سامي نعمان
طفت على السطح مؤخرا، سلبيات كثيرة أفرزتها تراكمات عام من الزخم الثوري، الذي أثرت فيه مكونات سياسية واجتماعية وثقافية ومدنية مختلفة، التقت حول هدف واحد هو إسقاط النظام وبناء دولة مدنية حديثة، قائمة على قيم إنسانية نبيلة، أهمها الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الانسان، والأهم من ذلك المواطنة المتساوية.
أبدى الجميع منذ البداية حرصاً بالغاً على تجاوز كل الاختلالات والتباينات المرافقة للعمل الثوري السلمي، بعضها كان يجري لملمتها والتغطية عليها وكأنها تدخل ضمن جرائم الشرف، مع انه لم يكن ليعيب الثورة أو ينتقص قدرها ان تناقش بشفافية وجرأة، ويجري حلها عبر هيئات متخصصة، لتكون الساحات نموذجا مصغرا أقرب للمثالية للإنسان، للدولة، للمجتمع، للوطن الذي يحلم به اليمنيون.. لكن ما حصل أن دست الرؤوس في التراب، بدواعي الحرص على وحدة الصف وتفويت الفرص على أعداء الثورة، وتحقيق الهدف النبيل.. فكانت تبعاتها ممارسات أكثر سلبية استمرأت ذات المبررات، لتصل الأمور حد الصدام المباشر بين شركاء النضال، خصوصا بعد توقيع المبادرة الخليجية .
وفي خضم كل تلك التفاعلات يحضر حزب الاصلاح كقوة سياسية وشعبية كبيرة ومؤثرة في مسار الثورة، وشارك شبابه بفعالية في معظم الفعاليات جنباً إلى جنب مع كثير من القوى النقيضة والمستقلة.. أجدني ملزما بالاعتراف أنه يصعب اكتمال الثورة بدون قاعدته، ويستعصي أكثر فهم حاجته لفرض هيمنته عليها، وهو الذي لا تنقص قدره إثبات وجود .. كحزب قوي ومنظم ومهيمن على قرار الثورة يتحمل الاصلاح الجزء الأكبر من المسؤولية عن سلبيات المرحلة السابقة.
ولئن كان اليمنيون، بمن فيهم شباب فاعلون في الاصلاح، قد غضوا الطرف عن هيمنة الحزب الاكثر ثقلا في الساحة، وهو يكرس في بعض ممارساته ذات النموذج الذي ثاروا عليه، فإنهم قطعا لن يصبروا طويلا ليثبت الحزب الاوفر حظا بالسلطة، انه الانسب لترجمة اهدافهم وتطلعاتهم في الدولة المدنية الحديثة والمواطنة المتساوية كأهم مرتكزاتها..
ليس مقبولا من حزب كالاصلاح ان يترجم عقيدة الولاء والبراء، الى سياسة يدير بها شؤون البلاد والعباد، اذ لا غنى عن المواطنة المتساوية اذا كان فعلا يطمح في تغيير النظام واحداث فرق مؤثر في حياة الناس، والحظوة باحترامهم، بمن فيهم جزء كبير من قاعدته العريضة المتململة، التي تكبت تذمرها كجزء من الالتزام لحزب منظم يؤجل احلامهم الى بعد الشروق لا أكثر.
ويزيد من تراكم سخط قاعدته، غياب التجديد في بنيته القيادية، وخصوصا مكتبه السياسي، الذي يدور المناصب بانتخابات قاصرة، تعيد انتاج ذات الهرم القيادي الشائخ، على شاكلة ديمقراطية بوتين وميدفيدف اللذين يتداولون حكم روسيا كجمعية بين موظفين.
لقد اكد محمد قحطان ان حزبه لن يخوض الانتخابات بشعار الاسلام هو الحل، ولن ينفرد بالسلطة، وسيحكم بتحالف عريض يضم حلفاء المشترك المتباينين احاديا في الايديولوجيا والتوجه السياسي.. هي توطئة مهمة تبرز حسن نوايا الى حد ما، لكنها غير كافية، إذ ليس الشعار مشكلة كممارسات على الارض تعبر عن توجه أكثر تزمتا من مجرد اعلان الشعار، يمثله جناح ايديولوجي وقبلي وعسكري يتقاسمون نفوذا يلغي سيادة الحزب وينتقص احلام قاعدته..
يخطئ الاصلاح ان ظن ان اكثريته تحمي سياسة الاقصاء التي برزت بشكل فج في ممارسات بعض المحسوبين عليه مؤخرا، لتحدث مواجهات مؤسفة، يتقاسم اخرون جزءا من مسؤوليتها..
لن يستطيع الاصلاح ان يحكم دون تقبل الاخرين، وان اختلف معهم ايديولوجيا وسياسيا وثقافيا. فالاقليات تستوعب بالحوار وضمان الحقوق والشراكة، وذوي الرأي الاخر بتعزيز حقهم في اسماع اصواتهم والتعبير عن ارائهم، والتعامل مع ما امكن منها بايجابية دون تهميش، والتاسيس لنقاط تفاهم حول الاخرى بناء على حوار متكافئ وجاد..
ينبغي على الاصلاح ان يفك ارتباطه بالقبيلة، بتذويب نفوذها تحت سيادته، ودمجها بمجتمعة الحزبي السياسي المنظم، ومساواتها بقاعدته المدنية.. لا ان تظل القبيلة محتكرة لسلطة وقرار الحزب رضوخا لثقلها..
هو ايضا مطالب بفك ارتباطه القديم -الملاحظ حديثا- ببعض مكونات الجيش ويدعم بناءه مستقلا على أسس وطنية، تضمن عدم تكرار مآلات تحالف نظام صالح والقوات المسلحة، التي زُج بها في معارك خاطئة في مواجهة الشعب.. هذا التحالف السياسي العسكري يزيد من ارتهان الحزب لقرار لا يتوافق وجوهر الدولة المدنية، ولا يمت بصلة لرغبات قاعدته العريضة والمدنية الى حد كبير، لمجرد الرغبة في تعزيز الهيمنة بأدوات غير مدنية.. عليه أيضا أن يفك ارتباطه بأي ولاء لأي دولة أو مذهب أو فكر يؤثر في استقلالية قرار الحزب وحكومته المرتقبة مع شركائه..
ننتقد الاصلاح كحزب ثقيل بات قاب قوسين أو أدنى من حكم البلاد، وسيكون رافعة أساسية لأحلام اليمنيين، لا لمكونات حزبه، وهم ينتظرون منه منهجية أخرى غير سياسة الإقصاء والهيمنة وفرض الراي بقوة الغلبة العددية، وتعاملا بالمواطنة لا بسياسة الولاء والبراء.
عليه ان يستلهم أهداف الثورة، في بناء دولة مدنية لا يمكن ان تتحقق - في ظل حكمه - الا اذا تخلى عن ممارسة الابوة - دينية كانت او سياسية او ثقافية- على تطلعات وآراء ومستقبل اليمنيين، بمن فيهم جماهيره العريضة، والا فانه سيسقط سريعا، وسريعا جدا، متأثرا بأخطاء مكررة ومزيدة، لم يعمل على مراجعتها وتعديلها مستفيدا من تجربة من سبقه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق