمعة قال صلاح إنه وأمه وأخته لدى أشخاص من أسرتهم، فيما زوجته وأولاده في الحتارش.
لا خلاف أن هذا اعتداء بشع، وغير مقبول أياً كانت مبرراته؛ إذ يفترض أن يحتكم الناس للقانون. وطبعاً يعرف الجميع أن المشكلة الأساسية للمتطرفين والإرهابيين هي أنهم خارجون على القانون ويقدمون أنفسهم كغيورين وكحراس مدافعين عن الدين.
حراس آخرون غيورون على الدين قاموا، مساء الأربعاء الماضي، بقتل مدير مدرسة في مديرية "صباح" محافظة البيضاء. كان القتلة 4 سلفيين متشددين غادروا مديريتهم الرضمة، التابعة لمحافظة إب، تجاه مديرية "صباح". استقبلهم أحمد محمد الذرواني، وهو مدير لمدرسة ظفار ويعالج بالقرآن، في بيته. قرأ على أحدهم آيات من كتاب الله، وبعد أن أنهوا العشاء على مائدته صوبوا 7 رصاصات قاتلة على جسده.
حاول القتلة الهرب من قرية "عبي"، التي ينتمي إليها الذرواني، غير أن أهالي قرية "مسورة" القريبة تمكنوا من إلقاء القبض سيارتهم وسائقها (يدعى عبده توفيق الذيباني)، فيما الـ3 الآخرون تمكنوا من الفرار.
يتزعم القتلة شخص يدعى عبدالرزاق ثابت علي علوان، وهو تاجر مبيدات وإمام جامع أبو بكر الصديق في الرضمة. القاتل الآخر هو غمدان عبده العرامي (بائع قات متشدد دينياً)، فيما الثالث يدعى مطهر عبده الحنش.
الخميس، عقد مشائخ ووجهاء مديريات صباح والجبيشية وقيفة وعمار والرضمة اجتماعاً في حدود محافظتي البيضاء وإب لمناقشة القضية. وقال لـ"الشارع" المحامي محمد ناجي علاو، الذي حضر الاجتماع، إن الشيخ آزال عرام قام بتسليم القاتل غمدان إلى أمن محافظة إب. واعتبر علاو أن تلك مسألة يُشكر عليها الشيخ عرام.
وأوضح علاو أن المجتمعين أجمعوا على إدانة الفعل أياً كان سببه ودافعه، والتزموا بعدم إيواء أو حماية القتلة.
ودُفن الذرواني الجمعة، ولديه 7 أبناء ذكور، و5 بنات، وهو رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام في قرية "عبي".

* صحيفة الشارع عدد السبت 18 ابريل 2009

الأربعاء، 22 أبريل 2009

القرآن ليس ورقا.. من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟

عبدالله عبدالكريم فارس، نيوزيمن:
يوم الأربعاء الماضي، وبلبوس ديني أيضاً عادت فجأة إلى الحياة: "ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟"... ولن أطيل، فبقية القصص القرآني معروف.
- لكن أولئك الجهلة على الأقل رجعوا عن غيهم، فقالوا لأنفسهم إنكم أنتم الظالمون.
... القرآن لايجسده ورق المطابع، وإنما عظمة تعاليمه.... والحبر ليس خلاصة مبادئه وأهدافه... وورق المصحف ليس أصل الدين ولا قُدس الأقداس، والقصاصات الورقية ليست من صنف الآلهة... وقد عُرف الله بالعقل وعن طريق كلامه المحفوظ... هناك... عنده هو...، ولم يُعرف بواسطة وريقات قراطيس يمكن ان تمزق وتسحل وتداس وتنكب بالأطنان في نفايات المزابل وأكداس القمامة، وأسألوا الورق إن كانوا ينطقون؟!
ما أسوأ أن يعتدي إنسان نصّب نفسه مفوضاً إلهياً أو موكّلاً أو مندوباً سماوياً - بشبه إسناد رسمي من قوات الشرطة - على أخ له في الإنسانية، ينتهك عرضه وحرماته ويهدم ممتلكاته ويسلب حريته ويقطع رزقه... شئ مؤسف ومحزن ومؤلم حقاً أن نرى عقليات متكلسة وصدئة تعتقد أنها من تهب الهداية والمغفرة لمن تشاء وتحرم منها من تشاء.
لا أعرف من هو ذلك صاحب المنزل المدعو عبدالملك البيضاني، - ولا أجيز ما قيل انه صنع -، لكن بدلاً من السعي لتحرير الإنسان من ربقة العبودية لغيرالله، من أعطاه حق الإختيار حتى في أن يكفر أو يؤمن، يذهب بعض الغوغآء من الغلاة المتنطعين بإسم الإسلام إلى فعل أشيآء تافهة تعبر عن فراغ روحي وإنساني، وعن مقدار هائل من الغباء والجبن والحمق، وإلى تحوير دين عنوانه الرحمة والتراحم ورب غفور ورحمن رحيم، إلى غلظة وقسوة وتجبّر وإستعلاء وجرم بحجة الغضبة لله ورسوله.
أحسست كأن الزمن أنحسر بي إلى الورآء بفعل هزّة الحدث المروع الذي أعادنا طرداً إلى جاهلية الأعراب الأشد كفراً ونفاق، وقد يعود الفضل في ذلك إلى أرمادة من لحي مشايخ الدين وأوصياء الفضيلة ومن وراءهم ممن فاقوا جحافل هيئة الأمر وقطعان المستوطنين الصهاينة بمراحل. - ولولا أن الزمن يسير بإتجاه واحد لأيقنت أن المغول والتتار والهاغانا قد عادوا من القبور وأن العهود المملوكية والعثمانية والإمامية هي المستقبل ونحن في الماضي.
- ومن يصر على صحة ماحدث لمنزل تلك العائلة بجوار مسجد العنقاء في العاصمة ناقص في دينه وخُلقه، بل ومطعون في عِفته!
لن نجد أوفى مما سطرته أنامل الكاتب الرائع رداد السلامي: "إن هدم بيت سفك آخر للكرامة تحت ستار الدفاع عن دين الله الذي جاء لصونها أساساً"، ليضيف الكاتب الفذ "قالوا أنه سب الله - وفي رواية اُخرى أنه داس على المصحف -، ولو ان الله تجلى لهم كما تجلى لنبيه موسى لكان أرحم به منهم وأحرص على بقاء بيته كما هو، ولتجلى لبيته بالرحمة والمغفرة."
وما ابلغ ما كتبه يراع الكاتب الجميل إسكندر شاهر عن حجم تأثير الفتوى التي أنكرها مكتب الشيخ الزنداني بعنوان "عنقاء الحَصَبة أم شنقاء الغَضَبة"، حيث أسترسل قائلاً "ليست هذه المرة الأولى التي يحضر فيها اسم الشيخ الزنداني في عمليات وحوادث من هذا النوع، فلا تزال الذاكرة تحتفظ بقصة خطف واغتيال الشهيدة لينا مصطفى عبد الخالق وارتباط اسمه بتلك القصة التي ذهبت إلى مجاهيل لا يُسمح بفك طلاسمها."
حتى لايخلط الحق بالباطل، مازال باب التوبة مفتوحاً أمام فضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، - فلا قنوط من رحمة الله -، وكذلك عقولنا وقلوبنا وآذاننا وإفئدتنا ما تزال على مصراعيها مفتوحة للترميم والتوضيح والتفنيد والإستنكار والموعظة من ضمير فضيلته، بل وننتظر فتواه الزاجره بالعقاب الدنيوي شرعاً لأولئك الظالمين من منتهكي الحرمات.
- ما لم فلن يبقى من هذا الوطن إلاّ خرائب تعوي في أطلاله رياح الموت والحزن وترفرف في سمائه أعلام سوداء ولحي إفغانية مُرسلة وعند كل بوابة خمار وسيف حاجب بتّار.

abdulla@faris.comموقع
نيوز يمن

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

وداعاً أيتها الدولة .. التي نفتقدها! .. مروان الغفوري


إننا بصدد نكتة مخيفة. لقد كان إنجلز، رفيق كارل ماركس، ينظر إلى الدولة بحسبانها حالة وظيفية خاصة تنشأ عند سيادة المتناقضات المستعصية. وبعد أن تتمكن الدولة من حل هذه المتناقضات، يقترح إنجلز، فإن عليها أن تتحلل تلقائيّاً لأن الجمهور سيحل قضاياه بنفسه. مثلما نفعل حين نتمكن من الدفاع عن امرأة تتعرض للتحرش، والإمساك بلص، دون الحاجة للدولة. لا داعي لوجود الدولة، الطبقة الجديدة، ما دامت الجماهير قادرة على حل مشاكلها بذاتها. نحواً من هذا فعل معمر القذافي، طيب الذكر، منذ أربعة أشهر، بقراره تفكيك كل الوزارات باستثناء الخارجية والداخلية. لأن هذه الأنظمة، الوزارات، طبقاً للقذافي، أنتجت شبكة مستعصية من التعقيدات البيروقراطية وأصبحت وظيفتها تتمثّل في عرقلة حركة المجتمع وإجهاض حاجاته.
مقلوب القذافي وإنجلز هو الدولة اليمنيّة. فالدولة وجدت حين لم تكن هناك مشاكل مستعصية بشكل حقيقي. مكثت الدولة رابضة، مثل متّهم غير بريء، في انتظار أن ينتج المجتمع اليمني المشكلة المستعصية. وعند تلك اللحظة، عند احتدام المشكلة اليمنية بتعقيداتها الحديثة، تحللّت الدولة وتركت زمام المبادرة للجماهير، خلافاً لمقترح إنجلز الطفولي الحالم.
فمثلاً، دفعت أجهزة الدولة بمسلحين غير عسكريين لمواجهة مسلحين مدنيين في صعدة بذرائع لا حصر لها. وعندما اقترب الموتُ من قمم الجبال تدخّلت الدولة وأوقفت النار. قريباً من ذلك، تعايشت الدولة مع سلوكيات همجية يمارسها المواطن القبلي، الريفي، مثل الثأر والاختطاف وصولاً إلى المصالحة العرفية خارج القانون عملاً بقاعدة "صلح أعوج ولا شريعة سانية".. وغالباً ما تؤدي تلك السلوكيات العوجاء في استخلاص الحق، أو الباطل، إلى سلالات جديدة من النتوءات الاجتماعية، على هيئة متتالية من الخطيئة والخطأ لا تنتهي، كلها تسعى إلى تغييب واستلاب دور الدولة. الدولة التي يقضي كل قياداتها، بلا استثناء، أكثر من 10 ساعات يوميّة في سحب القات والسجائر!
الدولة اليمنيّة تغيب في كل لحظة. فإذا كانت الدولة تعرف بحسبانها مجموعات وظيفية مهمّتها تنظيم حركة المجتمع وفقاً للقوانين المتفق عليها، فإن الدولة في اليمن تقع خارج التعريف وليس خارج القانون. رئيس جامعة الحُدَيدة يتسبب في مقتل 8 طلاب، ثم يقوم بحشد شخصيات اجتماعية وماليّة لتعزيز موقفه والدفاع عن جريمته. لأنه يعرف أن الدور في اليمن ليس للدولة، للقوانين، بل " للرهط". وبمساعدة أسباب ديماغوغيه صرفة، وفي عملية تشبه غسيل السمعة، يبدو أن الحضرمي باصرّه سيغيّر قواعد اللعب الشمالي هذه المرّة، بمساندة جنوبي آخر، مجوّر، ونشهد لحظة خضراء في التاريخ اليمني الحديث. وفي لحظة خروج رئيس جامعة الحديدة من جحره الرهيب، فيما لو حدث بالفعل، سيمكننا القول: لقد استوردنا سلوكاً جنوبيّاً رائعاً يعود إلى ممارسات ما قبل الوحدة، بالنسبة للجنوب. وسيصدق العطّاس بحديثه حول سيادة القانون في دولة ما قبل الاندماج. وسيؤيد صدقه أن رجلين من جنوب اليمن، باصرة ومجوّر، كانا هما الفاعلين. بينما يحاول عمالقة الشمال، حتى هذه اللحظة، الوقوف ضد حركة التاريخ، الذي لا يبدو أنه سيتحرك كثيراً في المستقبل.. إنهم، رجال أعمال ومشائخ وعسكريون ومستشارون للسيد الرئيس، يفعلون ما لا يمكن تصوّره لإعادة قاسم بريه إلى مملكته المفتوحة.
وعلى بعد محافظة واحدة من الحديدة يعتقل الأمن عضواً برلمانيّا ينتمي إلى الحزب الحاكم، بتهمة قتل شخصية قيادية في الحزب الحاكم، دون اعتبار لحصانة البرلماني التي منحها إياه الدستور. بينما يرتاد قتلة الطبيب القدسي أسواق القات، ويتصرمحون بين صنعاء ورداع دون لحظة وجل، رغم وقوف القوانين والدساتير إلى جانب حتمية اعتقالهم ومحاكمتهم! ويدرك القدسي، الطبيب القتيل، بعد موته أن خطيئته الكبرى في حياته يجسّدها فشله في صناعة الرهط المطلوب.
لا وجود للدولة، بالمطلق الكبير. لقد أدرك كبار القوم أن على أحدهم حين يهم بقتل " بشر" أن يتأكد من أنه سيكون بمقدوره شراء ثور دسِم قبل أن يفوت الأوان.
ولأن أجهزة الدولة تعيش في العطالة الأبدية فقد حدث مؤخراً، وهذا على سبيل المثال الساذج، أن رجلاً شرساً أمر باستحداث نقاط عسكرية في الحبيلين، الضالع، ضداً لمنطق التوازن والحكمة. وبعد أيام قليلة أفاق هذا الشرس من نومه وأمر بتفكيك هذه النقاط العسكرية لأن الوضع لا يسمح، وأن الحكمة تقتضي تجنّب الاستفزاز. كان الثمن باهضاً : عشرات الجرحى والقتلى كان لا بد من دفعهم مرّة واحدة كي تتأكد السلطات من صحة الشكوى المستمرة لوزير التعليم العالي حول عدم صلاحية رئيس جامعة الحديدة للعمل في الجامعة عند أي درجة وظيفية! وعشرات القتلى والمعوّقين كان لا بد من تسديدهم كي يكتشف الرجل الشرس، صاحب أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، أن السلوكيات الهوجاء لن تفعل أكثر من أنها ستحرض الرياح على اقتلاع كل شيء. في هذه الحالات يتأكد المتخلّفون عقليّاً من أن الدولة لا توجد إلا خارج التعريف، وأن أكثر ما يفتقده هذا البلد هو مسوّدة واضحة وصارمة لخطوط السير نحو المستقبل، أو حتى في الحاضر.
وفي صنعاء، دائماً في صنعاء، على بعد أقل من 3 كيلو متر من البرلمان ومجلس الوزراء، و 3كيلو متر ونصف من قصر الرئاسة.. يبادر مسلّحون مؤمنون بالله بعض إيمانه إلى الدم الدم والهدم الهدم. كانت الضحية امرأة، والتهمة جاهزة: الدعارة. أما ابنُها فتهمته لا بد وأن تكون متناسبة مع تهمة الأم: تمزيق المصحف الشريف. وعن الدولة فقد تنحّت جانباً تاركة للجماهير شرف المهنة، قداسة الجهاد في سبيل إحقاق الحق. الرجال الكبار في الدولة منشغلون بالرد على ما نشرته الصحف الأميركية حول تورّط شركة أميركية في أعمال مخلة بالقانون، رشوة قيادات عليا يمنية عسكرية ومدنية، بهدف الحصول على امتيازات استثمارية في اليمن. بينما يواصل المؤمنون بالله مهمّتهم الشريفة في الهدم والحريق. لقد كانوا يحرسون الفضيلة والأخلاق، دون أي تخويل قانوني بذلك. الدخان يصعد من هنا، والفضائح تتصاعد من هناك، والضحية في الطرفين : وطن، وامرأة. ولطالما كان الوطنُ امرأة، وكانت المنافي ذكوراً.
أدرك المواطنون أن الدولة ليست من مهمّتها حراسة القانون، فقاموا بانتهاكه بغية إصلاحه. وبدلاً عن أن يستمدوا شرعية فعلهم من القرآن فإنهم استجلبوها من أبي نواس" وداوني بالتي كانت هي الداءُ". وبدلاً من أن يتجهوا بـ " الشيول" والكبريت إلى أمام بيت القانون، البرلمان، بوصفه المتهم شاهد العيان على تعطيل العدالة في كل مناحي حياتنا، فإنهم استبدلوا المتهم الكبير بمتهم صغير، وقام الغوغاء بإحراق بيت امرأة من أهل اليمن. التهمة : البغاء، والعقوبة: البغي. هذا نكوص يمني آخر، شائع وأبدي: تصحيح البغاء بالبغي، والعكس صحيح؟ مع أن الوقائع تقول: غالباً ما يوجد أحدهما كواقع ويحضر الآخر كذريعة، وقلما اجتمعا في اليمن. بمعنى أن البغي، في حال حضوره، يدّعي وجود البغاء ليبرر همجية ذاته، والعكس صحيح.
وفي أسوأ الظروف، ستصدق على هذا السلوك مقولة : المنكر الأكبر يغيّر المنكر الأصغر. أما في أحسن الظروف، وفي المحصلة، فقد أصبحت لدينا حادثة رمزية تكشف حجم التيه الذي يعيشه مجتمعنا اليمني: دولة معطّلة، ومجتمع يبحث عن أدوار عنيفة تمنحه قدراً من الرضا النفسي، باعتباره سيصبح فاعلاً للمرة الأولى في حياته. تسمى هذه السلوكيات في علم النفس "إزاحة العدوان". ذلك أن جماعة ما عندما تتعرض لقهر واضطهاد لفترة طويلة، وتدرك يقيناً أن تصديها للقاهر الحقيقي أصبح في حكم اللاممكن، فإنها تحاول أن تزيح عدوانها باتجاه أطراف ضعيفة، متذرّعة بتبريرات دينية وأخلاقية وقانونية لا حصر لها.
لهذه الحادثة علاقة تكوينية مع حادثة أخرى، قرأنا عنها منذ أيّام. فقد أعلن ( ما يسمى) تنظيم القاعدة عن انضمام عشرات الاستشهاديين الجُدُد، وقيل مئات، إلى التنظيم في اليمن. إذا صح هذا الإعلان، وهو يبدو كذلك، فإننا بصدد الدخول في دوامة إزاحة العدوان، حرب الكل ضد الكل، البحث عن أدوار لممارسة الفضيلة وحراسة الحق، بعد التحلل من أدنى مقادير الوعي والإدراك السوي. ذلك أن المجتمع يعيش مقهوراً وفقيراً وجائعاً ومغيّباً عن الوعي والمعرفة، تغيب الدولة عن مشاكله وهمومه ولا تحضر إلا في لحظة القهر. على أن لحظات القهر القليلة، التي نشهد فيها حضور الدولة، تصبّ في صالح خدمة أشخاص وتشكيلات اجتماعيّة لا علاقة لها بهموم المستقبل اليمني ولا بأزماته.. وداعاً أيتها الدولة، التي لم تأتِ قط.
thoyazan@yahoo.com

نيوز يمن+ صحيفة المصدر

عن بعض هموم مبعثرة ليست من الديمقراطية ...
بعيدة عن حسابات النخب!!!


سامي نعمان
أنهم مثل كهرباء الراهدة انطفأت ذات مساء، وبات الناس على أمل أن تعود في غضون المعتاد لكن انتظارهم امتد لأزيد من عشر سنوات.. نخب المجتمع لا أمل في أن يعودوا لحياة الناس
تخيلوا مثلي انكم افقتم ذات صباح على بيان لأحزاب اللقاء المشترك منشور على موقع الكتروني بأن مجلسها الاعلى سيدشن اعتصاماً مفتوحاً أمام رئاسة الوزراء حتى يتم اصلاح منظومة التعليم في البلاد وتطوير الخدمات الصحية، وتوازياً مع ذلك كان رئيس المجلس التنفيذي لأحزاب المشترك يعتصم بمعية رفقته جوار المؤسسة الاقتصادية اليمنية وهم يضغطون على اسنانهم ومعها ازرار الآلات الحاسبة استعداداً لتلبية مطالب المعارضة والشروع فوراً بتوزيع الثروة وشراكة السلطة، بعد ان سئمت تلك الاحزاب الاستجابة لهذيانها المستمر بالقائمة النسبية التي “كانت” تعتبرها بوابة الخروج من كل ازمات البلاد، بما فيها فقر الدم لدى المواطنين وارتفاع وفيات الامهات أثناء الولادة، لتقرر العودة إلى اهتمامات المواطنين نزولاً عند رغبة الحزب الحاكم الذي طالما اتهمها بالابتعاد عن الشارع.
هذا الامر ليس مستحيلاً وربما يكون أجدى من الاستماتة بالمطالبة بالقائمة النسبية.. لكن لكم ان تتخيلوا ردة فعل المؤتمر حينها وقد عملت المعارضة بنصائحه السابقة.. انا تخيلته هكذا: احزاب يئست العمل السياسي وتحولت إلى نهج الفوضى واثارة الشارع والضحك على مشاعر العامة بتبني قضاياهم... افلاسهم السياسي يقودهم الى افلاس اجتماعي.. تناسوا ان تغيير الاوضاع يتم عن طريق صناديق الاقتراع وأن الاصلاحات لا تهطل مطراً من السماء..
عموماً كان هذا الهذيان جزءاً من مسرح افكار سادت مساء الجمعة الماضية بفعل سلسلة منغصات لم تكن في الحسبان تتوالى الافكار معها تباعاً، كانت بدايتها رسالة اخبارية صفعتني كما كثيرين غيري بخبر وفاة وجرح العشرات في حوادث السير خلال شهر فقط..
إنها حرب شوارع بامتياز، لكن لا يوجد من يهتم لها ولا من يصدر بياناً صحفياً عنها، الآلاف يقتلون ويجرحون سنوياً في حوادث سير وفي ممرات موت معروفة على الدوام، لكننا نفتقر لصاحب قرار ينقذ الأطفال بعد وفاة عائليهم، نفتقر اكثر لأصوات ترتفع لتقول بمسؤولية جهات أخرى غير المتسببين مباشرة في وفاة المئات، نفتقر لمن يتحدث عن حل آخر غير “كل واحد يصلح سيارته” او نظام “الثلثين بثلث”، وفوق ذلك لا توجد جمعية او منظمة لحماية حق المواطنين في النجاة من حوادث السير.
في صنعاء تمتد السائلة من الحصبة شمالاً إلى قرب دار الرئاسة جنوباً، وكما بات معروفاً في صنعاء أن حوادث السائلة لا ترحم... هناك جسور حجرية–تكلف الملايين - لانتقال المشاة من احدى الضفتين إلى الاخرى لكنها تتباعد احياناً إلى بضعة كيلومترات، يضطر الراجلون بينها –خصوصاً طلاب المدارس- إلى المجازفة بقطع السائلة، وتؤول خطى بعضهم إلى الاضطراب الذي يجعلهم احيانا يتسمرون في أماكنهم كضحايا مفترضين لسيارات بأرواح متهورة... ذات السيناريو يتكرر في شارع الستين والعديد من الشوارع المفتوحة في العاصمة وغيرها من المحافظات.. المشكلة ببساطة تتطلب مثل كل بلاد الله جسوراً حديدية بسيطة (مثل جسر المركزي بتعز الذي كان ايام زمااااان) تربط ضفاف الشوارع في الاماكن الحساسة، لتحمي ارواح العجزة والاطفال من وصول موت محقق، لكن يبدو أن المنظر الجمالي للسائلة الذي يقتضي جسوراً متناسقة مع لون احجارها، وخصوصية خط الستين السريع، اهم من عقد الحساب لعشرات الارواح التي تموت هناك سنوياً... (بصراحة انزعج كثيراً وأنا أتذكر أن جسر المشاة بمركزي تعز الذي تطير ذاكرتنا الطفولية إليه كلما تذكرنا طفولتنا هناك قد ازيح من مكانه لسبب انا وكثيرون مثلي لا يعلمونه)..
ذات الامر يتكرر في نقيل الابل، جنوب شرق الحوبان، الذي يعد مسرحاً للموت المجاني دائماً بعشرات الحوادث سنوياً، البعض يقول انه “مغناطيس” وآخرون يحيلونه إلى سائقي القاطرات، لكن النتيجة اياً كانت المبررات هي تكرار الحوادث في هذا الممر بشكل قاتل..
عند هذه النقطة انطفأت الكهرباء مساء الجمعة في العاصمة، ليضاف تساؤل جديد، لماذا لا يكون للاحزاب ومنظمات المجتمع المدني موقف من اختلالات تطال خدمات اساسية كهذه..
انطفأت كعادتها يومياً وفي أوقات غير منتظمة، نهضت بحنق وأنا استحضر بحنق المثل القائل«اشعال شمعة خير من لعن الظلام”.. هو مثل مستفز للغاية في مثل هذه الظروف خاصة عندما تكون على يقين ان الاتصال بشكاوى الكهرباء لن يضيف جديداً..
كنت أحس احياناً تفكيراً كهذا مؤرق للغاية حقاً، خصوصاً عندما تفكر أن هناك أطفالاً بمدارس بلا تعليم ومباني صحية بلا تطبيب، ومحطات كهربائية بلا طاقة، وآبار بلا مياه، ووديان بلا زراعة سوى نهابة حياة الناس من المياه (كما يحدث في قاع دم – ماوية مثلاً)، وشوارع مكتظة بالسيارات الخردة وأحدث الموديلات ومن يركب وسائل المواصلات العامة طالباً كان او عاملاً تصير دراسته او مستقبل عمله في المشمش لمجرد عطل متكرر في سيارة منتهية الصلاحية، أو حادث دراجة نارية مغامرة رمت بنفسها في مواجهة سيارة منفلتة.. كيف للانسان أن يأمن على حياته وقوته ومصدر رزقه وهو يعيش روتيناً يومياً كئيباً كهذا..
اصبح مشهداً مألوفاً ومثيراً للشفقة في آن واحد أن ترى الاكوام البشرية المختلطة من الطلاب والطالبات صباح وظهر كل يوم تقضي ساعات من وقتها على قارعة الطريق بانتظار باص يقلهم من وإلى الجامعة، هؤلاء الذين يفترض بغالبيتهم ان يكونوا من النخب لو سألت احدهم عن مشكلته لقال لك عدم توفر باصات الجامعة وليس تأجيل الانتخابات أو حرب صعدة او احتجاجات الجنوب، وذات مرة التقيت صديقاً في شارع الزبيري يطالبني أن اكتب عن باصات حدة - التحرير التي ترفض ايصال الركاب إلى التحرير وتعود من جولة الزبيري.. وزاد: انتم فرغ جالسين تهدروا على الفاضي وعمركم ما بتعملوا حاجة للناس..
مشكلة الطلاب هذه مضى عليها سنوات، وكتبت عنها بعض الصحف، وكل عام تزداد اكثر مع زيادة عدد الطلاب، وعدم تناسب عددهم مع حاجتهم من وسائل النقل خصوصاً أن انضمام باظ إلى فرزة مثل الجامعة - جولة تعز اصبح باهض الكلفة ويقتضي وساطة أو مستثمراً من العيار الثقيل بحسب سائقي الباصات انفسهم...
لكن ماذا لو تبنى اتحاد طلاب اليمن قضية كهذه.. أم أنها ليست ضمن اختصاصاته؟..
ماذا لو تفاوض الاتحاد مع ادارة المرور او مكاتب النقل لحل مشكلة عشرات الآلاف من الطلاب الذين يقفون يومياً أمام بوابة الجامعة لساعات وبشكل مرهق لهم جميعاً.. اضعف الايمان أن “يتحرش” الاتحاد في بياناته الجهات المعنية بقضية مواصلات الطلاب كما “يتحرش” – ديمقراطياً طبعاً- وبصفة دائمة بالحراسة الامنية للجامعة لتحويلها لحراسة مدنية..
ألا يستحق الامر التفكير واعادة النظر على الاقل عند انطفاء الكهرباء؟؟!..
الاكثر استفزازاً في الفترة الاخيرة خصوصاً في العاصمة وتعز وحتى في المدن الفرعية والارياف كثرة الدراجات النارية المنفلتة، ليس بسرقة الحقائب من الايادي كما قيل كمبرر لاعدامها سلفاً، لكن بحوادثها البشعة التي تزهق ارواح العشرات او تخلفهم جرحى يلزمون فراش المرض ربما الى الابد.. مع ذلك نجد صمتاً مريباً من السلطات وهي تقرر ان كثيراً من الحوادث تسببت بها الدراجات النارية.. والمضحك جداً المبرر القائل أنه طالما لا يوجد قانون ذكر بين سطوره كلمة دراجات نارية فإن على الدراجات ان تسرح وتمرح وتقفز فوق الارصفة وتلغي الشوارع وتنتهك حرمة التقاطعات، دون رقيب ولا حسيب، وفي النهاية “هو موتور صيني” لا قانون يحكمه، ولا هو “عرطة” “تتصلبط” عليه، وكما يقول المثل “البلدي” القائل (فِعْلُه عظيم... وقتله رُحِيم) ..
قبل اكثر من ثلاثة أعوام كان الحل بنظر السلطات هو مصادرة الدراجات النارية في العاصمة، وهو ما وقف ضده كثيرون كون الاجراء كان قاسياً، وعدا ذلك غابت الحلول الوسط في بلد الحكمة.. سأجرب الحكمة بكل سهولة واقترح: بالامكان -كما سبقت التجربة- ترقيم الدراجات النارية وجعلها بأوراق ملكية وتعيين شوارع غير رئيسية لعملها، والزامها بقوانين المرور، واحترام حرمة الشوارع وأوقات راحة الناس، وإلا فدراجات المرور “الفخمة” كفيلة بملاحقتها حتى لو دخلت “جحر ضب”، وليست بأقل حيلة من سيارات المرور والنجدة التي تلاحق السيارات المخالفة..
إن تنظيم المدن وتحديثها لا بد أن يكون له من تبعات سلبية، قد تكون مؤلمة، لكنها حتمية ولا بد من اتخاذها يوماً ما، وسيكون لها ذات التبعات إن نفذت مستقبلاً، وما يحدث في تعز نموذجاً لذلك وهو إجراء حتمي لا بد أن يأتي من يفكر باتخاذه سواء كان الملياردير شوقي هائل، أو اي شخص آخر يحترم الموقع الذي يشغله، ومهما بلغت البلد من درجات رقيها الاقتصادي والاجتماعي فإن اي خطوة تتخذها لا بد ان يكون لها تبعات سلبية، لكن ينبغي التقليل من آثارها قدر الامكان..
عوداً إليها، اقصد كهرباء العاصمة التي كنت انتظر الموعد المتوقع لتشغيلها بعد ساعتين، كما اعتدنا في غضون الشهر الاخير، لكني صفعت مرة أخرى برسالة اخبارية تقول ان انقطاع الكهرباء ناجم عن الامطار الغزيزة التي هطلت على العاصمة مساء الجمعة.. بالنسبة لشخص مثلي لم يعد يجد عملاً إلا بمفاتيح الكمبيوتر فإن تلك الرسالة كانت تعني انقطاع الامل والاستلقاء مبكراً واجبارياً على الفراش دون نوم، سوى تداول افكار مستفزة كهذه.
بعدها كانت رسالة اخرى تنقل عن مصدر محلي في العاصمة انه سيتم اصلاح الكهرباء في اسرع وقت.. وكان علي انتظار اسرع وقت هذا متى يتحقق.. وبالمناسبة لكم أن تتخيلوا أن الناس في الراهدة مثلاً انطفأت الكهرباء عليهم ذات مساء مطلع التسعينات كعادتها، وباتوا منتظرينها “تولع”، لكن انتظارهم طال إلى عشر سنوات تقريباً..
غالبية ابناء الشعب اليمني يفكرون بالكهرباء وهموم الحياة اليومية ولا يفكرون بالاصلاح السياسي ولا بالنظام الانتخابي ولا الانتخابات وعندما يسمعون عن القائمة النسبية يحسبونها احدى المواد الغذائية المحتكرة على أبناء الذوات ولا يفكرون مطلقاً بشرائها.. الناس غارقون في هموم لقمة العيش وصون اطفالهم من الضياع وحماية ارواحهم من المرض، وتأمين سلامتهم من حوادث السير القاتلة.. نجيب عبدالله علي.. شاب حديث العهد بالزواج من قرية المصاعد بمديرية ماوية يضحك بمرارة من غلاء المعيشة “الناس كانوا زمان يروحوا يشتغلوا ويغتربوا سنة كامل على شان يعمروا بيت او يشتروا سيارة... الان تجلس تشقي وتآلب (تجمع) لمدة نصف شهر على شان تشتري كيس دقيق وكسيرة سكر”، ونجيب هذا يعمل مثل غيره باليومية في مزارع القات التي يلهف خيراتها شلة الكبار، وينفض غبارها العاملون الغلابي بما يسد الرمق.
“ولعت الكهرباء” أخيراً.. لم يكن هناك اسوأ من انتظارها إلى أجل غير مسمى، امتد في حالتي هذه الى ازيد من اربع ساعات وأنا لا أجد ما اعمله سوى انتظار عودتها او محاولة النوم عندما تصطدم عقارب الساعة بمؤشر منتصف الليل...
كان ذلك الانتظار صعباً بكل ما رافقه من افكار ايجابية أو تدرك أحياناً أنها ساذجة بعد أن تتذكر أنك فكرت ان حنفيات المطبخ تعمل والموبايل يستقبل رسائل، والتلفون الثابت يرن والناس على قيد الحياة والكهرباء “طافي”...
لكن يبدو الاصعب منه انتظار صحوة الحكومة والاحزاب ومؤسسات الدولة لتلتفت يوماً إلى ان هناك شعباً يريد في الوقت الحالي وعلى المدى القصير والمتوسط أن يعيش فقط..
هم كالكهرباء “مفصولون” عنه.. بالاصح هم مثل كهرباء الراهدة لا امل ان “يولعوا” قريباً..

* نشر هذا المقال في ملحق الديمقراطية التابع لجريدة الجمهورية الرسمية الصادرة من تعز

الخميس، 9 أبريل 2009

انتزاع الـ"هيبة" الضائعة من وزير أعزل..
مجلس النواب... عجـــــوز عقيــــــــم!!


سامي نعمان*
المتابع لمسيرة مجلس النواب اليمني لا يعقد عليه أملاً في حلٍ ولا عقد، أغلبية بأيادٍ "خشبية" ترتفع بهواتف علوية ضداً على قناعاتها، ومعارضة تتولى مهمة "اسقاط الواجب" في المجلس، وعناصر من كتلة الاغلبية تكتفي باستعراض مهارة أن تكون "ظاهرة صوتية"، أو "أن تعارض الحكومة وأنت في الحزب الحاكم"، وتقتضي الظاهرة أن تعارض، ثم تصوت لصالح ما تعارضه (الشيخ نبيل صادق الباشا نموذجاً)..
وعدا ذلك أقلية تحاول القيام بمهامها في بيئة مشوشة لا تملك حق الخيار، ولا أن يكون لها رأي مخالف، ومن فعل فهو "تعبان ابن تعبان".
يجهد مجلس النواب هذه الايام في معركة يحسبها مصيرية، أو مسألة كرامة، يخوضها في آخر أيامه الدستورية، ولم يتمرس على خوض شبيهات لها بجدية حتى في قضايا هزيلة عرضت عليه... يتخبط النواب في تكتيكات المواجهة، كانوا علقوا إحدى الجلسات لعشر دقائق مهددين بتعليق عمل المجلس إذا لم تلبى مطالبهم، ثم عادوا بعد أسبوع من تهديدهم ذاك ليعلنوا تمديد جلساتهم أسبوعاً كاملاً لمبارزة وزير العدل، ومقترح "عظيم" يتضمن كلمة "تمديد" يصوت عليه الجماعة بعيون مغمضة، ولا يحتاج معارضة بالمطلق!
كشر النواب عن أنيابهم في محاولة لاستعادة بقايا هيبة فرطوا بها طيلة سنوات ولايتهم، وعلى اعتاب الفترة "اللحقة" التي انتزعوها على حساب الدستور، يسعى النواب أن يخوضوها وقد أكملوا سنواتهم الشرعية باستجواب "يتيم" لوزير يؤدي حالياً مهمة "ساعي البريد" بين النواب والقضاء، ويبدو أنه يدفع ثمن إشهار مجلس القضاء الاعلى لمادة دستورية تذكر باستقلال القضاء وأن على المتضرر اللجوء إلى القضاء الذي لم يحدث يوماً أن أثيرت غياب استقلاليته بشكل جاد في المجلس.
لكن النواب أفاقوا أخيراً، لكتشفوا أن القضاء "فاسد" بإجماع الغالبية التي تحضر جلسات هذه الايام لاستعراض عضلات البرلمان الهزيل ضد وزير أعزل إلا من ربطة عنق وحزمة نصوص قانونية، يصرون على اقالته، ليس لاختلالات تعانيها وزارته اكتشفها المجلس وهو يمارس دوره الرقابي، لكن لأن الوزير يحضر بالنيابة عن جهات تتبع وزارته اسماً، وقام بتحويل رسائل النائب العام الى المجلس، بالاجراءات التي اتخذها باعتقال النائب أحمد عباس البرطي المحبوس على ذمة قضية مقتل مدير مديرية خدير أحمد منصور الشوافي..
يتباكى النواب اليوم على هيبة مجلسهم الضائعة ويهددون باستقالة جماعية لانتهاك حصانة معظمهم لا يحتاجونها أصلا لأنهم لا يمارسون الدور الرقابة الذي يستلزم حصانة النائب، وهم يدركون أنهم وهيئة رئاستهم كانوا سبباً كافياً لفقدان هيبة المجلس، ولم يستذكروها إلا بعد ان مسهم مباشرة سوء الادارة و"فساد" القضاء، وتحول أجهزة الدولة إلى أدوات بيد النافذين... تذكر النواب اليوم هيبتهم، وهم، بالامس من صوتوا سلطة ومعارضة، بتعليمات الهاتف على رفع الحصانة عن النائب يحيى الحوثي، واعيدت الثقة بعد اتفاق الدوحة، ربما دون الحاجة حتى لكبس أزرار الهاتف.
تذكر النواب اليوم الهيبة المصادرة وتاريخ المجلس مليء بالعثرات وقل أن تجد فيه وقفة مشرفة.. بِيْعَ الغاز "بيعة لصوص"، ولم يعد هناك ما يفي أبناء البلد لطهي الطعام، وليس لتوليد الكهرباء، وعليهم أن يتأكدوا من النائب علي عشال...
تُمرّر سنوياً الاعتمادات الاضافية ولا يكون للمجلس في ذلك موقف سوى شرْعَنَة انتهاك الدستور والقانون ونهب المال العام..
مُرّرت قوانين تتعارض مع نصوص الدستور بصمت وهدوء يتناسب مع تركيبة المجلس.. وتتعامل الحكومة مع النواب باستهتار تام وبرضا هيئة الرئاسة... ذات يوم اقترح عشال قانوناً جريئاً قدمه للمجلس لينتصر به لجوهر عمله كمشرّع، فإذا بالحكومة تقدم لهم نقيضه ويسلك طريقه إلى جدول أعمال المجلس رغم أن المشروع السابق، لازال رهن المزاج المسيطر على المجلس.. بعد ذلك يتم السخرية من مشروع القانون باعتباره "مسروق" من السلطة الفلسطينية، وكأن اليمن الدولة المستقلة ذات السيادة لزهاء خمسة عقود لا ستحق مواطنوها قانوناً يحترمهم كقانون السلطة الفلسطينية التي لا زالت بلا دولة حتى الآن، هذا ان صحت "اكذوبة" السرقة!!
المجلس الذي يتشبث اليوم بغبار موقف يثبت به وجوده وقد مَسّ ما يحسبه انتهاكاً للدستور أحد أعضائه، أخفق مرات عديدة في الانتصار لعدد من مشاريع القوانين والمصادقات، لم يكن اولاً تراجعه السريع عن المصادقة على نظام روما الاساسي لمحكمة الجنايات الدولية، بعد أن صادق عليه على حين غفلة من الرقيب وصاحب اليد العليا، وليس آخرها المداولات الاخيرة التي أعادت نقاش قانون يحرم "وطء" الصغيرات دون سن 17 عاماً، والذي يتبناه "علماء" ونواب يرفضون الحياة والعلم والحياة خارج حدود القرن الاول للهجرة، ويستميتون في معركة لا تقبلها الفطرة ولا العلم ولا الدين، انتصاراً لبضع كلمات حفظوها ويرفضون التزحزح قيد انملة عن فهمهم لها، ليشرعوا تزويج الاطفال في وقت هم احوج ما يكون فيه لروضة ترفيهية، او مدرسة محترمة او حتى طفولة آمنة تضمن حقهم في الحياة لا أكثر..
للأسف لم يكن للمجلس موقف واضح ولا هيبة عندما تعرض النائب أحمد سيف حاشد للاعتداء والضرب في مصلحة الهجرة والجوازات، وبدلا ً من الانتصار لسلطتهم وحقوقهم جميعا، زُجّ بالنائب في روتين نيابي ثقيل يصبح التنازل معه عن الحق صونا للكرامة اكثر من الخضوع له، بل تحولت معركة النائب إلى المجلس عندما دخل عدد من النواب زميلهم في معركة حياة أو موت"اسلم تسلم"، وإلا فرفع الحصانة تمهيداً لتطبيق حد الردة!!
أكثر من ذلك نشرت الصحافة وتحدثت الحكومة ووثقت منظمات حقوق الانسان عدداً من الانتهاكات التي كان ابطالها نواب، وإن حدث أن تم مخاطبة المجلس بشأنه يتم تغطية القضية كإحدى جرائم الشرف، خصوصاً إذا تعلق الامر بأحد ناخبيهم ذوي وزن الريشة..
ثم بعد ذلك ينبري المجلس الهمام للدفاع عن حياض العدالة والقانون واستقلالية القضاء بإقالة وزير العدل، الذي قال لهم صراحة إنه لا سلطان له ولا لهم على عليه، ومع ذلك يصرون على اقالته بخطيئة غيره، أو بالاصح كان الاولى ان يمثل بالنيابة عنه نائب رئيس الوزراء لشؤون الامن وزير الداخلية باعتبار مسؤوليتهما المباشرة عن كلا الاختلالات الامنية التي شهدتها البلاد طيلة الفترة الاخيرة فقط، لكنهم يبحثون عن الحلقة الاضعف في الحكومة..
هناك تعديل وزاري وشيك، سيطال قرابة نصف أعضاء الحكومة، ناهيك عن الغاء بعض حقائب الحكومة اليمنية "الصينية" التي تنبهوا أخيراً بعدم جدوى الكثرة سوى ارهاق الخزينة العامة، وبحسب وزير التخطيط فإنهم سيقلصون الوزارت لكن سيعززون الكفاءة، وفي هذا التوقيت إن اصر النواب على استجواب الوزير واقالته فإنهم يؤدون دوراً في الوقت الضائع لا يتجاوز حدود التذكير بأنهم لا زالوا هنا.. وحتى إن افلح المجلس في إقالة الوزير فإن ذلك لن يسترجع الهيبة التي فرط بها طيلة سنوات خدمته على حساب المصالح الذاتية التي تبرز بشكل واضح خصوصاً عند حضور الجانب الحكومي الى المجلس.. عززوا استقلاليتكم عن الحكومة أولاً.
لا شك ان من حق النواب الدفاع عن حقهم في حماية زميل لهم تشير كافة الاولويات المتوفرة لديهم ان القضية خضعت لتأثير مراكز القوى ، ينبغي ان يمارسوا دورهم ذاك بتجرد ودون أن يكون هناك كباش فداء، وأن لا يزج بالسلطات التشريعية والقضائية، بقصد أو بدون قصد، في صراع مراكز القوى على حساب الوطن الذي يذبح يومياً من الوريد الى الوريد، والدستور والقوانين التي تنتهك بشكل منظم..
توازياً مع قضية البرطي التي نأمل ان لا يكون لها ضحايا غير المتورطين بها، نامل ان ينظر المجلس في التصريحات الاخيرة لنائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية التي هدد العالم بها بـ"صوملة" شعب قوامه 24 مليون محارب شديد ليس لديهم ما يخسرونه.. القضية تستحق وقفة لمحاسبة الحكومة كتلك التي يقفونها لمحاسبة وزير أعزل بالنيابة عن أجهزة يفترض بها الاستقلالية، باتت طرفاً في صراعات مراكز النفوذ، ولم يقدم المجلس يوماً موقفاً ينتصر لاستقلاليتها التي يتباكى عليها اليوم..


* نشر المقال في صحيفة النداء بتاريخ 09 إبريل 2009م.

الأحد، 5 أبريل 2009

مطلع ومنزل في تعز!!

سامي نعمان
saminsw@gmail.com
"المصاعد" و "المُدوّرة" قريتان صغيرتان في عزلة اصرار بمديرية ماوية، لكن الاولى التي انتمي اليها اكبر من الثانية المجاورة لها كونها تتكون من قريتين، العليا والسفلى، وانا كأحد أبناء القرية السفلى للمصاعد، كنت أحد أطفال تلك القرية الذين يستنفرون جهودهم في مبارزة زملائنا من القرية الاخرى على ملعب كرة قدم(ليس ملعب بل مخْلف)، وكان هزيمة احدى الفريقين في الملعب يؤخذ كمسألة كرامة نحاول الانتصار لها بأي شكل من الاشكال، احيانا يلجأ المهزوم لمحاولة تمديد الوقت الى بعد المغرب، وأحياناً يسعى إلى تعويض الهزيمة بافتعال عراك بالايدي ينال به ما فقده في "المخلف"، خصوصاً إذا كانت الهزيمة قد تذوقها الفريق الذي تمت المباراة في ارضه..
أكثر من ذلك كان يصل بنا الامر أحياناً إلى تحريض كلاب القرية ضد كلاب القرية الاخرى ونسوقها إلى منتصف الطريق الفاصل بين القريتين حيث تدور معركة نتلذذ بانتصار كلابنا فيها، وإن حصل العكس لنا او لهم، نتحدث بروح المنهزم الذي يبرر نكسته "كلابهم مؤاذيات، ومتحرشات... مثل اصحابها".. غير أن لقاء طفلين صدفة من القريتين صباح اليوم التالي وقد نسوا معارك الامس الرياضية وحرب الكلاب يكون كفيلاً بالتوافق على مباراة جديدة في مكان محدد عصراً، لا يعترض على الاتفاق احد، ولا يتخلف عنه سوى صاحب عذر، وكأننا اول يوم نلعب فيه... ذات المشهد أحيانا كان يتكرر بين القريتين العليا والسفلى التي كانت تتعصب سلفاً ضد "المدورة" أو غيرها...
براءة الطفولة تلك، أوردتها كي تكون حاضرة في هذا السياق ونحن نفتقدها، فهي لا تتوفر في حدها الادني في صراعات الكبار اليوم، واعني هنا كبار محافظة تعز التي باتت تدفع اليوم - للأسف- ثمن عنتريات البعض وتمردهم على أهم قيمة طالما كنا نحن ساكني الحالمة -المدينة كانت او المحافظة بمديرياتها- نفاخر بها أمام بقية اخواننا في كافة ارجاء اليمن... إنها المدنِيّة التي طالما كانت عامل سلم واستقرار اجتماعي وركيزة ثقافتنا وتحضرنا، وهي التي تفرض علينا على الدوام عدم الانتقاص من بقية خلق الله في بقية محافظات الجمهورية، بل مبادلتهم المزيد من الاحترام.. تعز نموذج التعايش والحياة والنموذج الامثل لليمن... تعز التي لا ينساها اهلها اذا غادروها ، ولا ينكرون انتماءهم لها وان عاشوا عقوداً خارجها.. تعز التي اذا انتقل اليها شخص من خارجها عملاً او حباًَ أو قسراً ارتضى بها بلداً وارتضت به مواطنه وقبله أهلها كأحد بَنِيْها.. تعز التي تجمع كل الالقاب من كل محافظات الجمهورية.. تعز التي صعد منها نواب إلى المجلس وهم ينتمون لمحافظة أخرى دون أن نسمع من يفتش عن جذور القاضي الفاضل المرحوم محمد بن يحيى مطهر، ولا من يسأل عن ألقاب العديني ولا البعداني ولا البرطي، ولا مذهب الجنيد ولا قبيلة شيبان ولا "مخلقة" غيرهم من النواب والمسؤولين..
بالتأكيد اعني ما يحدث هذه الايام في مديرية خدير، وما وصلت اليه تداعيات مقتل مدير المديرية أحمد منصور الشوافي، وتداعياتها المتمثلة بحبس النائب أحمد عباس البرطي كـ"متهم" في القضية، وما آلت اليه القضية من اصطفاف لأعضاء مجلس النواب في مواجهة القضاء، وللأسف ما رافقها من تبادل اتهامات بانتهاك الدستور الذي يفترض بمسؤلي السلطتين التشريعية والقضائية ان يكونوا أكثر حرصاً على تطبيقه والاكثر غيرةً على انتهاكه، وقبل ذلك الاكثر توافقاً على فهم نصوصه..
ليس هذا هو موضوع حديثنا هنا، فالأكثر استفزازاً في القضية ما بدأ يثور في الفترة الاخيرة من تأويلات وتحميل لقضية أكثر مما تحتمل، والاكثر قبحاً في هذا المشهد، هو احالة الموضوع إلى صراع بين "مَطْلَع" وتعز باعتبار لقب البرطي يدل على جذور قبيلة قوية في شمال البلاد.. في مقابل هذا الطرح قد يظهر من يقول إن الشهيد أحمد منصور دفن في الشعيب التي أحيلت مؤخراً وبشكل طازج إلى محافظة لحج، فالمعركة بين تعز وأصحاب "مَنْزَل".. للاسف هذا أيضاً كان يحدث ذات الامر في ماويه اذا اثيرت خلافات بين أي طرف في المديرية وشخص من أسرة البحر، حينها يحال "البحور" إلى برط في مساعي تأليب أكبر قدر من العداء ضدهم باعتبارهم "دخلاء" أو "نقائل"، بعد أن تستنفد جميع أدوات إقامة الحجة أمام السلطات أو أمام الوجاهات، سواء كان أقارب فيصل البحر أو المحسوبين عليه أصحاب حق أم أهل قوة... وبالتالي تتوه الحقوق وتذهب الدماء هدراً وسط البحث في الملل والنحل والانساب واصول اليمنيين الذين يفاجئك غالبية العرب أنهم يفخرون بحديثهم عن انتمائهم لليمن كأصل للعرب، ونحن نبحث عن عروق آبائنا واجدادنا في أي ارض نبتت، في حين أصبح الاستاذ باراك حسين أوباما "النقيلة" حديثاً رئيسا للولايات المتحدة الاميركية في غضون اربعين عاماً، دون ان يعيش ابوه ولا جده في ولاية الينوي، أو محافظة تعز الاميركية..
البرطي والشوافي كلاهما من أبناء محافظة تعز أباً عن جد، وقبل ذلك هما مواطنان يمنيان، كانا من "مطلع" او "منزل"، من دمنة خدير او الشويفة، من شرعب او ماوية، من حاشد أو بكيل، يجب أن لا نساوم في ذلك وإن كانت بعض ممارسات الواقع تقول بغير ذلك، ويجب أن تاخذ القضية مسارها الحقيقي وفقا لما يقرره القضاء دون التهديد بدخان برط أو سلطة الشويفة..
شخصياً قضيت فترة دراستي كلها تقريباً في الراهدة، أحد اجنحة مديرية خدير، وأقولها بكل صدق أني ومع كثرة تنقلي بين مديريات تعز، ومحافظات الجمهورية لم أجد مدينة كالراهدة، بطيبة أهلها ومدنيتهم واندماجهم جميعا دون اي اعتبارات او مستويات اجتماعية كالتي تنتشر في غيرها، خصوصاً على أساس اللون او العرق أو المهنة، وهذا ما يدركه الكثيرون وخصوصاً أبناء هذه المدينة التي هي جزء من المديرية، ولا اعتقد أن ذلك حطراً عليها وحدها دون بقية المديرية، كما استبعد بالمطلق أن يكونوا قد تحللوا من قيمهم أو انهم مستعدون للتخلي عنها ذات يوم، وإلا لأصبحت حارة "الدّيّاني" تقصف حارات الراهدة من عليين دون اعتبار سوى لمنطق ارتفاعهم على بقية الحارات، هذا ان غابت افرازات التعصب الاخرى.
ليس من مصلحة البلاد، ولا من مصلحة أحد أن نعزو الصراعات التي تنشأ في المجتمع إلى عصبيات مقيتة تأخذ أكثر من الواقع.. ليس من مصلحة الشهيد، ولا الشيخ محمد منصور ولا أحمد البرطي، ولا تعز، ولا اليمن، ولا السلم الاجتماعي ولا المدنية التي تباهينا بها وفاخرنا وانطلقنا بها نحمل مشاعل التنوير إلى كل ارجاء اليمن، ورأس مالنا ما نحظى به من احترام فرضه فرضا عدم انخراطنا جميعا في أية عصبيات منتشرة هنا أو هناك وبقائنا على مسافة واحدة من جميع الاطراف وإن كان هناك انحياز فلمصلحة الوطن، وليس من المقبول ان ندخر العصبيات في تعاملنا مع الجميع لنفرغها وبفجاجة في ذات البَيْن، وكل اليمن ذات بَيْن.
ينغي ان نتمرد على تلك المقولة السيئة التي تكرس التعصب «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، نحن جميعا مع الحق والمظلوم اينما وجد، وعلى القضاء ان ينتصر لقيم المدنية ويعزز ثقة أبناء الحالمة بقيم الحرية والعدالة والمدنية والمواطنة المتساوية وان ينظر للقضية دون اية اعتبارات أخرى، وأن لا يتأثر بأصوات النواب ولا يتعصب أيضا لقراراته إن كان فيها حيفاً بحق طرف بعينه إن كان ثمة لبس في فهم القوانين قد حصل بحقه.. فالقضية عدالة وقيم مجتمع وسلم اجتماعي، سيكون الحيف فيها بالتأكيد مسماراً في نعش العدالة وثقة الناس وقبل كل ذلك في أمن واستقرار البلاد.
إلى مجلس النواب:
من المؤسف ان نسمع اليوم أحاديث النواب من مختلف الكتل وهم يتحدثون عن رغبة متأخرة في انتصار المجلس لمرة واحدة في حياته...
هي تهمة صريحة لهم بالتقصير وعدم قيامهم بواجبهم، ينبغي ان يفكروا بحساب انفسهم عليها قبل التفكير بمحاسبة شخص آخر..
لا أدري ما خلفية التصعيد ضد وزير العدل، مع انه يحظر كواجهة للقضاء الذي نفذ ما يراه صحيحاً - وإن احتمل الخطأ – والقضاء بأي حال من الاحوال ومهما قيل عن عدم استقلاليته يحق له ان يتمسك بمادة من الدستور تنص صراحة على ذلك...
ما الذي فعله الدكتور غازي الاغبري لتتعالى اصوات النواب اليوم مطالبة باستقالته... اهو كبش الفداء الذي يسعى مجلس النواب اليوم لتقديمه قرباناً يكفر به هزالة أدائه في سنواته الدستورية باعتراف النواب انفسهم.. أهذا ما استطاع النواب تقديمه لاستعادة هيبتة المجلس الضائعة في فترة عمله "اللحقة" ... مجرد تساؤل لا أكثر...

الجمعة، 3 أبريل 2009

الخيواني للبشير: فخامة المشير... سلم نفسك



مبدأ التضامن مبدأ إنساني وقيمي جميل وعظيم، تتضامن مع الضحية والمظلوم أياً كان وأينما كان، دون معرفة أو علاقة. والتضامن لا يحتاج إلى عصبية، لأنه من حيث المبدأ ضد العصبية، والطائفية والعنصرية.
إنما نحن في وقت اختلت فيها الموازين، وتغيرت فيه الاتجاهات، فإذا بالتضامن مع ضحية واحدة طائفية كما في توضيح وزير الداخلية لمجلس النواب حول قضية الدكتور درهم القدسي، أو يعد التضامن مع ضحايا حرب صعدة عنصرية وتآمر، ومع الضحايا في المحافظات الجنوبية انفصال وعمالة كما في الخطاب الرسمي والمحاكمات، ويصبح التضامن مع المعتقلين مسؤولية مجموعة نسوة مخدرات، يتقاذفهن التوجيهات الزائفة، من هنا إلى هناك.
وفي الوقت الذي خلا من أي تضامن عربي أو محلي مع الضحايا في دارفور ترتفع حمى التضامن مع الرئيس السوداني عمر البشير، تجاه قرار محكمة الجنايات الدولية لاعتقال فخامة المشير لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، كان التضامن سيكون طبيعيا وفي محله إذا كان البشير يحاكم فعلاً دون شروط محاكمة عادلة، واتضح أن القضية والمحكمة سياسية، لكن الرجل لم يعتقل بعد، ومازال يرقص طرباً، ويصدر قراراته بطرد المنظمات الإنسانية، كرد فعل على مذكرة اعتقاله، معتقداً أنه ينتقم من الجنائية الدولية، وأوكامبو، والامبريالية العالمية، فيما هو يضاعف معاناة الضحايا ويزيد أوضاعهم مأساوية،ولا يخدم قضيته.
قدر حجم ضحايا دارفور بمئات الآلاف من القتلى، واختلف معهم السودان رسميا برقم القتلى وكأن المسألة 600 ألف أو 35 ألف أو10 آلاف، ليس بنفي أعمال القتل والإبادة، تصور المواطنون مجرد أرقام لأكثر،أنه القبح بذاته،لا يجدي في تجميله مبرر نسب الفعل لقبيلة الجنجويد، كون النظام متهما باستخدامها ودعمها في حرب دارفور، التي أثبتت أن الحرب ليس حلا ولا غطاء لما اقترفته حربا سابقه.
لأعلم هل خطر مرة في بال النظام العربي الرسمي، مدى قبول العالم بفكرة أن التمرد مبرر كاف للإبادة؟ هل صدور قرار اعتقال، سببا وجيها لمنع منظمات إنسانية من إغاثة الضحايا والنازحين، والمشردين؟ هل فكر أحد خلال حرب، استمرت أكثر من عقد بضرورة وقف الحرب؟ بأنها حرب عبثية ضد مواطنيه؟ أو بكيف معالجة الأزمة بشكل حقيقي؟ وحل المشكلة والتصالح مع المواطنين،وتضميد جراح الضحايا؟ أما كان أدراك الحاجة للمواطنة المتساوية أفضل للجميع بدلا من الحرب، وتبعاتها.
لأدري ولكن لا يبدو أن هذه التساؤلات لا تحتل حيزا من التفكير الرسمي، حتى بعد ظهور أن قضية دارفور أكبر من أن تحلها اتفاقات هشة، ومحاكمات صورية، وخطابات، ومشاريع مياه والرئيس البشير ليس حالة استثنائية هو في الخلاصة حاكم عربي، والحكام العرب يختلفون في بعض التفاصيل لأكثر، وما السودان اليوم سوى حالة عربية سافرة.
الحاكم العربي لم يساعد نفسه لكي يجد المساعدة عندما يحتاجها، لا يقبل بقضاء مستقل، أو محاكم تمتلك أدنى شروط المحاكمة العادلة، لا قيمة لدستور أو قانون، أو مؤسسات لديها إمكانية مساءلة أو محاسبة أو محاكمة حكامنا، ومسؤولينا مهما فعلوا، النظام العربي يعتبر التضامن مع الضحية تمردا والاحتجاج على انقلاباً، والمعارضة خروجا على الطاعة، الحاكم هو الرمز والقانون والشرعية والعدالة والسيادة، والدولة، لهذا يريدون أن يصورون لنا أن صدور مذكرة اعتقال نهاية الدنيا.
صدور قرار اعتقال رئيس ليس كارثة، ولا مؤامرة، والمحكمة الجنائية ليست ساحة تصفية الخصومات، إنها ملجأ الضعفاء والضحايا، حسب أهداف أنشائها، وأوكامبوا ليس الشيطان، وما يحدث هو تعبير عن العجز والضعف في محاسبة حكامنا وأنظمتنا،ومسؤولينا، تعبيرا عن غياب القضاء المستقل النزيه، والعادل، عن غياب المساواة ومبدأ الثواب والعقاب،عن هشاشة مؤسساتنا ودولنا،عن سيادة الاستبداد والظلم.
محاسبة الحاكم، ليست أفكارا تآمرية غربية، أمريكية، بل هي نتاج تجارب إنسانية رائعة، وقبل تطبيقها الناجح في الدول الديمقراطية فهي لا تختلف مع المبادئ إسلامية، ألم يقال للخليفة الأول (رض) سنقيمك ولو بسيوفنا؟ ألم يسائل الخليفة الثاني (رض) عن طول ثوبه الذي يلبس؟ ألم يقف الخليفة الرابع(ع) أمام القاضي متساوياً مع خصمه المواطن اليهودي؟ رافضاً التمييز حتى باللقب، هل حكامنا أفضل من هؤلاء؟ أما أشاد النبي (ص) بحلف الفضول لنصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، بالرغم أن الحلف نشأ في الجاهلية؟ هل هذه قيم ومبادئ إسلامية أصيلة أم مجرد روايات وقصص، ويقول الله عز وجل «وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون».
سيقال: ولكن أمام قضائنا وقضاتنا، فأقول وأين القضاء العادل النزيه المستقل؟ لو كان موجودا وقادرا على محاسبة الحاكم والمسؤول ما لجأ الضحية والمظلوم إلى الجنائية الدولية أصلا، ويقول البعض: لماذا لا يحاكم مجرمي الحرب الصهاينة؟ فأقول لم يسعى حكامنا لذلك بما يكفي، ثم أن الشعوب ضحايا الطرفين إسرائيل تقتل مواطنين عرب حربا، والأنظمة تقتل مواطنين عربا، حربا وفقرا وقهرا وقمعا واستبدادا وخوفا، إذا محاكمة أحد الطرفين أمرا ليس سيئا بل مقدمة لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة أذا توفرت الجدية الرسمية ولم يثنها المعتدلون،الذين يرفضون محاكمة البشير، دوليا ويؤيدون محاكمة قتلة الشهيد الحريري دوليا، في تناقض يكشف طبيعة العقلية الرسمية العربية.
محاكمة البشير ليست اعتداءً على السيادة والكرامة العربية، هذه مثل تلك، آن الأوان أن يعلم الحكام العرب أنهم ليسوا أكبر من المحاكمة والمساءلة، إن الحروب والجرائم، والانتهاكات لن تمر بلا حساب. إن سلب حياة الإنسان بقرار جريمة، وإن عليهم أن يدفعوا أيضاً ثمن عدم بناء دولة المواطنة المتساوية، والعدل والقانون، والديمقراطية، والقضاء المستقل والنزيه، عليهم أن يعلموا أن رفضهم في تحقيق مقاصد ا لشرع، والقانون صار مكشوفا، وعليهم أن يواجهوا نتائج ما صنعت أياديهم، وكل سيلقى مكافأته التي يستحق.
لست ضد البشير إنما أنا ضد ممارسات حاكم عربي، لست ضد التضامن معه لكن لا أعلم كيفية التضامن مع الرؤساء؟ فأصحاب الفخامات، والجلالات، صوروا أنفسهم كأشياء لا تحتاج، لا تمرض، لا تموت، لا تكبر بالسن، لا تهزم، لا تخطئ، لا تعتذر، لا تنصف، لم يعلموا شعوبهم، التضامن، ولم يبالوا يوما بحب الشعب واحترامه،كل ما يهمهم خوف الشعوب منهم.
لعل الرئيس البشير يتذكر من حين صدور قرار الاعتقال، صفقة تسليم (كارلوس) إلى فرنسا باعتباره إرهابيا مطلوبا، الآن يدرك جيدا معنى أن تكون مطلوبا، لعل كلامي هذا سينزعج منه البعض، ولا أطلب منهم غير الصدق والواقعية، والوضوح مع النفس أولا، أقدر الشعب السوداني الشقيق قلبي معه وأعتقد أنه يستحق الأفضل ولا يجب أن يتحمل معاناة جديدة لأخطاء لم يرتكبها، ويستطيع الرئيس البشير وحده توفيرها على شعبه، في سبيل ذلك لا أملك إلا أن أضم صوتي لصوت الدكتور حسن الترابي... فخامة المشير سلم نفسك.

alkhaiwani@gmail.com
نشر بتاريخ الاربعاء 11 مارس 2009.

الخميس، 2 أبريل 2009

قمة الخرف - عبدالعزيز المجيدي



تعاملت قمة الدوحة مع المبادرة اليمنية بما تستحق. وما من وسيلة تقدير أفضل من التجاهل. إنه تعامل يليق بسلطة تتعاطى السياسة باعتبارها "فهلوة" وأعمال بهلوانية لا أكثر.
مع ذلك فإن الأمر لا يعني أن القمة كانت جيدة. فالمكان المناسب باعتقادي لاستعراض العاهات العربية المزمنة لم تكن تلك القاعة الفخمة، بل إحدى دور المسنين بالتقاسم مع مصحة نفسية بمواصفات طبية فائقة القدرة.
شاهدنا في القمة العادية التي استضافتها، الاثنين، قطر، مشاكل الزعماء والقادة وعقدهم المتضخمة. لكنا لم نشاهد ما يدل على مشاكل الشعوب العربية وسط القاعة. هذا أمر معتاد، وما من أداء انقلابي سيهطل من سماء المستحيل يشير إلى تعافي "قمم" الشعوب من أمراضها المستوطنة.
حضر "ملك الملوك" و"خادم الحرمين" و"أمير المؤمنين" و"فارس العرب"... وعُلقنا كشعوب بين ربطات العنق الخانقة، وتلافيف "أبو عقال" الغليظة. وأسدل الستار ببيان ختامي من مخلفات القمم السابقة، مع بعض التعديلات الشكلية، بالإضافة إلى حفلة مصالحة!
لقد تحول مشهد المصالحة بين قائدين دخلا في مشادة كلامية قبل 6 سنوات إلى منجز سحر عدسات التلفزة. ولإنجاز مشهد مماثل يحتاج العرب إلى ملاسنة أخرى تتحول إلى موضوع رئيسي للقمم القادمة!
لكن المثير حقا، في كل تلك الكوميديا السوداء، حنق القيادة اليمنية، التي انسحبت من الجلسة الختامية، احتجاجا على تجاهل العرب مناقشة المبادرة اليمنية أو حتى الإصغاء إليها، كما قالت بمرارة صحيفة حكومية. إن الأمر يمكن النظر إليه هنا -مقارنة بمراحل سابقة- كمنجز، لكنه في ذروة البؤس.
خلافا لكل القمم السابقة اختفت نبرة الاحتفاء في الإعلام الرسمي اليمني، وطغت خيبة الأمل كمساحة صفراء فاقعة اجتاحت مقدمة "الثورة" الحكومية بقلم المحرر السياسي.
لو كانت هذه "الثورة" سورية أو سعودية مثلا لتصدرت نشرات أخبار "الجزيرة" و"العربية"، لكنها يمنية قلبا وهامشا.
لقد بسطت حمى الفشل على القمة في صحيفة "الثورة" فقط صباح الثلاثاء. وكان السبب الرئيس بحسب الصحيفة: استعصاء "حتى مجرد الاستماع إلى المبادرة اليمنية المتعلقة بإحلال صيغة الاتحاد العربي" طبعا محل الجامعة العربية تقصد.
وهذه الأخيرة بتعبير الرئيس في مقابلة له مع صحيفة "الشرق" القطرية "شاخت". إنه يقول الحقيقة، فهذا الكيان لم يعد ينفع حتى في تشييع الجنائز. والمقولة تستوقف فقط من يعرف أنها لرئيس يدخل عامه الحادي والثلاثين حاكما وحيدا ببدائل كارثية: الصوملة، أو الأفغنة.
المشكلة أن المبادرات باتت حالة مرضية بالنسبة للسلطة اليمنية. فهناك مبادرة لإصلاح الأمم المتحدة، وأخرى لإصلاح الجامعة العربية، وثالثة تعكس تصرف لاعب قوي في السياسة الدولية، إذ كانت خاصة لإحلال السلام في يوغسلافيا السابقة! لكن المبادرة التي عكست صورة درامية للسياسة اليمنية كانت رؤية للتوفيق بين فرقاء فتح وحماس. وقد تزامنت مع إطلاق قطر مبادرة لتسوية النزاع بين الحكومة وجماعة الحوثيين على خلفية حروب صعدة الخمس.
والآن تطرح اليمن مبادرة لتحويل الجامعة العربية إلى "اتحادي فيدرالي". يعكس الأمر في المجمل شكلا من الفهم البائس للسياسة الخارجية ومحاولة لعب أدوار إقليمية خارج شروطها.
ثمة اعتقاد يسيطر على صناع السياسة في اليمن (إن كان هناك صناع) بأن إطلاق المبادرات الخارجية يضمن للبلد وقائده العروبي -حد تعبير تقارير "قناة الجراف"- الحضور في المشهد كواحد من أقطاب إقليمية مؤثرة في السياسة الدولية.
حتى التسليم بهكذا شكل من العمل الدبلوماسي لا يتم وفقا لمقتضيات الحاجة إلى تحويل المبادرة إلى حالة نقاش؛ فهي دائما آنية وغير مسنودة بالتحركات اللازمة، ولم تبذل الدبلوماسية اليمنية -ولو شكليا- أي جهد مسبق لإسناد أي مبادرة تطلقها صنعاء بدعم دول عربية مؤثرة.
بافتراض حدوث ذلك -في حالة المبادرة "الاتحادية"- فإن هناك سوء تقدير شديد للدبلوماسية اليمنية للظروف السياسية القائمة في المنطقة. فالواقع الموضوعي يشير إلى حالة تشظٍّ عربي يطال مكونات كل قطر على حده، فضلا عن حالة الاستقطاب الإقليمية والدولية الظاهرة في المواقف المتنافرة لمجموع الدول. وتقديم مبادرة "اتحادية" في هذا الظرف يعني أن مصدرها قد اطمأن تماما للنتيجة: الفشل، والتجاهل فشل مضاعف.
بالاستناد لتقدير موضوعي لما هو قائم فإن أي دولة تحترم نفسها ستمتنع عن الخوض في تقديم مبادرات نتيجتها الحتمية الفشل.
بالإضافة إلى ذلك، تمعنوا جيدا في وضع بلد المبادرة نفسه:
منتصف مارس الفائت كان نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط والتنمية يضيف إلى قائمة مهامه الكثيرة مهمة إطلاق صفارات تحذيرية في صيغة تهديد للعالم.
في تصريح إلى وكالة الأنباء الفرنسية حذر عبدالكريم الارحبي من احتمال سقوط البلد في فوضى مشابهة للصومال حال ترك بلا مساعدات مالية.
ولدفع العالم إلى الفزع من مآلات بلد يحاذي جغرافيا أهم بلد منتج للنفط في العالم ويطل على الشريان الرئيسي للملاحة العالمية، كوّم الارحبي -المرتبط بالرئيس بصلة قرابة- الشعب اليمني في ساحة خراب ممتلئة بـ24 مليون مقاتل؛ إنهم ببساطة "مقاتلون أشداء وليس لديهم ما يخسرونه". هذه هي صورة المستقبل التي يفضل الوزير تقديمها عن بلده.
لقد غادر الرئيس بعدها وهو يفتقد إلى أي شكل من الإسناد تعكسه أوضاع الداخل لمبادرته الاتحادية.
هناك انفلات أمني، وهذا تعبير مجلس النواب، واضطرابات في اتجاهات الريح الأربع للبلد. وفيما تستمر تداعيات ما أفرزته سياسة السلطة في الجنوب، وصولا إلى المطالبة بحق استعادة دولة الجنوب، تلوح بوادر حرب سادسة قد تندلع في أي لحظة مع زيادة التوتر بين الجيش والحوثيين في صعدة. هل هذه أوضاع مثالية تسمح بالمزايدة على الآخرين؟!
ربما كانت القيادة اليمنية ستكون أمينة أكثر لو قررت كما حدث في مؤتمر المانحين بلندن نهاية 2006، عندما طرح الرئيس مخاوفه وتحذيراته من 21 مليون فقير (الشعب اليمني) قد يشكلون خطرا على استقرار المنطقة في حال تركوا دون مساعدة.
لو فعل الرئيس الأمر ذاته وتبنى مخاوف الارحبي وطرحها على طاولة العرب، فإن السلطة في اليمن ستتجنب -على الأقل- الظهور خلف قناع بهلوان يؤدي حركات مملة أمام جمهور خامل.
مقابل إخفاقات تفرض سيطرتها، داخليا وخارجيا، لم تخلُ قمة الدوحة من ميزة، فقد عكست -على الأقل- كيف أن الإقامة على كرسي الحكم لا تقود إلى اكتساب المزيد من الحكمة، كما يروج حملة مباخر التأبيد. لقد أثبتت أن قضاء مدة طويلة في الحكم لا يفضي إلا إلى الخرف. ومن استمع إلى وقائع جلسات القمة يدرك جيدا مدى المعاناة التي تشكوها القصور.
ربما يجب استثناء قطر، التي أظهرت ذكاء وقدرة مدهشة على مراقصة العالم بكل
اللغات.


.aziz_zi@yahoo.com


قمة من "حنق له حنق" ومبادرات نحن هنا!! - عبدالكريم الخيواني


تعدد طرح المبادرات اليمنية في كل اتجاه، حتى فقدت قيمتها وصارت نوعا من التذكير بالحضور لا أكثر. لم يكتب لأي مبادرة النجاح، وكانت الدبلوماسية اليمنية تكتفي بأن يقال إن اليمن قدمت مبادرة. ومن مبادرات حول القرن الأفريقي، إلى الكومنولث، إلى إصلاح الأمم المتحدة، إلى شرق آسيا، إلى الجامعة العربية، لم يع النظام اليمني، من؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟ يطرح المبادرة، وما هي إنجازاتنا في الإصلاح، أو فائض خبرتنا في التنظيم والتوحيد، أو تجاربه في العمل المشترك. قبل أن يشارك الرئيس في قمة الدوحة لم يكن واضحا عزم النظام اليمني على طرح المبادرة اليمنية حول الأتحاد العربي، وتقريبا كان الرئيس قد أشار إليها في قمة الكويت مؤخرا. وفجأة قالت الأنباء إن الرئيس قاطع الجلستين المغلقة والختامية في قمة الدوحة، بسبب عدم إتاحة الفرصة لطرح المبادرة اليمنية. والمؤسف أن مقاطعة الرئيس للجلسات لم تلفت الانتباه، ولم تحض بتعاطف يذكر، وإنما مرت كأمر عادي في الزحمة، لم يُشَر إليها إعلاميا إلا بعد النهاية.
المبادرة مرفوعة للقمة من البرلمان العربي، والبرلمان العربي ليس رافعة قوية، فحال البرلمانات العربية متشابه، في أثرها وقوتها. ولو كانت المبادرة مهمة لدخلت في جدول أعمال القمة، دون الحاجة لموقف يمني ما، لكن يبدو أن أهميتها لليمن كان أكثر من غيرها، سواء لدول المركز أم لدول الأطراف، وهذا راجع لتقديرات رسمية يعلمها الراسخون في القمم والمبادرات. الوضع العربي غير مشجع لطرح أي أفكار أو مبادرات، وطابع القمة تصالحي، ومؤسسة القمة العربية منقسمة على حالها، والجامعة العربية في أضعف ما تكون، والاتحاد العربي ليس ملحا اليوم، على الأقل لدى بقية الدول العربية. ومع ذلك، وبإصرار عجيب، تم طرح المبادرة، وقاطع الرئيس الجلستي المغلقة والختامية، وهو موقف محرج للدبلوماسية اليمنية ولليمن، ولا أعلم أين دور الخارجية هنا في التحضير وجدول الأعمال. واضح أن الحاضرين في القمة كانوا غير مستعدين لبحث المبادرة من حيث المبدأ، ولو كانوا مستعدين لناقشوها في اجتماع وزراء الخارجية وأقرت في جدول الأعمال. ثم أين حلفاء النظام المعتدلين، والسعودية على رأسهم، رغم غياب اليمن عن قمة الدوحة التي دعت إليها بداية حرب غزة مسايرة للموقف السعودي، مضحية بموقفها القومي، وإذا بالشقيقة الكبرى لم تعر أي انتباه للمبادرة أو لغياب الرئيس عن الجلستين احتجاجا. سماع القادة العرب لمبادرة الاتحاد العربي من الرئيس، ما كان ليغير قناعاتهم، أو يفرض عليهم أمرا لا يريدونه. كان عليهم أن يصغوا فقط، ولو من باب جبر الخواطر، ومبادرة تقرأ والسلام، لكن أبوا واستكبروا. والواضح أن القادة العرب لم يتعودوا الإنصات لشعوبهم ولا لبعضهم، ينصتوا للأقوى فقط، يتصالحوا لكي يتخاصموا، ويلتقوا لكي يفترقوا. ويكاد يكون معيار نجاح القمة قصر وقت انعقادها، وأفضل قمة التي تخلص في يومها، ويعودوا لبلدانهم سريعا قبل أن يختلفوا، لا يهم، "من حنق له حنق"، من غاب غاب، المهم جلسة الافتتاح، وتبادل الرئاسة الدورية، وهي الشيء الوحيد الذي يتبادله قادة العرب سلميا. تبدأ الجلسات فإذا بواحد يقاطع، وآخر يطالب بالسكوت واحد يخاف، واحد "يزعل"، واحد يعتذر، واحد يشكر، واحد "يحنق"، وذاك يريد أن يعترض، وهذا يغيب، واحد عنده كلمة أو طلب، وواحد مبادرة، وواحد يبحث عن اعتراف وإشادة... أهم ما في القمة أشخاص الحكام، وتصالحهم أهم منجز، يكاد المتصالحون ينفجرون من الغيظ، ولا يكلف أحد نفسه إضفاء لمحة قبول بالآخر على صورة الصلح المزعومة، وعلينا أن نصدق أن هذا تصالح.
في هذا الجو، ووسط هذا الاستعجال، يكون طرح مبادرة ما مغامرة، إذا ما حمل الأمر على السلامة، وحضور قمة لا يشترط إطلاق مبادرة، فمجرد طرح المبادرة ليس مكسبا سياسيا لليمن، ولا حجة لها على الآخرين، وبالتالي لم تكن تحتاج كل هذا التصميم، ولا غياب ومقاطعة رئيس الجمهورية للجلسات، والتبرير الحكومي بأن الاتحاد العربي سيظل قائما لدى اليمن لأنه يستهدف عصب المشكلات وتطوير العمل العربي وبنية الجامعة، تبرير لا معنى له، ولا يقدم ولا يؤخر، إلا إذا كنا نبحث عن "طبطبة" وترضية كلامية، من هذا أو ذاك تضمد جراح سياستنا المرتجلة وتتلافى حرج دبلوماسيتنا وتعيد اعتبار اليمن (المبادراتية) المكرورة.
ما حدث في قمة الدوحة درس سياسي ودبلوماسي يجب الاستفادة منه، يمنيا، في المستقبل، ليس في طرح المبادرات وحسب، بل وفي معرفة إمكاناتنا، والتفريق بين التعامل المحلي والخارجي، وعوامل التأثير، ومدى الالتزام بالمواقف، والجدية، والمصداقية، و الاستقلالية، وحل مشكلات الداخل أولا، واحترام الشعب وحقوقه وحرياته... ما حدث في الدوحة ليس الموقف المحرج الأول الذي واجه الرئيس في القمة، سبق ذلك موقف محرج في قمة عام 90 بالقاهرة، لكن الموقف الأخير مختلف جدا، كان الموقف الأول محرج ومتعنت من الرئيس مبارك تجاه الرئيس صالح، الذي كان يدافع عن فكرة وموقف، ضمن مجموعة عربية، وكانت اليمن في بداية الوحدة وزهوها، وكان الناس متعاطفين مع الرئيس. أما في الدوحة مؤخرا فالأمر آخر تماما، التوفيقية هي السائدة في القمة، وأولويات النظام العربي الرسمي لا يتجاوز حدود مصالحة حفظ دور هذا، وتحديد حجم ذاك، لم يكونوا بوارد مبادرات من أي نوع، بل إن مبادرات فردية يمنية ضخمة (اتحاد عربي) تبدو في هذا الوضع غير واقعية وفي الوقت الضائع، وقد تعتبر هروبا من الاستحقاقات الوطنية، والمشكلات المحلية. ثم ما هو رصيدنا وخبرتنا؟ الوحدة اليمنية اليوم لم تعد بزهو ومشاعر وحدة مايو90، جسدها مليء بندوب الأخطاء، وغبار الفيد لم ينقشع بعد، ورغم خطورة القضية الجنوبية، فهي رسميا غير معترف بها كقضية. وهناك حرب مرت عليها خمس سنوات، لم تغلق بعد تحولت فيها صعدة ساحة تجارب ومناورات سعودية على حساب الدماء اليمنية، فيما تتعالى صوت حسرة رسمية على وقف الحرب. واقع الانفلات والتحلل أصعب من النكران اليوم. فيما الفساد يتغَوّل أكثر، والغلاء يكشِّر عن أنيابه بقوه، والديمقراطية، والتعددية، والحرية، والتنمية، والقانون، والقضاء المستقل، صارت شواهد أحلام مجتمع، وطموح شعب لم يُحرج حكامه، ولم يشمت بهم، وهو أحوج لمبادرات جادة تخفف معاناته، وأحقُّ بغيرة الرئيس عليه والاهتمام بحل مشاكله وتطويره وصون حقوقه وأمنه وحفظ سيادته وتنميته. وتحقيق ذلك وطنيا لا يتناقض مطلقا مع التوجه القومي، بل هو التعزيز الحقيقي للعمل القومي، لأن النظام الوطني الجيد هو القومي الجيد والإسلامي الجيد، والإنساني الجيد، وهو الجدير باحترام الجميع، وإذا كان ولا بد من مبادرات يمنية فلتكن للداخل ولنحرم العرب والعالم من مبادراتنا، ونكفي أنفسنا الإحراج. يفترض تجاوز ما حدث في القمة وعدم تحويله إلى مادة للمزايدة، أو الهجاء. كما لا يفترض أن تصبح المبادرة إلى محددات للسياسة الخارجية اليمنية، لكن لا بد من مراجعة رسمية للأولويات، والإيمان بالداخل ومبادرات للداخل أولا، ومعرفة أن الرهان على كسب احترام وود الشعب هو الأجدى والأنفع لكسب ود واحترام الآخرين، وأيضا مساعداتهم وقروضهم. إن سياسة القفز على مشكلات الداخل لم تعد مجدية ولا تلفت الأنظار. كما أن مبادرات "نحن هنا" دبلوماسية مملة، أضعف من أن تخفي سوء الأوضاع محليا، أو تدهش أحد خارجيا.
alkhaiwani@gmail.com

"حصانة البرطي" عنوان مواجهة مجلس النواب والقضاء...
المبارزة بجهل الدستور!!

سامي نعمان
أشعلت قضية مقتل مدير مديرية خدير محمد منصور الشوافي، وما تبعها من إجراءات أمنية وقضائية أبرزها اعتقال عضو مجلس النواب أحمد عباس البرطي، خلافاً حاداً بين مجلس النواب من جهة ووزير العدل والنيابة العامة ومجلس القضاء من جهة أخرى، وكل طرف يشهر ما يدعم موقفه من مواد الدستور والقوانين واللوائح، وكل يتهم الاخر بالجهل بها.
وأمس الثلاثاء وصل الخلاف بين الجانبين الذروة، إذ وقّع ثمانون نائبا طلب استجواب وزير العدل، وسط لهجة شديدة من قبل النواب من مختلف الكتل تجاهه، وترتفع الاصوات لتنادي بسحب الثقة عنه، ومحاسبة وكيل نيابة تعز لمخالفتهم الدستور في اجراءات اعتقال البرطي...
في المقابل، رد مجلس القضاء الأعلى على رسالة النواب طالبوا فيها بالافراج الفوري عن زميلهم، وحماية ممتلكاته والمطالبة بمساءلة النائب العام ورئيس نيابة تعز لـ"مخالفتهما للدستور والقانون" بسجن البرطي واتهامه بالتلبس في قضية مقتل الشوافي وعدم التأكد من ملابسات الحادث، ورد مجلس القضاء الأعلى بنص المادة (149) من الدستور التي تقضي بما باستقلال القضاء وأن لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويعتبر التدخل في شؤون القضاء جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم، داعيا إلى ضرورة ترك الفرصة للسلطة القضائية للقيام بواجباتها كاملة دون تأثير على سير العدالة، جاء ذلك بعد أن صُدم النواب بعد جلستهم ومطالبهم تلك بقرار جديد للمحكمة المختصة بمحافظة تعز مددت فيه حبس النائب أحمد البرطي لمدة 20 يوما على ذمة التحقيق في القضية.
"القضية تكشف جهل الطرفين بالدستور والقانون" قال المحامي خالد الآنسي المدير التنفيذي لمنظمة هود في تصريح لموقع الصحوة نت.. يضيف"هي نموذج عجيب للعبث بالدستور والقانون وبحقوق المواطنين سواء من حيث إجراءات اعتقال النائب البرطي التي تمت بالمخالفة للائحة المجلس وللدستور أو إجراءات مجلس النواب والمتمثلة في إصدار أوامر للقضاء".
وكانت جلسة الاثنين عاصفة ، اخذها النواب كمسألة سيادة وكرامة "إننا اليوم كسلطة تشريعية على المحك إما أن ننتصر للدستور والقانون أو نقدم استقالتنا خير لنا من هذه المهزلة".قال النائب عبدالرزاق الهجري .. ورفعت الجلسة لعشر دقائق احتجاجاً على تغيب وزير العدل الذي حضر بعد اتصال هاتفي من رئيس مجلس النواب يحيى الراعي، ورفض النواب كل المبررات التي ساقها الوزير عن النيابة لقانونية سجن البرطي لتلبسه بمقتل الشوافي معتبرين قرار النيابة بتمديد سجن البرطي 20 يوما استهتاراً واستخفافاً بالسلطة التشريعية ودلالة على الجهل بنصوص الدستور أو التحيز في القضية لصالح أحد الأطراف... وزير العدل سمع الانتقادات اللاذعة، واستفزته كثيراً وحاول مغادرة القاعة لولا أن حال بعض النواب دون مغادرته، ورد على اتهامات النواب "نحن رجال دولة نتعامل بمسؤؤلية ولسنا عصابات وقطاع طرق"...
وقال الوزير إنه ليس من صلاحياته، ولا حق للبرلمان في إلغاء قرار قضائي ودافع عن قرار رئيس نيابة مشيراً أن النيابة هيئة قضائية بنص الدستور والقانون ولا يجوز لأي جهة إلغاء او تعديل قرارها إلا إذا كانت هيئة قضائية مختصة، مشيرا الى أن من واجب رئيس النيابة مباشرة التحقيق عقب تسليم البرطي من أجهزة الأمن، مؤكداً وجود قرار قضائي يتهم البرطي بالتلبس.
استمات النواب في مقارعة وزير العدل، الذي يمثل بطبيعة الحال كواجهة بالنيابة عن القضاء المستقل، فعلوا ذلك كما لم يفعلوا في قضية من قبل، كلهم تحدثوا باسم حماية الدستور والقوانين، ثاروا كما لا يفعلون في عشرات الانتهاكات والجرائم التي تطال من يمثلونهم، ولا يحركون لها ساكناً وإن فعلوا فمن باب اسقاط الواجب، واعتبر النائب صخر الوجيه هذه القضية نموذجا للتلاعب بقضايا آلا المواطنين من إنتهاك وضياع لحقوقهم...
مجلس النواب شكل الاسبوع الماضي لجنة برلمانية من خمسة أعضاء للنزول إلى محافظة تعز ومديرية خدير للتحقيق فقط في سلامة الاجراءات المتخدة بحق النائب أحمد عباس البرطي الذي كان متواجدا في إدارة الامن ساعة مقتل الشوافي، وذلك بعد مذكرة رفعها وزير العدل إلى رئيس مجلس النواب بشأن اخطاره بالإجراءات النيابة العامة تجاه البرطي "الذي ضبط متلبساً بتهمة قتل المجني عليه أحمد منصور الشوافي"، طبقاً لأحكام المادة 204 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
غير أن اللجنة التي باشرت مهامها نهاية الاسبوع الماضي، وتقصت ملابسات اعتقال زميلهم، خلصت إلى أن الاجراءات المتخذة بحق النائب البرطي مخالفة لأحكام المادة 82 من الدستور(رقمها في الدستور 81)، والمادة 203 من اللائحة الداخلية للمجلس والمادة 98 من قانون الاجراءات الجزائية، وبالتالي فإن مذكرة وزير العدل لم تتوافر فيها المبررات القانونية، ورأت اللجنة بأن حالة التلبس المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجزائية لا تنطبق على واقعة القبض على البرطي.
وتنص المادة (203) على عدم مؤاخذة عضو مجلس النواب بحال من الأحوال بسبب الوقائع التي يطلع عليها أو يوردها للمجلس أو الأحكام والآراء التي يبديها في عمله في المجلس أو لجانه أو بسبب التصويت في الجلسات العلنية أو السرية ، ولا يطبق هذا الحكم على ما يصدر من العضو من قذف أو سب ، فيما تنص المادة 81 من الدستور على عدم جواز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي إلا بإذن من مجلس النواب ما عدا حالة التلبس، وفي هذه الحالة يجب اخطار المجلس فوراً وعلى المجلس أن يتأكد من سلامة الاجراءات... ونص المادة 204 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب هو ذاته المادة 81 من الدستور. .
اللجنة التقت المحافظ الذي أكد أن هناك خلافاً بين وكيل المحافظة الشيخ محمد منصور والمواطنين بمن فيهم النائب البرطي حول عدد من القضايا ومنها تعيين حميد الغزالي مديرا لأمن المديرية برغبة الشوافي، وبعد رفض المواطنين للغزالي تم تعيين مدير أمن آخر وتم اقناع الوكيل بذلك، ولم يشر التقرير إلى رأي المحافظ حول تعيين مدير المديرية وشقيق الوكيل، أحمد منصور الشوافي، إما سقطاً من تقرير اللجنة البرلمانية أو أن المحافظ لا يرى سوى الخلاف على تعيين مدير الامن، وهو ما أثير في المجلس وتجلى في مطالبة النائب عبدالرزاق الهجري الذي طالب بإحالة محافظ تعز ووكيله لشؤون المناطق الشرقية للتحقيق، قائلا إنهما سبب ما حدث لإصرارهما على تعيين المجني عليه أحمد الشوافي مديرا للمديرية خلافا لرغبة أبناء المديرية رغم علمهم بالخلاف الشديد بين آل الشوافي وآل البرطي.
وطبقاً لمدير امن خدير العقيد أحمد رزار المخلافي، أفاد بوصول النائب البرطي إلى إدارة أمن المديرية الساعة الثامنة والنصف صباحاً للابلاغ عن انفجار قنبلة مساء اليوم السابق قرب منزله، وطبقا للتقرير فإن رزاز أفاد بوصول البرطي معززاً بسيارات عليها مسلحون اقفل دونهم باب المجمع الحكومي بعد ان ادخل النائب بسيارته، وبينما هما بالداخل للتحقيق حول القنبلة سُمع إطلاق النار خارج المجمع، ولما خرج مدير الامن اذا بها سيارة مدير المديرية متحركة مع المصابين، فيما تفرق المسلحون الذين وصلوا مع البرطي، بينما هذا الاخير، والشهادة لا زالت لمدير الامن، متواجدا داخل مكتبه، وحرص على ابقائه في مكتبه حفاظاً على حياته واخرجه متنكراً وبوجه مغطى ليوصله إلى ادارة أمن المحافظة... وهذه الشهادة نفاها الوزير خلال جلسة الاثنين، منوها أن الأمن احتجز البرطي كونه متلبسا ولم يكن تسليمه لأمن المحافظة لحمايته كما ورد في التقرير، مؤكدا سلامة الإجراءات القانونية والقضائية المتخذة إزاء النائب البرطي.
وكيل نيابة تعز رفض الادلاء بمعلومات للجنة حول القضية – طبقاً لتقريرها- وقال إنه لن يتحدث إلا بوجود محامي!! وانه يحترم القانون والفصل بين السلطات وأن أية مطالب ترغبها اللجنة يجب أن تمر عبر النائب العام أو مجلس القضاء.
والتقت اللجنة صبيحة الجمعة بالنائب البرطي في السجن المركزي، الذي قال إنه فوجئ بإطلاق النار على الخط الرئيسي الذي يبعد 100 متر عن المبنى حيث يتواجد هو في مكتب مدير الامن، وأنه لا علاقة له بالمسلحين الذين ذكر مدير الامن أنهم جاؤا بمعيته، مؤكداً على عدم اعتراضه على القبض على القاتل ليأخذ جزاءه العادل.
وبناء عليه كان تقرير اللجنة المؤكد على بطلان اجراءات اعتقال البرطي، ولم تنس الاشارة إلى استنكار الحادث الاجرامي الذي أودى بالشوافي والاسف لذلك، مؤملة أن تأخذ القضية مسارها الصحيح في القضاء وأن ينال الجناة جزائهم وفقاً للشرع.
هو إذاً فصل جديد من المواجهة بين السلطة التشريعية من جهة والسلطة التنفيذية ممثلة بوزارتي العدل والداخلية أيضاً، والسلطة القضائية بأجهزتها المختلفة وكل يؤكد صحة إجراءاته وخطأ اجراءات أو مطالب الآخر بنصوص الدستور والقانون، ويجهد للانتصار لطرفه، النواب لزميلهم ، والقضاء لأجهزته، وهذه المداولات كشفت عن مبارزة السلطتين بجهل الدستور.. وهناك في تعز لا زالت القضية تشتعل بقوة على مستوى الطرفين ولا زالت معها الاصطفافات والتكتلات تأخذ مسارها جنباً إلى جنب مع الاجراءات القضائية التي لم تتضح معالمها حتى الآن، ولا زالوا يرقبون الكفة التي ستنجم عن تلك المداولات..
و شيع الخميس الماضي جثمان احمد منصور الشوافي بمنطقة الشعيب التابعة للشويفة(مسقط رأسه يتبع حاليا محافظة لحج)، وشارك في الجنازة وزير المياه والبيئة الدكتور عبدالرحمن فضل الارياني ومحافظ إب أحمد عبدالله الحجري وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشورى وقيادة السلطة المحلية وعدد من المسؤولين بمحافظة تعز، وآلاف المواطنين فيما تغيب عنها محافظ تعز حمود الصوفي.