تواصل قوات الجيش والأمن التقدُّم في معاقل تنظيم
القاعدة في مديرية ميفعة بمحافظة شبوة، بعد ان أنجزوا جزءاً كبيراً وأساسياً من
مهمتهم الوطنية في شبوة وأبين، خلال الأسابيع الماضية.
يتقدّم رجال الدولة المخلصون، متسلّحين بحبهم لوطنهم
والتزامهم المبدئي لأمنه واستقراره، وسط دعم وتأييد شعبي واسع بدءاً من المناطق
التي استمرأت عناصر القاعدة اتخاذها منطلقاً لتهديد أمن واستقرار البلاد،
وامتداداً إلى طول جغرافيا البلاد التي تضرّرت من استمرار الإرهاب الذي أضرّ
بالبلاد، وكبّدها خسائر بالغة، وأهدر مصالح مواطنيها، وأضعف فرصها في الاستقرار
والتنمية.
لم يحدث أن حظي الجيش بمثل هذا التأييد والاصطفاف في
حملته العسكرية ضد معاقل الإرهاب مع رأي عام متفاعل ورافض للهجمات الإرهابية
الوحشية والاغتيالات الهمجية التي تطال منتسبي الجيش والأمن واستهداف مؤسسات
الدولة مدنية وعسكرية في محاولة للنيل من الدولة وإغراق البلاد بالفوضى والانفلات.
لم يكن اليمنيون أغلبهم يتمنّون أن يحتشدوا تأييداً
لعملية عسكرية حصيلتها مؤلمة ومكلفة في الأرواح والقدرات والاقتصاد الوطني الذي
يواجه تحديات جمة وتنعكس الآثار الكارثية لتراجعه أكثر على السواد الأعظم من اليمنيين؛
بل يحلمون بتكاتف الجهود نحو البناء والتنمية والاستقرار.
لكن عناصر القاعدة، لم تترك لهم خياراً آخر، يشجّع حتى
على التزام الحياد، ناهيك عن التعاطف، بعد أن غدت خياراتها ضيقة وعصيّة على
الترشيد، والاستيعاب ضمن حدود الدولة؛ إذ يقوم منهجهم على الإرهاب والقتل والعدوان
على اليمنيين جنوداً ومدنيين في أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبل أبنائهم.
ذلك الموقف الشعبي يعكس استشعاراً شعبياً للمهمّة
الوطنية التي يؤدّيها الجيش والأمن ودوره في حماية أمن واستقرار البلاد، وبالقدر
ذاته يكشف عن الآثار الكارثية التي نجمت عن الأعمال الإرهابية سياسياً واقتصادياً
وتنموياً، ومدى الضرر الذي ألحقته بالمجتمع بشكل مباشر.
بات لكثير من البيوت والقرى والأحياء اليمنية قصة وقصص
تُروى عن شهيد قُتل غدراً أثناء أدائه واجب الخدمة، وأسرة مكلومة من ورائه بوحشية
القاتل، ووطن يفقد كل يوم كثيراً من عوامل استقراره وازدهاره.
ومع ذلك، فثمة من ينبري للحديث عن السيادة، وعمليات قتل
خارج القانون، ويستشهد بغارات لطائرات أمريكية دون طيار تشارك في مكافحة الإرهاب،
وفقاً لاتفاقات رسمية مع الدولة التي لا تمتلك تقنيات كافية للحد من خطر العناصر
الإرهابية الذي بلغ حدّاً يهدّد أمن المنطقة والعالم، ناهيك عن اليمن، البلد الذي
يقع في عمق التهديد.
يضجّون بالشكوى، ويشنّون هجمات وحشية على جنود يخدمون في
مناطق نائية، بدعوى الانتقام من تلك الضربات، لكأنها هاجمتهم، وهم آمنون في
مساكنهم مع أطفالهم، أو في أماكن عملهم، متناسين أنهم بشرّهم المستطير، كانوا
السبب الرئيس في حضورها بأخطاء قليلة ومؤسفة أحياناً حين تطال مدنيين.
حضرت تلك التقنية كضرورة اقتضاها الخطر المستفحل الذي
تشكّله عناصر الإرهاب التي تجاوز تهديدها حدّه المعقول بعد أن ابتكروا وسائل تفجير
تتجاوز أرقى التقنيات الأمنية العالمية، وليس اليمن بإمكانياته المتواضعة.
يتحدّثون عن القانون، وكأن الجرائم البشعة التي ارتكبتها
تلك العناصر تنسجم مع روح القانون، أي قانون، وأية آلية أو تعامل قانوني متاح مع
جماعة تتعارض أهدافها وأفعالها بالمجمل مع فكرة الدولة والأمن والقضاء والمواطنة..؟!
حتى أولئك الذين اعتقلوا وتعاملت معهم الدولة وفقاً
للقانون، وسُجنوا بأحكام قضائية، هم أساساً غير مسلّمين بشرعيتها أساساً، ولو
كانوا يؤمنون بسلطة القانون، لما فرّ 23 شخصاً من عناصرهم من السجن المركزي
بصنعاء، في هجمة إرهابية - شارك فيها السجناء - وقتل فيها قرابة سبعة جنود،
وأصابوا آخرين في جريمة أكثر فظاعة ربما من الجرم الذي حوكموا وسُجنوا تبعاً له.
يتحدّثون عن السيادة ويفصّلونها على هواهم، متى ما رأوا
فعلاً يحد من نشاطهم وتحرّكاتهم وإرهابهم، لكأن من صميم السيادة ما يقومون به من
جرائم وهجمات إرهابية وإقامة معسكرات تدريب، وتوفير بيئة حاضنة يلجأ إليها من
يشاركونهم الفكر والفعل من نظرائهم العرب والأجانب، بعيداً عن أعين الدولة.
انتظار القانون في التعامل مع هؤلاء؛ معناه إتاحة الفرصة
لهم ليرتكبوا مزيداً من المجازر بحق الجنود والمدنيين، ومراعاة السيادة في مواجهة خطرهم
ليست أكثر من إتاحة الفرصة لتلك العناصر لتسرح وتمرح وتقيم إماراتها الخاصة،
وتستقدم المقاتلين المتطرّفين من بلدان العالم ليشاركوا في قتل أبناء البلد بوحشية
منقطعة النظير كتلك التي تجلّت في الهجوم على مستشفى العرضي.
للدولة وظيفة ينبغي أن تقوم بها في مثل هذه الحالة،
وتواصلها حتى النهاية وفقاً لتقديرها لمستوى الخطر الذي يشكّله هؤلاء، ومن أراد
طريق القانون فعليه أن ينسلخ ابتداء من تلك الأفعال الآثمة، ويسلّم نفسه طوعاً
ليتم التعامل معه وفقاً لسلطة القانون، ومن كان غيوراً على السيادة فعليه أن لا
يتطاول عليها ويجسّد احترامها، ولا يتعدّى عليها بأفعاله وأنشطته.
الدولة مهما طغت عليها الاختلالات، وتكالبت عليها
الأزمات، تبقى دولة، لابد أن تعود إلى أبنائها، وعوامل وخيارات إصلاحها وفيرة
ومتاحة مهما طال أمد التدهور والفساد، أما حكم الجماعات الإرهابية والميليشيات
المسلّحة؛ فلن يقوم سوى على شعب يسكن المقابر وجغرافيا من الخراب.
أمام كل ذلك الإرهاب المنفلت لم يعد هناك بدٌّ من أن
تواصل قوات الجيش والأمن مهمتها الوطنية ضد معاقل الإرهاب والعنف، وتمضي الدولة في
أداء وظيفتها الجوهرية - التي تخلّفت عنها كثيراً - وتتدارك الموقف قبل أن يتسع
الخرق على الراقع، وتواصل مهمّتها الوطنية ضد معاقل القاعدة، وتستعيد هيبتها
ونفوذها على أراضيها، ولجم الأخطار المحدقة بمستقبل أبنائها.
نشر بصحيفة الجمهورية السبت 24 مايو 2014
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=47138
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق