الاثنين، 15 سبتمبر 2008

مصلون صرخوا في وجه فتاة صينية: احنا مسلمين... ما ادى ابوكي هانا ..
"اليمن في جامع الصالح".. شيء آخر لم يألفه الناس


سامي نعمان:
هذا الجامع ليس كبقية جوامع اليمن، وبالتأكيد ليس كمعظم جوامع العالم عدا تلك الجوامع التاريخية أو أخرى تكفل ببنائها زعماء او قادة او اثرياء العالم كحال جامعنا الفريد هذا.
لم يعد غريبا ان يثير الجامع فضول الكثيرين من المارة بأحد الشوارع الرئيسية المجاورة، ليتوقف ويدخل، فالغالبية هناك سائحون دفعتهم رغبة جامحة بحب الاستطلاع، فكل ما فيه ملفت للنظر خصوصا بالنسبة لشعب لم يعتد مثل تلك الفخامة خصوصا في دور العبادة...
بالتأكيد ليس بالامكان الشروع في الحديث عن تفاصيل البناء ومواد البناء التي لن يتأتي سوى لخبراء المعمار وصفها.. لكن هناك ملاحظات كثيرة تستدعي الوقوف في صرح ديني استثنائي في بلد استثنائي إيضاً، جمع فيه هذا الصرح فن العمارة اليمنية والاسلامية التاريخية، مع كل الفنون والامكانيات العصرية..
ما قبل الافتتاح:

رغم ان الموعد المتوقع لافتتاح الجامع قد تقرر أو بالاصح تأجل الى 22 ذي القعدة، الذي يوافق اكتوبر المقبل، الا ان حركة دؤوبة يشهدها الجامع الذي يتوافد عليه الالاف يوميا، كثير منهم لم يقصدوه للصلاة فقط ..
يذكر كثيرون ان الجامع كان مقررا افتتاحه مع حلول شهر رمضان المبارك، إلا ان الشركات التي تتولى اعماره لم تتمكن من الاتمام في ذات الموعد ما استدعى تأجيل الافتتاح الرسمي، والسماح بدخول الزوار للصلاة في الجامع الذي اكتمل في معظم شكله الخارجي وتبقت مجموعة اضافات يجري العمل فيها ليل نهار في شهر رمضان..
ورغم ذلك فهناك علماء ومشايخ بارزين زاروا جامع الصالح وحاضروا فيه خلال شهر رمضان ومنهم الشيخ وجدي غنيم، غير انه ليس معلوما ان محاضراته في الجامع كانت على هامش زيارة اخرى ام انه جاء خصيصا بدعوة لزيارة الجامع.
الامن والقوات المسلحة في خدمة الجامع:
للوهلة الاولى وانت تشرف علي الجامع تدرك انه ليس كغيره، فسيارات النجدة تتواجد عند ابواب الدخول والخروج، وأحيانا يتوقف الى جانبها "ونش" المرور، لسحب السيارات التي لا تلتزم الوقوف الصحيح على الشارع خارج الفناء، كذلك ينتشر افراد من المرور في فناء الجامع لتنظيم حركة المرور وتنظيم الوقوف الصحيح الذي لن يتسبب في عرقلة خروج أي مرتادي الجامع..
من البزات العسكرية التي يرتديها افراد الحراسة تدرك انهم ينتمون الى جهات عدة، لكن اشدها كثافة هم افراد القوات الخاصة الذين يتولون التفتيش والوقوف أمام البوابات المفتوحة، في حين يتواجد ايضا افراد يرتدون زيا مدنيا ويحملون اجهزة اتصالات لاسلكية بما يوحي انهم ينتمون الى احدى الاجهزة الامنية رفيعة المستوى..
على بوابة الدخول الرئيسية الحالية للرجال يتواجد عدد من افراد القوات الخاصة، ويتولى اثنان منهما عملية التفتيش، ويستخدمون لأجل ذلك العصي الماسحة وتمر العملية بسهولة ويسر دون زحام، واحيانا يسمح بدخول الجميع دون تفتيش عدا البعض ممن يلبسون "الاكوات"، ويشك في احتمال وجود سلاح شخصي، على أن التفتيش يتم بطريقة راقية مصحوبة باتسامة افراد القوات الخاصة لا يمكن ان تستفز معها أي زائر للجامع، في حين لا يحتاج من يلبسون البدلات الرسمية لأي تفتيش.. لا يسمح بدخول الاحذية الى الداخل، إذ ينبغي على الزائر وضعها في الدواليب الخارجية المنتشرة بكثافة في الفناء..
غير ان اللافت عدم حملهم لأي نوع من أنواع الأسلحة، والابتسامة اللطيفة التي يصدرونها اضافة الى تعاملهم الراقي مع رواد المسجد..
اليمن في الجامع:
ما إن تدلف الى الفناء حتى تُفاجأ بمئات السيارات التي تحتل جزءا بسيطا منه.. تتفاوت موديلات السيارات من القديمة جدا إلى الحديثة.. هناك تتجمع سيارات تحمل لوحات بألوان مختلفة اجرة – خصوصي – نقل – جيش – شرطة – حكومي- هيئات سياسية- ادخال جمركي وغيرها، ليتبين ان كافة شرائح المجتمع اليمني وضيوفه من الاشقاء يتواجدون في الجامع...
يزدحم الفناء بالمرتادين من النساء كما الرجال.. الكل يشخص ببصره عاليا نحو المآذن التي ترتفع بطول يزيد عن مئة متر والاضواء المحيطة بها، هناك شغف ايضا بالاطلاع على الحدائق الخضراء واعمدة النور والنوافذ، وحتى منافذ الدخول الى الحمامات.. والحمامات ايضاً!!
لا مكان للشحت هنا..
معلوم في غالبية جوامع اليمن، أن يتزاحم المتسولون واصحاب الحاجات على ابوابها في الداخل والخارج، كل يشغل المكان الذي يظن انه اجدى للفت نظر المحسنين.. هنا لا يوجد مكان لاولئك.. كذا لا يصادف ان تسمع بعد الصلاة من يقوم عارضاً شكواه طلباً للمساعدة.. ولفت نظري أن مسؤولا في خدمات الجامع كان يمسك بعجوز كانت تترحم، ويقودها بلطف وهو ينادي على شخص آخر لضم اسمها في الكشف، يبدو انه كشف الزكاة التي ربما توزع هذا العام هناك، إما من قبل الرئيس او مؤسسة الصالح أو من قبل التجار الذين عادة ما يدفعون الزكاة للشخصيات الدينية البارزة لتوزيعها في العشر الاواخر من رمضان..
صادف أن احدهم تنحى الى خلف صفوف الصلاة وفرش "شالا" منتصف الجامع ، وكان حوله عددا من موظفي الخدمة الذين يتميزون بملابس خضراء شبيهة بملابس رجال الامن مع اختلاف ضئيل في اللون، ومع شارة خطية تشير إلى كونهم من موظفي الخدمة، كانوا جميعا يجتهدون بمعية مسؤول آخر في الجامع لاقناع الشخص بالعزوف عن طلب المساعدة في الجامع.. خروج الرجل يصبح امر حتمي هنا لكن مع وعود بضم اسمه في قائمة مستحقي الزكاة، وهو عرض -ان صح- لا يتوفر في مكان اخر..
كل شيء مختلف..

كما هو الحال في الخارج كل شيء في الداخل يبدو مختلفا حد الابهار.. هذا شيء اخر لم يألفه اليمنيون قط.. فالجامع الذي يقتطع في قلب العاصمة مساحة قدرها (222) ألفاً و(500) متر مربع، تشمل مبنى الجامع وكلية علوم القرآن والدراسات الاسلامية، والاصواح والمواضئ، ومواقف السيارات، والمناطق الخضراء، لا تقل مكوناته الداخلية ابداعا عن خارجه..
ففي حين تغوص الاقدام في فراش المسجد الوثير الذي طلب خصيصا ليحاكي تقاسيم السقف بما يحوي من نجفات ضوئية صممت اجزاؤها على شكل القباب، تشخص الانظار عاليا باتجاه القباب ذات الاحجام المختلفة وبزخارفها المتميزة... وتتزين الجدران والاسقف بسور من القران الكريم وأحاديث وتسابيح وأذكار نحتت بخطوط متنوعة وبألوان زاهية..
يتقزم الداخلون والخارجون امام الابواب الخمسة عشر (لم تفتح كلها) ذات الارتفاع الكبير والمصنوعة من ارقى ماركات الاخشاب العالمية والمطعمة بالنحاس، في فن زخرفي لا يختلف عن الجدران والاسقف التي يصل عدد السقوف الخشبية الى (30) الف قطعة زخرفية معتقة بالذهب الخالص والالوان، ومثبتة بارتفاعات وصلت الى (23) متراً (موقع اليمن الآن).. أعمدة المسجد العريضة متناثرة بشكل يبدو غير منسق، غير انها جاءت كذلك تبعا لاختلاف أحجام القباب التي ترتفع الاعمدة لتحملها.. استخدم الجرانيت الاحمر المنقط بالابيض لتلبيس قرابة ستين عمودا في الداخل، وتعيش في تجاويفها السفلية أجهزة تكييف هادئة قيل انها تتلاءم مع الطقس المحيط..
في الجامع ابضا مصلى للنساء يقع أعلى الرواق الخلفي ويتصل بالجامع عن طريق نوافذ مطلة على قاعة الصلاة عبر مداخل خاصة، ويتسع مصلى النساء لقرابة 2000 مصلية.. المسجد سيتضمن ايضا عيادات طبية متخصصة تقدم خدمات للجمهور بالإضافة إلى مكتبة تراثية ضخمة لخدمة الباحثين وصيانة التراث الإسلامي العريق من العبث والضياع ، كما يشتمل على كلية الصالح للعلوم الشرعية لتقديم الفقه بروح الوسطية والاعتدال .الاستطلاع بدلا عن الصلاة: في اول صلاة جمعة في المسجد خطب في المصلين وزير الاوقاف والارشاد السابق محمد ناصر الشيباني، وليس معلوما انه من سيتولى الخطابة في الجامع ام لا..ويؤم المصلين في المسجد الشيخ الحافظ يحيى الحليلي، ويتناوب في صلاة التراويح والوتر مع إمامين آخرين، تقترب اصواتهم من ائمة الحرم المكي الشريف.. وتختزل بضعة صفوف فيه مئات المصلين حيث يتسع الصف الواحد لثلاثمائة مصل،ومن ا لمتوقع ان يستوعب الجامع قرابة خمسة واربعون الف مصل..
في الغالب هذه الايام لا يمتلئ سوى الصف الاول بالمصلين وتتجزأ الصفوف التالية في صلاة التراويح، وينشغل المئات بالتجول والتقاط الصور في جنبات الجامع ومرافقه الداخلية والخارجية، و يكتظ الجامع بالآلاف في صلاة العصر والجمعة..
كان ملاحظا في دعاء القنوت ان يبتهل الامام بشدة لولاة امر المسلمين بأن يحببهم الى رعاياهم ويحبب رعاياهم اليهم، ودعاء خاص لمن بنى المسجد وذريته.. وكما اختلف الدعاء عن معظم المساجد الاخرى في تلك الجزئية بدا مختلفاً اكثر في جزئية اخرى هي الدعاء بالنصر "للمجاهدين في فلسطين والعراق وافغانستان وكشمير وغيرها، وكذا التنكيل بـ "الأعداء" من "اليهود والنصارى"..
هنا يُكتَفى بالدعاء بالإغاثة للمستضعفين في فلسطين.. وكفى.. لا دعاءً آخر كتلك المألوفة في معظم الجوامع..
احنا مسلمين!!
كما اصبح الجامع قبلة آلاف اليمنيين بغرض اشباع رغبة حب الاطلاع، كان متوقعاً ان يزور الجامع ايضا سواح وذوي جنسيات اجنبية من غير المسلمين.. غير ان مالم يكن متوقعا هو طريقة التعامل المشينة معهم..
حدث ان دخلت زائرة اجنبية الى فناء المسجد بعد انقضاء صلاة التراويح يوم الثلاثاء الفائت، وتشير ملامحها الى انتمائها لاحدى دول شرق آسيا والارجح انها الصين.. وبيد انها اتجهت الى احد افراد الحراسة من القوات الخاصة المتواجدين في الساحة لاستفساره عن امكانية دخولها الجامع، الا انها قوبلت بشتائم قاسية من قبل عديدين انتقدوا زيارتها للجامع كاشفة شعرها ويديها.. "ما ادى ابوها هانا.. احنا مسلمين.. هي كافرة نجسة لا تدخلش الجامع".. في المقابل كانت الفتاة تبتسم وتهز رأسها بخجل وهي تدرك يقينا انها في موقف لا تحسد عليه، وقد تبين ان ما يقال عن تسامح الناس في رمضان لا يتواجد عند الكثيرين!!
وبيد أن الحارس كان قد شرع سلفاً بتفهيمها بضرورة مراعاة خصوصيات المسلمين الا ان كثيرين لم يتركوا له المهمة لينظروا وجهة النظر الرسمية في التعامل مع زيارة الاجانب، واتفقوا على الشتائم وهم يصرخون في وجهها في حضرة الحارس الذي ظل صامتا ازاء صراخهم..
هي تفهمت الموضوع وراحت تردد كلمة "إباية"(عباية)، في دلالة على كونها فهمت سبب المنع، بعد ان قدم شاب ملتح يتحدث قليل من الانجليزية بتعريفها بضرورة التحشم... الفتاة انسحبت بمعية رفقتها ويبدو انها أخذت صورة سلبية عن رواد الجامع وعن اليمن ايضا في مكان ربما يصل الى مصاف ابرز المعالم الدينية في اليمن.. ربما سيكون عزاؤها أن تتعرف على الجامع عن طريق قناة الايمان الفضائية التي تنقل الصلاة مباشرة يوميا من الجامع..
يحتاج التعامل مع الزوار الاجانب الى إعادة النظر، وفي مواقف كهذه كان الاولى ان تمنع الاجنبيات من الدخول من البوابة الاولى بدلا عن تركهن لسياط الغيورين على دين الله، والذين لا يملك الامن عليهم أي سطوة.. هناك جوامع اخرى تاريخية كجامع الجند يقصدها السواح فلا يقابلون بمثل ما يقابل به امثالهم في جامع الصالح في قلب العاصمة.. حتما هناك طريقة اخرى للتعامل مع رغبات الزيارة اكثر احتراما من شتم الاباء وامتشاق الغيرة على الفضيلة كسلاح لصد "الكفار" عن زيارة جامع الصالح...
خروج:
في الثالث من رمضان كان أطفال صاحب احد المحلات التجارية بشارع حدة يحتجون على ابيهم، لأنهم لم يخرجهم للتنزه منذ اكثر من اسبوعين، وتخوفوا أكثر ان يحول رمضان دون خروجهم.. غير أن الرجل طمأنهم: يوم الجمعة بنروح جامع الصالح..
بالنسبة لبلد كاليمن، يعيش قرابة نصف دون خط الفقر وغالبية الباقين يقفون على الخط، في ظل أسوأ الخدمات الصحية والتعليمية، سيكون جامع الصالح بالنسبة لهم شيء آخر لم يألفوه، ربما تتواجد جزئيات مكوناته في بعض القصور التي لم يتسنى لهم التعرف عليها..
فالجامع الذي تقول بعض التقارير التي نشرت في السنوات الاولى للبدء بأعماله ان تكلفته تقدر بخمسة وثلاثين مليون دولار، يرجح كثيرون ان الرقم ربما يتضاعف بفعل الارتفاع العالمي لاسعار خصوصا مواد البناء.. هذا الجامع يبدو انه جاء غير متناغم مع أوضاع غالبية مرتاديه، وما يدركه كثيرون أن من بنى الجامع بكل ذلك الاتقان، لم يبذل ذات الجهد لبناء البلد!كثيرون غادروا الجامع مندهشين وهم يناقشون الآية القرآنية التي ترتفع على لوحة مشروع جامع الصالح: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. هناك جدل محتدم بين اعمار المساجد بالبناء واعمارها بالطاعات.. هذا يتكرر بصفة شبه مستمرة في عاصمة الألف مسجد وجامع.




* نشر الموضوع في موقع نيوز يمن الاخباري ، وصحيفة الشارع الاسبوعية..

ليست هناك تعليقات: