صالح في لغز جديد ومحير .. يسبب الصداع!!
الجمهورية - سامي نعمان
يبرع الرئيس علي عبدالله صالح، كعادته، في اثارة اللغط والجدل حول تحركاته وخطواته وقراراته المستقبلية، محافظاً على احتمالات متناقضة كلها محتملة لا يقطع يقينها سواه، ومخلفا صداعا لا يصيب من يعنيهم بشكل مباشر قراره، كالإدارة الامريكية في موضوع سفره للعلاج في بلادهم، كما صرحوا، بل يصيب المهتمين بشأنه حكومات وسياسيين ودبلوماسيين ومحللين وصحفيين، تبعا لارتباط مناوراته بمستقبل بلد مضطرب يشهد احتجاجات شعبية واسعة النطاق تستهدف نظام حكمه، ويواجه في ذات الوقت جملة تحديات خطيرة ومعقدة تهدد أمن الاقليم، ومصالح العالم..
لغز جديد ومحير، يضاف إلى سلسلة ألغازه السابقة المثيرة للجدل، يتمحور حول مستقره النهائي، او ما قبل النهائي بعد رحلته العلاجية في نيويورك.. فهل سيقبل باللجوء في دولة خليجية، أم سيصر على العودة إلى صنعاء؟ والاجابة عن ذلك هي محور الجدل المحتدم في الاوساط السياسية والاعلامية والرسمية المحلية والدولية ..
في آخر خطاب له يوم الاحد الماضي أظهر الرئيس صالح مشاعر الوداع بتقديمه الاعتذار للشعب اليمني عن اخطائه خلال فترة حكمه، بيد أنه تحدث صراحة عن نيته العودة إلى البلاد لتتويج نائبه خلفاً له، وتسليمه السكن الرئاسي والعودة إلى منزله وفقا للبروتوكولات المتعامل بها، أكثر من ذلك، صرح بنيته مزاولة العمل السياسي عبر قيادة حزبه في الفترة المقبلة.. وهو ما يؤكد عليه قيادات رفيعة في حزب المؤتمر الشعبي العام، وتحدث سلطان البركاني عن شجاعة ورباطة جأش الرئيس التي ستدفعه للعودة لقيادة دفة الحزب خلال المرحلة المقبلة..
بيد أن ذلك ليس مقنعاً بالنسبة لكثير من المهتمين، فهناك معلومات معتبرة تتحدث عن ترتيبات لإقامة صالح في سلطنة عمان، يضاف إليها معلومات سابقة سمت الامارات والسعودية كخيارات محتملة ومفتوحة أمامه..
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر دبلوماسية في مسقط تأكيدها إن الرئيس صالح يسعى للاقامة في السلطنة، التي تبدو مترددة – حسب المصدر- حتى الآن في قبول استضافته خوفا من الاضرار بعلاقاتها مع أي حكومة يمنية في المستقبل، وهي التي انهت في عهد صالح حقبة صراع حدودي مرير على حدودها مع اليمن الجنوبي السابق.
وكالة الأنباء اليمنية سبأ تجاهلت في خبر متأخر الاشارة الى مغادرة صالح إلى مسقط، وذكرت (الاثنين) أن الرئيس صالح غادر صنعاء (الأحد) متوجها إلى الولايات المتحدة لاستكمال العلاج، وأشارت إلى ان صالح استقل طائرتين رئاسيتين (جامبو 747، بوينج 727)، وهما طائرتان حكوميتان مخصصتان لتنقل الرئيس وكبار رجال الدولة، ما يشير إلى ضرورة استخدام الطائرتين في نقل مستلزمات خاصة، تقول بعض المصادر الاعلامية..
البيت الابيض، على لسان المتحدث باسمه جاي كارني، صرح الاثنين، ان صالح سيبقى في الولايات المتحدة لفترة محدودة فقط للعلاج، واكتفى بالحديث عن اهمية غيابه عن اليمن في هذا "المنعطف الخطير" الذي من شأنه ان يساعد اليمن في تسهيل انتقال يكمل نهاية حكمه (..) ويكون له في النهاية أثر ايجابي على حقوق وكرامة الشعب اليمني.".
وزيادة على ذلك أكد السفير الاميركي في صنعاء جيرالد فايرستاين الثلاثاء ان الرئيس صالح سيتوجه في الايام القليلة المقبلة الى الولايات المتحدة، قادما من مسقط، مشيرًا الى ان مدة بقائه في اميركا، حيث سيتلقى العلاج، مرتبطة بما يقرره الاطباء، مشدداً على أن صالح لن يطلب اللجوء في الولايات المتحدة، وهو "غير مقيد الحركة"، ويمكنه العودة الى بلاده متى يشاء.
غير أن مصادر دبلوماسية وسياسية مطلعة تؤكد أن الرئيس صالح سيعود للاقامة في دولة خليجية، والأرجح انها باتت محصورة في خيارين إما سلطنة عمان أو دولة الامارات التي يتردد منذ اشهر أنه يجرى الاستعداد لترتيب اقامته فيها، وتم نقل الكثير من متعلقاته في وقت يتواجد فيها بعض افراد اسرته هناك، قبل أن تسلط الاضواء على مسقط كملجأ جديد للرئيس صالح..
وفي هذا السياق كشفت جريدة الخليج الاماراتية عن تخريجة قانونية لمنع إقامة صالح بشكل دائم في الولايات المتحدة، حسب مصدر أمريكي.. موضحة أن الشرط الامريكي بتوقف صالح أولاً في بلد آخر (سلطنة عمان) قبل وصوله إلى الولايات المتحدة جاء للتأكد من عدم سريان قانون اللجوء السياسي الدولي على الرئيس اليمني . وأشار إلى أن البلد المرجع لطالب اللجوء هو أول بلد يتوقف فيه بعد مغادرته بلده الأصلي ، مستبعداً عودة سريعة له إلى اليمن وفي ذات الوقت لن يبقى كثيراً في الولايات المتحدة.
ذات الصحيفة الخليجية كشفت عن مصادر سياسية مقربة من صالح استبعادها عودته إلى ممارسة العمل السياسي بعد خروجه المرتقب من السلطة في 21 من شهر فبراير المقبل، ونقلت "الخليج" عن مقربين من صالح قولهم انه كاشفهم بعدم رغبته في البقاء خارج اليمن لمدة خمس سنوات، بل لسنتين على الأكثر حال توافرت الظروف المواتية لذلك ...
وترددت أنباء عن حل وسط، كثمن للحصانة، اقترحه جمال بن عمر مبعوث الامين العام للامم المتحدة وسفراء غربيون للموازنة بين شرط اللقاء المشترك خروجه وجميع المشمولين بالحصانة من البلاد والعمل السياسي نهائيا، وبين اصرار صالح واعوانه على حقهم في الاستمرار في البلاد وفي استمرار أعوانه المحصنين في مواقعهم..
فايرستاين نفى ان تكون بلاده قد تدخلت للبحث عن مقر لجوء للرئيس، ولا توجد لديه أية مؤشرات حول نية الرئيس طلب اللجوء السياسي"، وما مروره في مسقط إلا اجراء متفق عليه بين الطرفين.
ويبدو أن الجانب الامريكي يتحاشي الخوض في هذا الجانب رغم أنه مطلع على الكثير من الخبايا المتعلقة بترتيباته، لكنهم يضعون في اعتبارهم أن الخيارات غير المتوقعة تصبح واردة، بل أمرا واقعا حينما يتعلق الامر برئيس يجيد غزل المناورات كصالح.. فهم قد خبروه جيداً، كما صرحوا، وتفاجؤوا بعودته من الرياض في 23 سبتمبر الماضي وخلطه كل الاوراق المرتبة حينها لتوقيع اتفاق نقل السلطة مع النائب، ما أدى لتأخرها لشهرين اضافيين.. وفضلا عن ذلك سجالاته الاخيرة حول السفر إلى أمريكا والتراجع عنه.. وبالتالي فإنهم مجبرون لترويض انفسهم على تقبل كل الخيارات المتاحة أمام صالح..
ويشاطرهم في ذلك مناوئوا صالح بمن فيهم المحتجون في الساحات الذين تعاملوا بحذر مع مسألة خروجه.. فهم لم يركنوا لذلك هذه المرة كسابقات لها، تفادياً للوقوع في مطبات سابقة دفعتهم للاحتفاء بخروجه، ليشكل رجوعه تأثيرا سلبيا على معنوياتهم، إلى حد ما..
ويوم الاثنين اجتمع نائب الرئيس عبدربه منصور هادي بالسفراء، الراعون للمبادرة وآليتها، وكان ملاحظا في الخبر الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية سبأ نقل اقتباسات لنائب الرئيس خرجت عن نمطها التقليدي، في التغطية على الاقل، إلى الحديث عن مرحلة قادمة ومغايرة تتلافي سلبياتها، وتحدث النائب الذي يقترب كثيرا من كرسي السلطة، عن تطلعات الشعب بدولة مدنية، وتأكيده على ضرورة الوصول الى يوم 21 فبراير الذي سيعلن فيه رئيساً خلفا لصالح.. كما أشاد بالاحزاب السياسية ومسؤوليتها الوطنية وحرصها على مصلحة البلاد.."نحن أمام تحديات كبيرة ... ولم يعد هناك بعد اليوم مكان للإهمال والتقاعس أو تكرار الاعتداءات على الطرقات أو البني التحتية"، قال هادي متخففاً من أعباء ثقيلة كانت تفرض عليه حتى وقت قريب اتهام اللقاء المشترك بقطع الطرق، والانقلاب على الشرعية الدستورية..
ويبقي الرئيس لغزاً مستعصيا على قدرات السياسيين والمحللين والدبلوماسيين في استقراء خطواته المقبلة، فالرجل يؤكد أنه سيعود هذه المرة خلافا لمرات سابقة كان يتوقع منه البقاء خارج البلاد، لكنه عاد.. خلافا لوعود كثيرة ومتناقضة اطلقها في مناسبات مختلفة يقول مسؤول امريكي إنها تسبب لهم الصداع..
ويرى مراقبون ان تأكيد عودته ليس أكثر من مكابرة تخفي اعلان المغادرة النهائية، وتبقي على مؤشر مرتفع لمعنويات المقربين منه مسؤولين ومناصرين..
آخرون يرون ان مناورات صالح تقتضي التعامل مع كل الاحتمالات مهما كانت مستبعدة، وطالما أن احتمال عودته لا زال قائما، في ظل غياب التزام رسمي يؤكد عدم عودته، وما اشاعة اخبار لجوئه لسلطنة عمان سوى فرقعة كتلك التي ورط بها أمين عام الامم المتحدة، حين اعلن صرح ان صالح سيذهب للعلاج في امريكا بعد توقيع المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر الماضي، ليتفاجأ الجميع بمن فيهم بان كي مون ان صالح قفل عائدا إلى صنعاء، واستخدم امين عام الامم المتحدة لتمرير مناوراته، أو احتياطاته الامنية ربما..
يبقى القرار النهائي كالعادة ملازما لمقاربات وحسابات ومغامرات الرجل ولن يكون بالامكان الخروج بإجابة شافية على الأرجح حتى ينشر احد خبرين.. اما اعلان عودته إلى صنعاء، او اعلان السلطات العمانية، أو أي دولة أخرى، استقرار الرئيس "السابق" لليمن فيها.
http://www.algomhoriah.net/news_details.php?sid=38067
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق