السبت، 25 يناير 2014

حوار من أجل الدولة والمواطنة


تُطوى اليوم مسيرة عشرة أشهر من مؤتمر الحوار الوطني، استُغرقت في نقاش قضايا شائكة ومعقدة، ودراسة جذورها وأبعادها وتداعياتها، وتقرير حلولها التوافقية، التي ستشكل أساساً لصياغة عقد اجتماعي جديد، يضمن الحقوق ويصون الحريات، ويؤسس لدولة محترمة مثّل غيابُها المزمن عمق المعضلة اليمنية المتشعبة في كل اتجاه.
ومهما تباينت الآراء والمواقف حول الحصيلة النهائية التي أفضت إليها تلك النقاشات في تشخيصها لجذور الأزمات والمشاكل محل الحوار، ورؤيتها للحلول والمعالجات، إلا أن القيمة الحقيقية لتلك المخرجات تتمثل في ترجمة النصوص إلى سياسات وإجراءات تُحدث تغييراً يلمس أثره الناس في حياتهم، وتحقق تطلعاتهم في بناء دولة مدنية ملتزمة، تقوم على حكم القانون، والعدالة والمواطنة.
وأن يخوض اليمنيون غمار تجربة كهذه لم يألفوها بكل ذلك التنوع المتنافر في الأيديولوجيا والمصالح والتوجهات، وبتلك الأجندة المثقلة بإرث ماضٍ متضخم بمظالم متراكمة، وحروب مدمرة، وعدالة غائبة، وشراكة منتهكة، ومواطنة منتقصة، ودولة مغتصبة، فذلك بحد ذاته يعد إنجازاً معتبراً يؤسس لثقافة حضارية راقية، ومجتمع مسالم متعايش، متى ما استلهم الفرقاء قيمة الحوار، وآمنوا بها، واعتمدوها منهجاً لحل خلافاتهم، بعيداً عن نزعة الإقصاء، وسلوك العنف، وغواية الحروب.
وتبعاً لحداثة التجربة، وغياب الثقة والحسابات الضيقة والانتهازية لدى بعض الأطراف، وغياب التهيئة الملائمة للحوار تطاول عمر المؤتمر بأربعة أشهر على عمره الأصلي، ووصل المتحاورون إلى مستويات معقولة من التوافق، وتكفلت لجنة التوفيق بحسم تفاصيل كثيرة محل خلاف وتباين في وجهات النظر.
اختتام مؤتمر الحوار، ليس النهاية بل هو بداية مرحلة جديدة من العمل المرتكز على أسس توافقت عليها معظم الأطراف،ويتصدر مهامها صياغة دستور يضمن الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وفقاً للموجهات التي رسمها مؤتمر الحوار، إضافة لمنظومة قانونية منسجمة مع الدستور، وتلبي تطلعات المواطنين في ضمان حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم.
وإجمالاً يبقى الحوار بكل قضاياه، ومخرجاته، سواء تلك التي حظيت بتوافق كامل، أو تلك التي لازال هناك خلاف في تفاصيلها حتى الآن كعدد الأقاليم، مجرد نصوص، سيعاد صياغتها في نصوص دستورية وقانونية، تحدد ملامح وشكل الدولة، وصلاحيات مؤسساتها والأقاليم والوحدات الإدارية والعلاقات فيما بينها، لكن عقدة اليمنيين الدائمة تمثلت في العلاقة بين النصوص، وترجمتها على الواقع، في العلاقة بين المواطنين والدولة، المحكومة بالدستور والقانون.. تلك العلاقة كانت قاصرة للغاية، ويتم تطبيقها بشكل مزاجي، في ظل غياب المنظومة الفعالة المتكاملة لأجهزة الدولة وخصوصاً الأمنية منها، والسلطة القضائية.
وإذا كانت المسألة كذلك، فإن الحوار، وما يترتب عليه من إجراءات وصياغة عقد اجتماعي، ومنظومة قانونية، إن لم تفضِ لبناء دولة قوية، تؤدي وظيفتها بمسؤولية والتزام وتحفظ مصالح المواطنين، وتضبط العلاقة فيما بينهم، وفقاً لمبدأ المساواة، فلن تكون أكثر من نصوص تضاف إلى سابقاتها التي كانت مشكلة، عوضاً عن كونها حلاً لها.
بدون تحقيق الدولة القائمة على المواطنة والحكم الرشيد، فلن يكون قادم الأيام سوى تعقيد إضافي يضاف إلى القضايا وآثارها المتراكمة والنزعات العصبوية المتناسلة، التي أصبحت مصدر قلق للجميع في مختلف أنحاء البلاد.. وذلك ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد الأقاليم في الدولة الاتحادية الجديدة، ليؤدي التقسيم الجديد دوره الفعال في تخفيف المركزية المفرطة.
أمام اليمنيين فرصة سانحة لبناء الدولة، إذا ما روعيت مقتضيات وجودها وإثبات هيبتها، وبسط نفوذها على جميع أراضيها، وسحب رصيد القوة من مراكزها لصالحها، بما يمكنها من إعمال قوانينها على الجميع دون استثناء، وضمان المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص وتعزز الإدارة بما يعوض اليمنيين عن عقود من غياب الدولة وإضعاف هيبتها كانت تبعاتها على حساب أمنهم وتنمية وطنهم ومستقبل أجيالهم.
مخرجات مؤتمر الحوار أمام محك اختبار حقيقي من قبل القوى المشاركة في الحكم، لتضع نصب اعتبارها مصلحة الوطن، بعيداً عن الحسابات الأنانية والفئوية الضيقة، وتكون أساساً لبناء الدولة القادرة على أداء وظيفتها، وبغير ذلك فلن تكون سوى عقدة إضافية تهدر سنوات إضافية من عمرهم في الحروب والصراعات، عوضاً عن التنمية وبناء الإنسان.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 25 يناير-كانون الثاني 2014
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=44838

الثلاثاء، 21 يناير 2014

مأزق الفهلوة الدبلوماسية اليمنية.. سامي نعمان



يوم أمس غادر جثمان الدبلوماسي الإيراني الذي قتل في صنعاء، في جريمة بشعة يوم السبت كنتيجة طبيعية للرخوة الأمنية، والاجراءات الشكلية الهزيلة، التي تستأسد على الدراجات، وتتراخى عن السلاح وحامليه.. ها قد قتل الرجل دون الحاجة للاستعانة بدراجة نارية، فماذا أنتم فاعلون للنظر أبعد من حدود الوسيلة المساعدة، دون أداة الجريمة المباشرة.
اغتيال أبو القاسم أسدي جريمة بشعة، لا تعني دبلوماسياً إيرانياً فقط، بل تصيب الدولة اليمنية في العمق.. اغتيال أسدي جاء بعد أشهر من اختطاف زميل آخر له، لا زال مجهول المصير حتى اللحظة.
وأمام عجز السلطات عن تحقيق شيء على صعيد الإفراج عن الأول، تعرضت لصفعة قوية ومحرجة بمقتل الآخر، إذ تجد نفسها عاجزة عن القيام بدورها الأساسي الجوهري في تأمين الدبلوماسيين الأجانب، وفقاً للقوانين الدولية المنظمة لعمل البعثات الدبلوماسية.
قتل الدبلوماسيين سيجر مزيداً من الخراب على البلاد، وسيغلق كثيراً من أبوابها القليلة التي لا زالت مفتوحة مع العالم، وان كان الباب الإيراني موصداً بطريقة انتهازية وسخيفة، إذ استمرأ صانع القرار اليمني مواجهة إيران إعلامياً، دون أن يلجأ للوسائل المتعارف عليها في كل بلدان العالم، بما فيها جمهوريات الموز، برسائل الاحتجاج الدبلوماسية، استدعاء السفراء، تقليص التمثيل الدبلوماسي، او حتى إغلاق السفارات، ولا بأس حينها ان كان الطرف هنا يرغب في تسريب إعلامي، يكون اقل حرجا حينها ويبعد عن سياسة الدولة الرسمية صفة الفهلوية لتزامنه مع رسائل دبلوماسية.
بقيت السفارة الايرانية في صنعاء مفتوحة، وسفارتنا في طهران على تمثيلها ذاته الذي خلفه نظام صالح، وسط مخاض متعسر لتعيينات السفراء.. غادر السفير الإيراني السابق قبل أشهر خارج البروتوكول، كان رئيس مجلس النواب أرفع مسؤول يمني وربما الوحيد الذي التقاه للتوديع.. لم يلتقه الرئيس هادي ولا رئيس حكومته (كانت بعض اللقاءات التي يطلبها السفير الإيراني مع رئيس الحكومة او بعض الوزراء، تحال إلى وزير الدولة المستقيل حسن شرف الدين).. قبلها رفضوا استقبال نائب وزير الخارجية الإيراني الذي زار اليمن لتسليم دعوة للرئيس لحضور قمة دول عدم الانحياز في طهران.
كلاهما مثلتا مناسبتين ملائمتين للغاية لتوجيه رسائل دبلوماسية راقية مهما كانت غاضبة وحادة، لكنها ستأتي في سياق الأعراف الدبلوماسية للدول، لكن الدولة تصر على مخالفة أعرافها، وانتهاج سياسة محرجة، لها، ومهما حاولت استغلالها إرضاء لتكتلات إقليمية فإنها لن تحظى بمقابل مغرٍ يعوضها جانب من تخليها عن قيم وأعراف الدولة.
في ظل كل تلك الاتهامات الموجهة لإيران عبر الأعلام، بعيداً عن القنوات الدبلوماسية، جاءت الحادثتان الأخيرتان لتوجها صفعة محرجة للحكومة اليمنية وسياستها، إذ وجدت نفسها في مواجهة احتجاجات ومطالب ايرانية قانونية وجادة، ومن الصعب ان تستمر في تصعير الخد تجاه إيران، وقد أضحت صاحبة ادعاء قانوني مثبت ضد الحكومة اليمنية.
على بقية عقل هذه الدولة أن يعي هذا الأمر، ويدرك ان التعامل بقيم وأعراف الدولة عندما يظن ان بيده ورقة ضغط ضد دولة أخرى، يوفر عليه كثيراً من الحرج، عندما تتكاثر الأوراق المحرجة بيد خصمه ضده.
رحمك الله يا أسدي، وخالص التعازي لأشقائنا الإيرانيين، وأمنياتنا لدبلوماسيتنا اليمنية بالتعافي، وللأمن بأن يصحو ليفي بالحد الأدنى من مهامه الجوهرية المتوافق عليها دولياً بما يحفظ بعضاً من الاحترام للدولة في الخارج، اذا كانت لا تعبأ باحترام الداخل.
http://almasdaronline.com/article/53884
نشر المقال بتاريخ 21 يناير 2014

السبت، 18 يناير 2014

دماج.. مأزق التعايش ..!


حين كان عبدالملك الحوثي يخطب في الحشود التي حضرت احتفالية رعتها جماعته بذكرى المولد النبوي، مؤكداً على المصالحة والشراكة الوطنية، ويده الممدودة بالإخاء والتعاون والمحبة لكل مكونات الشعب، كان مكون يقيم ضمن حدود منطقة نفوذه وسلطته، يحزم أمتعته لمغادرتها، بعد مواجهة مسلحة وغير متكافئة، أعيت الوسطاء عن الخروج بحلول يتنازل فيها الطرفان بما يحفظ دماءهم، ويصون التعايش بينهم.
بدا مؤلماً مشهد عشرات الأسُر، بنسائها وأطفالها وشيوخها، وهي تغادر دماج-التي ولدوا وعاشوا فيها، أو أقاموا لعقود وسنوات- إلى المجهول، بعد أن ازدادت أوضاعهم سوءاً باندلاع جولة الصراع الأخيرة..
مآلات النزاع في دماج كانت صادمة للغاية، وما كان ينبغي لها أن تبلغ ذلك المستوى الكارثي، على الإنسانية والعدالة والدولة والمجتمع، لتصل حد المساس بالتعايش كقيمة إنسانية ضامنة لحقوق ومعتقدات المواطنين، بعد أن تجاوز الصراع حده القابل للاحتواء، لتغدو الخيارات الماثلة أمام الطرف الأضعف مجحفة ومؤلمة، إذ انحصرت بين الحرب والمغادرة.
بالنسبة لبلد يمر بمرحلة شديدة الحساسية والتعقيد، على كافة المستويات، ويزيد من خطورتها نزعات متناسلة تبحث عن عصبيات صغرى، فإن التأسيس لحل كذلك الذي طغى عليه التعصب الأيديولوجي، يعزز نزعة الاقصاء والتفرد، بما يوحي وكأن حلول النزاعات باتت أقرب إلى التسليم بخيار الانقضاض على قيمة التعايش في ظل غياب الدولة والعجز عن معالجة جذور الصراعات.
وإذا كانت النزاعات التي تتورط فيها الجماعات المسلحة، تؤول إلى تلك النهاية، فذلك يعني أن الجميع يخسر..
المجتمع والدولة.. الطرف الأقوى قبل الأضعف.. الضالعون فيه والمتفرجون عليه..
من يشعرون بنشوة الانتصار، أو المرحّلون أملاً في حفظ حق الحياة..
المتحمسون للبحث عن مبررات معيبة تغطي سوأة الجريمة، أو أولئك الذين يستغلون الانتكاسة الإنسانية للتشنيع بخصومهم المتورطين فيها..
يخسر الجميع وطناً، إذ يفرطون بقيمة التعايش، حتى وإن استدعى ذلك خيار حفظ الأرواح، باعتباره أخف الأضرار وأقلها قبحاً، على المدى القريب، لكن تبعاته لن تكون أقل مأساوية مستقبلاً، خصوصاً إذا ما استمرأ المتحاربون غياب الدولة.
والأنكى من ذلك كله؛ أن الطرف المستأسد في ذلك النزاع، المتحمس لرعاية احتفالات دينية تتجاوز عقدة المذهب، يجد غضاضة في التعامل مع آخرين إلى جواره، ولا يتوخى، بما هو الطرف الأقوى، تجنب نتائج وخيمة لصراع يمس قيمة التعايش، والمواطنة كأهم قيم ومرتكزات الدولة المدنية التي يستبسل في المطالبة بها.
جماعة الحوثي، تواجه معضلة بالغة الحساسية والخطورة، تتناقض مع دعوات قيادتها المعلنة، التي تنادي بدولة ومواطنة.
وحين يربط زعيمها بين شرط تخليه عن السلاح وقيام الدولة بحكومة غير عاجزة أو مرتهنة للبعض ممن يريدون استهدافه، فذلك يعني أنه قدم شرطاً مستعصياً، إذ إن بقاء جماعته كميليشيا مسلحة تشكل القوة الأكبر في البلاد حالياً، إضافة لميليشيات أخرى، يشكل العائق الأكبر أمام قيام الدولة.
كان حرياً به أن يبادر بما يحقق الهدف الذي يطالب به، بإبداء الاستعداد الفوري للتخلي عن السلاح تزامناً بين الميليشيات الأخرى بما يعجّل بقيام الدولة التي تكون قادرة على حمايته.
تلك الدولة هي الحلقة المفقودة في صراع الخصوم، والتي بات لغيابها المزمن كلفته الباهظة على الجميع دون استثناء..
ليس من مصلحة الحوثي ولا السلفيين ولا أي مواطن في هذه البلاد أن تقوم الدولة بدور لا يمت لقيمها بصلة ويضرب في الصميم هيبتها، إذ تحضر كوسيط بلا حول ولا قوة، يركز جل جهده المخلص في إظهار الحياد وكسب ثقة المتحاربين، لإبرام هدنة مؤقتة، أو حل نهائي بكلفة باهظة وخطيرة على مستقبل البلاد والتعايش بين أبنائها، إذ يكون خروج مواطنين بالمئات من موطنهم، أقرب من معالجة جذور النزاعات وتعزيز التعايش.
وإذا ما استمرت الميليشيات، متمسكة بسلاحها، ومشترطة قيام الدولة أولاً للتخلي عنه، فإنها لن تقوم ولن تحضر إلا بتلك الصورة السلبية التي ظهرت عليها مؤخراً في دماج..
وبدون سحب رصيد القوة من كافة الميليشيات لصالحها بما يعزز حظوظ الدولة والمواطنة، فلن يكون هناك طرف منتصر وآخر منهزم في أي مواجهة، بين أطراف تناوب مواقع القوة والمظلومية..
يخسر الجميع، إذ يغتصبون مهام الدولة ويضحون بالوطن..
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 18 يناير-كانون الثاني 2014
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=44705

الثلاثاء، 14 يناير 2014

تسييس ذكرى مولد الرسول الكريم.. من القذافي إلى جماعة الحوثي

سامي نعمان
عرف الاحتفال بالمولد النبوي كفعالية دينية ارتبطت كثيرا بالنسبة لليمنيين بالطريقة الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى، وخصوصا الشافعية، ومثلها في ذلك مثل مناسبات دينية أخرى كالاسراء والمعراج ورأس السنة الهجرية والنصف من شعبان.
كانت بعض الأسر تقيم احتفالا عشية الذكرى يطلق عليه "المولد" يشمل مأدبة عشاء، وأناشيد خاصة بالمناسبة، وغالبا ما كان ذلك التزاما متوارثا تبعا لوصية أحد الأجداد الذي خصص لإحيائها وقفا خاصا يغطي نفقاتها.. 
في بعض المناطق كصنعاء كان الاحتفال بالمناسبة يتم احياؤه في المساجد، بمحاضرات لمشائخ دين وعلماء يستحضرون ارهاصات مولد الرسول الكريم، وظروف ولادته وبعضا من سيرته، يتخللها ارتفاع الاصوات بالصلاة على الرسول الكريم.. 
وبالنسبة لكبرى المساجد فإنها تحظى بتغطية الاعلام الرسمي، وكان يوم ميلاد الرسول الكريم إجازة رسمية، لكنها ألغيت في السنوات الأخيرة، ربما تبعا لآراء دينية ترى في تمييز الذكرى ”بدعة”، إضافة لمحاولة ترشيد الاجازات الرسمية طبعا.. 
لكن المناسبة لم تكن تحظى برعاية طرف سياسي.. وعلى مستوى العالم الاسلامي، فإن ما بدا يطفو على السطح على الاقل في غضون السنوات الاخيرة، من ملازمة المناسبة بالسياسة هي المهرجانات التي كان يقيمها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي كان يحشد لها شخصيات سياسية واجتماعية بالعشرات ومن معظم دول العالم الاسلامي تقريبا، في اطار محاولات العقيد الراحل لاستعراض شعبيته، وتأثيره المزعوم.
كان يحضرها احتفالات الزعيم الليبي شخصيات يمنية، واتذكر انه قبل بضعة أعوام كان وفد اليمن يضم سبعين شخصية واغلبها اجتماعية، حضرت الفعالية التي اقيمت في مدينة تمبكتو والقى الشيخ سلطان السامعي كلمة كممثل للوفود التي حضرت المهرجان.
الجديد في اليمن، أنه وفي غضون الثلاث السنوات الاخيرة، دأبت جماعة الحوثي على رعاية احتفالات كبيرة تحشد لها عشرات الآلاف من مختلف المحافظات اليمنية، رغم أنه اهتمام طارئ إذ يأتي على هذه الشاكلة من الجماعة ذات المذهب الزيدي، التي كان دأبها بل وخلافاتها مع السلطات سابقا على إحياء المناسبات التي تحمل دلالة معينة في إطار المذهب الزيدي، ومنها على سبيل المثال احتفالية الغدير او عاشوراء..
بعد تجاوز الجماعة لمرحلة الحروب مع نظام صالح، بعد الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن وما وفرته لها من مناخ ملائم لها في ظل سعيها المكثف للانتشار واستقطاب أنصار وموالين جدد، وخصوصا من خارج إطار مذهبها، بما يسوقها كحركة متجاوزة لعقدة المذهبية، رغم أنها لم تتحول للإطار السياسي بعد، ونشاطها لازال مختزلا بشكل رئيسي في رؤيتها الدينية، ومواجهاتها المسلحة، رغم انخراطها في مؤتمر الحوار. 
اهتمام جماعة الحوثي بالاحتفال بالمولد يأتي في سياق الاهتمام بموروث الأطراف الأخرى من المذهب الشافعي والصوفيين والأشاعرة، والسنة عموما، واظهار الانفتاح على المناسبات التي تعني ذوي الطرق الاخرى من خارج الطرف الشيعي، بما يكسبها الثقة، ويحدث بعض التوازن مع المناسبات الخاصة باتجاههم الديني، التي ان بقيت ملازمة لها فحسب فقد تثير حفيظة الاخرين، أخدا في الاعتبار أن تيارات اخرى سنية كالسلفيين تحرم تلك الاحتفالات، هذا كله بطبيعة الحال بغض النظر عما تعنيه تلك المناسبات في الحالتين للطرف الاخر الا ان كل توجه ديني يحتفظ بخصوصياته اكثر.
اعتقد ان جماعة الحوثي تسعى من خلال احياء المولد لاستعراض شعبيتها، وقدرتها على الحشد المتنوع، واظهار مساحة انفتاحها في مناسبات جامعة للمذاهب والمكونات الاجتماعية، ومن جهة أخرى تعادل بها كفعالية دينية جانبا من حضورها الطاغي كجماعة مسلحة تخوض هذه الايام حروبا في خمس محافظات شمالية في مواجهة قوى دينية نقيضة كالسلفيين او عشائرية اخرى كشطر من قبيلة حاشد.
وبالتالي فهو محاولة لجماعة دينية، لم تتشكل سياسيا في إطار منظم حتى الآن لتوظيف المناسبة لتغطية جانب من الغياب الكبير في الحقل السياسي لمجرد استعراض شعبية، لا تمتلك حتى الان اي مناسبة سياسية لحشدهم فيها ومباراة الاحزاب في مضمار السياسة التي تتلكأ كثيرا في مسيرتها.. 
هي كذلك توجه بذلك رسائل للاخرين سلطة وتيارات سياسية بثقلها الذي لا يمكن القفز عليه ليؤخذ في الاعتبار في اي ترتيبات سياسية مستقبلية.

الاثنين، 13 يناير 2014

الكاتب سامي نعمان:الحوثيون يوظفون المناسبة لتغطية غيابهم في المحفل السياسي
المولد النبوي في اليمن.. استعراض قوة «سياسي»

مقاعد فارغة عليها رايات الاحتفال بالمولد النبوي في ملعب المريسي بصنعاء (تصوير: خالد عبدالله - رويترز)
وكالة الأناضول- زكريا الكمالي
ارتبطت ذكرى المولد النبوي الشريف في أذهان اليمنيين كفعالية دينية تتم غالباً في المساجد ومنازل شيوخ الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى وخصوصاً الشافعية، حيث كان اولئك الشيوخ يقيمون احتفالات عشية الذكرى يُطلق عليها «المولد»، يحضر إليها الناس من مختلف القرى حاملين «المواشي» التي يتم وقفها منذ شهور للمناسبة المنتظرة، وتشمل المناسبة بجانب مأدبة العشاء، اناشيد خاصة واحتفالات حتى مطلع الفجر في كثير من المحافظات اليمنية.. إلا أن تلك الصورة بدأت في التلاشي في الأعوام الأخيرة.
فمنذ ثلاث سنوات مضت، انحرفت المناسبة الدينية عن مسارها لتأخذ بعدا سياسيا، حين دأبت جماعة الحوثي (جماعة زيدية مسلحة خاضت 6 حروب مع الدولة وتتخذ من صعدة، شمال البلاد، مقراً لها) على رعاية احتفالات كبيرة تحشد لها عشرات الالاف من مختلف المحافظات اليمنية الى محافظة صعدة، وتحديداً بعد تجاوز الجماعة لـ«مرحلة الحروب» مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، مستفيدة من الانتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن في واستقطاب انصار وموالين جدد، وخصوصا من خارج اطار مذهبها.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي سامي نعمان أن اهتمام جماعة الحوثي بالمولد «ربما يأتي في سياق الاهتمام بموروث الاطراف الاخرى في اليمن من المذهب الشافعي والسنة عموما بما يسوقها كـ«حركة متجاوزة لعقدة المذهبية».
والعام الماضي، حشدت جماعة الحوثيين عشرات الالاف للمشاركة في احتفالين بهذه المناسبة، اكبرهما في محافظة صعدة، حيث معقلها الرئيس، والآخر في مديرية سنحان (موطن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح)، بعد رفض السلطات اليمنية حينها منحهم «الصالة الرياضية» وسط العاصمة صنعاء للاحتفال بالمولد النبوي، قبل ان تتراجع هذا العام وتمنحهم الملعب الرياضي الأبرز في العاصمة للاحتفال فيه.
وتحرص جماعة الحوثي على دعوة كافة مراسلي الصحف ووكالات الأنباء الخارجية والمصورين الصحفيين عبر مكتب خاص يتكفل بنقلهم الى من العاصمة صنعاء الى محافظة صعدة شمالاً.
ويقول المحلل السياسي نعمان إن «الجماعة تسعى لاستعراض شعبيتها وقدرتها على الحشد المتنوع، واظهار مساحة انفتاحها في مناسبات جامعة للمذاهب والمكونات الاجتماعية، ومن جهة اخرى تعادل بها كفعالية دينية جانبا من حضورها الطاغي كجماعة مسلحة تخوض هذه الايام حروبا في خمس محافظات شمالية في مواجهة قوى دينية نقيضة كالسلفيين او عشائرية مناهضة لها كشطر من قبيلة حاشد».
وخلال الأيام الفائتة، امتلأت شوارع العاصمة صنعاء وبعض المدن الاخرى مثل صعدة وحجة (شمال) بعشرات الشعارات واللافتات البيضاء التي تدعو الناس للاحتفال بالمولد النبوي مقرونة بشعار جماعة الحوثي المنادي بـ«الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل»، وتذكرهم «بولاية علي ابن أبي طالب»، باعتبارهم من سلالته.
ويعتقد متابعون للشأن اليمني أن جماعة الحوثي تستغل المناسبات الدينية للتوغل اكثر في المناطق التي طالما كان محرماً عليها ممارسة طقوسها الدينية فيها وخصوصا العاصمة صنعاء، اضافة الى إرسال رسائل للأحزاب السياسية بامتلاكها قواعد جماهيرية موازية لها واكثر.
وفي السياق، يشير الكاتب اليمني سامي نعمان إلى أن «جماعة الحوثي تقوم بتوظيف المناسبة لتغطية جانب من غيابها الكبير عن المحفل السياسي وللتأكيد في الوقت نفسه على أن ثقلها الشعبي لا يمكن القفز عليه ويجب ان يؤخذ في الاعتبار عند إقرار أي ترتيبات سياسية مستقبلية».
وتُحرم جماعات دينية مثل «السلفيين» (وهي الجماعة التي خاضت حرباً مع الحوثيين في بلدة دماج بصعدة لأكثر من شهر مؤخرا) الاحتفالات بالمولد النبوي، من منظور شرعي، كما تُقلل من صدقية احتفالات جماعة الحوثي بالمولد، ويقولون ان انصاره يشتمون الصحابة.
وتطورت الملاسنات بين الجماعتين حول هذه المسألة الى مواجهات مسلحة في الأيام القليلة الماضية، ففي مدينة تعز (جنوب) اصيب يمني إثر تبادل لإطلاق النار بين أنصار للحوثيين والسلفيين في حي «الجحملية» الشعبي وسط المدينة يوم الأحد بسبب نزع منشورات تدعو للاحتفال بالمناسبة من جانب الحوثيين وتقطيعها من قبل جماعات سلفية.
وفي محافظة ذمار (وسط اليمن)، والتي تعرف بأنها «كرسي الزيدية»، دارت يوم السبت مواجهات مسلحة في بلدة «آنس» بين أنصار لجماعة الحوثي وعناصر قبلية في البلدة أدت الى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين بسبب خلافات على شعارات الاحتفال بالمولد النبوي.
وكان يوم ميلاد الرسول الكريم إجازة رسمية في اليمن، لكنها ألغيت في السنوات الأخيرة، ربما اتباعاً لآراء دينية ترى في تمييز الذكرى «بدعة»، اضافة لمحاولة ترشيد الاجازات الرسمية.

الأحد، 12 يناير 2014

حكم ضد رئيس الجمهورية.. سابقة قضائية تبعث على التفاؤل

ثمة خبر يبعث على التفاؤل والامل.. 
يستحق الاحتفال اذ يبشر بدولة بعدالة بمساواة بمسؤولية:اليوم اصدرت القاضية في المحكمة الادارية رغدة عبدالرحمن حكما ضد رئيس الجمهورية في الدعوى المرفوعة ضده، للمطالبة بإلغاء قرار رئاسي بتشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد بالمخالفة للقانون. 
اليوم فقط كان المواطن خصما للرئيس في حضرة قضاء مستقل ونزيه، اثبت حق المواطن وحكم على الرئيس.. 
الحكم قضى بالغاء قرار تشكيل الهيئة وان يدفع الرئيس ٢٠٠ الف ريال مخاسير التقاضي للمدعين..
حكم كهذا، يمثل سابقة في تاريخ القضاء اليمني.. 
حكم جريء كهذا انتصار لقضاء مستقل، تاكيد على المسؤولية والمحاسبة، تاصبل لمبدأ المساواة.. 
حكم كهذا ينبغي للرئيس ان يقابله بالتزام فعلي تجاه احكام القضاء وتنفيذه على الفور بما يجسد التزامه بقضاء مستقل عادل ونزيه يساوي بين المتقاضين.
حكم كهذا ينبغي ان يسجل في التاريخ ويحتفل بولادته اذ يعتبر اهم مؤشرات التغيير.. 
حكم كهذا يعتبر ثورة ناجزة بحد ذاته، ويشكل انتصارا للدولة المدنية والمواطنة المتساوية فعلا لا ادعاء..
وبحكم القاضية رغدة عبدالرحمن الأزرقي أمس على رئيس الجمهورية بإلغاء قراره بتشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد..
تثبت المرأة اليمنية كفاءتها وأنها قادرة على تولي منصب قاض، وتحكم دون تردد او حياء أو مجاملة او خوف.. لو كان للمرأة أية حسابات كقاضية لكانت حضرت في قضية طرفها رئيس الجمهورية.. فما بال الناشطات لا يتحتفلن بانجاز كهذا.
عموماً كل التحية والتقدير لرئيس المحكمة الادارية الدكتور بدر الجمرة والقاضية في المحكمة رغدة عبدالرحمن لالتزامهم الفريد باستقلالية القضاء وجراتهم على تحقيق العدالة وتجسيدهم الفعلي لاهم قيمها ومبادئه المتمثلة بالمساواة بين المتخاصمين... بين الرئيس والمواطن..
افلا يجدر بنا الاحتفال والنشوة بهذا الانجاز العظيم في قيمته ومدلولاته ..

المحكمة الإدارية تبطل قرار تشكيل مكافحة الفساد لمخالفته القانون وتحميله مخاسير التقاضي
قاضية تصدر أول حكم قضائي ضد الرئيس اليمني

لرئيس هادي مع أعضاء هيئة مكافحة الفساد بعد ادائهم اليمين القانونية أمامه

أصدرت المحكمة الادارية في صنعاء حكماً بإلغاء قرار رئاسي صدر في سبتمبر الماضي بتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالمخالفة للقانون، في سابقة بتاريخ القضاء اليمني.
وقضى الحكم، الذي أصدرته القاضية في المحكمة الإدارية رغدة عبدالرحمن عبدالواحد، بإلغاء قرار الرئيس عبدربه منصور هادي رقم 45 لسنة 2013 بتاريخ 16 سبتمبر 2013 المتضمن تعيين أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، لمخالفته قانون مكافحة الفساد رقم 39 لعام 2006.
وحمل الحكم القضائي المدعى عليه الرئيس هادي مبلغ 200 ألف ريال مقابل «مخاسير التقاضي».
وأشارت حيثيات الحكم إلى أن قرار الرئيس بتشكيل الهيئة صدر دون مراعاة الاجراءات القانونية المتبعة لتشكيل الهيئة، وبالمخالفة لحكم سبق أن أصدرته المحكمة في مايو الماضي ببطلان إجراءات ترشيح أعضاء هيئة مكافحة الفساد، في مجلس الشورى.
ورفع أربعة مرشحين لشغل عضوية الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد دعوى قضائية ضد الرئيس هادى للمطالبة بإلغاء قراره بتشكيل الهيئة بالمخالفة للدستور ولقانون هيئة مكافحة الفساد.
والمدعون في القضية هم: المحامي محمد سيف الشرجبي، والصحفي والمحامي عبدالكريم هائل سلام، والمهندس عباد محمد قائد العنسي مهندس، وحميد محمد علي اللهبي، وهو أكاديمي بجامعة صنعاء.
وأكد المدعون أن قرار تشكيل الهيئة صدر بالمخالفة للدستور الذي يلزم الرئيس باحترام القانون، الذي خالفه الرئيس بإصداره قراراً بتشكيل الهيئة دون ابتاع الاجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 39 لعام 2006 بشأن تشكيلها.
ونقل موقع «الوحدوي نت» عن المحامي والصحفي عبدالكريم سلام، وهو أحد المترافعين في القضية، قوله «إن الحكم يكرِس مبدأ المشروعية في القرارات لأعمال الإدارة بصدور قرارات مخالفة للقوانين».
ودفعت هيئة دفاع الهيئة بعدم اختصاص المحكمة في النظر بالدعوى، على اعتبار أن الأعمال المنوطة برئيس الجمهورية وفقاً للمبادرة الخليجية غير قابلة للطعن؛ لأنها أتت في ظروف استثنائية.
وأشار الدكتور سلام إلى أنهم ردوا بأن المبادرة الخليجية لا يمكن أن تكون بديلاً للقوانين النافذة في البلاد.
وأكد سلام أن الحكم كرس مبدأ مُهماً وهو أن ليس هناك قرارات محصنة ضد الطعن وأن القضاء له ولاية على كل السلطات إعمالاً لمبدأ دولة القانون التي يعتبر خضوع الحاكم والمحكوم للمقتضيات القانونية من أهم مرتكزاتها.
وأصدر الرئيس هادي منتصف سبتمبر الماضي قراراً بتعيين أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد دون المرور بالإجراءات القانونية المتبعة لتشكيل الهيئة، وانتخب أعضاء الهيئة، وعددهم 11 عضواً، القاضية أفراح صالح محمد بادويلان رئيساً لها.
وتجاهل القرار الجمهوري بتعيين أعضاء الهيئة الإجراءات القانونية لتعيين أعضاء هيئة مكافحة الفساد، وكذلك الحكم القضائي الذي يؤكد عليها.
ويشترط القانون رقم 39 لسنة 2006، بشــأن مكافحة الفســاد، أن يقدم مجلس الشورى قائمة تتضمن 30 مرشحاً لعضوية الهيئة إلى مجلس النواب، الذي يتولى تزكية أحد عشر عضواً من بين قائمة المرشحين، عن طريق الاقتراع السري، على أن تُرفع القائمة إلى رئيس الجمهورية لإصدار قرار بتعيينهم.
كان حكم قضائي أصدرته المحكمة الادارية بصنعاء في مايو الماضي أبطل قرار مجلس الشورى بترشيح 30 عضواً لهيئة مكافحة الفساد، تبعاً لمخالفات شابت اجراءات الترشيح، وألزم الحكم مجلس الشورى بإعادة الانتخابات لقائمة المرشحين وذلك وفقاً للمادة التاسعة من قانون هيئة مكافحة الفساد، التي تتضمن شروط المرشحين لعضوية الهيئة وآلية اختيارهم وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف في سبتمبر الماضي.
وتنص المادة (9) من قانون مكافحة الفساد رقم 39 لسنة 2006 على أن تتشكل الهيئة من 11 عضواً ممن تتوفر فيهم الخبرة والنزاهة والكفاءة على أن تمثل في الهيئة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة.
وشكلت الهيئة السابقة مطلع يوليو 2007، وانتهت فترتها القانونية في 4 يوليو 2012، غير أن الرئيس هادي خاطب مجلس النواب في حينه طالباً تمديد فترة عمل الهيئة واستمرار عملها حتى انتهاء الفترة الانتقالية.
وتراجع الرئيس هادي عن طلبه ذاك ووجه مجلس الشورى، في يناير من العام الماضي، بالشروع في إجراءات ترشيح أعضاء الهيئة، لاحتواء خلافاتها مع الحكومة التي كانت ألزمت كافة وزرائها بعدم التعامل مع الهيئة لانتهاء فترتها القانونية.
وأنشئت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وفقاً للقانون رقم 39 للعام 2006 بشأن مكافحة الفساد بعد مصادقة مجلس النواب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وحددت فترة عملها بخمس سنوات.

لا أحد يستفيد إذ نخسر التعايش..

طفل يقف على شاحنة تنقل أثاث منزله في بلدة دماج بصعدة (13 يناير 2014 - تصوير: محمد الرازحي)
لا ادري لم شعرت بالحزن لمغادرة الحجوري واسرته وطلابه لدماج، ربما وجدت ان الخلافات في هذه البلاد عموما، وتلك ذات الطابع الديني هي أقرب إلى الاقصاء منها إلى القبول بالتعايش ومعالجة جذور النزاعات..
رغم التطمينات ببقاء دار الحديث، وبقاء أهالي دماج، إلا أنهم لن يستمروا طويلاً، وسيغادرون قريباً، وسيؤوسس لعهد جديد من الاقصاء من قبل أطراف تطالب بدولة مدنية وتجد غضاضة في قبول قيمة التعايش، بما هي المواطنة كأهم مرتكزاته.
أدرك أن السلفيين حلوا كطرف أضعف، كسبوا معه بعض التعاطف، مع أنهم هم أيضاً يعانون ذات المرض، مع فارق ان ما حد من تنمرهم هذه المرة هو انهم حلوا كميليشيا مسلحة في إطار ميليشيا مسلحة أكثر قوة منها، وأكثر تطرفاً وتزمتاً منها، مع فارق أن الأكبر تجيد فن المراوغة والحديث عن الدولة المدنية، وتحظى بدلال لم يحظ به أي تيار سياسي أو ديني منذ ولادة التعددية في البلاد، بكتيبة هتيفة ونشطاء، ينظرون لمدنية لجماعة يدخل السلاح والقتل في أجندتها لتوسية خلافاتها مع الآخرين، للأسف الشديد.
سيكون لهذا الحل الذي رعته الدولة الرديئة ما بعده، حتى مع أولئك الذين يشاركون في المولد.
عموما أن تحفظ الأرواح على حساب قيمة التعايش فذلك أخف الأضرار واقلها قبحاً..
يخسر الجميع حتى وان شعروا بنشوة الانتصار..
وعموماً أن تحفظ الأرواح حتى وإن كان ذلك على حساب قيمة التعايش فذلك أخف الأضرار واقلها قبحاً.

أتمنى السلام لصعدة واليمن وبشروط أفضل من هذه التي تعمل عليها الوساطات، كخيار دونه الموت..

السبت، 11 يناير 2014

خيار الدولة والمواطنة



بموافقة مكونات مؤتمر الحوار الوطني، الأربعاء الماضي، على وثيقة القضية الجنوبية، وتوقيعهم عليها، بعد استيعاب ملاحظاتهم عليها في بيان لهيئة الرئاسة، اعتمدته الجلسة العامة كوثيقة، يكون المؤتمر قد تجاوز أهم العُقد التي حالت دون ختامٍ طال انتظاره، بعد تأخره عن موعده بما يزيد عن ثلاثة أشهر.
وتبقى العقدة الأكثر إثارة للجدل فيما يتعلق بالوثيقة، تلك المتعلقة بتحديد عدد الأقاليم، التي حُصرت بين خياري الاقليمين والستة، أو ما بينهما، كما نصت الوثيقة، وإمكانية حسم عدد الأقاليم في إطار مؤتمر الحوار، أو بالموافقة على تفويض لجنة يشكلها الرئيس برئاسته، لحسم عدد الأقاليم على أن يكون قرارها نافذاً، كما ورد في الوثيقة.
المهم في هذا الأمر أن يتبع الجميع في تقريرهم لعدد الأقاليم، منهجاً علمياً مدروساً، يقيّم منطقية وجدوى الخيارات المتاحة، ومدى ملاءمتها لمعالجة اختلالات الماضي، وضمان عدم تكرار أسبابها، وتحقيق مصالح جميع المواطنين، في جنوب الوطن وشماله، بعيداً عن نزعة الاستئثار والأنانية، التي تزرع بذور الفشل ولا تؤسس لأي نجاح مستقبلي.
لطالما كانت المركزية المفرطة وغياب مبادئ الشراكة ودولة النظام والقانون والمواطنة، والعدالة الاجتماعية، هي عقدة الحكم وأساس المشاكل والأزمات، ولا بد من التأسيس لمعالجات تتجاوز جذور تلك العقد والمشاكل بتخفف من حسابات الماضي وصراعاته، والانفتاح على عهد جديد من العمل المشترك يتسم بالثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة، والتنافس على أسس ديمقراطية محترمة، وتكافؤ الفرص، وعدم اختزال الدولة في شخص أو حزب أو جماعة، واحتكار مقدراتها لصالحه.
وأن يكون النقاش محتدماً حول خيارات سياسية متاحة، سواء ما يتعلق بعدد الأقاليم أو بنظام الحكم، فذلك لا يعني أن تغيب المسؤولية في تقريرها بعمق ودراية كاملة بكافة جوانبها الإيجابية والسلبية، والموازنة بينها، وصولاً لاختيار أكثرها ملاءمة لمستقبل بلد يحمل عقداً مركبة ومستفحلة، إذ ليست الخيارات في هكذا قضايا متاحة لمسألة التجريب، ومن ثم التراجع لتجريب آخر، خصوصاً فيما يتعلق بعدد الأقاليم، لما يترتب عليها من تشكل لأنظمة إدارية جديدة على البلاد، ومصالح وارتباطات طارئة، يعتبر التراجع عنه ضرباً من العبث والمقامرة بالمستقبل.
وفي ظل النزعات الجهوية والمذهبية المتناسلة، التي تتكتل وتتوحد في مواجهة أخرى موازية، وتتنافر فيما بينها في مستوياتها الدنيا، تكون الخيارات أفضل وأنسبها تلك المقتربة أكثر من الأساس السياسي الذي يذيب العصبيات الأخرى في إطاره، في ظل دولة مواطنة متساوية، فيما الانسياق وراء الهويات بداعي إنصافها، ومحاولة تفريخها إلى ما هو أصغر منها، واعتمادها كأساس لاعتماد الخيارات لن يقف عند مستوى الشرق أو شمال الشمال أو الوسط، بل ربما يغدو متجذراً على مستوى المحافظات والمديريات.
هذا الشعب عانى كثيراً من سوء الإدارة وغياب الدولة والمواطنة، ونزعة الاستئثار بالسلطة والثروة والمصالح، تبددت معها أحلامه بحياة حرة كريمة، يتلمس فيها أبناؤه حياتهم وهمومهم كبقية شعوب الدنيا.
من حق المواطن اليمني أن يفكر بهمومه الخاصة، بتعليم أفضل لأبنائه، بخدمات طبية أكثر أهلية بالإنسان، بفرصة عمل أكثر دخلاً وملاءمة لشروط عيش كريم.. من حقه أن يخطط لمستقبله، ويحظى بحقه في المنافسة على المناصب، اعتماداً على معيار الكفاءة والأفضلية، وممارسة خياراته السياسية ناخباً ومرشحاً بقناعة متى أراد ذلك، دونما خوف من مراكز قوى ونفوذ، وميليشيات مسلحة..
من حقه أن يفكر بمشاكل تؤرق روتينه اليومي كزحمة الطرقات، وحوادث السير، والمنشآت الترفيهية لأبنائه، لا أن يبقى تفكيره مشغولاً وهمه مركزاً على قضايا مهولة ومعقدة من قبيل تمزق البلاد، أو الخوف من شبح الحروب الأهلية، أو الموت بتفجيرات إرهابية وعبوات ناسفة، أو على يد قاتل منفلت يستقل دراجة نارية.
البلاد في وضع حرج للغاية، لا تحسد عليه، وطالما عوّل المواطنون كثيراً على مستقبل مغاير، ترسم ملامحه وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، دفعوا طيلة فترة انعقاده ثمناً باهظاً من أرواحهم وممتلكاتهم وأمنهم كلفة لغياب الدولة وهشاشة أجهزتها، ومالم تؤسس تلك المخرجات بكافة تفاصيلها لدولة محترمة تحفظ أمن المواطن وكرامته وتحقق حداً مقبولاً من مصالحه، وتضمن له العدل والمواطنة، فإنه سيكفر بالتغيير بالخيارات السياسية وبالدولة برمتها، وسيكون من الصعب إقناعه مجدداً بتجريب تلك الخيارات مرة أخرى، وسيكون الأقرب إليه الارتهان إلى المشاريع المسلحة المتخلفة المنتمية إلى عصر ما قبل الدولة التي تتطاول في غير منطقة هذه الأيام، ولن تقوم بعدها للدولة قائمة حتى حين، وبالتالي فلا مجال للأنانية والتردد بين خيار الدولة والمواطنة وما قبلها.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 11 يناير-كانون الثاني 2014

السبت، 4 يناير 2014

جغرافيا مفتوحة للصراع والدمار


لا يبدو أن ثمة مؤشرات جدية على نهاية مرتقبة لرحى الحرب المحتدمة في صعدة ومحيطها منذ ثلاثة أشهر تقريباً، على أن جولات أخرى قد أخذت واستغرقت نصيبها من الضحايا والوساطات والهُدن الهشّة التي لا تسعف المتحاربين لدفن أشلاء ضحاياهم ومداواة جرحاهم، إذ الأولوية أكثر لإعادة التموضع وترتيب الصفوف، استعداداً لجولة أخرى أشد ضراوة من سابقتها.
على العكس، تؤشر الأحداث أن رقعة الصراع في اتساع مطرد، وحظوظ أطراف جديدة للانخراط فيه وفيرة، ليزداد التعقيد آخذاً أبعاداً أكثر خطورة على السلم الاجتماعي، بتداخل المذهبي بالعشائري، واستحضار السياسي كصبغة تحاول بعض أطراف النزاع مزجها فيه للتهوين من خطورته، بيد أن استعارة السياسة لتغطية جاهلية الصراع، تعتبر أكثر خطورة على خيارات المستقبل، إذ تصور كوقود حرب، لا كخيار تنافس حضاري يؤسس للسلام والتنمية والتعايش.
ومع غياب حساسية الدولة، وأطراف الصراع، والقوى المؤثرة، لخطورته في دماج، تفجرت بؤر جديدة في كتاف وحاشد وحرض، وتوشك أن تخلق أخرى في الجوف وأرحب، وقبلها في بعض مديريات حجة وعمران، وثمة أخرى مؤجلة إلى حين.
مطلع الأسبوع الماضي، تقدم الحوثيون في جبهة كتاف، و«فتحوا» معاقل السلفيين فيها، وتجلت كارثية المشهد بقيام الطرف المنتصر بنسف مبنىً يضم فرعاً لدار الحديث السلفي ومسجد ملحق به، في اجتثاث لمقومات قد تهيئ يوماً لعودة شبه طبيعية للطرف المتقهقر، إذا ما قدر لجهود الوساطة أن تنجح جدياً، أو لدولة أن تحضر بمسؤولية والتزام.
كان المشهد الذي تباهى صناعه بتوثيقه ونشره، وأكثر منه الجثث المتناثرة، التي يجهد المذنبون لزيادة أرقامها، شاهداً حياً على شرخ عميق في جدار التعايش، يرى المتسببون في إحداثه أن نسفه أولى وأقرب من محاولة ترميمه.
على أن السلفيين، ليسوا أكثر إيماناً بفكرة التعايش، فلديها أدواتها المعبرة عن ذلك، من تسليح وتجييش وفتاوى تكفير ترى هؤلاء أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، وإذا ما وجدت لديهم القوة الكافية فلربما نفذوا في خصومهم حد القتل بالردة والكفر.
تتناوب ميليشيات النزاع المؤدلجة، التي لا تؤمن بمواطنة وتعايش، تمثيل دور الأقلية والمظلومية، وسلطة الأكثرية والقوة، لتقتل بعضها والآخرين، خصوصاً المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم يسكنون جغرافيا لا يؤمن متسيدوها بالإنسان، ويقتلونه باسم التكفير أو رفض التكفير، وسيان هما.
طيلة حروب صعدة الست كانت جماعة الحوثي تواجه الدولة بالسلاح كأقلية ذات مظلومية تدافع عن نفسها، لكنها ارتقت لتغدو أكثرية تدير زمام الأمور في صعدة ومناطق شاسعة مجاورة، وتتسيّد مراكز القوى والجماعات المسلحة نفوذاً وتأثيراً، وتواجه السلفيين كأقلية بجناح مسلح احتل موقع الدفاع، كما يزعم، مع فارق أن الحوثيين كانوا يواجهون دولة، وهم يواجهون ميليشيات تحكم كسلطة أمر واقع.
يحدث ذلك مع غياب كامل ومعيب لدولة سلّمت أرواح مواطنيها للميليشيات، والجماعات الدينية المسلحة، وإن حضرت كطرف محايد، أو عبر وسيط يتسول أمراء الحروب هدنةً وسلاماً مؤقتاً.. ذلك الغياب خلف فراغاً كبيراً غطته تلك الجماعات المسلحة، التي تتنازع وظيفة ودور الدولة، في ظل انعدام مقومات تؤهلها لذلك.
وبما أنه لا مؤشرات على أن الدولة ستتخلى عن حيادها المعيب تجاه مسؤوليتها في حماية أرواح مواطنيها من الطرفين على المدى القريب وربما المتوسط، يبقى كل جهد مبذول من أي وسيط نزيه ومخلص لوقف نزيف الدم والتمهيد لإنهاء جذور الصراع أمراً مرحباً به، مهما بدا أفقه ضيقاً في هذه المرحلة.
ما ينبغي أن يدركه أطراف الصراع، إن كانوا يتعظون من حروب السنوات الأخيرة في صعدة، أن الاجتثاث ليس في متناول أي طرف مهما ركن لعظمة قوته، ولن يكون بمقدور أي مشروع متطرف أن يلغي الآخر، وينتصر بقوته، ويطغى بأيديولوجيته وأفكاره، ويحكم بمفرده جموحاً، وفكرة كتلك ليست سوى بذرة للدمار والخراب.
الدولة يجب أن تحضر بحزم ومسؤولية، للجم هذا الصراع المنفلت، إذ لا ضامن لحياة الناس وحقوقهم ومستقبلهم غيرها، وقيم التعايش والمواطنة ينبغي أن تسود، لأنها وحدها كفيلة بحفظ السلم الاجتماعي، وتحقيق مصالح الجميع.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 04 يناير-كانون الثاني 2014