مجلس الظروف القاهرة في مهمة استثنائية
الإثنين , 25 أبريل 2011 م
تضاعف عمره إلى الضعف في تعديل 2009 مقارنة بدستور دولة الوحدة.. ويعول عليه تنفيذ اهم بند في المبادرة الخليجية حال اعتمادها: قبول استقالة الرئيس بأغلبية مطلقة
سامي نعمان
تنتهي الثلاثاء القادم 26 ابريل فترة ولاية مجلس النواب، المحظوظ عمراً، بعد ست سنوات أصلية، وعامين زيادة، وهي فترة ولاية ربما تدخله موسوعة جينيس لأطول البرلمانات عمراً في العالم، في وقت لا زال المجلس إياه مدرجاً ضمن الخطط الزمنية لرحيل رئيس النظام الحالي علي عبدالله صالح، الذي يواجه موجة احتجاج واسعة النطاق تطالبه بالتنحي عن الحكم الذي عُمر فيه لزهاء ثلاث وثلاثون عاماً، والذي يفترض الجدول الزمني المقترح من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي والملحق بالمبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن أن يقبل مجلس النواب استقالة الرئيس المقدمة إليه بعد ثلاثين يوماً من قبول المبادرة والشروع في تنفيذها بالبند الاول الذي يقضي بنقل الرئيس جميع صلاحياته الفعلية لنائبه في اليوم الأول..
طويل العمر!!
غير أن المادة 65 من الدستور اليمني، التي تم تعديلها لإطالة عمر مجلس النواب الحالي بغطاء اتفاق فبراير 2009، بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وأحزاب اللقاء المشترك، والتي تم بموجبها اضافة عامين لعمر المجلس المحدد بست سنوات شمسية، تفتح المجال لإطالة عمر المجلس الحالي بحجة تعذر اجراء الانتخابات والظروف القاهرة.. وبذلك يكون مجلس النواب الحالي قد ضاعف عمره مقارنة بمدة ولايته وفقاً لدستور دولة الوحدة الذي جرى الاستفتاء عليه في سبتمبر 1991، والذي حدد فترة مجلس النواب باربع سنوات، زيدت بعامين في تعديلات 2001 ارضاء للنواب، مقابل زيادة عمر ولاية الرئيس صالح من خمس إلى سبع سنوات، ضمن حزمة تعديلات أخرى كرست حكم الفرد، وأتاحت له استحداث غرفة جديدة باسم مجلس الشورى يعين جميع أعضائه من قبله، فضلا عن نصوص اخرى عززت من صلاحيات الرئيس على حساب المؤسسات المختلفة.
تنص المادة 65 من الدستور على أن "مدة مجلس النواب ست سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوما على الأقل، فإذا تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخـاب المجلـس الجديد.. واخراجاً لاتفاق فبراير أضيفت المادة ب على هذه المادة لتنص على: استثناءاً من أحكام الفقرة (أ) من المادة (65) تمدد فترة مجلس النواب الحالي سنتين شمسيتين لمرة واحدة مراعاة للمصلحة الوطنية العليا.
يومها سُجل رفض واحد لهذا التعديل بتوقيع النائب المستقل أحمد سيف حاشد، وامتنع النائب عن الحزب الحاكم عبدالعزيز جباري عن التصويت الذي هلل له 230 نائباً من جميع الأحزاب باعتباره مخرجاً اضطرارياً لفترة احتقان سياسي امتدت لعدة اشهر تعذر معها التوافق على اجراء الانتخابات، "مراعاة للمصلحة الوطنية العليا"... لم تسجل حالة استقالة واحدة على التمديد كما فعل المرحوم المهندس فيصل بن شملان، عندما استقال من برلمان 1997 احتجاجا على تعديلات 2001 التي زادت من عمر المجلس عامين.
كان مفترضاً ان تستغل فترة التمديد هذه لاجراء حوارات سياسية بين مختلف الاطراف تنفيذاً لاتفاق فبراير، غير أن ما أمكن تنفيذه من ذلك الاتفاق كان التعديل الدستوري الخاص بالتمديد فحسب، فيما ظلت المصلحة الوطنية العليا طريقها التي نص عليها التعديل اياه في تنفيذ بقية بنود الاتفاق التي قادت إلى التمديد، وتبدد الشوطان الاضافيان اللذان كانت الحاجة لهما ملحة ?للقيام? ?بالاصلاحات الضرورية? التي تشمل اقرار التعديلات الدستورية ?اللازمة? ?لتطوير? ?النظام? ?السياسي? ?والنظام? ?الانتخابي? ?بما? ?في? ?ذلك? ?القائمة? ?النسبية?، و?تمكين? ?الأحزاب? ?السياسية? ?الممثلة? ?في? ?مجلس? ?النواب? ?من? ?استكمال? ?مناقشة? ?المواضيع? ?التي? ?لم? ?يتفق? ?عليها? ?أثناء? ?إعداد? ?التعديلات? ?على? ?قانون? ?الانتخابات? ?وتضمين? ?ما? ?يتفق? ?عليه? ?في? ?صلب? ?القانون و?إعادة? ?تشكيل? ?اللجنة? ?العليا? ?للانتخابات? ?وفقاً? ?لما? ?ينص? ?عليه? ?القانون.
الازمات تبدأ من هنا
وكعادة الحوار اليمني، مضى الاتفاق نحو مزيد من التأزم، فالمماطلة والمزاجية في الحوار وعدم الاتفاق على اجندته، وتأويل الاتفاق بتفسيرات مختلفة من كل طرف، وتأزم الاوضاع السياسية والاقتصادية، مع تجدد حرب صعدة، وتفاقم حالة الاحتقان في الجنوب، ورفض الحزب الحاكم لادراج القضية الجنوبية ضمن اجندة الحوار، وقبل كل ذلك غياب الثقة بين أطراف الحوار أفضت كلها إلى انسداد آفاق الحوار بين الطرفين، رغم توقيعهما على محضر اتفاق في 17 يوليو وهي الذكرى الثانية والثلاثين لتولي الرئيس صالح الحكم، وكان ذلك اكبر انجاز حواري تم التوصل اليه، بيد أنه لم يفض سوى لإعادة انتاج الاحتقان السياسي السابق لاتفاق فبراير 2009، ليعلن الحزب الحاكم في اكتوبر الماضي عن وفاة الحوار، واعتزامه المضي منفرداً في اجراءات التحضير للانتخابات، ضارباً عرض الحائط بكل الاتفاقات السابقة.
أكثر من ذلك، أقر الحزب الحاكم بأغلبيته الكاسحة تعديلات قانون الانتخاب، وزاد على ذلك بتقديم مسودة تعديلات دستورية مطلع يناير الماضي تؤبد بقاء الرئيس صالح في الحكم، مع تعديلات أخرى تمس جوهر النظام السياسي في البلاد، وتزيد من وزن الفرد على حساب المؤسسات، وتسلم حكم البلاد برمتها إلى أسرة الذي بدى وفقاً لتلك المعطيات أن مسألة توريث الحكم لنجله بات مسلمة ، يحكمها عامل الوقت لا أكثر.
حتى منتصف يناير كان اللاعب الاوحد مطمئنٌ للغاية، متيقناً من توالي الانتصارات، التي زاد من رصيدها الحديث عن نجاح بطولة خليجي 20 التي اثارت جدلاً واسعاً حول قدرة اليمن على اقامتها في ظل ظروفها الامنية والاقتصادية الحرجة، ونظراً لتوقعات الفشل او الالغاء فقد كان لمجرد مرورها بسلام التهليل الاكبر باعتباره نجاحاً منقطع النظير أثبت قدرة النظام على تنظيم بطولة رياضية اقليمية متواضعة، ومعها سيكون التشكيك في قدرته على ادارة ازماته الداخلية ضرباً من العبث غير المسموع.. كما استلهم النظام مرور تجارب انتخابية عربية بأقل قدر من الانتقادات الدولية، كما حدث في السودان التي جرت فيها انتخابات رئاسية قاطعتها اطياف واسعة ومؤثرة في المعارضة، ورحبت بها الولايات المتحدة، وانتخابات مجلس الشعب المصري التي افرزت مجلساً اشبه ما يكون بلجنة مركزية للحزب الحاكم وسط تهميش وإقصاء لكافة المكونات الأخرى.. فكر وقدر أن المؤشرات المحلية والاقليمية تسير وفقاً لما يخطط له..
الثورات تعيد رسم الخارطة
تلك الغطرسة لم تدم طويلاً، فشرارة الانتفاضة الشعبية التي اشعلت الثورة في تونس، لتنتهي بفرار رئيسها رئيسها زين العابدين بن علي، ثم انتقالها إلى مصر لتطيح بأقوى نظام عربي مدعوم غربياً في 11 فبراير، وانتقال شرارتها إلى اليمن أعادت حسابات صانع القرار اليمني إلى مربع لم يكن يتوقعه.
في 2 فبراير أعلن الرئيس صالح استباقاً لأول خروج شعبي كبير دعت اليه المعارضة ممثلة بتكتل اللقاء المشترك، خلال اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى "ان لا تمديد ولا توريث"، كما وتعليق مشروع التعديلات الدستورية، وتأجيل الانتخابات النيابية حتى يتم التوافق بين جميع الاطراف على تعديلات قانون الانتخابات والاصلاحات الدستورية، وأعلنت حزمة اغراءات اقتصادية بزيادة الرواتب وتخفيض الضرائب عليها، وزيادة عدد الحالات التي ستتلقى معونات ضمن شبكة الضمان الاجتماعي، والوعد بفرص عمل للشباب العاطل، وتوسيع قاعدة الحكم المحلي ..
ورغم الاستجابة المبدئية من المعارضة إلا أنها كالعادة لم تنجح في الاتفاق على اطار للحوار، ولم تفلح وعود صالح في وأد المحاولات التي بدأت خجولة من قبل المئات من طلاب الجامعة والناشطين لتحريك الشارع والاعتصام قبل ان تبدأ الثورة المصرية، لهدف واحد هو اسقاط النظام، غير ان شباب الثورة المصرية نجحوا في الاطاحة بنظام حسني مبارك في غضون اسبوعين، لتتشكل من عشية تنحيه اول ساحة اعتصام في مدينة تعز، في 11 فبراير الماضي، لتتوالى بعدها الساحات في معظم المحافظات اليمنية وتستقطب إليها مئات الآلاف من اليمنيين الحالمين بدولة مؤسسات ونظام وقانون ومواطنة متساوية وعدالة اجتماعية..
توالت بعدها مبادرات الرئيس، التي شملت بعضها كل المطالب التي كانت تنادي بها المعارضة في السابق، بما فيها اعتماد النظام البرلماني والقائمة النسبية، لكن سقف المطالب تجاوز تلك مرحلة نظيرتها السابقة بكثير، واتضح انها لم تعد ترضى بسقف ادنى من سقوط نظام الرئيس صالح، وتلاشت كل محاولات الحوار على أساس البقاء، إذ أن من يعرض الحوار لا يضمن في أجندته سوى خيار الرحيل..
وفي 10 مارس أوضح مصدر مسؤول بمكتب رئاسة الجمهورية إنه ذلك اليوم يصادف موعد صدور قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إلى الانتخابات النيابية إبريل2011م بموجب نص المادة (65) من الدستور، مشيراً إلى تعديل قانون الانتخابات والحاجة لإجراء عملية قيد لمن بلغوا السن القانونية والتي تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها القانوني، وحرصا على "الحق الدستوري" لمن بلغوا السن القانونية فإن اللجنة العليا للانتخابات ستقوم بإجراءاتها القانونية بفتح جداول الناخبين وفقاً للقانون.. ولم يشر المصدر إلى إلغاء الدعوة للانتخابات، أو إلى أسباب تعذر إجرائها في موعدها غير ما ذكر!
ماذا بعد؟
ابتداءً من الاربعاء القادم يكون مجلس النواب اليمني قد مضى فترته الدستورية المزيدة، وعلى الأرجح فإن النص الدستوري سيتيح له الاستمرار في أداء مهامه، بداعي الظروف القاهرة، ما لم يكن هناك رؤية دستورية وقانونية أقوى تلغي استمرار المجلس الحالي في مهامه، غير أن خارطة مجلس النواب بتركيبته بعد الثورة قد تغير كثيراً عن تركيبته قبلها، مع استقالة قرابة ستين نائباً من الحزب الحاكم واعلان تأييدهم لثورة الشباب السلمية.
كانت آخر تجارب المجلس الهزلية في جلسة 23 مارس الماضي الذي التأم لاقرار قانون الطوارئ غير الموجود لاخراج الاعلان الرئاسي بحالة الطوارئ عقب مجزرة الجمعة 18 مارس الماضي... كعادة المجلس طيلة سني عمره في كولسة القوانين والقضايا المطروحة للنقاش، تم إضفاء الشرعية، اسقاطاً للواجب رغم عدم وجود قانون للطوارئ، وتم استدعاء القانون الشطري الذي كان سارياً شمال اليمن في ستينيات القرن الماضي، مع ان دستور الوحدة قد جب ما قبله.. يومها وكما ذكرت مصادر متطابقة عقدت الجلسة دون نصاب، وحضر على وسائل الاعلام متابعة الجلسة، وخرج محضر الجلسة البرلمانية للحديث عن 162 نائباً، أقروا القانون من اصل 164 نائباً حضروا الجلسة، في حين تؤكد مصادر المعارضة ونوابها ان العدد يقدر بنصف العدد المذكور، وبالتالي فإن الجلسة كانت مجرد تحصيل حاصل.
وإذا ما مضت الأطراف المختلفة في تنفيذ المبادرة الخليجية سيكون على المجلس الالتئام بتركيبته الجديدة، لتنفيذ أهم بند في المبادرة، وهو قبول استقالة الرئيس بعد 30 يوماً من بدء سريان المبادرة وتعيين نائب له ...
هي الاستقالة التي لا تضمن هواجسها، فموافقة الرئيس تقتصر على تقديم الاستقالة دون تأكيد نفاذها، لكن الاخراج سيكون مختلفاً على الارجح، فالاستقالة تستدعي أغلبية مطلقة وفقاً للمادة 115 من الدستور، وهي الأغلبية التي يبدو الرئيس واثقاً تماماً أنها لن تتحقق، وستعلن تمسكها به وسيستمر رئيساً "في إطار الدستور" لـ 3 اشهر اضافية، قبل أن يقدمها ثانية للمجلس الذي يتوجب عليها قبولها حينئذ!!
وبهذه المهمة الاستثنائية المفترضة التي تعد الابرز في تاريخه سيختم مجلس النواب فترته السلبية، خارج فترته الدستورية بتقرير مصير الثورة اليمنية، وهو المجلس الذي لم يفلح طيلة عمره المديد في الانتصار لنائب تعرض لانتهاك، ولم يحضر وزيراً للاستجواب، ولم يوقف قرضاً او اعتماداً إضافياً أو مشروع قانون ربما تحفظ عليه في بعض الاحيان الاغلبية، لكنها الاوامر أو الهواتف العليا التي تحسم قرار المجلس دون الحاجة لرأي أعضائه، وضداً على قناعات الكثيرين.
بالتأكيد، فإن أغلبية من في الساحات المنتشرة طولاً وعرضاً في مختلف المحافظات، إن لم يكونوا جميعهم لا يعولون البتة على مجلس كهذا ليس في رصيده انجاز واحد جدير بالذكر انحاز به إلى مصلحة الناخبين.. ولا ينتظر من المجلس الذي انتهكت حقوق اعضائه في اروقته، وهمشت بعض المحاولات الجريئة للقيام بمهامه كمجلس تشريعي ورقابي، بأوامر عليا أن يكون له موقف في حق صاحب تلك الاوامر.. إنهم لا يعولون على شيء بقدر انفسهم وثباتهم وعملهم الدؤوب والمستمر من أجل تحقيق الهدف الذي خرجوا لأجله قبل بضعة اشهر.. اسقاط النظام الذي يعد مجلس النواب القائم فيه ليس أكثر من ديكور لديمقراطية زائفة تستجلب القروض والمساعدات وتفي ببعض اشتراطات المانحين، وليس في شكلها اي حسبة لحقوق المواطنين وكرامتهم، التي يبدو أنهم اصبحوا اليوم اكثر إدراكاً لها واصراراً على نيلها بوسائل ديمقراطية طالما عوملوا بغيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق