الأربعاء، 26 فبراير 2014

منتصف اغسطس الماضي تحطمت طائرة ميج جراء التطامها بطير.. فكيف لو ارتطمت بـ"حمار"..




هذه الصورة، المرفقة بخبر نشرته صحيفة المصدر، تختصر واقع الحال في القوات الجوية اليمنية، طبعاً ليس منذ اللحظة، بل منذ عقد على الأقل.
الخبر في المصدر..
أهم ما وصلني تفاعلاً مع هذا الموضوع ما يلي:
في 14/08/2013، يعني قبل اربعة أشهر فقط، خرجت ) عن الجاهزية طائرة ميج 21 رقم 2223 (رقم جانبي وليس مصنعي طبعاً، يعني بعد رقمين من هذه الساكنة جوار الحمير)..
والسبب؟؟
لأن طيراً "التطم" (هكذا قرأها المصدر "التطام" وليس ارتطام) بمقدمة الطائرة بعد الاقلاع مباشرة، مما أدى إلى انعطاف مقدمة الطائرة (مخل الهواء)، ووضعها الحالي (قيد الترميم)..
واذا كانت مقدمة الطائرة قد تحطمت جراء التطامها بطير، يُكافَح في كل مطارات العالم، حفاظاً على سلامة الطائرات والطيارين والمدنيين، فكيف سيكون الحال لو التطمت طائرة عسكرية، بصعب (الصعب هو اسم للحمار بالعامية)..
وكيف لو كان هذا الصعب "إكديش"*؟؟
هذا ليس تجنياً وليس سراً عسكرياً، بل معلومة مؤكدة أبلغني بها أمس مسؤول رفيع جداً، في القوات الجوية اليمنية، تحفظ على ذكر اسمه لأنه جبان (وذلك ما قبل أضعف الايمان)، ويريد تحميلها على عاتق الفيسبوك (سامي نعمان).
المعلومة مستقاة من واقع التقارير المرفوعة شهرياً من قيادة العند..
الرجل تفاعل مع الخبر المخزي عن الحمير في صحيفة المصدر، معرباً عن اسفه لعدم حدوث قطيعة مع العهد السابق، سوى ادعاءً، واستمرار الفوضى والعبث أكثر مما كان عليه..
هو يتفق معي بأن الصورة هي من تختصر حال القوات الجوية المتردي..
الرجل اتصل بي، ظناً أن كل ما ينشر عن القوات الجوية متعلق بي، وهذا خطأ..
ما ينبغي ان يدركه الجميع أن القضية وطنية بحتة، تهم الجميع، دون استثناء حتى راعي الغنم في القرية، لأنها تجتزئ ميزانية مهولة على حساب قوت أولاده، فضلاً عن كونها مرشحة للسقوط فوق رأسه أو رأسي أو رأسك إذا ما استمر التسيب والانفلات والعبث دون كبح جماحه..
قطعاً ليست معركة شخصية وهذا اكثر ما يدركه جميع المعنيين..
هذا مالنا.. وهذا حقنا..
ليس ملكاً لرئيس ولا لوزير الدفاع، ولا لقائد الجوية، ولا لرئيس الأركان، ولا لقائد العند..
هذا حقي وحقك، مهما بدا بعيد المنال..
ولن نسكت على اهداره والعبث به..
===================
* إكديش تعني صعب شباب مراهق شاعف في طور الترويض
ملاحظة: نرفض اي ردة فعل عدوانية تجاه الحمير، أو غيرها من الحيوانات الأليفة.. فقط يتوجب منعها من الدخول

السبت، 22 فبراير 2014

غياب حساسية الوقت إهدار لفرص التنمية


مضى عام تقريباً على انطلاق مسيرة الحوار الوطني، وشهر على اختتامها الذي تأخر نصف تلك المدة، ويبدو أننا سنستغرق وقتاً إضافياً في تمجيد وثناء المنجز، دونما حساسية كافية لعامل الوقت الذي يتسرب على البلاد، في وقت هي في أمس الحاجة لاستثمار كل لحظة لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية المتردية يوماً عن سابقه.
البلاد بحاجة إلى طاقة جبارة لانتشالها من الوضع المتأزم والخطير الذي تمر به، وجهود مخلصة ومكثفة لتحقيق حالة من الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني، وبدونه لا يمكن أن تكون هناك تنمية أو ازدهار في البلاد أو تغيير في حياة الناس، ومسيرة ما بعد الحوار تمشي الهوينى كأننا بتلك الوثيقة انتقلنا إلى مصاف الدول الاسكندنافية.
أواخر عام 2009، تحدث وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله، وهو من أكثر الوزراء العرب حصافة وكياسة دبلوماسية، وقدم نصائح شديدة التركيز والحساسية، كانت جديرة بأن يأخذ بها النظام السابق –والحالي أيضاً- عوضاً عن أن تأخذه العزة بالإثم ويحتج على النصيحة الأمينة القيمة للوزير العماني.
بن علوي أبدى قلقه على اليمن، ليس لجهة التشرذم كما أوضح، في مقابلته مع جريدة الحياة اللندنية، بل لأن المشكلات التي تواجهه لن توفر لليمنيين الوقت الثمين الذي ينبغي أن يستغلوه لبناء الاقتصاد وإيجاد الطبقة الوسطى التي هي عماد الاستقرار.. وإذ شدّد على أن دول الخليج لن تتأخر عن دعم اليمن، قال إن على اليمنيين أن يساعدوا أنفسهم، وعلى قادتهم التعاون لبناء بلدهم.
هو الوقت الذي تخسر البلاد كثيراً بمضيه دون التقدم خطوة نحو بناء البلد، لا بل دون تنفيذ الالتزامات، ودون أن يدخل ذلك ضمن حسابات الأطراف المتصارعة، التي استغرب بن علوي حينها كيف أنها تتغنى بالسياسة وتتعارك حولها، وهي ذاتها، وأطراف أخرى صاعدة، لا زالت تتعارك حتى اليوم وكل منها يدعي احتكار تمثيل الشعب، وانفراده بالمساعي المخلصة لبناء دولة مدنية.
إطالة أمد الأزمات ليس في مصلحة أحد، ومخطئ من يظن ذلك، وينبغي أن تركز الجهود بمسؤولية وإخلاص، للشروع فوراً في اتخاذ معالجات مدروسة للأزمات المستفحلة بالتوازي، لا أن يتم التركيز على إحداها وتجاهل الأخرى، فالأوضاع لا يمكن أن تستقر والتغيير لا يمكن أن يتحقق بغير التكامل.
صبر اليمنيون كثيراً على دولتهم ونخبهم السياسية، ولا ينبغي أن يكافأوا على ذلك بالزج بهم في أتون مزيد من البؤس والمعاناة، حتى وصل الحال ببعضهم، وقد طال بهم أمد انتظار الوفاء بوعود التغيير، حد تمني العودة إلى الوضع الذي انتفضوا ضد مدبريه.
من حق هؤلاء الناس أن يشعروا بالأمان في وطنهم، والاطمئنان على مستقبل أبنائهم، وأن يلمسوا إرادة جادة مركزة على تحقيق مصالحهم، لا أن يمضي الوقت، ويكون جل ما وصلت إليه البلاد مزيداً من النصوص والوثائق، يتبعها تعثر في التنفيذ تبعاً لتعقد حسابات الأطراف السياسية، في موازاة تعقيد مضاعف على الأزمات القائمة، قد تقتضي بعضها جولات حوار أخرى لاستيعاب متغيراتها.
تهدر النخب اليمنية فرصاً ثمينة مواتية لبناء الدولة، ويتسرب الوقت من بين أيديهم دونما اكتراث بتحقيق التغيير الذي حلم به الناس، وكل يوم يمر، دون التقدم خطوة يعيد البلاد خطوات إلى الوراء، ويزيد من تفاقم وتعقيد المشاكل، ليصبح وضع اليوم هو أمل الغد الآخذ مساره نحو مزيد من التردي والعثرات.
تراجع أحلام الناس وطموحاتهم ليس في مصلحة أحد، وحين يصل هؤلاء إلى مرحلة اليأس من تحقيق تطلعاتهم التي ينخفض سقفها يوماً عن سابقه، ليبلغوا نقطة الانحدار التي يشعرون معها أن لا مصلحة لديهم يخافون عليها، فسيلجأون إلى جماعات العنف المزدهرة تذمراً من الواقع الذي وصلوا إليه، وعندها سيفقدون جميعهم وطناً، وستتضاءل حظوظهم في بناء الدولة، وكثير من نماذج الدول الفاشلة ماثلة، لكن السياسيون يستحضرونها دون أخذ العبرة، وتجنيب البلاد السياسات الكارثية التي تقود البلاد لمآلاتها المرعبة التي لن يقتصر ضررها على الجيل الحالي فحسب، بل ربما تطال تبعاتها الوخيمة أجيالاً متعاقبة.

saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 22 فبراير - شباط 2014

الخميس، 20 فبراير 2014

ولد الشيخ أحمد.. المسؤولية حين لا تكون اسقاطاً للواجب.




ظفرت به ليبيا.. وخسرته اليمن، وعِوضُها الخير في سلفه، وقليل من فيهم الخير والالتزام.. يغادر غداً أو بعده، دون أن يحظى ببعض ما يستحقه من تقدير الجميل..
هو الموريتاني الجميل، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي يغادر اليمن، بعد ثلاث سنوات عمل فيها منسقاً مقيماً للأمم المتحدة، ومنسقاً للشؤون الإنسانية وممثلاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المقيم في اليمن، وحضر كأحد أهم الدبلوماسيين الذين عملوا لأجل هذا البلد خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخه، عمل بإخلاص أكثر من كثير من أبنائه.
ولد الشيخ أحمد من الشخصيات الدبلوماسية الراقية والمحترمة، ذات الخبرة العميقة والمحترمة.. يغادر اليمن، وقلبه معلق فيها، لم الرجل يدخر جهداً يمكنه القيام به لصالح اليمن، خصوصاً إذا كان متعلقاً بالشؤون التنموية والإنسانية، وكان أشد حرصاً على دعم ومساندة اليمن، بل وكان يحث الفاعلين الدوليين على ذلك، بكل ما يتسطيع.. لحسن حظ البلاد، كان الرجل يسد بايجابية- فجوة كبيرة يتركها كثير من المعنيين بها مباشرة من أبناء البلاد.
لطالما خاض الرجل نقاشات واسعة مع مسؤولي المنظمات الدولية، لاقناعهم بضرورة التريث في الاجراءات الاحترازية، وتقدير مستويات الخطر، التي تضعف المعنويات في الداخل والخارج، واعادة تقييم الأوضاع في اليمن بصورة أكثر ايجابية، كجزء من المسؤولية الدولية لمساعدة هذا البلد على النهوض..
كان يفلح في مساعيه أحياناً.. وأحياناً أخرى تخذله الوقائع على الأرض.. للأسف.
ثلاث سنوات قصيرة (2012-2014) أمضاها الرجل في اليمن، حضر فيها بايجابية، ولم يعرف عنه سوى النشاط الايجابي لصالح البلاد، يعمل بهدوء وصمت وتواضع، بعيداً عن الانتهازية والاستعراض، وتفعل فيها دور الأمم المتحدة في البلاد، ليس على مستوى التسوية السياسية التي تطغى على الاهتمام، بل في الجوانب التنموية، وأكثر منها أهمية الجوانب الانسانية..
ولْد الشيخ أحمد حاصل على الماجستير في تنمية الموارد البشرية من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، ودرجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة مونبلييه بفرنسا، وشهادة متقدمة في الاقتصاد وتحليل السياسات الاجتماعية من جامعة ماستريخت بهولندا.
ولولد الشيخ أحمد باع طويل وخبرة واسعة، في التنمية والمساعدة الانسانية، إذ عمل في هذه المجالات لأكثر من 27 عاما في الأمم المتحدة، في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، فخلال الفترة من 2008-2012 عمل منسقاً للشؤون الإنسانية وممثلاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المقيم في سوريا (2008-2012) واليمن ( 2012-2014 ).
وشغل أيضا عدة مناصب في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، بما في ذلك منصب مدير إدارة التغيير في نيويورك، ونائب المدير الإقليمي لشرق وجنوب أفريقيا في نيروبي، والممثل في جورجيا..
آثرت أن اكتب عن الرجل، وهو يغادر بوقار كما عمل بصمت، لكن بتأثير ايجابي، تقديراً لجهوده الثرية التي حملها على عاتقه لأجل هذا البلاد..
هي كلمة انصاف للرجل، الذي يغادر دون ان يحظى بحقه من التكريم الذي يستحقه بجدارة..
كما يحب الخير للحميع، ويؤدي عمله بتفانٍ إلى ابعد الحدود، وليس اسقاطاً لواجب.. نتمنى له كل الخير والتوفيق في مهامه المستقبلية..

الاثنين، 17 فبراير 2014

إزاحة الغموض جزئياً عن أسباب تحطم الطائرات العسكرية



تحقيق مستمر مع فنيين ضبطوا متلبسين بتجهيز متفجرات قرب سكن الطيارين
احباط محاولتين لتحطيم طائرة بقطع اطارها وتعطيل اخرى في نوفمبر الماضي

تحطم طائرة عسكرية في حي الزراعة وسط صنعاء فبراير 2013


المصدر- سامي نعمان
بعد ثلاثة أعوام من العمليات الغامضة والاستهداف المستمر للقوات الجوية، من داخلها وخارجها، يبدو أن ثمة صدفة قادت لاكتشاف أفراد من منتسبي القوات الجوية، ضبطوا متلبسين بأدوات جريمة، كتلك التي تفضي لتحطم طائرات في الأرض أو السماء، أو مقتل ضباط في سياراتهم أو في الطرقات.
وحتى وقت متأخر من مساء الأحد، كان محققون من شعبة الاستخبارات العسكرية في القوات الجوية يجرون تحقيقات مكثفة مع ثلاثة من منتسبي القوات الجوية ضبطوا، مساء الخميس الماضي، متلبسين بمحاولة زرع عبوات ناسفة ومتفجرات حول سكن طيارين ومهندسين في قاعدة الديلمي الجوية بصنعاء.
وقال ضابط رفيع في القوات الجوية، ومطلع على سير إجراءات التحقيق لـ"المصدر أونلاين"، إن التحقيقات جارية مع ثلاثة أفراد من منتسبي القوات الجوية ضبطوا وبحوزتهم عبوات ناسفة ومتفجرات، مساء الخميس، بعد أكثر من ساعتين على الهجوم على مبنى السجن المركزي بصنعاء، لكنه رفض الربط بين الحادثين حتى يتضح عكس ذلك.
وأشار الضابط إلى وجود حريق بين الأشجار عند الثامنة مساءً قبل اكتشاف المجموعة بساعة تقريباً، مرجحاً أنها كانت محاولة مفتعلة لإلهاء الخدمة والحراسة والشرطة الجوية عما يقومون به.
وقال طيار في اللواء السادس، وهو أحد ألوية الطيران المنضوية في إطار قاعدة الديلمي، إن المذكورين ضبطوا وهم يقومون بزرع عبوات "تي إن تي" ومتفجرات أخرى حول سكن الطيارين والمهندسين والفنيين العاملين في القاعدة.
وأكد أن السكن يضم جناحاً مخصصاً كاستراحة لقائد القوات الجوية السابق محمد صالح الأحمر، وهي حالياً غرفة طوارئ تعرف بـ"الدار الحمراء".
وعلم  "المصدر أونلاين" أن المسؤول عن زنزانة الأفراد هو من كشف الأفراد الثلاثة، وهم يقومون بتحركات مشبوهة، وعمل حفر جوار سكن الطيارين، فقام باستدعاء الشرطة الجوية على الفور، وتم ضبطهم وبحوزتهم عبوات ناسفة، وأسلاك كهربائية.
وقال الطيار إن الشرطة الجوية عثرت على عبوتين ناسفتين مُعدتين للتفجير، مرجحاً أن تكون تلك العبوات خاصة لزرعها في طائرات سوخواي 22، خصوصاً أن أحد المضبوطين يعمل في صيانة إحداها.
وحصل "المصدر أونلاين" من ضابط مطلع على التحقيقات على أسماء الثلاثة المحتجزين على ذمة القضية، الأول هو "ح.ج" يعمل فنياً متخصصاً في صيانة كرسي طائرات السوخواي وملحقاته في السرب التاسع باللواء السادس طيران، وقريب آخر له لم يكمل دراسته في المعهد الفني، ويعمل فنياً كهربائياً (ع+إ.ج)، وشخص ثالث وهو فني "ر. ص".
وقال طيار على طائرات السوخواي إن المتهم الأول "ح. ج" سبق أن ضبط قبل حوالي شهرين بينما كان يحاول التسلل من الشبك إلى جوار طائرتين أميركيتين تم إهداؤهما مؤخراً إلى الحكومة اليمنية (طائرة الكاسا خاصة بالنقل والإمداد، وطائرة سيسنا خاصة بالاستطلاع والإخلاء)، من بين عشر طائرات أميركية أقر البنتاجون العام الماضي دعم الحكومة اليمنية بها، وتصل على دُفعات.
وأشار إلى أنه تم الإفراج عن الرجل بعد أن تم التحقيق معه.
الاختراق.. القاتل المستمر:
ليست المرة الأولى التي يكشف فيها اختراق للإجراءات الأمنية في القوات الجوية اليمنية، التي ما تفتأ تشدد الإجراءات بعد كل عملية اختراق، لتفتر عنها بعد فترة وجيزة..
وبدءاً من الأحدث، في نوفمبر الماضي، تمكن مجهول كالعادة من الدخول إلى هناجر طائرات سواخواي، وأقدم على إحداث قطع عرضي في الإطار الأمامي لطائرة سوخواي 22 برقم جانبي رقم 420، بواسطة منشار، إلى مستوى ما قبل الوصول إلى التجويف الحاوي للهواء.
ولولا أن تم اكتشاف الأمر قبل تنفيذ طلعة جوية بالطائرة لكانت قد أُضيفت إلى رصيد الجوية المهلك بالحوادث مجهولة السبب والفاعل. يقول طيار كان القطع كفيلاً بتحطيم الطائرة، إذ وبمجرد تبدأ الطائرة بعملية التسارع تمهيداً للإقلاع سينفجر الإطار وتتحطم الطائرة لا محالة، وإن نجت بمعجزة من التحطم لحظة الإقلاع فلن تنجو منه قطعياً مع وطأة الهبوط. في الأسبوع ذاته أيضاً، كان هناك محاولة لإعطاب طائرة أخرى..
دخل أحدهم، وهو في هذه الحالة فني متخصص بلا شك، إلى هناجر الطائرات وصعد فوق إحداها وقام بتحرير طلقات قذف فنار قمرة القيادة (الغطاء الزجاجي لقمرة الطيار)، وبمجرد تشغيل الطائرة، ويقوم المهندس بإزالة مسامير الأمان سيُقذف الفنار أوتوماتيكياً، وعطب كهذا لن يؤدي لتحطم طائرة، لكنه سيوقفها نهائياً، خصوصاً أن قطع غيار الطائرة نادرة وربما لن يجدوا لها بديلاً حتى في روسيا (الفنار لا يقذف إلا في حالة ما قام الطيار بنفسه، بعد إدراكه أن الطائرة ستسقط لا محالة، بسحب طلقات القذف التي تحرر الفنار وتقذفه أولاً، ثم تقذف بالطيار على كرسيه إلى الأعلى، ثم ينفصل الطيار عن الكرسي، وينزل كل منهما بمظلة خاصة).
يؤكد طيار في اللواء السادس، كان يتحدث إلى "المصدر أونلاين" بالهاتف مساء أمس، أن قيادة الجوية وعدتهم في حينه أن يتم تركيب كاميرات مراقبة خصوصاً بعد أن فشلوا في تحديد هوية الفاعل لكن حتى الآن، وحتى اللحظة، لم يتم تركيب أي من هذه الكاميرات المتوفرة في البقالات، كما هي متوفرة في المساكن الخاصة بالقيادات.
وفي عام 2011، تمكن مجهولون من دخول هناجر الطائرات في عهد قائدها السابق محمد صالح الأحمر وقاموا بزرع عبوات ناسفة، انفجرت في خمس طائرات سوخواي وانتينوف ومروحية مي 17، وأدت إلى تحطم  ثلاث منها، ولازالت اثنتان قيد الترميم حتى اللحظة - بحسب طيارين.
وتعتمد قاعدة العند على نوبات الحراسة التابعة للشرطة الجوية لمراقبة حدود أراضيها بإمكانيات متواضعة تعتمد على الرؤية المباشرة وتكتفي بمراقبة التدخل البشري، بيد أنها تفشل في ذلك.
وفي السادس من أكتوبر 2012، أعلن محافظ لحج أحمد عبد الله المجيدي أن الشرطة الجوية في قاعدة العند أحبطت عملية إرهابية كانت تستهدف القاعدة.
وقال المجيدي ل"26 سبتمبر نت" إنه تم ضبط سيارة مفخخة "نوع هيلوكس" تابعة لتنظيم القاعدة، كانت معدة لمهاجمة قاعدة العند، عُثر على متنها على كمية كبيرة من المتفجرات وأسطوانات غاز، بالإضافة إلى صواريخ "لو" وملابس نسائية وملابس طيارين للتمويه وخمس قطع سلاح.
وقال لـ"المصدر أونلاين" ضابط في العند إن السيارة قديمة موديل 79، كانت تحاول المرور من جهة الأرض الزراعية، وتجاوزت نوبات الحراسة ودخلت في حدود القاعدة، لكنها واجهت عوائق طبيعية، أو خللاً فنياً، وتعثرت في طريقها (غرزت)، وبعد إدراك من كانوا عليها من عدم قدرتهم على النفاذ إلى القاعدة الجوية تركوها وفروا قبل أن يكتشفها المزارعون في الأراضي المجاورة ويبلغوا الشرطة الجوية بعد فترة وجيزة.
وفي أبريل الماضي 2013، قُتل ثلاثة طيارين مدربين عند أحد المطبات في الشارع العام بالحوطة، بينما كانوا متوجهين إلى مقر عملهم في اللواء 39 تدريبي.
ومطلع مايو 2013، تعرضت صهاريج الوقود في العند للحريق دون أن تكشف أسبابه وملابساته، بعدها تمت إقالة قائد فرع الشرطة الجوية بالعند وبعض معاونيه على ذمة القضية.
وفي أواخر أغسطس من العام الماضي، قُتل ضابط في القوات الجوية وجرح 28 آخرون بانفجار عبوة ناسفة زُرعت بحافلة نقل تابعة للقوات الجوية في شارع الستين الشمالي بصنعاء، وعزا حينها مدير المركز الإعلامي للقوات الجوية مهدي العيدروس السبب إلى اختراق أمني.
طيارون يجزمون: طائرة الخمسين سقطت بعبوة ناسفة
وطالب طياران في اللواء السادس، في اتصال مع "المصدر"، رئيس الجمهورية وقيادة القوات الجوية بإعادة فتح التحقيق في سقوط الطائرات السابقة، خصوصاً الثلاث الأخيرة منها التي سقطت فوق صنعاء (طائرتا سوخواي 22 سقطتا في الزراعة والخمسين، وطائرة انتينوف في الحصبة)، إضافة إلى طائرة ميج 21 تدريبية تحطمت في مطار العند عند محاولتها الإقلاع. ويشكك طيارون في جدية التحقيق بملابساتها.
وقال أحد الطيارين لـ"المصدر أونلاين" "بالنسبة للطائرة التي تحطمت في شارع الخمسين فقد بات مؤكداً لدينا بشكل أقرب إلى الجزم أنها تحطمت بعبوة ناسفة زُرعت في كرسي الطيار"، نافياً بالمطلق فرضية تعرضها لإطلاق نار من الخارج.
وأكد أن القطعة التي وجدت في مكان الحادث، وعليها ثقوب، لم تكن لأعيرة نارية من رشاشات بالمطلق، وثمة روايتان حولها: إما أنها ليست من جسم الطائرة أو أنها ناجمة عن انفصال أجزاء من الطائرة عن بعضها، وتلك الثقوب ناجمة عن مسامير الكبس (الريبيلت)، ولم يتم اثبات انها من الطائرة.
وأضاف "دعنا نحسبها علمياً: الطيار بدأ بدخول منظومة الهبوط من المسافة البعيدة (يتم الدخول فيها والنزول من ارتفاع 4 كم، وهي سرعة انزال العجلات والقلابات، ومسافة 40 كيلومتراً، في حالة الظروف الجوية السيئة أو تراكم السحب)، وتحطمت الطائرة على بُعد 31 كيلومتراً من رأس المدرج، وبدأت تتهاوى من ارتفاع 1500 متر".
وأشار الطيار إلى أنه لو تم الانسياق وراء فرضية تعر'ض الطائرة لإطلاق نار وفي قطعة واحدة وبثقوب متقاربة، فذلك يعني أنها أمطرت مطراً بالرصاص، من رشاش 23 مضاد للطيران، وذلك كافٍ لعمل ثقوب، لكنه لا يعني بالضرورة أن يفضي لإسقاطها من ذلك الارتفاع إلا إذا أصاب أماكن حساسة في الطائرة كخزانات الوقود.
وأضح أن العديد من الطائرات تعرضت لإطلاق نار بعضها نجت وعادت إلى قاعدتها بسلام دون أن تتضرر أو تتأثر، كما حصل مع بعض الطائرات في العند خلال فترة الحرب في أبين، وكانت الطائرات تعود سليمة. كما أن النقيب طيار توفيق الظبري نجا من تحطم طائرة سوخواي 22 عام 2011 في أرحب بعد أن تعر'ضت لإطلاق صاروخ حراري "استريلا" مضاد للطيران، وتمكن من القفز من الطائرة باستخدام الكرسي القاذف.
وأكد الطيار أن "فرضية التدخل الخارجي باتت في مؤكدة في تفجير الطائرة التي ذهب ضحيتها الطيار هاني الأغبري، ما لم يكن هناك معلومات قطعية تثبت عكس ذلك، أو تتغلب في شواهدها على ما بتنا مقتنعين به من خلال تحرياتنا الخاصة، خصوصاً أن الطيار لم يبلغ بخلل فني أو تعرذضه لإطلاق نار، وبدأ مرحلة الهبوط، وانقطع الاتصال بعدها".
وقال إنه وزملاءه لا يتهمون المضبوطين بمحاولة زرع العبوات الناسفة، الخميس، جوار سكن الطيارين، لكنهم أيضاً لا يبرئونهم، مطالباً بإجراء تحقيقات شفافة، وإن لم تعلن على الرأي العام لحساسيتها أو لمحاذير أمنية، فيجب أن يبلغ بها المعنيون من الطيارين والمهندسين والفنيين وأهالي ضحايا الطائرات السابقة.
التدخل الخارجي والصفقات الفاسدة تثير قلق الطيارين
وإذ شدد الطيار على خطورة الاختراق الأمني، نوه أن ذلك لا يعني بالضرورة أن "جميع الطائرات سقطت تبعاً لتدخل خارجي، "فبعض الطائرات وارد فيها بقوة فرضية الخلل الفني، خصوصاً تلك طائرات الصفقة الأخيرة التي أبرمت عام 2008، والتي تم إيقاف الطيران عليها مطلع الشهر الجاري".
وأقرت لجنة مشكلة من قيادة القوات الجوية، تضم مسؤولين وطيارين وفنيين، مطلع الشهر الجاري إيقاف جميع طائرات السوخواي 22 التي دخلت الخدمة في اليمن ضمن الصفقة الأخيرة المبرمة عام 2008، بسبب المشاكل الفنية في أغلبها.
كما أقرت إيقاف استقدام الطائرات المتبقية من الصفقة، والتي لم يتم تسلمها حتى الآن، من روسيا البيضاء، طبقاً لطيارين أكدوا أن أغلب طائرات الصفقة فيها أعطال قاتلة، وأن الطيران فيها يتم بالحظ لا أكثر.
وجاء القرار بعد أن تمكن عصام شحرة، وهو طيار برتبة نقيب، من السيطرة على الطائرة (تحمل الرقم الجانبي ٢٢٣١) بعد أن قامت بعمل ميلانات مفاجئة يمين يسار، وتزيد زوايا الهجوم، وهي خارج نطاق سيطرة الطيار، بينما كان في المرحله النهائية من الهبوط، وعلى ارتفاع 100 متر، غير أن شحرة تمكن من تدارك الوضع، إذ ألغى الهبوط ورفع العجلات والقلابات وقام بعمل دوره ثانية للهبوط، تمكن بعدها من الهبوط بسلام.
وأبرمت صفقة يصفها الطيارون بالمشبوهة، لشراء سرب طائرات سوخواي 22 (12 طائرة) في عهد القائد السابق للقوات الجوية محمد صالح الأحمر، عام 2007، وتم استقدام اكثر من نصفها إلى اليمن، في حين لازالت بقية طائرات السرب في روسيا.
إجراءات احترازية منفعلة .. ولا جدية
يبدو الحظ حالف الطيارين والمهندسين والأفراد أكثر من قيادة القوات والشرطة الجوية، إذ أسهمت الصدفة وحدها في كشف مخطط لقتل العديد منهم، وربما تفضي لكشف الكثير من الخيوط التي ظلت مخفية وتحمل على الفاعل المجهول والانفلات الأمني في كوارث الطائرات المتعاقبة واغتيال الطيارين والمهندسين، بقدر ما يعتمد ذلك على الجدية والشفافية في التحقيقات، وفي اتخاذ إجراءات احترازية.
وحتى مساء أمس، كان الإجراء الاحترازي الوحيد الذي وجهت به الجهات المعنية في الجوية هو منع خروج الطيارين والمهندسين من سكنهم بعد الثامنة مساءً.. كما يبدو إجراءً انفعالياً أبعد عن الديمومة والمنطقية، يبدو التفكير بشيء من قبيل كاميرات المراقبة أبعد من حدود الخيال.
===============
نشر التقرير في صحيفة المصدر بتاريخ 16 فبراير واعيد نشره في موقع المصدرأونلاين
http://almasdaronline.com/article/54774


السبت، 8 فبراير 2014

مآلات الصراع الجاهلي في الشمال


بإمكاننا أن نتصور الآن مشهداًَ مختلفاً للدولة المدنية التي ينشدها الطرف القريب من صنعاء –إذا ما أكمل مشواره- مدججاً بجحافل مسلحين قبليين غير نظاميين، وترسانة أسلحة لا تمتلكها سوى الدول، ولا ينقصها حتى الآن سوى الطيران.
لا يرغب عبدالملك الحوثي بالحكم ولن يكون واجهته، ولا يريده أصلاً، إذا ما أنجز خطته في السيطرة والاستحواذ.. الرجل يستلهم تجربة مرجعية المرشد في إيران، باعتبارها أعلى وأسمى نظرية للحكم، على تخلفها ومناقضتها لأبسط مقتضيات المدنية والمساواة، على أن هذا لا يعني بالضرورة وجود علاقة ودعم إيراني مباشر للرجل لإنجاز مهمته.
كتبت قبل قرابة عامين أن الرجل لا يرغب بتأسيس حزب سياسي، ولا بسلطة محافظة، ولا رئاسة دولة، إذ يرى نفسه أكبر من هؤلاء جميعهم، في موقع المرجعية للجميع، دولة وسلطة وأحزاباً وجماعات، وراسم سياسات، بواجهة دولة تنفذها.. بطبيعة الحال أتحدث عن استلهام التجربة الإيرانية المتخلفة في الحكم، وليس عن شيء آخر من قبيل الدعم المباشر الذي لا أملك دليلاً عليه، سوى التقارب المذهبي.
ثمة كومبارس كُثر يتغنون بالدولة المدنية والحقوق والحريات والمدنية، ويتذمرون من تخلف الأحزاب ونزعتها الإقصائية في مضمار السياسة، لكنهم يكبَّرون ويهللون لميليشيا مسلحة، وسيلتها البائنة حتى الآن هي العنف لإقصاء الخصوم، مع رتوش سياسية تحضر للاستشهاد بحسن النوايا، دون أن تغير شيئاً من قبيل مشاركتها في الحوار.. وهؤلاء الكومبارس المدنيون، هم من سيتكفلون بإكمال المشهد الكرتوني لدولة الميليشيا التي تقاتل من أجل المدنية.
خلال الأشهر الماضية، خاضت جماعة الحوثي، وأطراف أخرى قبلية ودينية، ومختلطة، حروباً جاهلية مقيتة، وباعتباره الطرف الأقوى، وريث الدولة في صعدة، كسلطة أمر واقع، جرت الأمور لصالحه، وتمكن من تغيير موازين القوى السائدة لعقود في شمال الشمال، قبلية ودينية.. ألغى السلفيين بالمجمل واستفرد بمشهد صرخة الموت واللعنة.. أقصى شيوخ آل الأحمر في قبائل حاشد بشكل شبه نهائي، وأضاف نفوذها القبلي وقوتها المسلحة لرصيده، الذي طالما ناشدنا الدولة الهاجعة سحبه لصالحها، وطالما أنها لم تفعل، فقد حضر من يؤدي ذلك الدور لصالحه.
أصبح لدينا طرف مستأسد، يتقدم على ما دونه من الميليشيات القبلية، طوعاً وكرهاً، يندفع معززاً بمظلوميته التاريخية، ويجهز على مراكز القوى القبلية، ويستبيح جغرافيا نفوذها التي خرجت عن سلطة الدولة، بتواطؤ منها أو بدونه، على أنه رغم ذلك كله، لا زال يتحدث عن ذلك التغول، باعتباره دفاعاً عن النفس، لكأنه يعيش ذات أجواء حروب صعدة الست مع نظام صالح.
ليس من المنطق الحديث عما يجري، باعتباره ثورة حاشدية ضد مشايخ آل الأحمر المتسلطين.. بكل تأكيد تمكن الحوثي من كسب مناصرين كثر من تلك المنطقة ومناطق كثيرة في اليمن، بأخطاء خصومه، سلطة، ومراكز قوى عسكرية، وتيارات سياسية، لكنه استخدمها ووظفها ووجهها ودعمها لصالح ثأره، وحصد نتائجها لصالح مشروعه الخاص، وليس لصالح مشروع وطني يؤسس للدولة المدنية التي يزايد بها، أو يروج لها منظروه.
مستقبل الدولة المدنية في المناطق التي سيطر عليها الحوثي، وأخرى يتوقع السيطرة عليها لا يحتاج لكثير من الإجهاد لاكتشافه.. فالسلطة التي حكم بها في صعدة هي التي ستعمم.. لا صوت يعلو فوق الصراخ بالموت واللعنة، جماعة واحدة تنشط، والويل لمن يخالفها، ذلك ما حصل مع السلفيين، كجماعة دينية مسلحة مخالفة أيديولوجياً تمثل أقلية في إطار سلطة الأمر الواقع للحوثي، وبعد أشهر من المواجهات كان مآلها إلى الخروج، باعتباره الحل المتاح والأسلم.
بالنسبة للأطراف السياسية الأخرى، فإن عليها أن تعمل وفقاً للمحددات التي يضعها الطرف النافذ بقوة من تلك الصراعات، تماماً كحال صعدة في العامين الأخيرين التي طغى فيهما حكم جماعة الحوثي، وتراجع فيها أي حضور للأطراف السياسية.
لازال أمام القوى المدنية والسياسية الحية في البلاد أن تعمل شيئاً وتتكاتف ضماناً للدولة التي بقيت على الحياد حتى الآن، ولم تتورط في الصراع بشكل مباشر، واكتفت بدور الوسيط لإيقاف جذوة الحرب المشتعلة التي تتطاير شراراتها لتلهب بؤراً خامدة في مختلف مناطق البلاد.
القوى المدنية التي تؤمن بالتعايش والعمل السلمي ينبغي أن تشكل جبهة ضغط جديدة، وتصطف سلمياً، بعيداً عن التجاذبات السياسية، وتتدخل لصالح حضور الدولة، التي يحظى فيها الجميع بحقوقهم السياسية والمدنية، وفقاً لما تم إنجازه في مؤتمر الحوار، بتوافق معظم الأطراف مهما كانت الملاحظات عليه، لإنجاز عقد اجتماعي مدني جديد يحظى فيه جميع أبناء الوطن بفرص متكافئة، وتتنافس جميع الأطراف على إدارتها وفقاً لبرامج سياسية وأسس ديمقراطية واضحة، تطور الهامش الديمقراطي، لا بحكم القوة والسلاح.
وعلى الدولة أن تلملم شتاتها، وتعمل بمسؤولية على شغل الفراغ الذي خلفته سابقاً وحالياً، وشغلته مراكز القوى والجماعات المسلحة، وبغير ذلك فلن يكون المستقبل سوى مزيد من الصراعات والجبهات المشتعلة، وسيكون خيار العنف مبرراً لبعض الأطراف السياسية في ظل استعلاء الطرف المنتصر وفرض شروطه على الجميع، لتنتج سلسلة متوالية من الصراعات التي ستكون عواقبها وخيمة على البلاد برمتها.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 08 فبراير - شباط 2014


السبت، 1 فبراير 2014

فوضى عسكرية ..!!



مرة أخرى تطل الفوضى برأسها من المعسكرات، لكن بشكل أكثر وقاحة وهمجية بعد أشهر من الهدوء النسبي، إذ سبق أن سادتها الفوضى خلال الفترة التي تلت الانتفاضة الشعبية وحتى ما بعد إصدار قرارات هيكلة الجيش في أبريل 2013.
وأن يصل الأمر بضباط وجنود في معسكر حد الاعتداء على مؤسسة حكومية رسمية، والسيطرة عليها، فذلك يعني أن وحدة في الجيش تتحرك بحرية مستغلة طابعها النظامي المفترض، وإمكانيات ومقدرات الدولة، لتمارس سلوك الميليشيات والعصابات المسلحة التي تقتل وتفتك وتنهب المواطنين متخففة من أي التزام أو مسؤولية..
اقتحام مبنى محافظة الحديدة من قبل ضباط وأفراد إحدى كتائب اللواء العاشر، للضغط على المحافظ لتوقيع وثائق تثبت تمليكهم أراضي تابعة لإحدى مؤسسات الدولة، يؤشر لوضع خطير ومزرٍ للغاية، بعد عام من الهيكلة، بغض النظر عن الموضوع المشكل الذي تسبب في فعلهم المشين ذاك.
مثل ذلك العمل يوحي أن بعض وحدات الجيش لن تتورع أن تمارس سلوك الميليشيات وبشكل أكثر جرأة وعنجهية حينما يتعلق الأمر بمصالح أفراد أو ضباط فيها أو نخب مرتبطة بها، دونما اكتراث لطبيعتهم النظامية، ومهامهم العظيمة، إذ يرتبط عملهم بحماية سيادة الدولة، وليس استباحة حرمتها في الداخل.
وعلى العكس من ذلك تماماً، يبدو كثير من هؤلاء وأمثالهم مسترخين للغاية أمام بلاغات توجه لهم من قبل مواطنين، بتهريب سلاح أو مخدرات، أو احتراب بين مواطنين، ويبدون التزاماً حرفياً بنصوص مهامهم، ليؤكدوا أن مثل ذلك لا يدخل ضمن مسؤولياتهم، وكأن اقتحام محافظة الحديدة، أو إدارة أمن، أو أي منشأة حكومية أخرى مؤصلة في القانون.
عرفنا سابقاً أن قيادات عسكرية نافذة كانت تُسخِّر وحدات الجيش وإمكانيات الدولة لحماية مصالحها، وتعزيز نفوذها.
وأن يتجاوز الأمر تلك القيادات الفهلوية المستهترة ليصبح سلوكاً وممارسة يتسم به الأفراد والضباط لحماية مصالحهم المفترضة بعيداً عن القضاء، وهم الذين طالما اشتكوا غطرسة قياداتهم وفسادهم، فذلك ينمّ عن مشكلة كبيرة في ثقافة ومسؤولية رجال الدولة، يوشك تدهورها وانحطاطها أن يودي بالدولة برمتها قبل مصالح الآخرين حينما تتقاطع المصالح.
أي خسارة تخسرها البلاد، إذ تنكب برجال دولتها المفترضين، الذين يفرطون في أبسط تقاليد وقيم الدولة، ليستبسلوا في مواجهتها ذاتها وانتهاك حرمتها وضربها في الصميم متى اقتضت ذلك المصلحة الخاصة أو ثقافة الاستحواذ بالقوة، عوضاً عن الدفاع والتفاني والتضحية في الدفاع عن مكانتها مهما ضعف أداؤها وزادت سلبياتها.
وزارة الدفاع معنية بالوقوف بشكل صارم وحازم في مواجهة أي أعمال أو تصرفات همجية من ذلك القبيل، ومحاسبة المسؤولين والمتورطين فيها، بمختلف مستوياتهم، وإحالتهم للقضاء العسكري، وإعمال القانون بشكل صارم عليهم وغيرهم من المزاجيين في افتعال الفوضى والعبث في قبول ورفض القيادات، وكأن أمر قيادات الجيش أصبح مطروحاً للخيارات المزاجية أو حتى العقلانية.
****
تقييم إيجابية تعيين ناطق باسم القوات المسلحة يعتمد على أداء الناطق العقيد سعيد الفقيه، ومدى تعامله بشفافية ومصداقية مع وسائل الإعلام، ومدى ما توفره له المؤسسات العسكرية من معلومات واضحة، على أن القرار يبقى إيجابياً.
الرجل متخصص عسكرياً وإعلامياً، وهو معني بكسب ثقته.. الإعلام معني بالتواصل معه، ومن الخطأ أن يظن البعض أنه وبتعيين ناطق رسمي للجيش توقفت مسؤولية الصحافة في التحري وراء الأحداث من مصادر أخرى، على أن لا تغفل صوته بالضرورة.. الإعلام المستقل ليس ملزماً سوى بخدمة الحقيقة والتحري وراء ما قد يتحفظ عليه الناطق الرسمي من معلومات، مع توخي أقصى درجات الدقة والمهنية.
أتمنى على الناطق الرسمي أن يسهم في تعزيز الشفافية وخدمة الحقيقة وحق الرأي العام في المعرفة، وأن لا يقبل بحصر مهمته في النفي والتكذيب.. الناطق الرسمي للجيش والإعلام اليمني بمختلف توجهاته معنيان بالالتزام بالمسؤولية وتحري الدقة والابتعاد عن التضليل أو التلفيق في قضايا وأمور شديدة الحساسية وربما الخطورة كتلك المتعلقة بشؤون الجيش.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 01 فبراير - شباط 2014