سامي نعمان*
ربما هي المرة الأولى التي يقع فيها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي يقترب من إنهاء عقده الثالث في الحكم، في موقف كهذا.. يستمع لخطاب ناقد لسياسات نظامه وأجهزته الأمنية ويحظى بتأييد غالبية الحاضرين، ثم يخوض جدلاً شديداً مع جمهور لا يحسن الاصغاء، ولا "بريستيج" النقاش الجماعي مع رئيس دولة وفي حضرة وسائل الاعلام التي توثق صوتاً وصورة... ذلك حدث السبت الماضي في الحفل الافتتاحي لمؤتمر نقابة الصحفيين اليمنيين، حين بُدئ الحفل كعادته كلمات تزجي المديح الرسمي المطعم بأحاديث الانجازات والرفاه والقيادة الحكيمة ساقها مسؤولون رسميون أبرزهم نقيب الصحفيين اليمنيين (رئيس وكالة الأنباء الرسمية سبأ) نصر طه مصطفى، والامين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، ووزير الاعلام حسن اللوزي، غير ان ما لم يكن مألوفا هو تلك الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين جيم بوملحة..
قطعاً لم يكن ذلك توازناً، لقد بدا واضحا توتر الرئيس وهو ينصت جيداً لكلمة بوملحة التي كانت اشبه بمرافعة أمام المحكمة، و نادى بالماء مرتين وهو يتحدث، وتوقف عن الحديث عدة مرات والصحفيون يقاطعونه معقبين على بعض ما كان يتحدث عنه من معلومات حول فتح بابه وأبواب وزاراته للصحافة للتأكد من صحة المعلومات وللنقاش.. تبعاً لذلك اتخذ عددا من القرارات الايجابية من المنصة، يامل الصحفيون ان لا تظل طريقها كمثيلات لها أعلنت سلفاً ولم يكن لها أثر على الواقع.
تحدث نقيب الصحفيين اليمنيين، وتبعه الأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، وحتى هنا كانت الامور تسير برسمية يمنية وعربية ربما افضل مما يرغب الرئيس: إشادات وأمنيات لا أكثر.
بعدها كانت الزلزلة.. لقد نودي برئيس الفدرالية الدولية للصحفيين متحدثا، وهذا الرجل يملك من الاستقلالية ما يجعله متخففاً من أعباء عبارات التزلف و"البروباجندا" الرسمية المنتقاة ألفاظها بعناية.. وبالنسبة له فهو فلم "موسم القنص" ضد الصحفيين حول العالم، الذي يستخدم كلمات قاسية من أجل ما يعانيه الصحفيون في خطاباته التي يلقيها في مختلف دول العالم للحديث عما يعانيه الصحفيون.. وأكد هنا في اليمن: وسأستمر في استعمالها....
صمت الحاضرون للمتحدث بالعربية بشكل ضعيف اعتذر عنه في بداية كلمته، وكانوا يقاطعونه بين الحين والآخر بتصفيق حار لم يكن يقطعه عن الحديث كعادة المتحدثين العرب عندما يُصفق لهم... كان التصفيق تلقائيا خالياً من النفاق المعتاد، مع كل عبارة شديدة اللهجة وجهها للنظام اليمني ولا شك انها وصلت سمع الرجل الاول فيه، وهو يعتبر ان تصفيق الأغلبية الحاضرة بمثابة تصويت ايجابي لصالح على كلام الرجل الذي نقل رسالته باسم 150 منظمة دولية يمثلها الاتحاد و 600 الف صحفي حول العالم: أنها دائما رسالة احتجاج واستنكار مدوية وواضحة الى السلطات اليمنية، لن نقبل باضطهاد الصحفيين ولا باعتقالهم أو فرض الرقابة عليهم بأي شكل من الاشكال.
بعد ان عمم الحديث عن تدهور حريات الصحافة منتقداً حتى الديمقراطيات العريقة، كهولندا والدنمارك والمانيا التي شرعت بمراقبة هواتف الصحفيين، مضيفاً : حينما تتصرف ديمقراطيات عريقة بهذا الشكل فإنه من غير المفاجئ أن تلجأ الانظمة التي يتم فيها خرق حقوق الانسان بشكل معتاد، وهذا الامر يجعلها تزيد من قوة الطغيان التي تحكم به بلدانها فيزداد التسلط ترسخاً.. كانت تلك التوطئة بداية الدخول في الحديث الاكثر حساسية هنا..
"نحن عائلة الصحفيين العالميين عائلتكم نشارككم في رعبكم وغضبكم بسبب المعاملة التي يعامل بها زملائنا هنا في اليمن، نحن نعرف ظروفكم والاحكام المسيسة والمجرمة وكذلك الرقابة التي تواجهونها بشكل دائم وقانون الصحافة المتشدد وقيوده الكثيرة حول تغطية اخبار الرئاسة وأمن الدولة والدين"، قال بوملحة في مستهل رسالته الى صناع القرار والصحفيين في اليمن.
رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين ذو الاصول العربية المغاربية، الذي زار اليمن هذه المرة بصفة رسمية كما ترغب السلطات: ضيف شرف على مؤتمر نقابة الصحفيين اليمنيين الذي تأجل للمرة الثالثة بسبب تأخر الدعم الحكومي، كان مؤملاً ان يكون ضيفاً دولياً يعمل بأصله العربي ليمنعه حضور رئيس البلاد من الحديث عن تدهور حريات الصحافة ويوفرها للغرف المغلقة، لكنه خيب كل التوقعات الرسمية وتحدث عن الانتهاكات وقمع الاجهزة الامنية اليمنية للصحفيين والتضييق عليهم، " إنه لمن المحزن وجود حرية الصحافة في اليمن دائماً تحت الظل لعدم وجود ثقافة ديمقراطية أو حرية صحافة متجذرة أو والتي خلقت افضل افضل الظروف من اجل مراقبة نفسها بنفسها وايضا من أجل التوجيه السياسي(...) إننا نقول للسلطات اليمنية إن هذه البلاد لن تسير في طريق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان اذا استمر اضطهاد الصحفيين والاعتداء على حقوقهم".
بوملحة مُنِع في اكتوبر الماضي من زيارة اليمن لتسليم الجائزة الخاصة بصحفيي حقوق الإنسان المعرضين للخطر منظمة العفو الدولية للصحفي عبدالكريم الخيواني في 18 يونيو من العام الماضي، أي بعد ايام من صدور حكم قضائي من محكمة أمن الدولة بسجن الصحفي الخيواني لمدة ست سنوات بتهمة الانتماء لـ"خلية ارهابية"، والإدانة اعتمدت على اسطوانات وصور كان يحوزها في بيته عن حرب صعده، كان الحكم صادما للجميع خصوصاً الخيواني الذي صرح قبيل صدور الحكم لصحيفة رسمية "ليس أمام المحكمة سوى الحكم بالبراءة".. صدر الحكم الابتدائي، واعتقل الخيواني من قاعة المحكمة، وتسلم بوملحه الجائزة، وطلب زيارة اليمن لتسليم الجائزة لصاحبها السجين أملاً في ان يمثل حضوره ضغطاً على السلطات للافراج عن الصحفي الذي لم يقتنع احد في الداخل ولا الخارج بأنه "ارهابي"، غير أن الرد جاءه كالتالي: إذا كانت الزيارة مخصصة لهذا الغرض فلا مرحبا بك، وأهلا وسهلاً بك في زيارة لليمن في أي وقت لكن لغرض آخر غير الخيواني..
أُطلق الخيواني في 25 سبتمبر بعفو رئاسي هو الثاني من نوعه لصحفي أَلِف الزنازن وقبضات وركلات الخاطفين، كما ألف ساحات المحاكم، و ادعاءات أمنية باجادته التمثيل المسرحي.. صدر العفو الاول في 21 مارس 2005، بعد أن قضى سبعة أشهر سجينا وفقا لحكم ابتدائي ايضاً بتهمة اثارة "النعرات" الطائفية والمذهبية والمناطقية، و"إهانة رئيس الجمهورية"، وكلها تهم غابت في حكم عام 2008، والثالث كان في عفوا مشروطاً أمام ازيد من 1200 شاهد..
في يناير تأكد من مصادر اعلامية حضرت المحكمة أن اسم الخيواني ورد في منطوق الحكم الاستئنافي الذي صدر بحق خلية صنعاء الثانية التي يحاكم كأحد افرادها، ست سنوات مؤكدة، تجمع المنظمات المحلية والدولية المعنية بحرية الصحافة انها كانت بدوافع سياسية.. وبقي التنفيذ هذه المرة مرهوناً بتغير المزاج الرسمي منه حسب تعبيره...
ذلك استدعى موجة احتجاجات محلية ودولية جديدة شككت بمصداقية القرار الرئيس بإيقاف العقوبة، والذي تم بموجبه قرار الافراج، وسبق لوزير العدل ان وضح انه قرار ايقاف العقوبة يعني انتهائها كلياً.
خصص رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين حيزا لا بأس به من خطابه للحديث عن الصحفي الاكثر حضوراً لدى منظمته والاكثر استهدافاً في اليمن، الصحفي الذي أثقله حمل جائزته في حقيبته لما يقارب ثمانية اشهر، لم يوفق لفرصة يسلم فيها الامانة الى صاحبها...
كان كلامه في هذا الجانب اشد استفزازاً، فقد خاطب الرئيس: كنا نلح على على حكومتكم ان تجعل حرية الصحافة من بين اولوياتها، ولكن حين يتعلق الامر بقضايا كتلك التي حدثت مؤخراً، حيث جاء قرار المحكمة الخاصة بالارهاب ضاربا عرض الحائط بالعفو الرئاسي ووعود وزارة العدل وأجهزة رسمية أخرى بكون القضية قد أغلقت ولا زال الحكم بست سنوات نافذا بحق عبدالكريم الخيواني..
هو لم يكتف بذلك، بل عاد ليؤكد: باسم الـ 150 نقابة المنتمية في الفدرالية الدولية للصحفيين والـ 600 ألف صحفي من أعضائها، أوجه من جديد نداء للسلطات اليمنية لتعمل على احترام قرار الرئيس العفو عن الخيواني، والغاء العقوبة الصادرة بحقه.. هنا ضجت القاعة بالتصفيق الحار الذي كان أكثر ثقلاً على الرئيس الذي بدوره اخرج قلمه وسجل ملاحظة عند هذه النقطة.. استمر بوملحه بالحديث: نحن جميعاً وراء عبدالكريم الخيواني وسندعمه إلى أن يستعيد حريته ويعود لممارستها مهنته دون مضايقات..
وجه بوملحه الرسالة للداخل اليمني وعاد ليتحدث بشكل عام عن مشاكل الصحافة العالمية، ومحاولة اللتفريق وخلق الانقسامات بين الصحفيين العرب وزملائهم في العالم، في محاولة لتحريف الظروف المتغيرة في العالم من أجل الايحاء بأن ايديولوجيات الحرب الباردة لا زالت تحدد العلاقة بين الصحفيين، والفدرالية ترفض تلك الطريقة السطحية والمستهلكة من اجل التفرقة بين الصحفيين.. وهو ما بدا رسالة الى الداخل اكدها بالحديث على ان قوة الصحفيين في وحدتهم، مشيدا بدور النقابة النضالي من اجل العدالة الاجتماعية وعدها من نواح كثيرة نموذجا لذلك النوع من المنظمات التي تحتاج من أجل بناء اتحاد مناضل وقوي المزيج الخالص من الانسانية والصمود في وجه الظلم.. واوصاهم "لا تتركونهم يقسمونكم"!! ولا شك ان الصحفيين يعون جيدا من يقصد...
اخلى جيم المنصة وسط تصفيق لم يقطعه سوى صعود وزير الاعلام للحديث، عله ينجح في ازالة جزء مما تركته الرسالة المدوية لسلفه، لكن الامر لم يبدو كذلك، فهو خلف جرأة طارئة أثرت في عزيمة الصحفيين وان كانت قد زادت أحيانا حد الفوضى...
مباشرة ولحظة تبادل المنصة كان الصحفي جمال أنعم، يصيح من مؤخرة القاعة الكبيرة التي تضم اكثر من 1200 صحفي، وعشرات الضيوف.. لقد أكد على كلام بوملحه ويطالب بتسليم جائزة الخيواني وتكريمه، الوزير (ربما) تنبه لذلك لكنه حاول ان يتجاهل فتحدث عن الكلمة والحرف، ومناخات الصحافة الحرة وتصفية دخلاء المهنة، ولا شيء غير ذلك يمكن التقاطه من خطاب طويل ممل ومعتاد رسمياً في كافة المحافل، انشغل معظم الصحفيين عنه بالحديث الجانبي عن كلمة سابقه في الحديث، وأخيراً قدم "متشرفاً" كلمة الرئيس في الحفل.
تحدث الرئيس، وأخذ باعتباره كلمات بوملحه التي لا تزال مدوية في أذنيه، مبتدئاً بالحديث عما ينبغي وما لا ينبغي، ومسؤولية المهنة ومقتضاها: " عندما تكون معلومات الصحفي، صحيحة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، تتجسد الرسالة العظيمة للصحافة(...)الصحافة ليست وسيلة للتنازع والهدم ونشر بذور الفرقة والشتات بين أبناء المجتمع الواحد، بل هي وسيلة للبناء وللتربية الوطنية ولخلق ثقافة المودة والمحبة داخل أبناء المجتمع.
وبعد، رد على كلمات بوملحة بإجراء تنفيذي وبما يمتلكه من صلاحيات دستورية، حسب تعبيره.. أعلن إسقاط العقوبة التي كان أقرها القضاء على الصحفي عبدالكريم الخيواني، "وان يكون صحفيا صالحا في المجتمع ويتجنب إثارة المناطقية والطائفية والعنصرية".
اهتزت القاعة كاملة بالتصفيق لقرار إسقاط العقوبة التي كان وزير العدل قبل أسبوعين قد أكد إنه لم يعد لها وجود ، وأن القضية مغلقة، وذلك رداً على نقابة الصحفيين اليمنيين التي طالبته بتوضيح ما أثير عن تأكيد محكمة الاستئناف للحكم بحق الخيواني، والأخير كان جالساً في مكان ما في القاعة، ولم ير في هذا القرار اكثر من "تصحيح للخطأ"، متمنياً أن يكون ذلك بداية لتصحيح كل الأخطاء القائمة، وأن يكون الإعلان اقتناع للوصول إلى ضرورة لإصلاحات شاملة، وإنقاذا لهذا الوطن، وزاد بابتسامة: لا توجد كاتالوجات للمواطنة الصالحة سوى الدستور والقانون الذي يلتزم به الحاكم و المحكوم..
واصل الرئيس انفتاحه على الإعلام، اذ دعا الوزارة إلى سرعة إعداد مشروع قانون لإنشاء قنوات فضائية وإذاعية وتلفزيونية منح تراخيص انشاء الفضائيات والاذاعات سواء كانت للأفراد أو لجهات غير حكومية لتعمل في اطار حرية التعبير والصحافة والرأي والرأي الأخر التي تتميز بها اليمن.. أضاف "لم يعد بإمكان أي شخص أن يحجب ثورة المعلومات أو يضع حاجزاً على القنوات الفضائية (...)ولا يمكننا أن نمنع أكثر من اثنين وعشرين مليون مواطن من استقبال بث القنوات الفضائية..
كما وجه وزارة الاعلام بسرعة البت في طلبات التراخيص لإصدارات صحفية جديدة طبقا للقانون، والضوابط المنظمة لاعمال النشر، وهكذا سيكون بإمكان الصحفي والكاتب الساخر فكري قاسم إطلاق صحيفته الاسبوعية "حديث المدينة"، التي ناشد الزميل تيسير علوني في رسالة بعثها اليه بالتوسط لدى الرئيس علي عبدالله صالح لاطلاق ترخيص صحيفته المحتجز لدى وزارة الاعلام اليمنية، وذلك بعد ان علم ان الرئيس علي عبدالله صالح خاطب السلطات الأسبانية أثناء زيارته الى هناك مطلع العام الماضي من أجل اطلاق سراح علوني إيماناً بقيم الديمقراطية وحرية الصحافة...
بالتأكيد كلاهما خطوتان جريئتان استحقتا التصفيق ايضاً، ولمّا تنفذ في البلاد التي ينافس فيها التلفزيون الرسمي نظيره اليمني، وتطلق فيها تراخيص الصحافة الصفراء او الهزيلة بلا حساب.
وجه الرئيس سهام نقده للصحفيين، وعلمهم بعضا من اصول المهنة، ونصحهم بمراجعة التاريخ لمقارنة واقع حرية الرأي في الوقت الحالي بواقعه المر قبل وحدة اليمن في 22 مايو 90 والتي اشترطت لقيامها الديمقراطية وحرية الصحافة، بعد ان كان كثير من الناس لا يطيقون كلمة واحدة من النقد وتضيق صدورهم من النقد" ...
ساد القاعة ضجيج مستمر تبعاً للنصائح الرئاسية التي ابتدأها بالمواطنة الصالحة التي نادى الخيواني ان يلتزم بها، ثم دروس المهنية والتدقيق في المعلومة التى دعا الصحفيين اليها وحثهم على توخي الدقة ونشر المعلومات الصحيحة واستقاءها من خلال المصادر المعنية بما يضمن الحفاظ على مصداقية الوسيلة الإعلامية والصحفي. ذلك كلام جميل، لكن الصحفيين اعترضوا عليه هاتفين (يرفضون .. لا يمكن الحصول على المعلومات من جانب الحكومي)، كان هناك ايضا من يطالب الرئيس بتأكيد الحكومة بتنفيذ قرارها الذي اعلنته الاسبوع الماضي، أي قبل انتخابات نقابة الصحفيين، باقرار التوصيف الوظيفي للاعلاميين بعد اضراب بدا يزحف على ساعات العمل المسائية للمؤسسات الاعلامية الرسمية شيئا فشيئا، فهم يعلمون ان حديث الرئيس محل ثقة أكثر من الحكومة، بل ان بعضهم ذهب الى ان عدم حديث الرئيس عن الامر يعني ان قرار الحكومة كان مجرد امتصاص للغضب ولعب بالوقت حتى تنقضي الانخابات.. آخرون كانوا ينادون بوقف المحاكمات، وغيرهم بصرف اراض للصحفيين على غرار جماعات اخرى...
ووسط الضجيج القاعة أشار الرئيس الى وزير الاعلام الذي كان يجلس في مواجهته بأنه مكلف وملزم بعقد مؤتمر صحفي الساعة الواحدة والنصف من كل اسبوع عقب اجتماع الحكومة وهو ملزم بنقل ما دار في الجلسة الى الصحفيين، لكنه مازح الصحفيين بالقول انهم في مثل هذا الوقت سيكونون في "المقوات".
هو طالبهم عند مناقشة ما الذي تحقق من برنامجه الانتخابي ان يتوجهوا بأسئلتهم الى الرئاسة بدلا من الكتابة فقط دون سؤال او حضور لمعرفة ماذا تحقق، لكن هناك من قاطعه بأن أحداً لا يصل اليك ، فرد عليهم: بل بامكانكم أن تصلوا.. كيف؟ لم يوضح ذلك بعد.
الرئيس نادى بالماء مرتين وهو يلقي كلمته، واستفزه الضجيج والفوضى في القاعة، والذي كان منعدما بشكل شبه كلي في كلمة رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، ما حدا به الى لوم الصحفيين على ذلك ووصفهم بالنخبة ودعاهم للهدوء كون هذا الضجيج لا يليق، وليس بامكانه السماع الى 1200 صحفي، وزاد "إحنا مش في فرزة".. بعدها غادر القاعة..
ختام:
حفل الافتتاح كان حافلاً، الخيواني من اليوم لن يرد اسمه في وسائل الاعلام الرسمية مسبوقاً بكلمة "المدعو"، فقد اصبح "الصحفي"، أو بالاحرى "الصحفي الصالح"، وقد تسلم جائزته من رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين في ختام اعمال المؤتمر في فقرة استراحة قطعت عملية فرز نتائج التصويت على انتخابات النقيب ومجلس النقابة، ببساطة تسلم الخيواني جائزته وانصرف، بعد ان حرم من حضور الاحتفالية الكبيرة في يونيو من العام الماضي.. ويأمل الجميع ان لا يكون هناك ما يستدعي نسخة رابعة من العفو الرئاسي....
الصحفيون انتخبوا نقيباً جديدا لهم... وبعد رئيس وكالة الانباء اليمنية سبأ جاء نائب رئيس تحرير صحيفة الثورة ياسين المسعودي بـأصوات 483 صحفيا، بعد منافسة شديدة مع الدكتورة رؤوفة حسن المحاضرة بجامعة صنعاء التي حصلت على 392، والتي مثلت الانتخابات بالنسبة لها عملاً شريفاً نزيهاً وشفافاً واعتبرت ماحصلت عليه من أصوات دليل على أن "اليمنيين يصوتون للنساء اذا كن كفؤات".
بالنسبة للنقيب فقد بدا متجذراً المفهوم السائد بانه مرشح الرئيس، أما هذا الاخير فيبدو انه ادرك تماما أنه غامر كثيرا بحضوره افتتاح مؤتمر نقابة الصحفيين، ربما اسهم ايجابيا في تجيير بعض الصحفيين لصالح مرشحي حزبه الذين يؤمل ان لا يحملوا الحكومة مسؤولية الانتهاكات، لكنه ادرك ان هناك مجتمعاً اخر، لا يترك عبارة لا يتفق معها تمر دون تعليق، ولا يجيد الاصغاء وهز الرأس ايجابا لكل ما يقال كما يفعل العامة، بل إنهم يصغون لغيره افضل مما يصغون اليه احياناً... أدرك أيضاً أن المعالجات الشكلية لانتهاكات حرية الصحافة لا تعني خلو الساحة من جرائم بحقها تتحملها السلطة بأي حال من الأحوال، ولن يُحيّد ذلك المنظمات الدولية المستقلة، كما أن محاولة إظهار الاحترام والتقدير للصحافة بحضور مؤتمر النقابة لا يعني بالضرورة ان هناك سلطة وأجهزة تحترم الصحفيين.ما هو معلوم بالضرورة من الاجتماع ان الرئيس أدرك انه غامر بحضور الحفل الافتتاحي، وليس مستعدا تماما للعودة الى "فرزة" الصحافة مستقبلاً ...
ربما هي المرة الأولى التي يقع فيها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي يقترب من إنهاء عقده الثالث في الحكم، في موقف كهذا.. يستمع لخطاب ناقد لسياسات نظامه وأجهزته الأمنية ويحظى بتأييد غالبية الحاضرين، ثم يخوض جدلاً شديداً مع جمهور لا يحسن الاصغاء، ولا "بريستيج" النقاش الجماعي مع رئيس دولة وفي حضرة وسائل الاعلام التي توثق صوتاً وصورة... ذلك حدث السبت الماضي في الحفل الافتتاحي لمؤتمر نقابة الصحفيين اليمنيين، حين بُدئ الحفل كعادته كلمات تزجي المديح الرسمي المطعم بأحاديث الانجازات والرفاه والقيادة الحكيمة ساقها مسؤولون رسميون أبرزهم نقيب الصحفيين اليمنيين (رئيس وكالة الأنباء الرسمية سبأ) نصر طه مصطفى، والامين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، ووزير الاعلام حسن اللوزي، غير ان ما لم يكن مألوفا هو تلك الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين جيم بوملحة..
قطعاً لم يكن ذلك توازناً، لقد بدا واضحا توتر الرئيس وهو ينصت جيداً لكلمة بوملحة التي كانت اشبه بمرافعة أمام المحكمة، و نادى بالماء مرتين وهو يتحدث، وتوقف عن الحديث عدة مرات والصحفيون يقاطعونه معقبين على بعض ما كان يتحدث عنه من معلومات حول فتح بابه وأبواب وزاراته للصحافة للتأكد من صحة المعلومات وللنقاش.. تبعاً لذلك اتخذ عددا من القرارات الايجابية من المنصة، يامل الصحفيون ان لا تظل طريقها كمثيلات لها أعلنت سلفاً ولم يكن لها أثر على الواقع.
تحدث نقيب الصحفيين اليمنيين، وتبعه الأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، وحتى هنا كانت الامور تسير برسمية يمنية وعربية ربما افضل مما يرغب الرئيس: إشادات وأمنيات لا أكثر.
بعدها كانت الزلزلة.. لقد نودي برئيس الفدرالية الدولية للصحفيين متحدثا، وهذا الرجل يملك من الاستقلالية ما يجعله متخففاً من أعباء عبارات التزلف و"البروباجندا" الرسمية المنتقاة ألفاظها بعناية.. وبالنسبة له فهو فلم "موسم القنص" ضد الصحفيين حول العالم، الذي يستخدم كلمات قاسية من أجل ما يعانيه الصحفيون في خطاباته التي يلقيها في مختلف دول العالم للحديث عما يعانيه الصحفيون.. وأكد هنا في اليمن: وسأستمر في استعمالها....
صمت الحاضرون للمتحدث بالعربية بشكل ضعيف اعتذر عنه في بداية كلمته، وكانوا يقاطعونه بين الحين والآخر بتصفيق حار لم يكن يقطعه عن الحديث كعادة المتحدثين العرب عندما يُصفق لهم... كان التصفيق تلقائيا خالياً من النفاق المعتاد، مع كل عبارة شديدة اللهجة وجهها للنظام اليمني ولا شك انها وصلت سمع الرجل الاول فيه، وهو يعتبر ان تصفيق الأغلبية الحاضرة بمثابة تصويت ايجابي لصالح على كلام الرجل الذي نقل رسالته باسم 150 منظمة دولية يمثلها الاتحاد و 600 الف صحفي حول العالم: أنها دائما رسالة احتجاج واستنكار مدوية وواضحة الى السلطات اليمنية، لن نقبل باضطهاد الصحفيين ولا باعتقالهم أو فرض الرقابة عليهم بأي شكل من الاشكال.
بعد ان عمم الحديث عن تدهور حريات الصحافة منتقداً حتى الديمقراطيات العريقة، كهولندا والدنمارك والمانيا التي شرعت بمراقبة هواتف الصحفيين، مضيفاً : حينما تتصرف ديمقراطيات عريقة بهذا الشكل فإنه من غير المفاجئ أن تلجأ الانظمة التي يتم فيها خرق حقوق الانسان بشكل معتاد، وهذا الامر يجعلها تزيد من قوة الطغيان التي تحكم به بلدانها فيزداد التسلط ترسخاً.. كانت تلك التوطئة بداية الدخول في الحديث الاكثر حساسية هنا..
"نحن عائلة الصحفيين العالميين عائلتكم نشارككم في رعبكم وغضبكم بسبب المعاملة التي يعامل بها زملائنا هنا في اليمن، نحن نعرف ظروفكم والاحكام المسيسة والمجرمة وكذلك الرقابة التي تواجهونها بشكل دائم وقانون الصحافة المتشدد وقيوده الكثيرة حول تغطية اخبار الرئاسة وأمن الدولة والدين"، قال بوملحة في مستهل رسالته الى صناع القرار والصحفيين في اليمن.
رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين ذو الاصول العربية المغاربية، الذي زار اليمن هذه المرة بصفة رسمية كما ترغب السلطات: ضيف شرف على مؤتمر نقابة الصحفيين اليمنيين الذي تأجل للمرة الثالثة بسبب تأخر الدعم الحكومي، كان مؤملاً ان يكون ضيفاً دولياً يعمل بأصله العربي ليمنعه حضور رئيس البلاد من الحديث عن تدهور حريات الصحافة ويوفرها للغرف المغلقة، لكنه خيب كل التوقعات الرسمية وتحدث عن الانتهاكات وقمع الاجهزة الامنية اليمنية للصحفيين والتضييق عليهم، " إنه لمن المحزن وجود حرية الصحافة في اليمن دائماً تحت الظل لعدم وجود ثقافة ديمقراطية أو حرية صحافة متجذرة أو والتي خلقت افضل افضل الظروف من اجل مراقبة نفسها بنفسها وايضا من أجل التوجيه السياسي(...) إننا نقول للسلطات اليمنية إن هذه البلاد لن تسير في طريق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان اذا استمر اضطهاد الصحفيين والاعتداء على حقوقهم".
بوملحة مُنِع في اكتوبر الماضي من زيارة اليمن لتسليم الجائزة الخاصة بصحفيي حقوق الإنسان المعرضين للخطر منظمة العفو الدولية للصحفي عبدالكريم الخيواني في 18 يونيو من العام الماضي، أي بعد ايام من صدور حكم قضائي من محكمة أمن الدولة بسجن الصحفي الخيواني لمدة ست سنوات بتهمة الانتماء لـ"خلية ارهابية"، والإدانة اعتمدت على اسطوانات وصور كان يحوزها في بيته عن حرب صعده، كان الحكم صادما للجميع خصوصاً الخيواني الذي صرح قبيل صدور الحكم لصحيفة رسمية "ليس أمام المحكمة سوى الحكم بالبراءة".. صدر الحكم الابتدائي، واعتقل الخيواني من قاعة المحكمة، وتسلم بوملحه الجائزة، وطلب زيارة اليمن لتسليم الجائزة لصاحبها السجين أملاً في ان يمثل حضوره ضغطاً على السلطات للافراج عن الصحفي الذي لم يقتنع احد في الداخل ولا الخارج بأنه "ارهابي"، غير أن الرد جاءه كالتالي: إذا كانت الزيارة مخصصة لهذا الغرض فلا مرحبا بك، وأهلا وسهلاً بك في زيارة لليمن في أي وقت لكن لغرض آخر غير الخيواني..
أُطلق الخيواني في 25 سبتمبر بعفو رئاسي هو الثاني من نوعه لصحفي أَلِف الزنازن وقبضات وركلات الخاطفين، كما ألف ساحات المحاكم، و ادعاءات أمنية باجادته التمثيل المسرحي.. صدر العفو الاول في 21 مارس 2005، بعد أن قضى سبعة أشهر سجينا وفقا لحكم ابتدائي ايضاً بتهمة اثارة "النعرات" الطائفية والمذهبية والمناطقية، و"إهانة رئيس الجمهورية"، وكلها تهم غابت في حكم عام 2008، والثالث كان في عفوا مشروطاً أمام ازيد من 1200 شاهد..
في يناير تأكد من مصادر اعلامية حضرت المحكمة أن اسم الخيواني ورد في منطوق الحكم الاستئنافي الذي صدر بحق خلية صنعاء الثانية التي يحاكم كأحد افرادها، ست سنوات مؤكدة، تجمع المنظمات المحلية والدولية المعنية بحرية الصحافة انها كانت بدوافع سياسية.. وبقي التنفيذ هذه المرة مرهوناً بتغير المزاج الرسمي منه حسب تعبيره...
ذلك استدعى موجة احتجاجات محلية ودولية جديدة شككت بمصداقية القرار الرئيس بإيقاف العقوبة، والذي تم بموجبه قرار الافراج، وسبق لوزير العدل ان وضح انه قرار ايقاف العقوبة يعني انتهائها كلياً.
خصص رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين حيزا لا بأس به من خطابه للحديث عن الصحفي الاكثر حضوراً لدى منظمته والاكثر استهدافاً في اليمن، الصحفي الذي أثقله حمل جائزته في حقيبته لما يقارب ثمانية اشهر، لم يوفق لفرصة يسلم فيها الامانة الى صاحبها...
كان كلامه في هذا الجانب اشد استفزازاً، فقد خاطب الرئيس: كنا نلح على على حكومتكم ان تجعل حرية الصحافة من بين اولوياتها، ولكن حين يتعلق الامر بقضايا كتلك التي حدثت مؤخراً، حيث جاء قرار المحكمة الخاصة بالارهاب ضاربا عرض الحائط بالعفو الرئاسي ووعود وزارة العدل وأجهزة رسمية أخرى بكون القضية قد أغلقت ولا زال الحكم بست سنوات نافذا بحق عبدالكريم الخيواني..
هو لم يكتف بذلك، بل عاد ليؤكد: باسم الـ 150 نقابة المنتمية في الفدرالية الدولية للصحفيين والـ 600 ألف صحفي من أعضائها، أوجه من جديد نداء للسلطات اليمنية لتعمل على احترام قرار الرئيس العفو عن الخيواني، والغاء العقوبة الصادرة بحقه.. هنا ضجت القاعة بالتصفيق الحار الذي كان أكثر ثقلاً على الرئيس الذي بدوره اخرج قلمه وسجل ملاحظة عند هذه النقطة.. استمر بوملحه بالحديث: نحن جميعاً وراء عبدالكريم الخيواني وسندعمه إلى أن يستعيد حريته ويعود لممارستها مهنته دون مضايقات..
وجه بوملحه الرسالة للداخل اليمني وعاد ليتحدث بشكل عام عن مشاكل الصحافة العالمية، ومحاولة اللتفريق وخلق الانقسامات بين الصحفيين العرب وزملائهم في العالم، في محاولة لتحريف الظروف المتغيرة في العالم من أجل الايحاء بأن ايديولوجيات الحرب الباردة لا زالت تحدد العلاقة بين الصحفيين، والفدرالية ترفض تلك الطريقة السطحية والمستهلكة من اجل التفرقة بين الصحفيين.. وهو ما بدا رسالة الى الداخل اكدها بالحديث على ان قوة الصحفيين في وحدتهم، مشيدا بدور النقابة النضالي من اجل العدالة الاجتماعية وعدها من نواح كثيرة نموذجا لذلك النوع من المنظمات التي تحتاج من أجل بناء اتحاد مناضل وقوي المزيج الخالص من الانسانية والصمود في وجه الظلم.. واوصاهم "لا تتركونهم يقسمونكم"!! ولا شك ان الصحفيين يعون جيدا من يقصد...
اخلى جيم المنصة وسط تصفيق لم يقطعه سوى صعود وزير الاعلام للحديث، عله ينجح في ازالة جزء مما تركته الرسالة المدوية لسلفه، لكن الامر لم يبدو كذلك، فهو خلف جرأة طارئة أثرت في عزيمة الصحفيين وان كانت قد زادت أحيانا حد الفوضى...
مباشرة ولحظة تبادل المنصة كان الصحفي جمال أنعم، يصيح من مؤخرة القاعة الكبيرة التي تضم اكثر من 1200 صحفي، وعشرات الضيوف.. لقد أكد على كلام بوملحه ويطالب بتسليم جائزة الخيواني وتكريمه، الوزير (ربما) تنبه لذلك لكنه حاول ان يتجاهل فتحدث عن الكلمة والحرف، ومناخات الصحافة الحرة وتصفية دخلاء المهنة، ولا شيء غير ذلك يمكن التقاطه من خطاب طويل ممل ومعتاد رسمياً في كافة المحافل، انشغل معظم الصحفيين عنه بالحديث الجانبي عن كلمة سابقه في الحديث، وأخيراً قدم "متشرفاً" كلمة الرئيس في الحفل.
تحدث الرئيس، وأخذ باعتباره كلمات بوملحه التي لا تزال مدوية في أذنيه، مبتدئاً بالحديث عما ينبغي وما لا ينبغي، ومسؤولية المهنة ومقتضاها: " عندما تكون معلومات الصحفي، صحيحة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، تتجسد الرسالة العظيمة للصحافة(...)الصحافة ليست وسيلة للتنازع والهدم ونشر بذور الفرقة والشتات بين أبناء المجتمع الواحد، بل هي وسيلة للبناء وللتربية الوطنية ولخلق ثقافة المودة والمحبة داخل أبناء المجتمع.
وبعد، رد على كلمات بوملحة بإجراء تنفيذي وبما يمتلكه من صلاحيات دستورية، حسب تعبيره.. أعلن إسقاط العقوبة التي كان أقرها القضاء على الصحفي عبدالكريم الخيواني، "وان يكون صحفيا صالحا في المجتمع ويتجنب إثارة المناطقية والطائفية والعنصرية".
اهتزت القاعة كاملة بالتصفيق لقرار إسقاط العقوبة التي كان وزير العدل قبل أسبوعين قد أكد إنه لم يعد لها وجود ، وأن القضية مغلقة، وذلك رداً على نقابة الصحفيين اليمنيين التي طالبته بتوضيح ما أثير عن تأكيد محكمة الاستئناف للحكم بحق الخيواني، والأخير كان جالساً في مكان ما في القاعة، ولم ير في هذا القرار اكثر من "تصحيح للخطأ"، متمنياً أن يكون ذلك بداية لتصحيح كل الأخطاء القائمة، وأن يكون الإعلان اقتناع للوصول إلى ضرورة لإصلاحات شاملة، وإنقاذا لهذا الوطن، وزاد بابتسامة: لا توجد كاتالوجات للمواطنة الصالحة سوى الدستور والقانون الذي يلتزم به الحاكم و المحكوم..
واصل الرئيس انفتاحه على الإعلام، اذ دعا الوزارة إلى سرعة إعداد مشروع قانون لإنشاء قنوات فضائية وإذاعية وتلفزيونية منح تراخيص انشاء الفضائيات والاذاعات سواء كانت للأفراد أو لجهات غير حكومية لتعمل في اطار حرية التعبير والصحافة والرأي والرأي الأخر التي تتميز بها اليمن.. أضاف "لم يعد بإمكان أي شخص أن يحجب ثورة المعلومات أو يضع حاجزاً على القنوات الفضائية (...)ولا يمكننا أن نمنع أكثر من اثنين وعشرين مليون مواطن من استقبال بث القنوات الفضائية..
كما وجه وزارة الاعلام بسرعة البت في طلبات التراخيص لإصدارات صحفية جديدة طبقا للقانون، والضوابط المنظمة لاعمال النشر، وهكذا سيكون بإمكان الصحفي والكاتب الساخر فكري قاسم إطلاق صحيفته الاسبوعية "حديث المدينة"، التي ناشد الزميل تيسير علوني في رسالة بعثها اليه بالتوسط لدى الرئيس علي عبدالله صالح لاطلاق ترخيص صحيفته المحتجز لدى وزارة الاعلام اليمنية، وذلك بعد ان علم ان الرئيس علي عبدالله صالح خاطب السلطات الأسبانية أثناء زيارته الى هناك مطلع العام الماضي من أجل اطلاق سراح علوني إيماناً بقيم الديمقراطية وحرية الصحافة...
بالتأكيد كلاهما خطوتان جريئتان استحقتا التصفيق ايضاً، ولمّا تنفذ في البلاد التي ينافس فيها التلفزيون الرسمي نظيره اليمني، وتطلق فيها تراخيص الصحافة الصفراء او الهزيلة بلا حساب.
وجه الرئيس سهام نقده للصحفيين، وعلمهم بعضا من اصول المهنة، ونصحهم بمراجعة التاريخ لمقارنة واقع حرية الرأي في الوقت الحالي بواقعه المر قبل وحدة اليمن في 22 مايو 90 والتي اشترطت لقيامها الديمقراطية وحرية الصحافة، بعد ان كان كثير من الناس لا يطيقون كلمة واحدة من النقد وتضيق صدورهم من النقد" ...
ساد القاعة ضجيج مستمر تبعاً للنصائح الرئاسية التي ابتدأها بالمواطنة الصالحة التي نادى الخيواني ان يلتزم بها، ثم دروس المهنية والتدقيق في المعلومة التى دعا الصحفيين اليها وحثهم على توخي الدقة ونشر المعلومات الصحيحة واستقاءها من خلال المصادر المعنية بما يضمن الحفاظ على مصداقية الوسيلة الإعلامية والصحفي. ذلك كلام جميل، لكن الصحفيين اعترضوا عليه هاتفين (يرفضون .. لا يمكن الحصول على المعلومات من جانب الحكومي)، كان هناك ايضا من يطالب الرئيس بتأكيد الحكومة بتنفيذ قرارها الذي اعلنته الاسبوع الماضي، أي قبل انتخابات نقابة الصحفيين، باقرار التوصيف الوظيفي للاعلاميين بعد اضراب بدا يزحف على ساعات العمل المسائية للمؤسسات الاعلامية الرسمية شيئا فشيئا، فهم يعلمون ان حديث الرئيس محل ثقة أكثر من الحكومة، بل ان بعضهم ذهب الى ان عدم حديث الرئيس عن الامر يعني ان قرار الحكومة كان مجرد امتصاص للغضب ولعب بالوقت حتى تنقضي الانخابات.. آخرون كانوا ينادون بوقف المحاكمات، وغيرهم بصرف اراض للصحفيين على غرار جماعات اخرى...
ووسط الضجيج القاعة أشار الرئيس الى وزير الاعلام الذي كان يجلس في مواجهته بأنه مكلف وملزم بعقد مؤتمر صحفي الساعة الواحدة والنصف من كل اسبوع عقب اجتماع الحكومة وهو ملزم بنقل ما دار في الجلسة الى الصحفيين، لكنه مازح الصحفيين بالقول انهم في مثل هذا الوقت سيكونون في "المقوات".
هو طالبهم عند مناقشة ما الذي تحقق من برنامجه الانتخابي ان يتوجهوا بأسئلتهم الى الرئاسة بدلا من الكتابة فقط دون سؤال او حضور لمعرفة ماذا تحقق، لكن هناك من قاطعه بأن أحداً لا يصل اليك ، فرد عليهم: بل بامكانكم أن تصلوا.. كيف؟ لم يوضح ذلك بعد.
الرئيس نادى بالماء مرتين وهو يلقي كلمته، واستفزه الضجيج والفوضى في القاعة، والذي كان منعدما بشكل شبه كلي في كلمة رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، ما حدا به الى لوم الصحفيين على ذلك ووصفهم بالنخبة ودعاهم للهدوء كون هذا الضجيج لا يليق، وليس بامكانه السماع الى 1200 صحفي، وزاد "إحنا مش في فرزة".. بعدها غادر القاعة..
ختام:
حفل الافتتاح كان حافلاً، الخيواني من اليوم لن يرد اسمه في وسائل الاعلام الرسمية مسبوقاً بكلمة "المدعو"، فقد اصبح "الصحفي"، أو بالاحرى "الصحفي الصالح"، وقد تسلم جائزته من رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين في ختام اعمال المؤتمر في فقرة استراحة قطعت عملية فرز نتائج التصويت على انتخابات النقيب ومجلس النقابة، ببساطة تسلم الخيواني جائزته وانصرف، بعد ان حرم من حضور الاحتفالية الكبيرة في يونيو من العام الماضي.. ويأمل الجميع ان لا يكون هناك ما يستدعي نسخة رابعة من العفو الرئاسي....
الصحفيون انتخبوا نقيباً جديدا لهم... وبعد رئيس وكالة الانباء اليمنية سبأ جاء نائب رئيس تحرير صحيفة الثورة ياسين المسعودي بـأصوات 483 صحفيا، بعد منافسة شديدة مع الدكتورة رؤوفة حسن المحاضرة بجامعة صنعاء التي حصلت على 392، والتي مثلت الانتخابات بالنسبة لها عملاً شريفاً نزيهاً وشفافاً واعتبرت ماحصلت عليه من أصوات دليل على أن "اليمنيين يصوتون للنساء اذا كن كفؤات".
بالنسبة للنقيب فقد بدا متجذراً المفهوم السائد بانه مرشح الرئيس، أما هذا الاخير فيبدو انه ادرك تماما أنه غامر كثيرا بحضوره افتتاح مؤتمر نقابة الصحفيين، ربما اسهم ايجابيا في تجيير بعض الصحفيين لصالح مرشحي حزبه الذين يؤمل ان لا يحملوا الحكومة مسؤولية الانتهاكات، لكنه ادرك ان هناك مجتمعاً اخر، لا يترك عبارة لا يتفق معها تمر دون تعليق، ولا يجيد الاصغاء وهز الرأس ايجابا لكل ما يقال كما يفعل العامة، بل إنهم يصغون لغيره افضل مما يصغون اليه احياناً... أدرك أيضاً أن المعالجات الشكلية لانتهاكات حرية الصحافة لا تعني خلو الساحة من جرائم بحقها تتحملها السلطة بأي حال من الأحوال، ولن يُحيّد ذلك المنظمات الدولية المستقلة، كما أن محاولة إظهار الاحترام والتقدير للصحافة بحضور مؤتمر النقابة لا يعني بالضرورة ان هناك سلطة وأجهزة تحترم الصحفيين.ما هو معلوم بالضرورة من الاجتماع ان الرئيس أدرك انه غامر بحضور الحفل الافتتاحي، وليس مستعدا تماما للعودة الى "فرزة" الصحافة مستقبلاً ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق