ميساء شجاع الدين |
حزب الإصلاح ليس لديه سوى ثلاث وزارات؛ فلماذا التركيز
عليه؟ الجيش لا يتلقى الدعم الكافي في حربه ضد الحوثيين على غرار "القاعدة"؟
وبعض الأقوال المأثورة مثل: فساد اليوم لا يقارن بفساد البارحة، لا بد من نزع سلاح
الميلشيات، تم تفكيك مراكز القوى، أنقذنا اليمن من حكم الأسرة الواحدة حتى لا
يتكرر سيناريو مصر وتستمر عملية التحول الديمقراطي.
ثم تأتيك الردود
الصاعقة من شوقي القاضي على كل من عارض حزب الإصلاح –الجماعة الأنقى- حسب تعبير
الرجل الذي يمثل حزب الإصلاح في مجلس النواب، ولا يبادر حزبه للاعتذار عن بذاءات
نائبه أو حتى توبيخه وهو يدعي اصطفاء جماعته كما جماعة الحوثيين.
صمت الحزب أو
رضاه عن شخصية بارزة مثل شوقي القاضي رسالة سيئة أخرى يقدمها الحزب للمخالفين له،
ويظهر شوقي بمظهر من لا يمثل نفسه فقط بل يمثل حزبه أيضاً. ثم يتساءل حزب الإصلاح
بحنق لماذا صارت كراهيته محل إجماع اليمنيين. ويأتي الرد جاهزاً ومريحاً أنه عرضة
للتشهير الإعلامي من بقايا النظام لأنه الحزب الثائر، ومن الحوثيين لأنه يدافع عن
الجمهورية، ومن الحراك لأنه يدافع عن الوحدة.
إذا كان كذلك؛
فلماذا المواطن العادي، الخارج عن كل هذه الدوائر، يصب سخطه في حزب الإصلاح؟ أراد
حزب الإصلاح من الثورة إقصاء الرئيس وأسرته وليس النظام، حتى لا يغضب مراكز القوى
القبلية والعسكرية.
ولأجل هذا سيطر
الحزب على الساحة. لم يكن يصعد على المنصة إلا من يريد، ولا تخرج المظاهرات إلا
بتوقيته ومساره، لم لا؟ فهو الأكثر حشداً وتنظيماً. وعندما طال الأمد بالساحة لم
يكن ليستطيع أي من الشباب المستقل الصمود دون إعالة من الحزب أو جماعة الحوثيين أو
الذهاب لعمله وترك الساحة.
لم تكن خيارات اليمنيين جيدة حينها، وحزب الإصلاح كان
سببا رئيسيا في ذلك، والناس يدركون ذلك جيداً. بعد الثورة كانت متطلبات الناس
بسيطة، وهي السلم والأمن وعودة الخدمات. وفي المقابل، كانت وعود أحزاب اللقاء
المشترك -وأولها الإصلاح- رنانة وعظيمة.
وهم لا يدركون
أن مخالفة الوعود وقعها قاس على البشر، خاصة عندما تأتي هذه الوعود على خلفية
تضحيات جسيمة دفعها شباب في ساحات التغيير، ودفعها شعب عاش بضنك. يصعب بعد ذلك
إقناع الناس أن كل هذا كان مقابل حكومة فاسدة وأداء سياسي رديئ وخدمات غائبة لا
جدال فيها.
إذن أين يقع حزب
الإصلاح من هذا كله؟ حزب الإصلاح هو كان الطرف الأبرز في ثورة 2011م، وأكثر من
أطلق وعوداً وردية حينها. حزب الإصلاح لا يزال يمتلك جزءا من الجيش ويمتلك سطوة
على رئيس الجمهورية، الذي يقف عاجزاً أمام اليمنيين عندما لا تحل فرقة علي محسن
ويظل اسمها شاهداً على عجز الرئيس وسطوة الحزب عليه، بل وشاهداً على محاباة بن عمر
لحزب الإصلاح خشية من قدرته على الحشد، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها للتهاون في
تسليم القوات الجوية، ولاذ بالصمت أمام علي محسن وفرقته التي لم تسلم.
عندما لا تسلم ميلشيات الأحمر السلاح، ويطالب الإصلاح
بتسليم سلاح الحوثيين بصعدة، يكون هذا شاهدا آخر على نفاق الإصلاح وتناقضه. عندما
يصر الإصلاح أن سلطته في الحكومة لا تتعدى ثلاث وزارات، بينما الكل يعلم أن رئيس
الوزراء محسوب على الإصلاح، وهو بحكم المبادرة رئيس للوزراء من قبل أحزاب اللقاء
المشترك التي يعتبر الإصلاح أكبر أحزابها، وبالمنطق لن يتم تعيين رئيس الوزراء إلا
برضا الإصلاح إن لم يكن برغبته.
وكذلك وزير المالية محسوب على الإصلاح، لكونه لا يمتلك
أي صفة حزبية وصار في حالة عداء مع حزبه السابق، المؤتمر. لكنه لم يصبح وزيراً إلا
بحكم قربه لأحد مراكز القوى القبلية في حزب الإصلاح.
وهذا شاهد أن حزب الإصلاح يفترض أن الناس يمكن
استغفالهم، والناتج مزيد من الاستفزاز. حزب الإصلاح خالف السرب الشعبي عندما بدأ
الجيش عملياته ضد "القاعدة"، ليتحدث عن الحوثيين الإرهابيين، وتناسى أنه
شتان بين تنظيم دولي إرهابي اقتحم مستشفي العرضي بدموية منقطعة النظير، وجماعة
محلية عنيفة تستخدم السلاح للتوسع وتقوم بانتهاكات حرب كبقية أطراف الحرب
اليمنيين، بما فيها الجيش، وتحالف معهم الإصلاح من قبل في ساحة التغيير ثم شاركهم
مؤتمر الحوار.
هنا يقع حزب
الإصلاح في كل زاوية وشق متسلطاً ومنفرداً ومستقوياً بسلطة قد تزول بشكل لا يتوقعه.
لم يفهم حزب الإصلاح صمت الرئيس هادي جيداً عندما لم يعارض إرسال وحدات عسكرية
موالية للإصلاح للقتال في عمران، حتى لا يصطدم بالحزب القوي والمتغول على حساب
الجميع، وفي نفس الوقت رفضه لإضفاء الشرعية لهذا الجيش المحارب في شمال صنعاء، لعل
هذه الحرب تنهك الخصمين المتقاتلين في شمال الشمال المحتكر للقوة السياسية
والعسكرية منذ زمن بعيد، ويلقي بظلاله الثقيلة على الرئيس، كما قد يقوض قوة
الإصلاح صاحب السطوة الأكبر.
لم يفهم حزب
الإصلاح سر تعاطف الناس مع الجيش في حربه ضد "القاعدة" وإعراضهم عن حربه
ضد الحوثيين. ولم يفهم أن محاولاته المؤثرة والمستميتة لإثبات أن فشل الحكومة ليس
أمرا يخصه فقط تنتهي بفشل يصعب على الإصلاح مجدداً إدراكه.
يستند حزب الإصلاح على سطوته العسكرية والقبلية، التي
تتآكل بفعل التغييرات الداخلية والخارجية المتسارعة.
يستند حزب
الإصلاح على ثورة يتراجع حضورها وألقها لدى الناس، وينقلبون إلى شعور معاد لها،
إضافة إلى من كانوا معارضين لها بالإساس. يستند على دعم المبعوث الإممي، الذي يسعي
ولو لنجاح زائف لمهمته وينسى أن تغييرات إقليمية تجري لغير صالحه، ويستند على عيوب
خصومه مثل أنصار صالح والحوثيين والحراك، وينسى عيوبه التي لا تبدو صغيرة بالقرب
من عيوب خصومه.
ويستند حزب الإصلاح على مخاوف الثورة المضادة وشبح
التفكيك والانهيار، لكنها لا تعني شيئاً أمام كابوس الجوع والوضع الاقتصادي
المتردي الذي يعيشه الناس كل يوم.
لا يهتدي حزب
الإصلاح مما جرى بمصر وليبيا، ولا يدرك أن التحول الديمقراطي وشعارات التغيير
الرنانة لن تؤتي ثمارها ولو قليلاً إذا لم يتحرك الحزب بشكل مختلف وبعيد عن
الأسلوب الدعائي، بحكم وهمه الحقيقي بأن كل ما يتعرض له من تآكل شعبية ليس إلا
دعاية ضده لا علاقة له بإداء سياسي رديئ وخطاب سياسي لا يقل رداءة.
فها هو الحزب يغير وزير داخليته بآخر يبدو الفارق بينهما
هو فقط حجم الدعاية بين الأول والثاني، ويتحجج الحزب بهذا الأداء السيئ الملحوظ
لأي مواطن عادي بأن القوات الأمنية موالية لعلي صالح، وأنها تتطلب تدخلا من الجيش.
وربما المسألة كذلك؛ لكن الإصلاح لا يقدم حلولاً عملية. وبطبيعة
الحال، المسؤول العاجز عن حل المشكلة لا يثير التعاطف؛ بل يثير الغضب، وليس أمامه
بحكم أنه مسؤول سوى حل المشكلة أو الاستقالة.
وهذا الأمر ينسحب على كل تعاملات الحزب، الذي عوضاً عن
الضغط من موقعه لتغيير الحكومة المنعدمة الشعبية تجده يتعذر بوزاراته الثلاث.
لا يعيب الإصلاح بحثه عن مصالحه؛ لكن الجشع هو البحث عن
مصالح كبيرة في وقت قصير.
وعادة هذا لا يتحقق إلا على حساب مصالح الآخرين. ولا
يدرك الإصلاح خطورة تفكيره، ككل الجماعات المغلقة أيديولوجياً، أن مصلحة الحزب
تساوي مصلحة الوطن ولا تتصادم بالضرورة مع الآخرين، متجاهلاً أولويات الآخرين
المتباينة.
وهكذا يعيش
الحزب دور العاجز، وينسى سطوته على رئيس الجمهورية من خلال قواه القبلية
والعسكرية، وعلى المبعوث الأممي من خلال قدرته على الحشد وتأثيره على أحزاب اللقاء
المشترك، بحكم كونه الحزب الأكبر والأقوى.
وعوضاً عن سياسة تتجاوز أخطاء السابقين تتعامل مع شكاوى
الناس بجدية وشفافية، يعتمد الحزب على سياسة الحيلة والمغالطة، ليبقى السؤال ملحاً:
ماذا يريد حزب الإصلاح؟ هل يريد شراكة حقيقة أم شراكة بمنطق الهيمنة؟ هل يريد
تغييرا وإصلاحا أم هاوية تجرفنا جميعاً؟ وأخيراً هل يريد حزب الإصلاح المشايخ
والعسكر الموالين له أم الشعب اليمني؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق