صدور عارية في مواجهة آلة قمع وحشية
الخميس , 14 أبريل 2011 م
تعز على صفيح ساخن .. دماء الشباب ثمناً للحرية
سامي نعمان
عاشت مدينة تعز أسبوعاً طغت الدماء على معظم أيامه، في ظل إصرار متنامٍ لشباب الثورة على تأكيد حقهم في التظاهر السلمي ورفع سقف الاحتجاج ليتجاوز حدود ساحة الحرية التي تقول قيادة المحافظة إنها ملتزمة بحماية المحتجين طالما لازموها.. هو بالتأكيد إيحاء، بل تصريح لا مسؤول يتضمن تهديداً مبطناً بالقمع اذا مارسوا حقهم الدستوري في تنظيم المسيرات وتصعيد الاحتجاج خارج إطار ما يطلق عليه مسؤولو السلطة ساحة صافر.
قرابة 20 شهيداً سقطوا طيلة أيام الأسبوع، ابتداء بالأحد، قبل الماضي، ليتلوه يومٍ دامٍ لم تشهده المدينة منذ بداية الحركة الاحتجاجية المطالبة بتنحي الرئيس قبل شهرين تماماً إلى هذا اليوم الذي تدخل فيه شهرها الثالث.. مئات الاصابات يومياً تقريباً في صفوف المتظاهرين جراء تعرضهم للرصاص الحي، واختناق غالبيتهم جراء إطلاق الغازات المسيلة للدموع بكثافة كبيرة في أوساط المتظاهرين، الذين يظل شعارهم الأبرز في هذه الاجواء الساخنة "يا للعار يا للعار.. سلمية تضرب بالنار!".
أيام حمراء.. ليال دخانية
ابتداء بالسبت، الرابع من أبريل الجاري، جابت مسيرات شارك فيها مئات الالاف، عدداً من شوارع تعز.. كان اليوم الأول خالياً من أي اعتداءات، وابتداءً باليوم التالي، حيث كانت هناك محاولات لتجاوز المسار المعتاد من غرب ووسط المدينة إلى أمام مدرسة الشعب نزولاً إلى الساحة، وصولاً إلى أمام مبنى المحافظة، باشرت قوات الامن والحرس الجمهوري ممارسة القمع في حق المتظاهرين، لتبلغ آلة القمع الأمنية والعسكرية ذروتها يوم الاثنين، بوصول مسيرة مليونية إلى جولة حوض الاشراف، ناشدة اجتيازها باتجاه مبنى المحافظة الذي لم تبلغه أنظارهم بعد حتى باشرت قوات الامن والحرس الجمهوري إطلاق الرصاص الحي، أفقياً باتجاه المتظاهرين، مستخدمة أسلحة كلاشينكوف، بل وحتى الرشاشات الثقيلة التي تعتلي الاطقم العسكرية.. يضاف لهم مجموعة بلباس مدني بعضهم مسلحون وآخرون رشقوا المتظاهرين بالحجارة، فيما بدا أشبه بمحاولة استفزاز للمتظاهرين لافتعال تبرير للقمع، يدرك الجميع أنه لم يعد مقبولاً لتبرير جرائم قتل جماعية بحق صدور عارية.
أزيد من 15 شهيداً قضوا هذا اليوم، وأطلقت عشرات القنابل الدخانية إلى أوساط الجموع المحتشدة في جولة الحوض، لترفع عدد المصابين بالاختناقات إلى المئات، ولتجبر المحتجين على التراجع إلى شارع الهريش الذي توسعت الساحة لتشمله حتى مدخله أمام مدرسة الشعب.
وكالعادة، تولت الدراجات النارية مهمة الإسعاف، تبعتها سيارات تتبع الهلال الأحمر، ومنعت سيارة إسعاف تابعة لمستشفى الثورة من إسعاف بعض المصابين إلى المستشفى، وأجبرت على نقلهم إلى المستشفى الميداني، في جامع الكوثر شمال الساحة، واللجنة الطبية وسطها، حيث اكتظ مئات المصابين هناك، ونقلت بعض الحالات الحرجة إلى مستشفى الصفوة وسط الساحة أيضاً، وتحدثت مصادر شبابية عن نقل بعض الجثث والمصابين الذين وقعوا على مقربة من المحافظة، إلى جهات غير معلومة اتضح بعدها أن 4 جثث في المستشفى العسكري.
وعدا الاربعاء، حيث نظمت المسيرة الحاشدة أحزاب اللقاء المشترك، وأشرفت على عودتها إلى الساحة دون السماح بمحاولة اتجاهها نحو المحافظة، فقد استمرت الاعتداءات يوم الثلاثاء ومساء الخميس والجمعة، مخلفة بضعة قتلى، أحدهم قتل، كما ذكرت مصادر إعلامية متظابقة، أمام القصر الجمهوري، حينما هتف سائق دراجة نارية ومرافق له برحيل النظام، فأسقطوا أحدهما قتيلاً والآخر جريحاً.
وفيما شهدت المدينة يوماً هادئاً نسبياً حتى مساء أمس، قتل شخص، وأصيب المئات في مسلسل القمع اليومي في المحافظة.
إمكانات طبية متواضعة
رغم الجهود المضنية التي يبذلها الاطباء والممرضون والمتطوعون في المستشفى الميداني، ومتابعتهم الحثيثة لكل الحالات التي تصل المستشفى، إلا أنهم يعملون في ظروف غاية في الصعوبة والارهاق، خصوصاً في ظل فقر الامكانيات والعجز الواضح في الادوية والمعدات الطبية وحتى مستلزمات الاسعاف الاولية.
وأطلق المستشفى الميداني نداءً إنسانياً بحاجته الماسة للأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة لمداواة آلاف الجرحى والمختنقين يومياً، كما ناشد الاطباء في مختلف المستشفيات للمساعدة في إسعاف الجرحى، ودعا للتبرع بالدم، وهي الدعوة التي لباها مئات المعتصمين، إلا أن العجز في الكادر والأدوية وقلة الامكانات يبقى أبرز العوائق التي تواجههم في أداء مهمتهم الانسانية.
اعتقالات.. ونهب
اعتقل عشرات المحتجين في أماكن متفرقة من المدينة، وروى معتقلون أفرج عنهم لــ«النداء» تعرضهم للاعتداء ومصادرة متعلقاتهم من قبل قوات الحرس الجمهوري.
تحدث مطهر حسن (48 عاماً)، من أبناء مديرية ماوية، عن اعتقاله من قبل قوات الحرس الجمهوري أمام فرزة صنعاء حينما كان يصور عدداً من الجنود ومعهم بلاطجة يتواجدون في المنطقة، ويشير إلى أن أفراداً من الحرس اقتادوه إلى سيارة نوع حبة وربع رصاصي، تابعة لقائد معسكر الحرس مراد العوبلي، وهناك صادروا تلفونه ونظارته، ومبلغاً مالياً بسيطاً كان بحوزته، إضافة لبعض الأوراق، ومباشرة الاعتداء عليه بأعقاب البنادق والضرب والشتم.
كذلك يؤكد بشير قاسم الشرعبي من مديرية شرعب السلام في اواخر الثلاثينيات من عمره، مصادرة جنبية كانت بحوزته، وتعرضه للاعتداء كسابقه، قبل ان ينقلا، كل على حدة إلى ادارة أمن المحافظة، حيث أجري معهما تحقيق روتيني، وتم إحالتهم إلى قسم الجحملية، حيث تم الافراج عنهما بعد منتصف الليل بعد متابعة محامين من الناشطين في الساحة، ويتمسكون بحقهما في استعادة ما صودر منهما من قبل قوات الحرس الجمهوري، ورد اعتبارهما.
مسؤولية المحافظ
أفاد شريط الأخبار العاجلة لقناة الجزيرة مساء السبت بتنديد وإدانة المحافظ حمود خالد الصوفي لقمع المحتجين في تعز، حيث ارتفعت في الايام الاخيرة هتافات شديدة اللهجة تدين المحافظ وتحمله مسؤولية أعمال القتل والقمع بحق المحتجين.
طيلة الشهرين الماضيين، دأب الصوفي على التأكيد على نقطة واحدة تؤكد التزامه بحماية المحتجين طالما ظلوا مرابطين في الساحة، ويؤكد على ضمان سلامتهم فيها، وهو ما حمل بحسب كثيرين تصريحاً مبطناً بعدم المسؤولية عن حياتهم ودمائهم خارج حدود الساحة.. ذلك ما أكد عليه كثيراً خصوصاً منتصف مارس الماضي حينما أصيب مئات المتظاهرين أمام مدرسة زيد الموشكي التي تبعد عن الساحة قرابة كيلومتر ونصف، ورأى أن وقوع الاعتداءات خارج الساحة مبرر كافٍ لدرء المسؤولية عنه وأجهزة أمنه.
يجيد الصوفي التلاعب بالألفاظ ويتجنب مهاجمة المحتجين بشكل مباشر، كذلك يبقي على اتصاله الدائم مع قيادات أحزاب اللقاء المشترك، لكن لهجته الحصيفة لم تعد مقنعة للشباب بعدم تحميله ومدير أمنه المسؤولية عما يقع في كافة أرجاء المدينة، ويوم الاثنين كان المحافظ يبرر قتل المواطنين، بقيامهم بالاعتداء على مبنى المحافظة، بالاسلحة النارية، رغم أن حجراً واحداً لم يقذف باتجاهها، فضلاً عن أن أعمال القتل والاعتداء على المتظاهرين حدثت بعيداً عن المبنى بعشرات الأمتار، وامتداداً حتى أمام مدرسة الشعب.
ويوم السبت ذكر موقع التغيير نت أن المحافظ الصوفي تسلم سيارتين مصفحتين من الرئيس علي عبد الله صالح، هو بالتأكيد في غنى عنهما إذا كان يحتاط بهم من هجمات شباب يؤكدون على سلميتهم وحقوقهم، وهم من يتعرضون للقتل دون قوات الأمن والجيش التي لم يؤكد حتى اللحظة خبراً بإصابة أحدهم بجرح بسيط من حجر طائش، حتى من بلاطجة السلطة الذين ينتشرون بالتوازي إلى جانب قوات الامن والحرس الجمهوري.
معسكر خالد.. أمل الثوار!
الاثنين الماضي، انتشرت مدرعات وآليات عسكرية وضباط من معسكر خالد يرتدون بزة عسكرية مماثلة لبزة منتسبي الفرقة الأولى مدرع، واقتصر تواجدهم إلى أمام مدرسة الشعب، ومعهم أفراد وضباط من الأمن العام.. تبادلوا التحايا والمصافحة والورود مع عشرات المتظاهرين الذين شعروا بالاطمئنان لسلوك عسكري طالما استجدوه من مختلف الوحدات الامنية والعسكرية.. لكنهم اصطدموا بفرق الموت التابعة للامن المركزي والحرس الجمهوري والشرطة العسكرية قبل بلوغ مبنى المحافظة حيث ارتكبت المجزرة بحقهم.
في الايام التالية، حرص أفراد وضباط معسكر خالد على تأمين مسيرات المتظاهرين، حتى وإن كان ذلك بالحيلولة دون استمرارهم باتجاه مبنى المحافظة، وترجيهم النزول إلى الساحة، كما أنهم لم يلوحوا بأسلحتهم في وجوه العشرات ممن اجتازوا حواجزهم وتركوهم وشأنهم.. بل إن مصادر في أوساط المتظاهرين ذكرت أن تلك القوات حالت في إحدى مواجهات الاسبوع دون تمكين قوات الأمن المركزي من إطلاق النار والقنابل الدخانية باتجاه المعتصمين في الهريش وأمام مدرسة الشعب.
ورغم أن معسكر خالد الذي يقوده العميد عصام الحاشدي، لم يتخذ موقفاً كما فعل علي محسن الأحمر والمحسوبون عليه بعد مجزرة صنعاء في 18 مارس الماضي، إلا أن المتظاهرين يؤملون كثيراً على قوات خالد، بأن تتحمل مسؤوليتها في حماية المتظاهرين، وتأييد الثورة، ويوم الخميس اصطحب المتظاهرون عددا من الأفراد والضباط إلى الساحة، وهو ما يشير إلى موقف محايد على الأقل من قبل قوات معسكر خالد، كفيل ببعث جزء من الطمأنينة في نفوس المتظاهرين.
رؤى متباينة للتصعيد
وكما تصر قيادة محافظة تعز على مصادرة حق الناس في المظاهرات السلمية والتنصل من مسؤوليتها عن أعمال القتل والاعتداء على المتظاهرين الذين يجوبون الشوارع، وتعزو قتلى وإصابات الاثنين وغيرها إلى عدم التزام أحزاب اللقاء المشترك بخط سير المظاهرة من غرب ووسط المدينة وصولاً إلى مدرسة الشعب وتوجهاً إلى الساحة، كما تم التنسيق لذلك مسبقاً، تميل أحزاب اللقاء المشترك في المحافظة إلى عدم استفزاز السلطات الامنية بتسيير مظاهرات ومسيرات باتجاه المحافظة والقصر الجمهوري، حقناً للدماء.
هي ذاتها الدماء التي تؤكد عدد من الحركات المستقلة الفاعلة في الساحة، على استعدادها للتضحية بها تأكيداً لحقهم في التظاهر السلمي إلى مختلف أرجاء المحافظة، ومؤسساتها، وهي إحدى أهم نقاط الخلاف بين قيادات الاحزاب والتيارات الشبابية، وحتى بين قيادات الاحزاب وقواعدها التي كثيراً ما تتمرد على تعليمات منصة الساحة بعدم مغادرتها والتزام خط السير إلى الساحة في المسيرات.
الاربعاء الماضي، اعتلى أحد النشطاء الحزبيين سيارة مجهزة بصوتيات، وهتف في الجموع المحتشدة أمام مدرسة الشعب، بالعودة إلى الساحة ومن يرفض ذلك فهو "مندس".. رفض هذا الكلام من قبل معظم الشباب كما رفض من قبل زملائه الحزبيين وعادوا للاعتذار عنه.
ورابط مئات الشباب طيلة أيام وليالي الاسبوع الماضي في شارع الحوض أمام مدرسة الشعب، وكانوا يقطعون الشارع بالاحجار بين الحين والآخر، ويجبرون أحيانا للتراجع إلى شارع الهريش جراء الهجمات عليهم من قبل الامن والبلاطجة، في حين يتمترسون في بعض الأحيان في جولة الحوض مرددين الهتافات المنادية بإسقاط النظام، قبل أن يتم تفريقهم بالرصاص الحي والقنابل الدخانية.
بين مرجح لضرورة الحفاظ على الدماء حتى يحين الوقت المناسب، ومطالب بالتصعيد السلمي كحق أصيل لا تسقطه آلة القمع الهمجية، تبقى الساحة منقسمة في وسائل وتكتيكات إسقاط النظام وآليات التصعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق