سنة أولى ونهائية
سامي نعمان
يوشك عام إسقاط النظام في اليمن على تصفية حساباته النهائية في فبراير المقبل، مسجلاً أغلى التضحيات التي قدمها اليمنيون مقابل تقرير مستقبل يليق بهذا البلد، بعيداً عن حسابات فئة بعينها احتكرت لعقود إرادة الشعب لصالح مزاج ومصالح ذات الفئة التي استهوت السلطة وزاوجتها بالثروة، وأعاشت الشعب على فتات منافع لا تكاد تفي حق الحياة، وأحاطت كل ذلك بديكور زائف يحمل اسم الديمقراطية لكنه في المحصلة يكرس ذات الاستبداد، ويشرع له.
كان عاماً مضنياً باهظ التكلفة، نال اليمنيين في اعمارهم ودمائهم ومعيشتهم وسلمهم وأمنهم الاجتماعي.. لكن أن يكون الثمن وطناً لا يموت أبناؤه بالجملة في حوادث السير متنقلين في خطوط الموت بين المدن، أو قتلاً في أطراف البلاد وهم في كلا الحالتين يبحثون عن حق الحياة، فإن التضحيات وإن ارتفعت تكون لائقة أكثر بهذا الوطن ، وكلما زادت الكلفة ارتفعت معها اسهم الوطن في قلوب أبنائه.
لقد رسم اليمنيون أجمل لوحة مشرقة في تاريخهم، وسجلوا اعظم تضحيات مقابل اسمى وأنبل الغايات.. فاليمن بعد عام من الانتفاضة، ليست كما قبله، ولا يمكن ان تعود.. إذ إن انتصار اليمني لذاته وحريته وكرامته وإنسانيته وحضارته، هوانتصار لدولته ونظامه ومستقبل أجياله، ولن يجرؤ حاكم ولا صانع قرار بعد الآن أن يفكر في العودة للعهد البائد والاستفراد بالحكم وإهدار مستقبل الأجيال مهما ظن نفسه قادراً على حماقة كتلك، ذلك أن اليمن العظيم بإنسانه قبل كل شيء قد أدرك معنى الثورة، وحدد هدفه بدولة المواطنة المتساوية، وأصبحت قيم الثورة والحرية جيلاً مولوداً بتاريخه ولا يمكن أن يورث سوى تلك القيم التي تضمن كل الحقوق وتصون الوطن لكل ابنائه.
لقد عانى اليمنيون طيلة عقود كل صنوف الاستبداد ومصادرة الحقوق، ولم يكن محتكرو السلطة وحدهم سبب بلائنا، بل هي منظومة سلبية الفت التعايش مع وضع غير سوي بالمطلق.. وشملت تلك المنظومة نخباً سياسية وثقافية واجتماعية وشعبية أفرزت في مجموعها وضعاً اقطاعياً البقاء فيه للأقوى..
وطالما أن الناس فكوا ارتباطهم بتلك السلبية قبل النخب، وامتدت الانتفاضة لتطال كبرى قلاع ودوائر الحكم في اطار ثورة المؤسسات، فإن البقية الباقية من السلبية التي كنا نظنها قائمة هناك، ولا زلنا نظنها كذلك في جهات أخرى ستنفصل عن ماضيها لتعلن اكتمالاً سريعاً، مساراً جديداً ارتضاه اليمنيون لأنفسهم ومستقبلهم..
انتهى عام إسقاط النظام، وكل الأمل أن تكون سنة أولى لكن نهائية، لتبدأ أعوام لا تنتهي من بناء النظام، وإقامة الدولة المدنية التي ينشدها اليمنيون، وأن تنتفض كل القوى وتسخر كل الطاقات لثورة التنمية وبناء دولة المؤسسات، وإعلاء شأن الإنسان، وتحقيق حريته وكرامته وإنجاز الوطن الحلم يمناً لكل أبنائه، لا يحتكر سلطته أحد، ولا تغنم خيراته فئة، ولا يكون في مؤسساته موطئ قدم للمحاباة والاسترضاء والتقسيم والفساد.. ويظل الوفاء الدائم فيه لقيم الثورة وأرواح الشهداء الذين أحيوا بدمائهم أحلام شعب بميلاد وطن..
لا يمكن ليمن فبراير أن يتراجع وقد فك ارتباطه بماضيه، وأياً كانت الرؤى حول ما تحقق حتى الآن، إلا أن الجميع يشترك في الامل بأن يمناً آخر ينتظره اليمنيون هو من صنع ايديهم ورسموا معالمه بإرادتهم، وإن تراءى للبعض ان جردة الحساب تغبنهم تضحياتهم، وتجتزئ احلامهم وقيمهم واهدافهم، لكن العدالة حتماً ستأتي تباعاً كما بقية مفردات الثورة وسيخرج الشعب حتما دائناً برصيد وطن، ضحى من أجله خيرة شبابه ورجاله ونسائه، كثير منهم كانوا يدركون قدرهم لكنهم رضوا به بكل تجرد من الأنا لإزالة نظام لا تستقيم حياة كريمة لهم كما غيرهم في ظله، لإدراكهم أن شعباً خلفهم سيرث وطناً يستحق أن يعيش الناس أعمارهم لأجله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق