المصدر- سامي نعمان
تثير أخطاء الضربات الجوية التي ينفذها الطيران
الحربي على مواقع في محافظة الجوف ردود أفعال غاضبة، من قبل أبناء المحافظة خصوصاً
مع تجاوزها للمواقع الواردة كأهداف للقصف، حيث تدور المعارك، إلى مناطق بعيدة عن
محيطها بشكل كبير.
وللمرة الثالثة خلال أقل من اسبوع، استهدفت ضربة
جوية نفذها الطيران الحربي أمس، منازل لمواطنين في قرية الروض في مديرية الخلق
بمحافظة الجوف، رغم أنها بعيدة عن مناطق القتال بين مسلحي جماعة الحوثي، وقوات من
الجيش تساندها لجان شعبية من رجال القبائل، والتي تتركز في مديرية الغيل.
وأدت الغارة لسقوط قتيل وقرابة سبعة جرحى بينهم
نساء وأطفال.
ونفذ الطيران الحربي الجمعة الماضية غارة جوية
استهدفت قرية الروض، ونقطة الزلاق التابعة للجيش واللجان الشعبية وأدت لمقتل اثنين
من المقاتلين، واصابة آخرين، إضافة لضربة جوية نفذت الثلاثاء الماضي واستهدفت نوبة
ومدرسة الأهقل بمديرية المطمة، ومدرسة السليل بمديرية الزاهر.
وشن الطيران الحربي خلال الأيام الماضية سلسلة
غارات مستمرة، استهدفت مواقع لجماعة الحوثي، في مديرية الغيل، لكن ضربات أخرى
استهدفت مساكن ومنشآت في مناطق بعيدة عن مسرح المعارك، وهو ما أثار مخاوف السكان،
حول طبيعة تلك الضربات، والأخطاء الواردة فيها.
ودعت اللجنة الأمنية بمحافظة الجوف، واللجان
الشعبية القيادة العليا للدولة والسلطة المحلية، لتشكيل لجنة تحقيق في تلك الضربات
وتوضيح الاحداثيات التي تم القصف بناء عليها، كما طالبت قائد القوات الجوية راشد
الجند لتشكيل لجنة تحقيق في تلك الضربات.
وقال الدكتور خالد شطيف وهو من أبناء المنطقة لـ«المصدر»
إنهم تواصلوا مع المحافظ، وأخبرهم ان الأمر حدث عن طريق الخطأ..
وأضاف «تواصلنا بمسؤولين في قاعدة الديلمي،
وأخبرونا ان الإحداثيات التي حصلت عليها الطائرة جاءت من قيادة محور الجوف».
وطالب شطيف، بتشكيل لجنة تحقيق وكشف الحقيقة
والمسؤولين عن الحادثة «وخاصة مع إلقاء القادة العسكريين باللوم على بعضهم».
القصف الجوي.. أسباب كثيرة للخطأ
وتقصت "لمصدر" مع مسؤولين وقيادات واربعة
طيارين ومدربين في القوات الجوية، ملابسات الضربات الجوية الخاطئة وحيثياتها،
والوقوف على كافة الاحتمالات الورادة في مثل هكذا أخطاء.
وتراوحت تحليلات المسؤولين والطيارين الذين اخذت
المصدر آراءهم، أسباب الأخطاء في الغارات الجوية، بين تقديم احداثيات خاطئة، أو
عدم الدقة تحديد احداثيات المواقع المستهدفة، والامكانيات المتواضعة للقوات
الجوية، وغياب التنسيق بين غرف العمليات في الجبهة ووزارة الدفاع والقوات الجوية، والاختراق
الأمني للجهات المعنية بإفشاء معلومات سرية عن خطة الضربات بما يغير مواقع الأعداء
والاصدقاء، إضافة لأخطاء محتملة وواردة من قبل الطيارين.
الزهيري: إمكانياتنا بسيطة والخطأ وارد
وقال رئيس أركان حرب القوات الجوية العميد الركن طيار
عبدالملك الزهيري لـ"المصدر" إن الضربات الجوية الخاطئة واردة في أي
مكان بالعالم.
وأضاف الزهيري "الخطأ وارد في كل الضربات الجوية
في أي دولة بالعالم، خصوصاً في اليمن حيث لا نملك أقماراً صناعية تحدد لنا بدقة الأهداف
الحقيقية التي نستهدفها".
واتفق طيار مدرب برتبة عقيد، مع ما طرحه الزهيري،
حول أخطاء الضربات، خصوصاً أن آليات تحديد الأهداف غير حديثة كما أن القذائف
والصواريخ المستخدمة بدائية وغير ذكية، كما أن هناك عوامل أخرى تتسبب في حدوث
أخطاء كالرياح.
خطأ الطيار.. احتمال وارد لكنه ضعيف
واستبعد طيار ثانٍ، برتبة نقيب، احتمالات الخطأ من
قبل زملائه، مرجحاً بشدة احتمال أن تكون الأخطاء في الضربات الجوية عائدة إلى أن
المعلومات التي تم اعطاؤها (أو إدخالها) غير صحيحة أو غير دقيقة.
وبين أن الطيار يقصف المواقع المحددة وفقاً
للاحداثيات التي تحددها وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان، والطيار مجرد منفذ يقوم
بإلقاء القذائف من ارتفاع (دائرة الضرب) 2600 متر (زيادة الارتفاع لتفادي
الشظايا)، وبسرعة تتراوح بين 950-1000 كم/ساعة تقريباً للقنابل.. وبالنسبة
للصواريخ فيطلقها من على ارتفاع دائرة ضرب تقدر بـ800-850كم/ساعة، ومن ارتفاع
دائرة الضرب 1600متر..
وأشار أن الطيار لا يمكن أن يقصف سوى الهدف أو
الموقع الذي تم تحديده مسبقاً وفقاً للاحداثيات المحددة (خطوط الطول والعرض) من وزارة
الدفاع وهيئة الاركان العامة.
ونفى احتمال قيام الطيار بقصف موقع من تلقاء نفسه،
إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون القصف حراً، بمعنى أن تكون هناك جغرافيا شاملة
للعدو المفترض، ولا توجد فيها تحركات للمدنيين أو للأصدقاء، كما كان عليه الحال في
الحملة على معاقل القاعدة أبين خلال عام 2012، وتكون التوجيهات عندها بضرب أي هدف
يلحظه الطيار سواءً كان متحركاً أم ثابتاً، أما في حالة مواجهات في منطقة مواجهات متداخلة
فلا يوجد قصف حر.
ونفى الطيار (الأول) احتمال تعمد الطيارين قصف
مواقع خاطئة، مؤكداً أنه يستحيل أن يقوم الطيار من تلقاء نفسه بضرب مواقع غير
المعطاة له، لأن الأمر سيكون مكشوفاً وبشكل عاجل.
ولفت إلى حالة واحدة يمكن أن يكون الطيار سبب الخطأ فيها، وهي
قراءته للاحداثيات بطريقة خاطئة، لكنه نوه إلى أن تكرارها في غضون اسبوع ينفي هذا
الاحتمال، وفي كل الأحوال فإن التحقيقات ستكشف المسؤول عن تحديد احداثيات خاطئة.
وأوضح أن أخطاء الطيارين تتمثل غالباً في وقوع
الضربات الخاطئة في إطار دائرة الهدف، قبله او بعده، عن يمينه أو يساره، أو في حالة وجود مواقع متقاربة،
في جبهة متداخلة، وليس في ضرب مواقع بعيدة عن دائرة الهدف كما في هذه الحالات، أما
في هذه الحالة فيبدو الأمر ليس خطأً من الطيار، بل خطأ في الاحداثيات.
غياب التنسيق .. واحتمال الاختراق وافشاء
الاسرار
وتحدث الطيار (الثاني) عن الأخطاء كنتيجة طبيعية
لغياب التنسيق بين وحدات الجيش، أو الارباك في غرف العمليات.
وقال "يحدث أحياناً أن يتم إعطاء معلومات
بإحداثيات للطيران لقصفها، ثم تحدث متغيرات على الأرض وتبادل مواقع، فيحل الصديق
في موقع للعدو محدد للقصف، دون أن يتم تحديث البيانات، عبر غرف العمليات، وتظل
الاهداف المحددة كما هي، رغم تغير الواقع على الأرض، ويتم القصف بناء على
ذلك".
وأشار الطيار لاحتمال وجود اختراق لغرف العمليات،
يترتب عليها افشاء أسرار ومعلومات حول الهدف، فيقوم الهدف بإجراء انسحاب تكتيكي
مفاجئ، يتقدم معه القوات الموالية دون تنسيق ميداني كما في الحالة الأولى، فيقع
ضحية لنيران صديقة..
وفي هذا السياق عزى طيار ثالث، وهو مدرب متقاعد،
برتبة رفيعة، سبب بعض اخطاء القصف الجوي في بعض الحالات لغياب منسق جوي في جبهة
القتال، لغياب التنسيق مع الطيارين وعدم وجود اتصال جيد معهم لتنفيذ تعليماته بدقة،
وبما يحد من حالات الخطأ في القصف.
تقنيات بدائية في تحديد الاحداثيات
وأوضح الطيار (الأول) أنه من المفترض أن توضع الاحداثيات في ذاكره القنابل والصواريخ، وهذا
صحيح في حالة القنابل والصواريخ الذكية التي تصيب هدفها بدقة متناهية ووفقاً
للاحداثيات المخزنة في ذاكرتها، لكن مثل هذا النوع من القذائف لا تمتلكها القوات
الجوية اليمنية، وتخزن الاحداثيات في ذاكرة الطيار نفسه.
وأشار أن القذائف المتوفرة مع القوات الجوية، غير
موجهه ونسبة الخطأ فيها كبيرة، خلافاً للقذائف الذكية، أو الموجهة بالليزر والتي
يتم خزن احداثيات الهدف في ذاكرتها، وحتى إن لم يتمكن الطيار من رؤية الهدف بوضوح
فإن القذيفة تضرب الهدف بدقة، بناء على المعلومات المخزنة في الذاكرة.
وبين أنه في حالتنا يتم ارسال الاحداثيات من وزاره
الدفاع وهيئة الأركان العامة، ويقوم المختصون في القوات الجوية بإسقاط هذه
الاحداثيات على جهاز الكمبيوتر، باستخدام برنامج "جوجل ايرث" المجاني
المتاح للاستخدام العام، ويتم التعرف على الهدف من خلال الصورة، التي غالباً ما
تكون قديمة مضى عليها سنوات والواقع غير ذلك، مع أن المفروض تكون القوات الجوية
مشتركه في خدمه جوجل ايرث مباشر، التي تقدم صوراً حديثة للمواقع، بوضعها الحالي.
وأضاف بأنه يجري تخزين الاحداثيات في جهاز GPS، الذي يحدد مكان الهدف ومن
ثم يقوم الطيار بتنفيذ الضربة معتمداً على النظر المجرد، لكن عندنا يتم خزن
الاحداثيات في ذاكره الطيار نفسه، ودقة الضربة تعتمد على كفاءة الطيار ومهارته وقدراته،
وفي حالة وجود أخطاء كهذه التي تضرب فيها مواقع بعيدة جداً، فإن الاحتمال الوارد
أكثر أن هناك من تعمد تقديم احداثيات خاطئة.
وأوضح الطيار (الرابع) أن الطيران الحربي اليمني،
ليس دقيقاً بالصورة التي يمكن تقديرها، مقارنة بطيران الدول الأخرى، لعدة أسباب
بينها الرادارات، والمنظومات التي على الطائرة، ومدى كفاءة الطيار وخبرته الذي
يقوم بمجهود يدوي وذاتي، ، إضافة لأسباب أخرى، ، بينها تلك التي تطرق لها زميله،
واتفق معه فيها.
وأضاف بأن لدينا منظومات مركبة علي الطائرة لكنها للزينة
فقط ولا تعمل بسبب أن الرادارات الارضية مرتبطة بها، اضافة لشراء طائرات في صفقات
فساد يتم فيها اختصار كثير من الميزات والمنظومات المتطورة، بهدف تحقيق عمولات
أكبر، وطبيعة التحقيقات في أسباب كوارث الطيران، كل ذلك يتكامل في مجملة ليورث
كفاءة أقل في ضرب الأهداف المحددة.
التحقيق الجاد كفيل بكشف السبب الحقيقي
وعن وقوع أخطاء، من قبيل ضرب مساكن آهلة بالسكان
وبعيدة للغاية عن مناطق المواجهات، استبعد الطيار (الأول) أن يكون ذلك خطأ، مشدداً
على ضرورة التحقيق مع الجهة التي حددت الاحداثيات، وزودتها لعمليات القوات الجوية
التي تقوم بإدخالها وتوجيه الطيار بضربها.
وأضاف بأن تحديد أسباب الأخطاء متاحة وليست
مستحيلة، بالتقصي في الاحداثيات المقدمة من وزارة الدفاع والتي تم تسليمها للطيار
واحداثيات موقع الضربة الخاطئة، وعندها سيعرف مصدر الخطأ.
بحسب الطيارين، فإن التحقيق ضروري وهام لمعرفة
أسباب الغارات الجوية الخاطئة، بما يسهم في تجنبها والحد منها، ومحاسبة المتورطين
فيها عبر تقديم احداثيات خاطئة..
وإضافة لتطوير وقدرات القوات الجوية، وزيادة تأهيل
الطيارين، فإن من شأن التحقيق الجاد من قبل السلطات المعنية، خصوصاً في حالات كتلك
التي وقعت في الجوف، حيث ضربت قرى مأهولة بالسكان وبعيدة عن جغرافيا القتال، أن
يسهم في تخفيض نسبة الأخطاء إلى ادنى مستوياتها، ويجنب المدنيين الأخطاء التي باتت
مألوفة، ويعيد الثقة في سلاح الجو وقدرته على حماية سيادة البلاد، وتنفيذ مهامه
القتالية على الوجه المطلوب، وبأقل قدر من الأخطاء، وذلك ما يأمله الطيارون،
تماماً كما عبر عنه المتضررون من تلك الضربات.
=========
نشر التقرير بجريدة المصدر اليومية بتاريخ 15 سبتمبر 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق