الخميس، 13 أغسطس 2009

الترضيات والوساطة تتدخل في رسم السياسة اليمنية
دبلوماسي ثالث لاجئاً في لندن.. والخارجية تنفي "مزاعم" تقليص الكادر "الجنوبي"

سامي نعمان (نشر التقرير في جريدة النداء)

نفت وزارة الخارجية اليمنية "بشدة" ما وصفته بـ "المزاعم" التي نشرتها وسائل الاعلام، حول تبنيها توجيهات لتقليص عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارات اليمنية في الخارج من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، لكنها لم تشر بالمطلق إلى خبر تقديم دبلوماسي يمني طلب اللجوء السياسي في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع قبل الماضي، وهو ما يؤكد الأخبار المتداولة عن لجوئه في لندن.

وصرح مصدر مسؤول في الوزارة لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن الدبلوماسيين اليمنيين يمثلون اليمن الواحد وليس هناك أي تمييز مناطقي في هذا الجانب، مشيرا إلىً أن تعمد بعض وسائل الإعلام تسويق مثل هذه المزاعم داخلياً وخارجياً يستهدف إشاعة البلبلة في إطار المخططات التأمرية التي تسعى إلى غرس بذور للفرقة والشتات ونعرات مناطقية بين أبناء الوطن الواحد بقصد النيل من الوحدة الوطنية.

وتحدثت بعض وسائل الاعلام عن مقترح متداول في أوساط الوزارة والمؤثرين في القرار باتخاذ إجراءات للحد من احتمالات تقديم طلبات لجوء جديدة للدبلوماسيين

المنحدرين من المحافظات الجنوبية، ومنها إحالتهم إلى التقاعد الاجباري المبكر، وتقليص عددهم، وهو ما نفته الوزارة بشدة.

القنصل في السفارة اليمنية بجيبوتي صالح أحمد الجبواني هو الدبلوماسي الثالث الذي يغادر عمله طالباً اللجوء السياسي في غضون السنوات الخمس الأخيرة، إذ سبقه السفير اليمني السابق في دمشق أحمد عبدالله الحسني(قائد القوات البحرية سابقا) منتصف عام 2005، وتبعه الدكتور حسين علي حسن سفير اليمن في ليبيا (مدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع منذ قيام الوحدة حتى حرب صيف 94) الذي غادر السفارة ولجأ سياسياً في لندن، في نوفمبر 2008، وينتمي ثلاثتهم إلى المحافظات الجنوبية، وفي حين باشر الحسني معارضته القوية للنظام اليمني مطالباً بالانفصال في إطار التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)، التزم زميله الدكتور حسين علي حسن الصمت ولم يعرف عنه اصدار أي مواقف او تعليقات حيال لجوئه أو تأطره في كيان سياسي معارض، فيما برر الجبواني سبب طلبه اللجوء السياسي بـ"مجزرة زنجبار" التي وقعت في الثالث والعشرين من شهر يوليو الماضي والتي ادت إلى مقتل 20 شخصاً من المحتجين، وجرح واعتقال العشرات. وينتمي الجبواني إلى ذات المدينة، ويشير موقفه هذا إلى نيته الانضمام لصفوف المعارضة الجنوبية في الخارج.

وتعكس طلبات اللجوء السياسي جانباً من الاشكالية التي تعتري السياسة الخارجية اليمنية، والتدخل المباشر في التعيينات والقرارات والسياسات التي يتم اتخاذها دون اعتبار لحساسية المناصب الدبلوماسية، أو العلاقات التي تربط اليمن بدول العالم، والسياسة الخارجية بشكل عام، رغم أن المسؤولين في وزارة الخارجية يبدون نظرياًعلى الأقل حرصاً شديداً ويتبنون شروطاً صارمة في التعيين، تأخذ بالاعتبار الدرجة العلمية والتخصص واللغات، وتفتح فيها المنافسة للراغبين ويتم القبول وفقا لمعايير المفاضلة في الغالب.

ومؤخراً تم تعيين عباس المساوى ملحقاً ثقافياً في سفارة اليمن في أبوظبي بعد أمد قصير من ظهوره في قناة الجزيرة مدافعا عن النظام اليمني، ومهاجماً بشدة قوى الحراك الجنوبي والمعارضة الجنوبية في الخارج، وهو ما أظهر التعيين في هذا المنصب بأنه جاء مكافأة للمساوى نظير استبساله في الدفاع عن سياسات النظام وتخوين معارضيه، خصوصاً أن مصادر إعلامية ذكرت أن التعيين جاء بأوامرعليا دون موافقة وزير الخارجية أبوبكر القربي.

وقبل عام تقريباً، طلب سفير اليمن في واشنطن عبدالوهاب الحجري الذي يعمل هناك منذ قرابة 15 عاماً نقله للعمل سفيراً لدى جمهورية التشيك، وبعد موافقة رسمية عليا على الطلب، رشحته وزارة الخارجية اليمنية لدى وزارة خارجية التشيك، وبعد قبول الترشيح من قبل الحكومة التشيكية، كان الجانب اليمني، قد تراجع عن قراره بنقل السفير الحجري، وأعاد إلى وزارة الخارجية مهمة ترشيح البديل والاعتذار عن الخطأ.

وترشح وزارة الخارجية اليمنية السفراء سواء بالترقية أو تعيينهم أو نقلهم بعد انتهاء فترة عملهم، إلى الرئيس علي عبدالله صالح، الذي يتدخل احيانا كثيرة في تعديل هذه الاجراءات، كما يقوم بتعيين سفراء أو طاقم السفارات من خارج كادر وزارة الخارجية، وأحيانا تتدخل الوساطة وسياسة الترضيات في قرارات التعيين.

ويبدي عدد من المسؤولين في وزارة الخارجية امتعاضهم الشديد لعدم مراعاة معايير العمل الدبلوماسي في التعيينات ورسم السياسات، وهو ما يسبب للوزارة الكثير من الاشكاليات، فضلاً عن حاجتها لإعادة تأهيل وتدريب المعينين من خارج طاقمها على أبجديات العمل الدبلوماسي.

ولا يقتصر الامر على التعيينات فالعلاقة مع الدول الاخرى تتعرض لخضات متقطعة، حين تؤثر الأوضاع المحلية والمواقف الدولية على المواقف السياسية اليمنية تجاه بعض الدول، وسبق ان استدعت الخارجية اليمنية سفيريها في طهران وطرابلس عام 2007، بعد اتهام اليمن للدولتين بالتورط في دعم الحوثيين، وهو الاتهام الذي لم يبن حينها على قرار حكومي وإنما على توصيات اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام ومطالب قبلية، كما قيل حينها. وكان على الدبلوماسية اليمنية مبكراً إعادة ترميم العلاقات مع الدولتين، التي تتذبذب من وقت لآخر، بعد أن نفت الدولتان عدم ارتباطهما بالمطلق بجماعة الحوثي.

الأربعاء، 12 أغسطس 2009

القلق الغربي المشترك: فشل الدولة سيخلق بيئة ملائمة للقاعدة

بريطانيا كلفت المسؤول السابق عن العراق بملف اليمن، وأمريكا ابتعثت نائب وكالة الاستخبارات مرتين في ستة أشهر..


لقاء رسمي جمع العليمي والقربي بسفراء بريطانيا والمانيا والمحققين الامنيين في يوم اجازة رسمية



كتب سامي نعمان (نشر في جريدة النداء)


تحتل اليمن هذه الأيام مستوى عالٍ في اهتمام صناع القرار في الدول الغربية، في ظل متغيرات محلية باعثة للقلق، ومن المحتمل أن تتسبب في الاضرار بمصالح تلك الدول، ليس في اليمن فحسب وإنما على مستوى العالم، ويأتي في ناصية محاور الاهتمام تلك، القلق من تحول اليمن إلى بيئة مفضلة لنشاط تنظيم القاعدة، حال استمرت الاوضاع الامنية بالتدهور، وبالتأكيد، فإن القضية في الوقت الحالي تعدت مشكلة الوضع الامني وفوبيا الارهاب، إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في بيئة مؤهلة للصراع، ولم يعد من السهولة بمكان التعامل مع الخرق الامني – رغم أولويته بالنسبة لهم- وإغفال ازمات البلاد الاخرى..


وشهد هذا الاسبوع لقاءات رسمية ببعض السفراء الغربيين.. وعلى شحة المعلومات التي تنشر في وسائل الاعلام الرسمية عن اللقاءات الحكومية مع مختلف الاطراف، خصوصا الوفود والسفراء الغربيين، وايضاً رتابة اخراج اخبار تلك اللقاءات، كان لافتاً ان يعقد لقاء رسمي استثنائي و"طارئ" في يوم إجازة رسمية، الجمعة الماضية، جمع نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والامن الدكتور رشاد العليمي - المكلف حالياً برئاسة الحكومة في ظل اجازة الدكتور مجور- ومعه وزير الخارجية الدكتور ابوبكر القربي، بسفراء بريطانيا وألمانيا وفريقا التحقيق التابعين للبلدين في قضية الاختطاف الغامض لتسعة أطباء في صعده قبل شهرين تقريباً، وقتل ثلاثة منهم، واستمرار الاختفاء للستة الباقين، في ظروف غير طبيعية وجغرافيا غير خاضعة لسيادة الدولة بشكل شبه تام..


لقد حمل هذا الاجتماع رسالة جادة من الطرفين المعنيين بالقضية، غير ما نقلته وكالة سبأ عن اشادتهما بمستوى التعاون مع فريقي التحقيق: الاوضاع لا تحتمل التأخير.


بحسب المعلومات التي حصلت عليها النداء، فإن فرق التحقيق وصلت الى طريق مسدود، فاشتعال المعركة في صعده تحول دون تمكنهم من القيام بالمهمة الموكلة اليهم، وتشكل الاوضاع الأمنية المتدهورة هناك خطراً على حياة أعضاء فريق التحقيق، وتحد بشكل شبه تام من قدرتهم على تتبع خيوط الجريمة، وبحسب مصدر خاص بالنداء لا يؤمل الجانبان على بقائهم أحياء، ويرجحان فرضية ان تكون الجثث قد رميت او دفنت في مكان ما في إطار منطقة الصراع، أو أي من المناطق القبلية المجاورة التي لا تخضع لسيطرة الدولة، وغموض العملية وتعقد بيئة التحقيق تجعل من الصعب اتهام اي طرف بما فيها القاعدة في الضلوع بالامر، يضيف "لكن ليس مستبعداً أن يكون هناك معجزة تحفظهم على قيد الحياة، وكلها فرضيات".


يوم الاثنين التقى الرئيس بسفراء الولايات المتحدة، وبريطانيا، وهولندا، والقائم بالاعمال الالماني، وأشارت الوكالة الرسمية للأنباء أن اللقاء ناقش الوضع الاقتصادي وعلاقة اليمن مع الدول المانحة، وكان الابرز فيما تناوله الخبر الرسمي الاشارة الى استيعاب العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون الخليجي، والاهم من ذلك "دراسة امكانية تخفيض دعم المشتقات النفطية دون التأثير على المواطن" و"تعزيز فرض سيادة القانون والمضي قدما في عملية الاصلاحات".


وعاد مجدداً إلى الواجهة الحديث عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة 40%، وهو الخيار الذي تضغط باتجاهه دول الاتحاد الاوروبي، وفي ذات الوقت يستحضرون مشهد الاحتجاجات التي شهدتها اليمن منتصف عام 2005، حينما نفذت الحكومة جرعة سعرية جديدة، وشهدت معظم المحافظات مواجهات عنيفة بين المواطنين وقوات الامن سقط جراءها عشرات القتلى والجرحي، وفي ذات الوقت وبحسب مصادر النداء، فإن دول مجلس التعاون الخليجي، تتحفظ، بل وتعارض تطبيق جرعة سعرية جديدة في ظل الوضع الحالي، والتدهور الاقتصادي في البلاد، ويرون في ذلك تعزيزاً لفرص عدم الاستقرار في اليمن وتأثيراً مباشراً يمس حياة الناس، وربما يتجاوز هذه المرة تأثيره إلى دول الجوار، خصوصاً في ظل الاوضاع المهترئة شمالاً وجنوباً.


وفي إشارة لافتة أشار الخبر الرسمي إلى أن الرئيس ناقش مع السفراء " تعزيز فرص سيادة القانون"، وهو ما يشير أن النقاش تطرق الى الحرب المستعرة في صعده، والاوضاع في الجنوب، والفساد، ومع كل ذلك الحرب على الارهاب...


وجاء اللقاء متزامنا مع افراج السلطات القضائية بالولايات المتحدة الامريكية على الشيخ محمد المؤيد بعد أن قضى ازيد من ست سنوات في السجون الامريكية، - حكم عليه بالسجن 75 عاماً- وذلك بعد ان اسقطت عنه تهم دعم القاعدة، واقراره، في تسوية قضائية، بدعم حماس، والاكتفاء بمدة السجن السابقة عقاباً لهذه التهمة..


وبالاضافة لما يراه البعض انسجاماً مع توجهات الادارة الامريكية الجديدة في تحسين العلاقة مع دول العالم الاسلامي، وازالة الصورة التي كرستها 8 سنوات من حكم الرئيس الجمهوري بوش، والتي ادت إلى تنامي مشاعر الكراهية والعداء لامريكا في العالمين العربي والاسلامي، وبالتالي، زيادة التعاطف مع القاعدة، يرى آخرون في الخطوة أنها اثبات حسن نوايا تجاه اليمن، وتخفيف ردة الفعل المتوقعة تجاه الولايات المتحدة وتقليص مشاعر العداء تجاه أمريكا، حال تدهورت الاوضاع في اليمن لمصلحة القاعدة، في ظل المتغيرات الداخلية.


ويقابل تسوية الافراج عن المؤيد، الذي ترى فيه السلطة السياسية في اليمن انتصاراً لها، فشل ذريع في التوصل إلى تسوية مرضية للجانبين اليمني والامريكي، في اعادة المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو وهم الذين يشكلون الرقم الاكبر والتحدي الابرز أمام قرار اوباما بإغلاق جوانتانامو، في ظل الشكوك الامريكية بقدرة الحكومة اليمنية على اعادة تأهيلهم وعدم الثقة بقدرتها على عدم انخراطهم مجدداً في القاعدة أو أعمال معادية او انتقامية للمصالح الامريكية، وهذا الامر، يشكل اخفاقاً للسلطة السياسية اليمنية التي تصر على إعادة جميع مواطنيها إلى اراضيها، وبالنسبة للادارة الامريكية يشكل تحدياً أمام اغلاق المعتقل، ومخاوف من تأثير ذلك على المتعاطفين مع المعتقلين، أو حصول ردة فعل من قبل خلايا القاعدة.


وقد ذكرت سبأ أن الرئيس تلقى الاثنين إتصالا من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي روبرت موللر والذي أبلغه أن الافراج عن المؤيد ورفيقه محمد زايد، كان استجابة من الادارة الامريكية لجهوده واتصالاته المكثفة للافراج عنهما.


وكانت تقارير صحافية أمريكية اشارت منتصف يونيو الماضي أن ثمة أدلة على فرار عشرات المقاتلين المنتمين للقاعدة من المناطق القبلية في باكستان إلى الصومال واليمن، وقال مسؤولون أمريكيين إن الاستخبارات الأميركية والبيت الأبيض والبنتاغون رصدوا زيادة في معدل الاتصالات بين المجموعات الإرهابية في المناطق الثلاثة لتنسيق نقل هذه العناصر من باكستان إلى الصومال واليمن وعزوا تلك التحركات إلى الضغط الذي تتعرض له القاعدة وعناصرها في باكستان جراء الهجمات المكثفة من القوات الأميركية والباكستانية أو نتيجة لتزايد الحملات الجهادية في الصومال واليمن على نحو استقطب المزيد من المتشددين مثلما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003.


وقد التقى الرئيس علي عبدالله صالح في تعز نهاية مارس الماضي، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، الذي زار اليمن، للمرة الثانية في غضون ستة أشهر، وكان الملف الأمني هو الطاغي على مباحثات المسؤول الامريكي مع المسؤولين اليمنيين، وكذا كانت زيارات مسؤولين عسكريين امريكيين في غضون الفترة الماضية، التي شهدت زيارات مكثفة للمسؤولين البريطانيين، ورغم أن الاعلام الرسمي يبرز تأكيدات الدول الغربية على دعمها لوحدة اليمن، واستمرار الدعم الاقتصادي، إلا أن الملف الامني يسيطر على الزيارات، وقد كان ملاحظاً أن الحكومة البريطانية كلفت مسؤولاً رفيعاً في الوزراة وكان معنياً إلى وقت قريب بالملف العراقي منذ ما قبل سقوط نظام صدام حسين، بمهام الملف الامني في اليمن، وهو ما يشير إلى مدى الاهتمام البريطاني بتطورات الوضع في اليمن، وتشابهها مع العراق، على صعيد افرازات الصراع الداخلي على الأقل.


وتبدي الدول الغربية دعماً صريحاً للوجدة اليمنية، لكنها لا تؤيد السياسات الحكومية المتخذة في معالجة الاحتجاجات التي تشهدها الجنوب، وتتخوف الدول الغربية من أن يستفيد تنظيم القاعدة من المشاعر المتأججة في المحافظات الجنوبية، والمناطق القبلية ليمارس انشطته بحرية.


وبشكل عام تبدو الصورة غير واضحة بالنسبة للغربيين، ولا يدركون إلى اين تتجه الاوضاع في اليمن، وما هي المخارج المتاحة للانقاذ، وما هي سيناريوهات المستقبل، في ظل تطورات متفاقمة لا تشير إلى بوادر انفراج وشيكة، لكن ما يهمهم بالدرجة الاولى هو الحد من الاضرار التي قد تتسبب بها اليمن على مصالحهم، حال انحدرت إلى هاوية الفشل، ويسعون بالدرجة الاولى لتكثيف أنشطتهم وجهودهم الامنية من أجل عدم تمكين القاعدة من الاستفادة من الوضع الحالي لصالح مخططاتها في المنطقة والعالم.

الأربعاء، 5 أغسطس 2009

في مربع الحرية...الرئيس ابتسم: تسقط حكومة مجور!


سامي نعمان (نشر هذا الموضوع في جريدة النداء)


قبل أسابيع غادر رئيس الجمهورية فناء مجلس الوزراء وسط زحمة جماعات احتجاجية مختلفة ملوحاً بيده للجموع في الساحة المقابلة لبوابة المجلس.


لا أعتقد أنه حسبهم جموع هتافين: "بالروح بالدم" يساقون أثناء مرور موكب فخامته في مختلف المحافظات. لقد لوح لهم متضامناً ومحيياً نضالهم السلمي، وقد سبق في علمه جيداً أن هذا الفضاء أصبح المتنفس الوحيد والأمثل للاحتجاج.


لوح مزهواً بنشوة الأمر الواقع الذي يخالف كل ادعاءات المعارضة التي تقول بحكم الفرد، وتحتج أمام الحكومة. إنها حقا مفارقة تستحق وقفة الرئيس وتحيته للجمهور.


فمشهد مواطنين من ذوي الحقوق والمظالم يحتجون بانتظام كما جلسات الحكومة يشير إلى دولة ديمقراطية تكفل حرية التعبير، ودولة مؤسسات يدرك فيها الناس أن مشكلتهم في أداء الحكومة ويحتجون على سوء إدارتها. وهؤلاء ليسوا فقط من العامة الذين يدْعون على دولة الدكتور مجور وأعضاء حكومته، بل فيهم نخبة المجتمع: قادة الأحزاب، أساتذة الجامعات، أرباب العمل المدني، أعضاء مجلس النواب، إضافة إلى شرائح اجتماعية ومدنية وشعبية واسعة، ومنهم من يضجون الأسماع بالشكوى من حكم الفرد!


إنها ديمقراطية نموذجية في بلد محدود الموارد، ومن الطبيعي أن تترافق مع تجربته الديمقراطية مشاكل وأزمات اقتصادية واجتماعية لا تخلو منها الديمقراطيات المثالية. هذا ما تحكيه الصورة التي اكتملت بظهور الرئيس ملوحاً ومسانداً ومشجعاً على مواصلة الاحتجاج أمام الحكومة الفاسدة.


يحق له أن يبتسم للصورة الماثلة أمامه، ولولا "ايتيكيت" الرئاسة، لنزل وتنقل بين جموع المعتصمين، ولوح للكاميرات بالسبابة والوسطى، وهتف معهم تسقط حكومة مجور.


لم لا؟ وهو يقرأ في المشهد إخلاءً لطرف مسؤوليته من مظالم كل هؤلاء، بما فيها كبرى معضلات الفشل في البلاد في الوقت الحالي، كأزمة صعدة وانتفاضة الجنوب.


منذ تدشين فعاليات الاحتجاج أمام رئاسة الوزراء منتصف العام 2007، والساحة تشهد تزاحما متزايداً كل أسبوع، وأصبحت بمثابة منطقة حرة لا يجد فيها المحتج هراوة أو رصاصات طائشة أو قوات مكافحة الشغب، رغم أنها كانت تتواجد أحيانا في بداية الاعتصامات هناك، قبل أن يستوعب المعنيون أهمية حريتها في هذا الحيز. وقد وصل عدد جماعات الضغط –على حكومة مجور– المتواجدة فيها أحيانا إلى 15 جماعة، لكل منها قضية مختلفة (بالأمس فقط كان عدد الاعتصامات التي نفذت قرابة عشرة).


حين أطلق القيادي المعارض محمد الصبري على هذا المكان اسم "ساحة الحرية"، في بداية مشوار الاعتصامات، داعياً إلى فعاليات مستمرة فيه لكل أصحاب الحقوق والجماعات المدنية، التقط مصدر رسمي الفكرة وتبناها، وأُعلن عن توجيهات رئاسية بتخصيص "هايد بارك" أمام مقر الحكومة، تكون متنفسا للمعارضة وأصحاب الحقوق. وأتذكر يومها أن الأستاذ علي الصراري علق على ذلك بالقول: "إنهم يريدون تقييد حركتنا في قطعة أرض مساحتها بضعة أمتار!".


لقد أدت ما تسمى بـ"ساحة الحرية" دورها بشكل جيد حتى الآن، فهي أسهمت في تعزيز ثقافة المواطنين بسلوك طريق النضال السلمي والاحتجاج المدني الراقي، وأوصلت كثيراً من القضايا إلى وسائل الإعلام، وأصبحت في صدارة الاهتمام ولم تتركها للموت السهل، وربما تكون قد حلت بعض القضايا الصغيرة التي تقدر عليها حكومة مجور، وقدمت صورة ايجابية عن التجربة الديمقراطية في اليمن، ولفتت انتباه كثير من العامة ممن لم يسبق لهم أن فكروا بمظاهر احتجاج أخرى غير الصميل، إلى وسائل ضغط أخرى لاستخراج الحقوق، أو عدم دفن القضايا، وإن كانت لا تزال قاصرة في هذا الميدان العقيم.


وطالما حسب للمعارضة ومنظمات المجتمع المدني ترسيخها لمبدأ الاحتجاج السلمي والاعتصامات الحضارية، فإن عليها أن تنتقل إلى خطوة أخرى متقدمة، تنسجم مع ما تدعيه من غياب دولة المؤسسات وديكورية أداء الحكومة. عليهم المبادرة بالاعتصام أمام رئاسة الجمهورية.


أليس هذا منطقياً؟ أم أن ديمقراطية "ساحة الحرية" لا يمكن أن تغامر بالاقتراب من المكان الذي تدرك نخب تلك الساحة أن بيده الحل والعقد.


تلك خطوة متقدمة، نفذت قبل اختراع "ساحة الحرية"، ونفذ الصحفيون اعتصامات ناجحة في فترة سجن الأستاذ عبدالكريم الخيواني عام 2004، وكنت أنا ضمن عشرات الطلاب المحتجين عام 2003 أمام رئاسة الجمهورية بعد أن مللنا الاعتصام لأسابيع أمام رئاسة حكومة باجمال -عافاه الله- في خلاف لنا مع عمادة الكلية استعصى على الحكومة القول بغير الوقوف في صف الجانب الرسمي. تجمعنا في الضفة الأخرى للرئاسة، وشرعنا في رفع شعاراتنا؛ إلا أن حرساً مدنيا وعسكريا اقتربوا منا، وبدا أنهم مستعدون لكل شيء، لكنهم فضلوا البدء بالإجراء الأسهل مع طلاب يحسبونهم غاوين مشاكل، ومخدوعين بالديمقراطية، ومتجرئين على دولة المؤسسات، قالوا: "عطفوا الشعارات! هذه الفوضى ما تنفعش! جيبوا رسالة بمطالبكم ونوعدكم نوصلها لمكتب فخامة الرئيس ونتابعها". وبطبيعة الحال، كان علينا أن نثبت لحرس الرئاسة أننا متحضرون، ونحن مقتنعون أن خير الغنيمة من هذا المكان هي العودة بكرامتنا، فكيف إذا أضيف لها وعد من حراسة الرئيس. عطّفنا وقفلنا منتظرين وعد الحراسة بتجاوب رئاسي، جاء لاحقا ليعيدنا إلى مرمى الحكومة ووزارة التعليم العالي، التي بدأت تناقش المشكلة هذه المرة بقليل من الجدية، لأنها عادت من بوابة فخامة الرئيس!


قد يكون متفهماً اصطفاف الجماعات الشعبية والاجتماعية العادية أمام رئاسة الوزراء، باعتبار قصر نظرهم بالوضع السياسي وآلية صنع القرار؛ لكن اصطفاف أمناء عموم أحزاب المشترك وهيئاتهم التنفيذية وممثليهم في مجلس النواب، ومنظمات المجتمع المدني في مربع الحرية –على دلالته الرمزية بالتضامن– لا يمكن تفهمه، في ظل تأكيدهم غياب دولة المؤسسات، وحكم الفرد، وغياب القدرة في اتخاذ القرار عن الحكومة. وحتى القول بأن الاعتصامات تأتي للضغط على الحكومة لممارسة صلاحياتها في إدارة البلاد، ليس مقنعاً، وهم يعلمون أن ممارسة الحكومة لصلاحياتها تحتاج لقرار سياسي رفيع المستوى، ولن تستطيع الحكومة أن تمارس صلاحياتها حتى إن نزلت هي بكامل أعضائها للاعتصام في ساحة الحرية مطالبة بإطلاقها.


هناك بالتأكيد ساحة أخرى أكثر جدوى من الخدمة المجانية في "القاع"، في تقليد أسبوعي يمثل ترويجاً للديمقراطية التي يدعون زيفها، وربما تدرك الحكومة أو من يقف وراءها أن تلبية مطالب هؤلاء يعني التخفيف عن الساحة وتغييب أبرز مظاهر الديمقراطية، التي تظهر في شاشات الفضائيات، من حين لآخر.


هناك ساحة أخرى أكثر جدوى، سيكون على الرئيس أن يلوح يومياً للمتجمهرين فيها لدى دخوله وخروجه منها، وستعكس صورة أكثر جدية للديمقراطية في نسختها اليمنية، إن سُمح لهم بتجاوز مربع الحرية في قاع الحكومة.


أما الاستمرار في هذه الساحة فهذا يعني أن على الرئيس أن يحجز له مقعداً فيها ويمد رجليه، ويترك مطمئنا للمعارضة مهمة تكذيب ادعاءاتها، ويهتف مع جموع المعتصمين وفيهم نخب ساحة الحرية: تسقط حكومة مجور!