اتباع جماعة الحوثي في احد مخيماتهم قرب صنعاء- خالد عبدالله- رويترز |
بإختصار:
طباعة منذ انتهاء الحوار الوطنيّ في اليمن في شهر نيسان/أبريل
الماضي، ازدادت حدّة الصراعات العسكريّة، وكان أبرزها معركة عمران شمال صنعاء. لم
تتقدّم البلاد خطوة واحدة نحو إنهاء عمليّة الانتقال السياسيّ في اليمن، وإجراء
الانتخابات التي تأجّل انعقادها 23 شهراً عن موعدها في شباط/فبراير الماضي، بل
صارت البلاد تتّجه في طريق معاكس نحو الحرب والتأزّم السياسيّ. يحكم هذا المسار
المتناقض كلّ مسارات...
ميساء شجاع الدين |
منذ انتهاء الحوار الوطنيّ في اليمن في شهر نيسان/أبريل الماضي، ازدادت
حدّة الصراعات العسكريّة، وكان أبرزها معركة عمران شمال صنعاء. لم تتقدّم البلاد
خطوة واحدة نحو إنهاء عمليّة الانتقال السياسيّ في اليمن، وإجراء الانتخابات التي
تأجّل انعقادها 23 شهراً عن موعدها في شباط/فبراير الماضي، بل صارت البلاد تتّجه
في طريق معاكس نحو الحرب والتأزّم السياسيّ.
يحكم هذا المسار المتناقض كلّ مسارات اليمن، وخصوصاً جماعة الحوثي، فهي
تحكم محافظة صعده المحاذية للسعوديّة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وتقدّم أحد أسوأ
نماذج الحكم وأكثرها قمعيّة، حيث تحكم المدينة باعتبارها جماعة دينيّة مسلّحة
ومتشدّدة تمنع الموسيقى. وكانت النساء غائبات عن مظاهر الحوثيين (صور عن المظاهرات).
وقد سأل مراسلة ال"مونيتور" خلال وجودها في مكان الاعتصام مسئول إعلامي
عن سبب عدم وجود نساء في المظاهرات ، وكانت إجابته أن على المرأة البقاء في المنزل.
هذا طبعاً أمر مخالف لما كانت تطرحه في مؤتمر الحوار، حيث وقفت في صفّ كلّ المطالب
النسائيّة بما فيها الكوتا. إلا أن ثريا دماج وهي عضو في مؤتمر الحوار الوطني فالت
ل"المونيتور": "موقف الحوثيين تجاه النساء في صنعاء هو مختلف تماما
عن موقفهم في صعدة كسلطة حاكمة. فدعمواالكوتا في صنعاء، ولكن شددوا على حريات
النساء في صعدة من خلال فرض قيود على الحركة وملابسهم ".
يمارس الحوثيّون هذه الازدواجيّة لأسباب عدّة، مثل الفارق بين سلطة جماعة
الحوثي كحاكمة في صعده ودورها كمعارض داخل صنعاء، حيث تحاول تقديم نفسها وللمرّة
الأولى في شكل جذّاب مقابل بقيّة الأطراف السياسيّة المعروفة في اليمن، وخصوصاً
حزب الإصلاح. وفي هذا المجال، هناك ما هو أكثر أهميّة ودلالة، حيث تتعامل جماعة
الحوثي مع العمليّة السياسيّة في صنعاء بما فيها مؤتمر الحوار بشكل دعائيّ وليس
بجديّة، لأنّها جماعة لم تحقّق أيّ إنجاز سياسيّ حتّى الآن، إلاّ من خلال السلاح،
منذ بداية تكوينها خلال حرب صعده التي اندلعت عام 2004م.
تفعل جماعة الحوثي شيئاً مشابهاً في مسألة رفع شعار إسقاط الجرعة
والحكومة، بحجّة أنّها مطالب شعبيّة في أطر سلميّة، لكنّها في الوقت ذاته، تحاصر
العاصمة صنعاء بمجموعاتها المسلّحة، وتدور مفاوضاتها مع الحكومة في خصوص المشاركة
بالقرار السياديّ في الدولة، أيّ حضور قياديّ داخل المؤسّسات السياديّة مثل الجيش
والأمن. بالإضافة إلى ذلك، دعا الحوثيون إلى تشكيل حكومة التكنوقراط، في حين أنهم
عينوا تاجر الأسلحة فارس مناع محافظ لصعدة.
لا تعتمد جماعة الحوثي فقط على سلاحها العسكريّ، فالأهمّ من ذلك هو
حضورها داخل مؤسّسات الدولة واختراقها الواسع للجيش المنقسم الولاء، وهذا له علاقة
بالطبيعة المناطقيّة للنخبة اليمنيّة الحاكمة. يمثّل الحوثيّون مناطق أقصى شمال
اليمن أيّ شمال العاصمة صنعاء ومحيطها، وهي مناطق يغلب عليها المذهب الزيديّ،
بينما يغلب على المناطق التي تقع جنوب العاصمة، بدءاً من مرتفعات يريم المذهب
السنّي. في التاريخ الحديث، بعد خروج العثمانيّين من اليمن بعد الحرب العالميّة
الأولي عام 1918م، سيطرت الإمامة الزيديّة على حكم شمال اليمن الخارج عن سيطرة
البريطانيّين، وليس المقصود هنا في شمال اليمن المناطق الزيديّة فقط، بل يمتدّ
جنوباً ليشمل جزءاً كبيراً من المناطق التي يغلب عليها المذهب السنّي.
المذهب الزيديّ قريب جدّاً من مذاهب السنّة، ويخالفها فقط في مسألة
الإمامة حيث يحصرها بآل البيت. لذا، عندما قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962 في الشمال
لإسقاط الإمامة، استهدفت كثيراً الهاشميّين (آل البيت)، وضيّقت على رجال دين
المذهب الزيديّ، ثمّ عندما تولّى الرئيس علي عبدلله صالح الحكم، أصبح التوجّه نحو
الوهابيّة وتشجيع التعليم السلفيّ أمراً رسميّاً تدعمه السلطة، خصوصاً في المناطق
الزيديّة، ممّا استفزّ الكثير من علماء الزيديّة، وبدأوا في تأسيس مدارسهم التي
كانت تسمّى منتدى الشباب المؤمن، وبدأ نشاطها عام 1990م، وانبثقت منها جماعة
الحوثي التي اشتبكت مع الدولة في صراع مسلّح عام 2004م.
بحكم الطبيعة المذهبيّة للنظام الإماميّ، تأسّس الجيش اليمنيّ الحديث في
بداية القرن العشرين على أسس مذهبيّة زيديّة، واستمرّ هذا الحال حتّى بعد النظام
الجمهوريّ. فثورة سبتمبر، بدأها تحرّك من الجيش كغيرها من الدول العربيّة في
الخمسينيّات والستينيّات التي انتقلت إلى نظام جمهوريّ. هكذا، كان كلّ رؤساء اليمن
تحت النظام الجمهوريّ، عسكريّين ومن المناطق الشماليّة- الزيديّة، باستثناء القاضي
عبدالرحمن الإرياني. لكن هذه المرّة، حلّ محلّ الولاء المذهبيّ الولاء المناطقيّ
والعصبيّة للمناطق الشماليّة- الزيديّة التي احتكرت الجيش بدرجة أساسيّة، إلى جانب
بقيّة مؤسّسات الدولة. وفي عهد الرئيس صالح، صارت المواقع القياديّة للجيش حكراً
على أبناء قبيلته سنحان المتفرّعة من قبيلة حاشد.
بعد ثورة 2011م، صعد الرئيس عبدربّه منصور هادي إلى الحكم، وهو ينتمي إلى
المحافظة الجنوبيّة أبين، ومعه حزب الإصلاح (تحالف قبليّ- إسلاميّ سنّي)، ممّا
أثار أبناء تلك المناطق، خصوصاً المتضرّرين من عمليّة هيكلة الجيش من أبناء قبيلة
الرئيس السابق صالح، ليحلّ محلّهم محسوبون على الرئيس الجديد عبدربّه منصور هادي
الذي عجز عن توحيد الجيش، بسبب النفوذ العميق للرئيس السابق صالح، وكذلك الجنرال
علي محسن داخل الجيش، ممّا قد يفتح عليه جبهات قتال عدّة.
نجح الحوثيّون في مخاطبة النزعات المناطقيّة ضدّ رئيس الدولة الجنوبيّ
والنزعات الطائفيّة ضدّ حزب الإصلاح لدى كبار ضبّاط الجيش وقياديّي الأمن وغيرهم
من موظّفي الدولة، وكذلك الهاشميّين الذين شعروا بالمرارة من إبعادهم من الحكم منذ
عام 1962م. وعلى الرغم من تولّيهم لبعض المناصب القياديّة في الدولة ،لكنّهم ظلّوا
مستبعدين من بعض المؤسّسات مثل الجيش والأمن.
الإخفاق الأوّل الذي تعرّض له الحوثيّون هو فشلهم في اختراق الجيش وخلق
انشقاقات واسعة داخله. ويعود هذا الفشل إلى كشف شبكتهم داخل الجيش، حيث يقدّر أحد
المقرّبين من الرئيس أنّ عدد الضباط الكبار الذين اعتقلوا بسبب تواصلهم مع جماعة
الحوثي يفوق الثلاثين، ممّا أفشل مخطّط الحوثيّين لانشقاق ما لا يقلّ عن ثلاثة
ألويّة كبيرة داخل الجيش، بمجرّد إعلانهم ما يسمّونه الثورة الشعبيّة لإسقاط
الجرعة والحكومة. يضيف هذا المصدر أنّ هناك وساطة عمانيّة بين إيران من جهّة
والحكومة اليمنيّة من جهّة أخرى للتوصّل إلى حلّ، وقد رفض الرئيس طلب إيران
التفاوض مباشرة مع الدولة اليمنيّة، لأنّ إيران تموّل ثلاث قنوات يمنيّة تحرّض ضدّ
الحكومة اليمنيّة وتؤيّد جماعة الحوثي شمالاً والحراك جنوباً. كما يستبعد هذا
المصدر وصول الأمور إلى اشتباكات مسلّحة، فالدولة سوف تتدخّل بكلّ ثقلها في صنعاء،
وسوف تلحق بهم هزيمة كبيرة، وإن كان غير مستبعد وجود موالين لجماعة الحوثي داخل
الجيش، لم ينكشف أمرهم حتّى الآن، وتظلّ هذه مغامرة كبيرة لجماعة الحوثي.
الإخفاق التالي للحوثيّين هو عجزهم عن تسيير مظاهرات شعبيّة كبيرة خارج
دائرة الموالين لهم من الطائفة ذاتها، بينما قام خصومهم بتسيير مظاهرات شعبيّة
واسعة، وأكبر عدد من مظاهرات الحوثيّين كان يوم 25 آب/أغسطس، لكن هذا لم يمنع
الحوثيّين من المكابرة ورفض مبادرة الرئيس التي طرحت في الثاني من الشهر الجاري،
وتقضي بخفض أسعار النفط ومشتقّاته 30% لتتحمّل الدولة قيمة النقل والمواصلات،
وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة وفق أسس الحوار الوطنيّ يشارك فيها الحوثيّون والحراك
الجنوبي ويحتفظ الرئيس في حقّه في تعيين وزراء الحقائب السياديّة (الماليّة،
الخارجيّة، الدفاع والداخليّة)، وكذلك بسط نفوذ الدولة على كلّ أراضي الجمهوريّة
مقابل وقف الحوثيّين تصعيدهم المسلّح داخل العاصمة.
يصعب على الحوثيّين الذين كانوا يطمحون إلى بطولة شعبيّة من خلال إسقاط
الجرعة وإلى نصر سياسيّ لهم من خلال المشاركة في وزارات سياديّة، قبول مبادرة
الرئيس عبدربّه منصور هادي على الرغم من حرج موقفهم بسبب ضعف حشودهم قياساً بحشود
خصومهم، وعدم حدوث أيّ انشقاق يذكر في الجيش. لذا، يتّجه الأمر إلى التأزّم
عسكريّاً في مناطق أخرى في اليمن مثل محافظة الجوف شرقاً، و ربّما يتّجه نحو
الاشتباكات العسكريّة المحدودة في صنعاء، حتّى يضغطوا على الدولة وتخضع لمطالبهم. في
المقابل، ليس أمام الدولة اليمنيّة بجيشها المنقسم، سوى التعامل بسياسة النفس
الطويل أمام جماعة الحوثي حتى تسقط أوراقها المزدوجة.
=========
المصدر: المونيتور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق