الاثنين، 29 نوفمبر 2010

هجمات انتحارية تخترق انصار الحوثي في "الغدير"، والجماعة تتهم امريكا واسرائيل

تعرضت مواكب مؤيدة لجماعة الحوثي لهجومين انتحاريين اوقعا عشرات القتلى والجرحى بين مواطنين كانوا يعتزمون المشاركة في عيد الغدير وتشييع جثمان المرجعية الزيدية بدر الدين الحوثي الذي أعلن وفاته الخميس متأثراً بمرض الربو.

وانفجرت سيارة مفخخة صبيحة الجمعة مستهدفة موكباً يضم العشرات من مناصري جماعة الحوثي، جاؤا من محافظة مأرب للمشاركة في تشييع العلامة بدر الدينالحوثي، واسفر الانفجار عن مقتل ثلاثة اشخاص وجرح سبعة آخرين.

جاء الهجوم، تالياً لآخر مشابه، الاربعاء، حين اعترضت سيارة مفخخة موكباً للحوثيين في منطقة "فرشا" بمديرية المتون بالجوف، موقعاً ازيد من 20 قتيلاً وعدد غير معلوم من الجرحى..

وفرض الحوثيون طوقاً أمنياً منيعاً على موقعي الانفجارين، وتولوا اسعاف الجرحى، ومهام التحقيق في الهجومين الذين شكل اختراقاً واضحاً لمناطق واقعة تحت نفوذ الجماعة، وتغيب عنها الدولة بشكل شبه كامل.

وتشير المعلومات التي تناقلتها وسائل الاعلام أن مستشار وزير الداخلية، الشيخ مبارك مشن الزايدي الذي اعلن مؤخراً انضمامه وتأييده لجماعة الحوثي كان احد ضحايا هجوم الجمعة، فيما قتل شخصان أحدهما يدعى أحمد العامري والآخر مبارك حمود الزايدي، إضافة إلى منفذ/ي الهجوم.

وتتهم جماعة الحوثي الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بالتخطيط والتنفيذ للهجومين، بينما تتحدث مصادر اخرى عن تنظيم القاعدة كطرف مسؤول عن الهجومين، وهو ما ترجحه الجهات الامنية الرسمية.

وأدانت اللجنة الأمنية العليا في تصريحين منفصلين، تلك الحوادث الإجرامية التي استهدفت المواطنين وأسفرت عن سقوط عدد من الضحايا الأبرياء، مشيراً أنها تتعارض مع قيم الدين واخلاق المجتمع، و"قيم الحرية والديمقراطية التي آمن بها شعبنا والتزم بها نهجاً كأسلوب حياة بعيداً عن العنف والخروج عن الدستور والقانون"، مؤكدة أن الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية تقوم بإجراءات تحقيقاتها حالياً في هذه الحوادث الإجرامية للكشف عن ملابساتها، وستلاحق المتورطين فيها أينما كانوا وتقدمهم للعدالة.

وأكدت بيانات صادرة عن المكتب الإعلامي لجماعة الحوثي عقب الحادثتين "أن المؤشرات المستفادة من خلال التحقيق أن النشاط الإستخباراتي الأمريكي والإسرائيلي وراء هذا الحادث الإجرامي "، مشيرةً أن هذا العدوان الاجرامي يحمل النمط والأسلوب الأمريكي الساعي إلى خلق مشاكل تحمل أبعاد مذهبية وطائفية كونه المستفيد الأول بكل الاعتبارات".

وشبه الناطق باسم المكتب الاعلامي للحوثي في تصريحات صحفية نمط الهجمات بتلك التي تحدث في مجتمعات يتواجد فيها الأمريكيون بكثرة كأفغانستان وباكستان والعراق(...) و هي تخدم الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، رابطاً بين الهجمات و"ازدياد وان النشاط الاستخباراتي الأمريكي في اليمن قد زاد بكثرة عبر الطائرات بلا طيار وعبر زرع الكثير ".

ويتعارض هذا الاتهام مع المواقف الامريكية المعلنة التي لا تصنف جماعة الحوثيكجماعة ارهابية، ودعواتها المتكررة لحكومة الرئيس صالح بالتزام الحوار وخيار السلام، وتحدثت مصادر دبلوماسية ان واشنطن مارست ضغوطات على الحكومة اليمنية اكثر من مرة لوقف حرب صعده، والتفرغ لمحاربة القاعدة، وابدت دوائر سياسية وامنية في واشنطن خشيتها من استغلال نظام الرئيس اليمني لمساعداتها العسكرية المقدمة لمكافحة القاعدة في تصفية الخصوم الاخرين ومنهم جماعةالحوثي.

وصرح مسؤولون يمنيون ان اهم نقاط الخلاف بين الادارة الامريكية والحكومة اليمنية يتمثل في عدم ادراج جماعة الحوثي كجماعة ارهابية.

ورحبت الخارجية الامريكية منتصف فبراير الماضي بوقف اطلاق النار بين الجبش اليمني والحوثيين، وأعربت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عن ترحيب بلادها بوقف اطلاق النار في الصراع الذي دارت رحاه بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، مثمنة دور الوساطة، مشيدة بخطوات المصالحة واعادة بناء عاجلة لوضع نهاية دائمة لهذا الصراع، وحثت الدول المانحة على دعم وكالات الاغاثة الدولية العاملة في مساعدة النازحين جراء تلك الاحداث.

ويحيي أتباع المذهب الزيدي عيد الغدير سنوياً في المحافظات الاطراف، وشهدت الاعوام الماضية تضييقاً امنياً على هذه الفعاليات في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة، كان يتطور أحيانا إلى مواجهات دامية تخلف عدداً من القتلى والجرحى، وحظرت الاجهزة الامنية اقامة هذه الفعاليات في العاصمة وبعض المناطق المحيطة بها.

ولم تأخذ اجواء الاحتفال بهذه المناسبة هذا العام التصعيد المألوف في السنوات الماضية، ولم تنقل أخبار عن اجراءات أو مصادمات تحول دون اقامتها في محافظات عمران، وحجة، والجوف وذمار ومأرب، وبعض مناطق صعدة كما جرت عليه العادة في الاعوام السابقة.

ويعزى الامر الى التهدئة المتبادلة التي يلتزمها الطرفان، إلى حد ما، في ظل الوساطة القطرية العائدة مجدداً لتنفيذ اتفاق الدوحة، كما يرجع ايضاً إلى التركيز الامني المكثف في الظرف الراهن على تأمين استضافة اليمن لبطولة الخليج العربي والحرص على عدم حدوث أي تشويش على اجواء استضافة البطولة، التي ظل الهاجس الامني – الذي تحضره حروب صعده كدليل على عدم استقرار البلد- عقبة منيعة امام تحقيقها حتى الايام الاخيرة قبل وصول الوفود الخليجية.

وتراواح الوساطة القطرية مكانها بعد اشهر من استئنافها، وتعيش الوساطة اجازة تناهز الشهر، بعد ان باشرت تواصلها مع الطرفين للبت في تنفيذ الاتفاق، غير انها تظل عالقة في ذات الموانع المعتادة في اولوية تنفيذ البنود، حيث يطالب الحوثيون باطلاق المعتلقين على ذمة تلك الاحداث، وازالة المواقع العسكرية المستحدثة، في حين تطالب الحكومة بتسليم السلاح، والانسحاب من المديريات، وتسليم السلطة المحلية مقاليد ادارة مديريات خاضعة لسيطرة الحوثي.

الاعلان عن وفاة المطلوب رقم 1 للأمن العلامة بدر الدين الحوثي


الحكومة اعلنت وفاته في الحرب الثانية.. في السابعة كان على راس قائمة المطلوبين

أعلنت جماعة الحوثي عن وفاة المرجع الزيدي بدر الدين بن أمير الدينالحوثي، عن عمر ناهز 86 عاماً، متأثراً بمرض الربو.

ووصف بيان النعي الصادر عن المكتب الاعلامي للمتمردين، العلامة بدر الدينالحوثي، بالسيد العالم الكبير فقيه القرآن ربانيُّ آل محمد، المجاهد المظلوم، مشيراً أنه عاش باذلاً حياته كلها لله، وأنه تميز في حياته وخلال أدائه العلمي والرسالي والتربوي بالتزام الطريقة القرآنية الناجحة في بناء النفوس فتخرج على يديه من يحمل روحية القرآن الجهادية، مشيراً إلى اصداراته الهامة والبيانات التي دعا فيها إلى تبني المواقف المطلوبة تجاه المؤامرات الأميركية والإسرائيلية وما يتطلبه الصراع بمختلف أنواعه"".

وتطرق البيان إلى معاناة الحوثي جراء المرض مشيراً انه كان أكثر علماء عصره معاناةَ وصبراً وتلقى المتاعب، والاستهداف، والنفي، ومحاولات القتل المتعددة، والمنع من السفر لتلقي العلاج.

وبرز اسم العلامة بدر الدين الحوثي بعد مقتل نجله حسين الحوثي، نهاية الجولة الاولى من حرب صعده في سبتمبر 2004، حيث حل في ضيافة الرئيس في صنعاء لفترة تناهز ستة اشهر، قفل بعدها عائداً إلى صعده، حيث حظي باستقبال مهيب، لتنطلق بعدها بأيام الجولة الثانية من الحرب في مطلع مارس 2005، وتحدثت الانباء عن قيادته لتلك الجولة رغم سنه الموغل في الكبر.

وعزيت الحرب الثانية إلى تصريحات اطلقها الحوثي الاب انتقد فيها الحكومة، وعدم الوفاء بالالتزامات التي قطعها الرئيس بعد نهاية الحرب الاولى، واتهم الحوثي بعدم الاعتراف بشرعية النظام القائم، حيث رد على سؤال لصحيفة الوسط حول شرعية النظام فرد قائلا (ما علينا من هذا الكلام لا ترحجني)، واخذ هذا التصريح باعتباره انكاراً للجمهورية، من فقيه ديني استشف من مقابلته اجمالاً غياب الفقه السياسي.

وأعلنت مصادر رسمية بعد نهاية الحرب الثانية عن وفاة بدر الدين الحوثي، وكان هناك نفي باهت من قبل الجماعة، وظلت حياته في محل شك، خصوصاً في ظل تواريه عن الانظار، وبزوغ نجم نجله عبدالملك الحوثي، الزعيم الميداني الشاب الاكثر حنكة ودهاء، والاكثر قدرة على ادراة دفة المعارك الحربية واطلاق التصريحات السياسية.

غير ان وزارة الداخلية اليمنية عادت منتصف اغسطس الماضي لتضع رجل الدين الطاعن في السن بدرالدين الحوثي كمطلوب رقم 1 في قائمة تضم 55 شخصاً من قيادات جماعة الحوثي الفتية في معظمها، وهو ما اعاد الحديث عن الرجل باعتباره الملهم الروحي للجماعة الذي كان في كافة الحسابات في عداد المتوفين وان كان الحديث القديم عن وفاته غير مؤكد حينها.


الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

مشروع قانون حكومي يفرض وصاية وزارة التخطيط والتعاون الدولي على المنظمات الاجنبية ويحد من انشطتها

اشترط باتفاق تعاون لمزاولة النشاط ، وعقد اضافي وشريك حكومي لبرامج الديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان والثقافة والاغاثة، وانشطة سنوية بقيمة 250 الف دولار، ورقابة على التقارير الاعلامية دون، واخذ موافقة مسبقة للمنح، وعدم اجراء مسح ميداني او احصاءات دون اذن

النداء – سامي نعمان

يثير مشروع قانون مقترح من وزارة التخطيط والتعاون الدولي لتنظيم عمل المنظمات الاجنبية غير الحكومية قلقاً واسعاً لدى كثير من المنظمات الدولية والمحلية، وحكومات بعض الدول الغربية والمؤسسات الدولية المانحة والمهتمة بالديمقراطية، وحقوق الانسان، والاغاثة، بما يفرضه من قيود تحد من انشطتها وتمس استقلاليتها بشكل مباشر.

وقدم نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي عبدالكريم اسماعيل الارحبي، مسودة مشروع القانون رقم 31 لسنة 2010 والخاص بتنظيم عمل المنظمات العربية والاجنبية غير الحكومية العاملة في اليمن، ويتضمن المشروع مواداً تحد بشكل كبير من عمليات وأنشطة تلك المنظمات، بما يطلق من صلاحيات غير محددة لوزارة التخطيط في التأثير على انشطة تلك المنظمات ومشاريعها واهدافها.

واطلعت النداء على تحليل خاص لمقترح القانون، أجراه المركز الدولي للقانون غير النفعي، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، ابدى تخوفه من تحجيم عمل المنظمات الاجنبية غير الحكومية العاملة في اليمن بفعل هذا القانون، حال تم تمريره.

والمركز هو منظمة دولية تقدم مساعدة تقنية وبحوث وتعليم لدعم تطوير القوانين الملائمة، والانظمة الخاصة بمنظمات المجتمع المدني، في مختلف دول العالم، وقدم مساعدة في مشاريع اصلاح قوانين في اكثر من مئة دولة بينها اليمن.

يشير المركز، في تحليله بتاريخ 5 اكتوبر الجاري، أن مواد مشروع القانون المقترح تتعارض مع التشريعات المحلية، ومنها قانون الجمعيات والمؤسسات لعام 2001، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق العربي لحقوق الانسان، وغيرها من المواثيق التي صادقت عليها اليمن.

و بمقتضى مشروع القانون المقترح، يُحضر على المنظمات الأجنبية القيام بأية أنشطة في اليمن ما لم توقع "اتفاق تعاون" مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ويمنح المشروع الوزارة صلاحية مطلقة لرفض التوقيع على الاتفاق، بما قد يهدد استمرار عمل المنظمات الأجنبية، وهو الشرط الذي قد يكون تأثير غير مناسب على الجماعات الناشطة في مجالات حقوق الانسان.

وفقاً لتلك المسودة، فإن وزارة التخطيط لن توقع اتفاقية تعاون وستحظر نشاط أي منظمة اجنبية تنفذ انشطة سنوية بأقل من 250 الف دولار، باعتبارها غير مؤهلة، وبذلك فإن المشاريع الصغيرة مهما كانت مجدية، وبعثات المساعدة التقنية والفنية، وبعثات المساعدة التقنية وحتى الزيارات البسيطة لجمع المعلومات بواسطة المنظمات الأجنبية لن تكون متاحة، استناداً إلى مواد مشروع القانون.

وسيتعين على المنظمات العاملة في مجالات الديمقراطية والانتخابات ، وحقوق الإنسان والثقافة، والعلوم ، وتقديم المساعدات وقت الكوارث أو أية أنشطة أخرى"، ان تبرم اتفاقية خاصة اضافية، وأن تكون مرتبطة بجهة حكومية لتنفيذ انشطة ومهام في اليمن،

وهذا القرار لا يتضمن المعايير او الإجراءات المتبعة لمنح هذه "الاتفاقات الخاصة"، ويبدو انه يمنح مختلف الوكالات الحكومية صلاحيات غير محدودة لتقويض أنشطة الجماعات المعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من الفئات المتأثرة.

ويتجاوز مشروع القانون القيود المحجمة لنشاط المنظمات إلى اضفاء المزيد من الرقابة على حرية التعبير، إذ تطالب المنظمات الاجنبية بالحصول على موافقة الوزارة، قبل نشر أو إصدار مواد إعلامية أو تقارير متعلقة بأنشطتها، وهذا الشرط من شأنه أن يضيق الخناق على المنظمات التي تراقب وتتناول انتهاكات حقوق الانسان والتستر على المعلومات التي يتكتم المسؤولون الحكوميون.

ويحظر المشروع ممارسة المنظمات الاجنبية لاية انشطة ذات طابع ديني او سياسي، دون ان يوضح ويحدد طبيعة هذه الانشطة، تاركاً الباب مشرعاً أمام امكانية الحد من الانشطة السياسية والخيرية للمنظمات الدينية.

ويشترط مشروع القانون على المنظمات الاجنبية التي تنفذ برامج في اليمن بتمويل خارجي، كالمنح المقدمة من الاتحاد الاوروبي او الولايات المتحدة، ان تحصل على موافقة الوزارة قبل الدخول في اتفاقات مع جهات داخل اليمن، وتركت صلاحية الوزارة مشرعة على قبول او رفض أي عقود او اتفاقات، فاتحة المجال امام تدخل كبير في حقوق الافراد المحليين والاجانب في التعاون مع بعضهم.

واضافة لذلك، فلن يكون بمقدور أي منظمة اجنبية ان تنفذ أي مسح ميداني او احصاء دون تنسيق مسبق مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وهذا الشرط يتيح للحكومة التدخل في مهام المنظمات الحقوقية والمنظمات الاخرى في العمل على جمع بيانات واقعية لتقديم تقارير مستقلة، او تنفيذ مهام الرصد ومراقبة الانتهاكات.

وسيتم حظر المنظمات غير الحكومية الأجنبية من "تنفيذ أي مسح ميداني أو إحصاءات" ما لم تكن منسقة مع الوزارة. وهذا التقييد تسمح بتدخل الحكومة في قدرة منظمات حقوق الإنسان وغيرهم لجمع البيانات لإعداد تقارير مستقلة أو الرصد.

وتحذر المنظمات اليمنية غير الحكومية ونشطاء حقوق الإنسان من أن القانون المقترح من رئيس مجلس الوزراء ( مشروع القانون رقم 31 لعام 2010) لتنظيم عمل المنظمات العربية غير الحكومية والأجنبية العاملة في الجمهورية اليمنية ، والذي من الممكن ان يتم مصادقته وتنفيذه دون العودة إلى مجلس النواب، قد يتم اقراره مطلع الشهر القادم.

وعبر المركز عن تقديره لاتاحة الفرصة له للتعليق على مشروع القانون رقم 31 لسنة 2010 والمقترح من قبل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، مبديا سعادته بتوفير مرجعيات اضافية ومساعدة تقنية بما يسهم في مساعدة قادة المنظمات اليمنية والاجنبية والحكومة اليمنية.

والمركز هو منظمة دولية تقدم مساعدة تقنية وبحوث وتعليم لدعم تطوير القوانين الملائمة، والانظمة الخاصة بمنظمات المجتمع المدني، في مختلف دول العالم، وقدم مساعدة في مشاريع اصلاح قوانين في اكثر من مئة دولة بينها اليمن والبحرين والعراق وافغانستان، وفلسطين، وعمل المركز بشكل كبير مع وزارة الخارجية الامريكية، و والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ، والبنك الدولي ، ومعهد المجتمع المفتوح ، والمؤسسات الخاصة ، وعشرات الافراد في داخل البلدان.

مراسلون بلا حدود: الدول العربية تخسر حرية الصحافة

اليمن ضمن عشر دول حيث لا يجدي نفعاً أن تكون صحافياً فيها

للاطلاع على التقرير في موقع منظمة مراسلون بلا حدود

ليس مجدياً ان يكون المرء صحفياً في اليمن، كما عشر دول اخرى تتفنن في اضطهاد الصحافة والافتقار الكامل للاعلام.. هنا كما في تلك لا يزال وضع حرية الصحافة في تدهور مستمر حتى بات من الصعوبة بمكان التمييز بين السيء والاسوأ في قائمة هذه الدول التي تتنازع ترتيبها في ذيل القائمة، وفقاً لتصنيف عالمي لحرية الصحافة تطرحه منظمة مراسلون بلا حدود راصدة به احوال حرية الصحافة في 178 دولة.

انضمت اليمن ومعها رواندا وسوريا وبورما وكوريا الشمالية إلى خانة البلدان الأكثر قمعية في العالم حيال الصحافيين، ووفقاً للمنظمة فإن هذا التوجّه لا يبشر بالخير للعام 2011، "وللأسف، ما من مؤشر يدل على وجود أي تحسّن في معظم البلدان الاستبدادية".

شملت موجة التراجع في حرية الصحافة عددا من دول الشرق الاوسط، لكن الاسوأ كان في اليمن وسوريا، فالاولى تراجعت من المرتبة 167 الى 170، والاخرى تراجعت من 165 الى 173، لتنضمان إلى الدول العشر في ذيل القائمة، وفي هاتين الدولتين تقول المنظمة إن مساحة حرية الصحافة تتقلّص إلى حد كبير، ولا تزال عمليات الاحتجاز التعسفي مستمرة تماماً و التعذيب، والى جانبهما تضم قائمة الدول الاسوأ السودان عربياً بالمرتبة 172.

فيما تراجع المغرب ثمان مراتب الى المرتبة 135، بفعل مسائل مرتبطة بحرية الصحافة منذ العام 2009، وتراجعت تونس 10 درجات لتحتل المرتبة 164، وتعزو المنظمة استمرار تونس في تراجعه في أسفل التصنيف العالمي نتيجة لسياسة القمع التلقائي التي تنفذها السلطات التونسية ضد أي شخص يعبّر عن فكرة مخالفة للنظام.

وتحافظ ايران على مكانتها في أسفل التصنيف لا سيما أن القمع الذي انقضّ على الصحافيين ومستخدمي الإنترنت غداة إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في حزيران/يونيو 2009 قد تشدد في العام 2010.

وشهد البحرين تراجعاً في مرتبته في التصنيف من 119 إلى 144، ويمكن تفسير هذا التراجع بازدياد عدد الاعتقالات والمحاكمات، خصوصا تلك الموجهة ضد المدونين ومستخدمي الإنترنت، فيما سجلت الكويت انخفاضاً ملحوظاً في التصنيف بخسارته 27 مرتبة، لينتقل من المرتبة 60 إلى المرتبة 87 بسبب ضراوة السلطات على التنكيل بالمحامي والمدوّن محمد عبد القادر الجاسم المسجون مرتين إثر رفع قضايا من قبل شخصيات مقرّبة من النظام ضده، بما يتنافى مع رغبة السلطات نفسها في إعطاء صورة كأول ديمقراطية في الخليج.

كان هناك تحسن ملحوظ بين تصنيف العام 2009 وتصنيف العام 2010 بالنسبة لبعض الدول، إلا أن المنظمة شددا على مدى صعوبة الوضع في العام 2009، وتشير ان العام 2010 يكرّس عودة إلى التوازن السابق من دون إحراز أي تقدم معبّر في هذه البلدان.

كان هناك تقدما في مراتب كل من الجزائر(135) لقلة الدعاوى القضائية، وكسب العراق 15 مرتبة (130) نظراً إلى تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد، كما ربحت اسرائيل 18 مرتبة لتنتقل من المرتبة 150 إلى 132. ولكن العام 2010 لم يخلُ من الانتهاكات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد حرية الصحافة، وتنطبق الملاحظة نفسها على الأراضي الفلسطينية التي كسبت 11 مرتبةً في العام 2010 (150 بدلاً من 161). كون انتهاكات هذا العام كانت "أقل خطورة" مما كانت عليه في العام 2009 حتى لو كان الصحافيون ما زالوا يدفعون ثمن المعركة الحادة بين حركتي حماس وفتح.

وكانت المنظمة قد ادرجت منذ بضعة اشهر اسم الرئيس علي عبدالله صالح ضمن قائمة صيادي حرية الصحافة في العالم التي تضم قائمة باسماء زعماء دول وجماعات، وقالت بأنه ويُسيطر على وسائل الإعلام بقبضة من حديد، وبررت ادراج الرئيس في القائمة بالتدهور المريع في حرية الصحافة خلال العام 2009، حيث عززت السلطات تلك السيطرة لتفرض التعتيم الإعلامي على الهجمات العسكرية في شمال البلاد وجنوبها مستخدمةً بل مستغلةً مفاهيم تملّصية وذاتية ترد في قانون الصحافة للعام 1990 شأن الانتهاكات الموجهة ضد "الأمن القومي" و"الوحدة الوطنية" و"علاقات الدولة الخارجية" لكمّ أصوات الصحافيين. ومنذ أيار/مايو 2009، تعرّض عدة صحافيين ومواطنين إلكترونيين للتوقيف وحتى للاختطاف قبل إدانتهم بعقوبات بالسجن مع النفاذ غالباً ما تترافق بحظر عن الكتابة قديم الطراز. وتم منع نشر ثماني صحف مستقلة متهمة بالنزعة الانفصالية. ولم تعرف شبكة الإنترنت أي راحة فيما أنشئت محكمة مكلّفة بالنظر في جنح الصحافة باتت تشكل الحجر الأساس لنظام القمع.

الاثنين، 14 يونيو 2010

أجندة مُغيّبة..
سامي نعمان

صحيفة النداء..


حتى اللحظة لم يصدر عن أي من المسؤولين اليمنيين اجابة شافية للضربة الجوية التي قتلت الامين العام المحلي لمحافظة مأرب نائب المحافظ جابر الشبواني وهو منتخب قبل ابناء المحافظة، عدا حديث الرئيس عن خطأ وخيانة غير مكتملة التفاصيل.
بدرجة رئيسية يعول المعنيون بالأمر على عامل الوقت لتمييع القضية وامتصاص الغضب وإرهاق المد القبلي الغاضب الذي أحدث ردة فعل متوقعة بكل الحسابات.. كذا برز الغياب الفعلي للدولة بشكل اشبه بالشعور بالذنب، إذ أسفت على مقتل المسؤول المحلي عن طريق الخطأ، وبدلاً من تلبية المطالب المشروعة لأهالي القتيل، وهم هنا أبناء محافظة بأسرها، بالكشف عن خبايا العملية، عززت حظ الدولة بعرف القبيلة وسلمت آل الشبواني تحكيماً عينياً.. لا بأس في ذلك، وسنبرر هذه المرة للدولة عُرف القبيلة بسعيها لتخفيف الاحتقان وحفظ المصالح، وليس من العقلانية حضور الدولة بالقوة في عزاء قوم لم يألفوا حضورها بمعانيها بشكل طبيعي..
الرئيس عزا الامر إلى خيانة واضحة من وادي عبيدة.. قد يكو ن هذا صحيحاً، لكن قضية (من خان من؟) تعني مسؤولي التحقيق بالدرجة الاولى.. بالنسبة لأولياء دم الشبواني، قد تعنيهم التفاصيل بعض الشيء لكن السؤال المحوري سيظل قائماً: من قتل الشبواني؟ ولا شيء سيلهيهم عن معرفة الإجابة..
وبيد أن القيمة المعنوية لعزاء الرئيس واستقباله أهالي القتيل، ربما تبعث بالثقة لبرهة بجدية التحقيق، وقبول الانتظار، وحفظ المصالح لبعض الوقت، لكنها قطعاً لن تكون كفيلة بإقناعهم بنتائج أي تحقيقات سطحية، لا ترقى إلى تطلعاتهم في الإجابة المنتظرة للسؤال بكل تفاصيله.
وسواءً كان منفذ العملية طيراناً يمنياً بدائياَ بقيادة كائن بشري، أم أمريكياً موجهاً عن بعد، بتنسيق او بدونه، فإن النتيجة لا تعفي الدولة من مسؤوليتها الكاملة في ذلك.. ومع كل احتمال وارد في العملية، تتحمل السلطة مسؤولية اكبر في وزرها خصوصا ً ان الامر يتعلق بالسيادة ديدن المسؤولين عند أي حديث عن حوار برعاية دولية، وليس قصف اجنبي لمواطنين ابرياء.
وقبل الحديث عن أي حق لأولياء الدم، على أهميته، فإن العملية كانت استهدافاً واغتيالاً
مباشراً للدولة، بحضورها الشكلي في منطقة قبلية يقطنها قوم اولو قوة وبأس، يرونها – أي الدولة - قبيلة متسلطة على المراعي والمغانم لا أكثر.. وطوال عقود من الرقص على رؤوس الثعابين، لم تبذل الدولة جهوداً ذات معنى تغير - أو تقنعهم بتغيير- تلك النظرة وتُعلي بها الولاء لها أكثر من الولاء للقبيلة والمنطقة والأسرة والمذهب، ليس هنا فحسب بل ينسحب ذلك على كثير من الاطراف وجوار الاطراف، وهذه الرقعة بدأت تتسع أكثر باتجاه المراكز المختلفة وينطبق عليها تراجع معنى الدولة في المناطق المدنية، فالحضور المُدّعى بمبانٍ صحية وتعليمية وأمنية وحكومية فارغة ومناصب إسترضائية، ليس كافياً للحديث عن حضور هذا الغائب.. بل يُثبتُ وجوده بالتنمية البشرية وفرض دولة النظام والقانون وسحب نفوذ وأعراف القبيلة مقابل تسلل قيم الدولة بمعانيها الحقيقية لا الشكلية.. تبقى هذه الامور أجندة غائبة.. أو مُغيّبة.
وسواء طال الأمر أم قصر بحسابات المستفيدين، فإن الجميع يتجرعون مرارة التبعات، وإن كان أبناء المناطق الذين يغيب عنهم معنى الدولة – حتى الشكلي- هم أكثر المتضررين من ذلك.
وعودة إلى حادثة مقتل الشبواني، التي ربما يَعِي المسؤولون أن حلها لن يكون على طريقة معالجة النزعات والمشاعر الانفصالية ببناء اكبر علم في عدن يدخلنا موسوعة غينيس.
قدر وزير الكهرباء عوض عن الخسائر المالية التي تتكبدها الحكومة جراء اعطاب المحطات بـ 100 مليون ريال يومياً، وكان الاجمل في تصريحه ان قال إن حجم المعاناة التي يتكبدها الناس خصوصاً في المناطق الحارة لا تقدر بثمن.. كنا ننتظر تصريحاً حكوميا اكثر تألقاً بالحديث عن الاسباب المؤدية لسلوك انتقامي يضر بمصالح البلاد عامة بمن فيهم المتسببون في تلك الاضرار، وعن نية حكومية في النظر فيها ومعالجتها.
إن المشكلة – كغيرها من مشاكل البلاد- تتعلق بالدستور والقانون الذي ينظم طريقة ادارة البلاد، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين ذات المحكومين. طبعاً ليست به لذاته رغم مآخذ على نصوص دستورية وبعض القوانين، بل في طريقة انفاذهما من قبل الجهات المعنية بذلك، والتي تتسم في الغالب بضعف الآلية، والمزاجية، وعدم الاستقلالية، والانتقائية.
فحتى إن كانت العملية - الخطأ – التي أودت بالشبواني، قد أصابت هدفاً آخر مطلوب محلياً أو إقليمياً أو دولياً، فإنها تبقى – بمعايير القوانين المحلية والدولية وحقوق الانسان - عملية قتل خارج القانون تستوجب المساءلة، خصوصاً إذا قتل المطلوب في عملية خلت من اشتباك مسلح، فكيف إذا كان حظ العملية من النجاح يكاد يكون صفرياً إذا أُخِذ في الاعتبار عدم وقوع اخطاء وضحايا من الابرياء.
ليس مقبولاً من المعنيين بالحفاظ على حياة الناس، أن يرتكبوا جرماً أكبر بإزهاق حياة الأبرياء، في سبيل تسجيل انتصار لحظي غير قانوني بقتل مطلوبين في قائمة الأمن، دون توفر أدنى مسوغات الاعتقال ناهيك عن القتل.
منذ مطلع العام نُفّذت العديد من الضربات الجوية المبهمة، ضد مواقع يُعتقد باحتوائها على مطلوبين، دون أدنى اعتبار لعدم قانونية الضربات، ودون حساب على ارواح الابرياء، وشهدنا قبل بضعة اشهر ضربة جوية بشعة استهدفت بضعة مطلوبين في منطقة المعجلة بأبين، لكنها اودت بعشرات النساء والاطفال.. وبهدوء تماهت الجريمة دون ان تكلف الحكومة توضيحاً منطقياً او اعتذاراً رصيناً للضربة، وكأنه كان كافياً الاسف على الخطأ الذي رافق تلك العمليات مسبباً سقوط العشرات قتلى وجرحى. مع وعود بلا معنى بتعويض أسر الضحايا فقط، وكأن الامر متعلق بكارثة طبيعية..
تلك اللغة ليست مجدية في مأرب.. فهم يخاطبون الدولة باللغة التي يعتقدون انها تفهمهما في وقت هي احوج ما تكون لتلافي اتساع مساحة العداء، وتعزيز حظوظ الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.. لكن يبدو أن هناك من سمح للفيل بدخول محل الخزف، وسيكون من الصعوبة بمكان ان ترمم مخلفاته.يبدو ان الرئيس أدرك فعليا فداحة الخطأ الذي اضر بالدولة قبل غيرها، وأظهر التزاماً للملمة تبعاته.. لكن ما يدور في مأرب هذه الايام من مواجهات توحي ان الدرس لم يستوعب بعد، وان الاخطاء لا زالت تتكرر براً.. القضية ليست بحاجة إلى قبضة امنية وعسكرية وحملات تأديب وجولات تحكيم، بقدر ما هي بحاجة إلى الشفافية والقدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وتعزيز ثقة الناس بأهمية الدولة وروح القانون والمساواة وقيم المواطنة... الأهم من ذلك تنظيم علاقة الدولة بالمواطن، وطريقة إنفاذ أجهزتها للقوانين بعيداً عن المزاجية والارتجالية واحادية القرار، التي تتحمل الدولة قدراً كبيراً من تبعاتها على حساب سيادتها واستقرارها وسلمها الاجتماعي.


الاثنين، 7 يونيو 2010

قضاء بحاجة الى انصاف ورد اعتبار..

الاغبري في مواجهة شركة الادوية الحكومية.. صدر الحكم الابتدائي بتعويضه واعادته لعمله في شركة الادوية منتصف عام 97، وفشلت اجراءات التنفيذ.. وبعد 13 عاماً من الدوران في المحاكم والنيابات اقرت الاستئناف والعليا بالحكم الاول.. ولا زال التنفيذ مستعصياً..
النداء.. سامي نعمان
في الخامس والعشرين من مايو الماضي، وجه قاضي التنفيذ بمحكمة غرب الامانة ابراهيم الضبيبي الشرطة القضائية بأمر قبض قهري على مدير عام الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الادوية -التابعة للمؤسسة الاقتصادية اليمنية- واحضاره إلى المحكمة قهراً وايداعه الحجز حتى يذعن لتنفيذ حكم ظل التنفيذ منذ صدوره في يونيو 1997، بيد ان قضية الحكم انهكت من الدوران في حلقة مفرغة في اروقة المحاكم والنيابات بمستوياتها المختلفة..
للوهلة الاولى تبدو مواجهة حضارية طالما انها سلكت اروقة المحاكم لترجيح كفة طرف ضد آخر، يفترض انهما متكافئان في هذه الساحة، بيد انهما ليسا كذلك في الواقع.. صاحب الدعوى مواطن يدعى طلال عبدالمجيد الاغبري، سلم النداء كتابا كبيراً يستغرق مسيرة قضائية مضنية وبائسة بعمر 17 عاماً، ويوثق كل الاوامر والاحكام والتوجيهات المتعلقة بقضيته، والمدعى عليه هي الدولة، وتمثلها الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الادوية، ووجه الدعوى اقالة المواطن من عمله لدى الدولة دون مسوغ قانوني قبل بضعة ايام من اندلاع حرب صيف 94... لكن بإمعان النظر في القضية يتضح ان القضية تأخذ بعداً اكثر ايلاماً ليس للأغبري صاحب الدعوى، بل للدولة ذاتها المدعى عليها، وهي التي تكفل دساتيرها وقوانينها استقلالية القضاء، فالقضية تكشف عن هشاشة القضاء وضعف احكامه، وعجزها عن اعادة الحق لصاحبه ضداً على الشعارات البراقة.. ان القضية تكشف ان الدولة تعبث بأهم مكوناتها القضاء الحاضن للنظام والقانون وحفظ الحقوق وتنظيم خلافات الناس ببعضهم او مع الدولة بعيدا عن الفوضى والعنف.
ذلك الامر لم ينفذ رغم انه حُمل على الشرطة القضائية الموجهة بتنفيذه، وفي ملف القضية وخلف نسخة من ورقة امر القبض القهري، سجل مدير امن شركة الادوية رده بالقول: المدير العام مسافر في الخارج، وبناء عليه رفع افراد الشرطة القضائية ردهم موضحين ان ترددوا اكثر من مرة على الشركة إلا أن امن الشركة ينكرون وجود المدير، ويبدو ان الامر توقف هنا.. وربما لن يتجاوز مجرد الاستفسار عن وجود مدير عام الشركة طالما ان الشرطة القضائية لا تملك القوة الكافية لتنفيذ قرار كهذا ضد الدولة، أو لا تستطيع ان تفعل في ظل كثير من الاعتبارات التي تضع عديداً من الحواجز لصالح مراكز القوى على حساب القضاء واصحاب الحق.
وما هو اقرب إلى الواقع أن القبض القهري على مدير عام الشركة اليمنية للأدوية يبدو اكثر استحالة، فالشركة التي ترفض تنفيذ الحكم بإعادة موظف فصل تعسفيا من عمله، وتعويضه، لن تسمح بتسليم مديرها العام المطلوب للقضاء قهرياً لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي بات، وفقاً لنص مادة قانونية تكشف عن اجراءات بحق من يعرقل او يمتنع عن تنفيذ الأوامر والقرارات والاحكام الصادرة ضد الدولة.
وفي قضية كهذه اكملت فصولها ستة عشر عاماً ووجلت في السابع، تكشف الوثائق عن بطء كبير في سير اجراءات التقاضي، ويصل في نهاية المطاف الى أحكام غير قابلة للتنفيذ بحكم المزاج وليس القضاء..
تم الاستغناء عن طلال الاغبري بتاريخ 28/4/1994، حيث كان يعمل مديراً للادارة الادارية بالادارة العامة للشركة اليمنية لصناعة وتجارة الادوية، ويومها كان مسكنا في المجموعة الوظيفية ج المرتبة 12، حسب افادته..
لم يسلّم الرجل في خضم ازمة سياسية ادخلت البلاد في اتون حرب اهلية بعد ذلك التاريخ، الذي كان هو جزء من حساباته التصفوية المزاجية، كما يفيد، وأياً كانت الاسباب فقد سلك الرجل طريق القضاء للفصل في تظلمه، وصدر عن محكمة غرب الامانة الابتدائية حكماً بتاريخ 25/6/1997، قضى ببطلان قرار الاستغناء على طلال الاغبري، واعتباره كأن لم يكن، والغاء كافة الاثار المترتبة عليه، وإعادة المذكور إلى سابق عمله، بموجب قرار التعيين، ومنحه كافة حقوقه الوظيفية والمالية المستحقة له من تاريخ صدور قرار الاستغناء الباطل وحتى تاريخ تنفيذ الحكم، فضلا عن اتعاب التقاضي.
كان من الطبيعي ان يطالب الاغبري بالتنفيذ، وفشلت محاولة تنفيذ ودية، 10/11/1997، تلاها صدور قرار تنفيذ اجباري في 18/10/1998، وهو القرار الذي تم توقيفه من قبل المحكمة بعد ان تقدمت قيادة الشركة حينها ببلاغ الى نيابة الاموال العامة تتهم فيه الاغبري بالاضرار بمصالح الشركة العليا واختلاس اموال الدولة! حينها زُج به في السجن 25 يوما لدى النيابة، كما يروي.. ويضيف بأن القضية ظلت هناك تراوح مكانها، ليتضح في نهاية المطاف انها لم تكن سوى مجرد دعوى كيدية كانت تهدف فقط إلى عرقلة تنفيذ الحكم.
لم يسلم الاغبري، الذي يتولى الدفاع عن نفسه، وعادت محاولات تنفيذ الحكم ثانية، عامي 2002-2003، ليصدر امر تنفيذ جبري في 21/10/2003، غير ان القاضي اعاد فتح باب الترافع من جديد استناداً على طعن مقدم من محامي الشركة، وفقا لقرار المحكمة الابتدائية بتاريخ 15/9/2004، وابطل بموجبه اجراءات التنفيذ كلياً، ومن الطرافة الاشارة ان فحوى الطعن المقدم من محامي الشركة، يدعي فيه بأن الحكم الابتدائي قد تم تنفيذه في 22 /12/1996، أي قبل صدور الحكم الابتدائي في يونيو عام 1997!!
طعن الاغبري في هذا القرار، وتم ابطاله بحكم محكمة الاستئناف في 30/7/2007، وقضت باعادة ملف القضية الى محكمة غرب الامانة للسير في اجراءات التنفيذ للحكم الابتدائي الصادر عام 1997، والتقيد به نصاً وروحاً، وعلى هذا صادقت الشعبة المدنية في المحكمة العليا في 16- 5 – 2009.
ومذاك لا زال الاغبري يتردد على محكمة غرب الامانة طالبا التنفيذ لا أكثر.. صدرت الكثير من الاوامر خلال عامي 2009-2010، ووجه قضاة التنفيذ عدداً من المذكرات إلى الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الادوية، ممثلة برئيس مجلس ادارتها ومديرها العام ونائبه، وفي كل تلك المراسلات كانت المحكمة تؤكد على الزام الشركة بتنفيذ قراراتها المتتالية السابقة بشأن تمكين المحاسب القانوني المخول من قبلها للاطلاع على كافة البيانات والمستندات والكشوفات التي طلبها والخاصة بالمرتبات والمكافآت والاكراميات للوظيفة التي كان يشغلها طالب التنفيذ في الشركة، حتى يتسنى له احتساب المستحقات القانونية لطالب التنفيذ وفقا للحكم سند التنفيذ، علماً بأنها كانت قد كلفت محاسباً قانونياً باحتساب مستحقات الاغبري في 19/7/2008 .
كذا لم تغفل المحكمة الوعيد بالشروع – فعلياً – في اتخاذ الاجراءات القانونية تجاه كل من يعرقل الاوامر والقرارات والاحكام ضد الدولة وفقا للمادة 489 مرافعات وتنفيذ مدني. وبناء على ذلك توجه بصيغة الأمر مسؤولي الشركة بسرعة العمل على تنفيذ قرار المحكمة المذكور.. وفي رد على مذكرة المحكمة بتاريخ 23 /12/2009، والتي تضمنت ذات التوجيهات السابقة، وقع على استلام هذا الخطاب محمد الكحلاني وكتب تعليقا على المذكرة إن "تنفيذ المنفذ مستحيل، ونحن مستأنفون قرار المحكمة في هذه الجلسة".
المحكمة كانت قد وجهت البنك اليمني للانشاء والتعمير في 17/6/2009، بحجز مبلغ مليون ريال من حساب شركة الادوية وتوريده الى خزينة المحكمة، وهو ما تم بالفعل، غير ان شيئا لم يتم على صعيد تمكين طلال الاغبري من حقه حتى اللحظة، حتى اخر محطة في قضيته التي بدأنا بها عرضنا هذا.. صدور امر القبض القهري على مدير عام الشركة اليمنية لتجارة وصناعة الادوية محمد عبدالله الغيلي..
لا تبدو القضية الان متعلقة بالاغبري والشركة اليمنية للادوية المملوكة للحكومة عبر المؤسسة الاقتصادية، بقدر ما هي متعلقة باستهتار طرف في الدولة في تنفيذ احكام القضاء، وبقدر معاناة الاغبري في نضاله لاستعادة حقه... يبدو اكثر معاناة منه القضاء الذي يقف عاجزا عن فرض سلطته الدستورية على ما دونه، واستعادة حقه المسلوب في الانصاف ورد الاعتبار الذي يبدو هو ذاته في أمس الحاجة إليهما..
saminsw@hotmail.com

الأحد، 23 مايو 2010

في ذكراها الـ 20
الوحدة اليمنية ليست بخير... أزمات اليمن تتجه نحو الأسوأ


تقرير خاص بالمدونة: اعداد سامي نعمان*


توطئة:
احتفلت الجمهورية اليمنية أمس السبت بمرور عشرين عاماً على تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، يوم انضوت جمهوريتان يمنيتان متباينتان في الرؤى والايديولوجيا والسياسة والثقافة، تحت علم واحد هو علم الجمهورية اليمنية التي ضمت الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وكان يترأسها علي عبدالله صالح، وهي الاكثر سكاناً والاقل مساحة، وايضا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحت قيادة الحزب الاشتراكي اليمني بزعامة علي سالم البيض، وهي الاقل سكانا والاكثر مساحة..
كانت الوحدة اندماجية كاملة وتمت بمشاعر عاطفية دون دراسة كافية، وفي إطار سعي الدولتين للدخول في صيغة حكم جديدة تنقذهما معاً من الانهيار والحروب الأهلية والانقلابات، فكانت الجمهورية اليمنية التي لم تصمد ارادة محققيها كثيرا حتى بدؤوا يتنازعون زمام الحكم ويكيد كل طرف للاخر، وبعد ان دخلت البلاد في ازمة سياسية وامنية خانقة بعد الانتخابات النيابية عام 93 التي انتهت بتغيير خارطة المشهد السياسي اليمني بحصول حزب الرئيس علي عبدالله صالح (المؤتمر الشعبي العام) على اكثر من نصف المقاعد، وجاء ثانيا حليفه حزب التجمع اليمني للاصلاح(الاخوان) فيما جاء ثالثا الحزب الاشتراكي شريك الوحدة، وكانت النتيجة طبيعية ، فحزب الرئيس حصد الاغلبية من المحافظات الشمالية التي تشكل اكثر من 70% من المقاعد، ومبدئيا تقاسمت الاحزاب الثلاثة السلطة بالتوافق كما يحدث في لبنان فالرئاسة لحزب الرئيس، ورئاسة الحكومة للحزب الاشتراكي والبرلمان لحزب الاصلاح، غير ان هذا التوافق لم يكن مقنعاً للجميع، فدخلا البلاد في ازمة سياسية وقطيعة تامة بين قيادات الشطرين السابقين لتنتهي الازمات المتفاقمة باندلاع حرب صيف 94 التي انتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي وسيطرة علي عبدالله صالح وحلفاؤه على الحكم.
13 عاما من التفرد بالحكم:
بعد انتهاء الحرب دخل حزب الرئيس (المؤتمر الشعبي العام) مع الاخوان المسلمين (حزب التجمع اليمني للاصلاح بقيادة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رئيس مجلس النواب) في الحكومة حتى انتخابات 1997، التي قاطعها الحزب الاشتراكي اليمني، حيث انفرد حزب المؤتمر الشعبي العام بالحكومة واقصى شركاءه الاسلاميين، ومن يومها وازمات البلاد وحالات الفوضى والتمرد تزداد في البلاد، فيما يتجه مؤشر الاقتصاد مطرداً نحو الهاوية، وبوصف اكثر دقة فإن التفرد لم يكن بالحكومة، بل كان تفرداً في السلطة، فمنذ انتهاء حرب 94، كثف الرئيس من مساعيه للاستحواذ على كافة السلطات، وتعزيز نفوذه، وجعل من الحكومة مجرد ديكور لإكمال شكل الدولة، بيد ان كل صغيرة وكبيرة في البلاد تدار من دار الرئاسة وما الحكومة إلا اشبه بسكرتارية تنفيذية في أحسن الاحوال.
ورغم ان اليمن تشهد انتخابات نيابية وسلطة محلية ورئاسية في دورات شبه منتظمة إلى أنه وطيلة 13 عام لم تفضي تلك الانتخابات سوى إلى مزيد من التفرد بالسلطة، ورغم ان المعارضة وخصوصا الحزب الاشتراكي وحزب الاصلاح تكتلت منذ عام 2001 في كيان واحد لمواجهة الحزب الحاكم ، وعودة الحزب الاشتراكي اليمني إلى ضمار الحياة السياسية إلا أن حظوظ الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية عام 2001 والنيابية عام 2003 كانت تتجه نحو اقصاء شركاء الحياة السياسية باسم الديمقراطية، ففي كل انتخابات تتضاءل حصة المعارضة في البرلمان وفي المجالس المحلية، وتزداد حصة الحزب الحاكم في مفارقة عجيبة يتقدم الحزب الحاكم رغم ما احدثه في حياة الناس من تدهور في اوضاعهم المعيشية والاقتصادية، وغياب الخدمات الاساسية وتفشي الفقر والبطالة، لكن الامر يكون واضحاً حين يفهم ان ما يتطور في اليمن هو آليات الفساد والتزوير والاستحواذ والاقصاء، فهناك مراكز نفوذ وبؤر سلطة قادرة على رسم المشهد السياسي في البلاد حسب ما يخطط له في قصر الرئاسة.
بعد التفرد مغازلة الشراكة:
عشية الاحتفال بالذكرى العشرين للوحدة اليمنية الذي اقيم هذا العام في مدينة تعز وسط البلاد، ألقى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح خطابا دعا فيه أطياف العمل السياسي واليمنيين في الداخل والخارج إلى إجراء حوار وطني، عارضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية على ضوء نتائج ذلك الحوار، واشترط الرئيس أن يكون الحوار الذي وصفه بالوطني والمسئول تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل مرتكزاً على اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب من أجل بناء دولة النظام والقانون، والإبتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية.
الرئيس أوضح انه وبناء على نتائج ذلك الحوار فإنه يمكن تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة (يقصد الحزب الاشتراكي اليمني) وشركاء الدفاع عنها (حزب التجمع اليمني للاصلاح)، وكذلك التحضير لإجراء انتخابات نيابية في موعدها المحدد في ظل الشرعية الدستورية والتعددية السياسية، وذلك حرصاً منه على طي صفحة الماضي وإزالة آثار ما أفرزته أزمة عام 1993م وحرب صيف عام 1994م.
كما وجه بإطلاق سراح المحتجزين على ذمة حرب صعدة ومن سماهم "الخارجين عن القانون في بعض مديريات الجنوب"، معبرا عن امله أن يستفيدوا من هذا العفو وأن يكونوا مواطنين صالحين.
هذه الدعوة قوبلت بترحاب حذر من قبل الحوثيين وأحزاب المعارضة اليمنية الرئيسية المنضوية في تكتل اللقاء المشترك (يضم ستة احزاب ابرزها الحزب الاشتراكي وحزب الاصلاح والناصريين)، بعد ان كانت قد وصلت الى قطيعة شبه تامة مع الحزب الحاكم والحكومة بسبب رفض السلطة بالافراج عن المعتقلين، وتهيئة الاجواء المناسبة للحوار، وقد رحبت المعارضة باطلاق سراح المعتقلين بلا استثناء، مؤكدة ترحيبها باستئناف الحوار الوطني الشامل بين كافة فرقاء الأحزاب السياسية باعتباره الطريق الأمثل الذي تم اختياره كاستجابة للحاجة الوطنية الملحة في هذه اللحظة التاريخية التي تعقدت فيها أوضاع البلاد وبات من الضرورة استئناف الحوار على وجه السرعة.
هذا الحوار الذي يتفق الجميع على ضرورته لكنه يبقى حواراًُ ممتنعاً منذ سنوات، فهو حوار يفضي إلى لا شيء، بل صار معقداً إلى درجة اصبح فيها مجرد الاتفاق على استئناف الحوار يحتاج إلى حوار والى وسيط داخلي وخارجي، فالحوار قد توقف منذ اتفاق فبراير 2009، بعد أن تعقدت الازمة السياسية بين احزاب المعارضة والحزب الحاكم، مع قرب الاستحقاق الانتخابي لمجلس النواب الذي كان مقرراً في ابريل 2009، وكان الحزب الحاكم قد مضى في اجراءات التحضير للانتخابات منفرداً رافضا قبول مطالب المعارضة حينها والتي كانت شبيهة بمطالبها في الفترة الاخيرة كاطلاق المعتقلين وتهيئة الاجواء واعتماد نظام القائمة النسبية، ويبدو ان الرئيس اليمني حينها تخوف من ان تفتقد السلطة للشرعية حال خاضت انتخابات في ظل مقاطعة المعارضة الرئيسية، وهو ما جعله يقترح اجراء تعديل دستوري يفضي إلى تأجيل الانتخابات النيابية لعامين، يتم خلالها اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وانتخابية واعتماد نظام القائمة النسبية، رغم أنه كان في السابق يرى ان تأجيل الانتخابات يعني ان البلاد غير مستقرة.
في 23 فبراير 2009 وقعت الاحزاب على الاتفاق، ومن يومها لم تتفق على الاجتماع، وكونت المعارضة لجنة حوار وطني، ضمت اليها احزاباً اخرى ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية واجتماعية وقبلية ومدنية، وطرحت رؤية لانقاذ البلاد والتعامل مع ازماتها، وحملت الرئيس شخصيا مسئولية كل الازمات بسبب التفر د بالسلطة، ولم تحمل الحكومة أي مسئولية باعتبارها حكومة لا تحكم.
المعارضة، لم ترحب بالدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، بل ارجعت الامر إلى نتائج الحوار، ومن المرجح أن المعارضة ترى أن الرئيس يسعى إلى جر الاحزاب إلى الحكومة ليكونوا شركاء في تقاسم المسؤولية وبالتالي تغيب عن الساحة المعارضة الفعلية، بمعنى انه يسعى لطرح رؤيته لحل الازمات على طريقته الخاصة التي تعالج المعضلات بطريقة سطحية، لا تمس مصالحه بالمطلق، ولا يفقد معها اياً من صلاحياته، وسلطاته المطلقة، فلا فرق بين حكومة جميع وزراءها من الحزب الحاكم او مشكلة من جميع الاحزاب طالما أن الرئيس هو الرئيس وسياسته في الحكم لم تتغير.
ومن الصعوبة بمكان على المعارضة ان تقبل بالشراكة في حكومة الوحدة الوطنية، فالمعارضة لا ترى المشكلة في الحكومة، بل ترى الشراكة السياسية في السلطة والثروة وتحديداً في منصب الرئيس وتقترح النظام البرلماني الذي يحد من صلاحيات الرئيس، وهي لا تنافس بالمطلق على الحقائب الوزارية في ظل حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وتوجه له انتقادات لاذعة باعتباره المسيطر على كل مفاصل الدولة، ومن أضعف دولة المؤسسات لصالح تقوية نفوذه الشخصي والاسري واسهم في زراعة مراكز قوى على حساب مؤسسات الدولة... هناك صراع لمراكز القوى في اليمن على تقاسم السلطة والثروة وبالتالي لا يمكن ان يكتب لأي مبادرة النجاح في ظل دولة لا تحكمها المؤسسات، ويغيب عنها ادنى مقومات الدولة الحديثة، ولا يوجد فيها قضاء مستقل، وهناك سيطرة تامة على الجيش والامن والاعلام والموارد من قبل النخبة الحاكمة.
ومع تباين الاراء، فهناك من يرى ان دعوة الرئيس للمرة الاولى للشراكة في حكومة وحدة وظنية، مقدمة يثبت بها حسن نوايا تمهيداً لدخول الانتخابات النيابية المقررة بعد اقل من عام منفرداً، دون مشاركة المعارضة، خصوصاً أنه يرى في نجاح النموذج السوداني في ظل مقاطعة المعارضة، وقبول المجتمع الدولي بنتائج الانتخابات، مؤشراً على ان المجتمع الدولي لن يرفض نتائج انتخابات اليمن حتى اذا لم تشارك فيها المعارضة، فيما ينبري هدف أخر للرئيس على المدى المتوسط، وهو ان يتم قبول التعديلات الدستورية المقترحة من الرئيس والتي تهدف من حيث الاساس الى تمديد ولاية الرئيس او تأمين توريث السلطة لنجله..
وخلاصة القول فإن الحوار في اليمن قد فقد قيمته من فقدان الثقة بين اطراف العمل السياسي، وحتى اذا كان هناك حوار جاد بين الجانبين وتوصلوا الى اتفاق يحظى بقبول الاطراف المختلفة فإنه لا توجد ضمانات لتطبيقه، وهو ما جعل المعارضة تطالب بضمانات واشراف دولي على الحوار، وتطبيق الاتفاقات.
القضية الجنوبية:
تبرز القضية الجنوبية في الوقت الراهن كأحد ابرز القضايا التي تؤرق اليمنيين والمجتمع الدولي، وخاصة دول الجوار، فالنزعات الانفصالية قد تنامت بشكل كبير خلال السنوات الاربع الماضية، وتشكلت حركة احتجاجات شعبية قوية تنادي بالانفصال، في ظل عجز النظام عن تقديم الحلول للمظالم التي أججت مشاعر الجنوبيين، الذين اقصوا من السلطة بعد حرب صيف 94، واحيل غالبية العسكريين والمدنيين إلى التقاعد، ولا يشاركون في صنع القرار، فضلا عن استيلاء النافذين على الاراضي العامة والخاصة، وعدم وجود عدالة في توزيع السلطة والثروة، واجمالا غياب المواطنة المتساوية.
وبدأ الحراك الجنوبي مطلع العام 2007، كحركة مطلبية قادتها جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين، للمطالبة بتسوية اوضاعهم، غير انه وفي ظل عجز النظام عن انتاج الحلول والنظرة السطحية المتعالية للمشاكل والمطالب، فقد تطورت تلك الحركات المطلبية لتنادي بمطالب سياسية وتدرجت حد المطالبة بالانفصال.
وشهدت المحافظات الجنوبية خلال الاعوام الماضية مواجهات عسكرية بين قوات الامن والمحتجين، وسقط عشرات القتلى والجرحى، وزج بالمئات في المعتقلات، وشهدت المحافظات الجنوبية حالة طوارئ غير معلنة، وبدأ النظام يفقد كثيراً من اتباعه الجنوبيين وتأججت مشاعر الجنوبيين ضد الشماليين بشكل عام، وشهدت العديد من المدن الجنوبية اعتداءات قتل للعاملين فيها من المناطق الشمالية كما يتم احراق المحلات التجارية الخاصة بهم، ومضايقتهم في اعمالهم، العامة والخاصة.
والعام الماضي وصلت حركة الاحتجاجات اوجها منذ خروج نائب الرئيس السابق علي سالم البيض بعد غياب دام 15 عاماً لينادي بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، ومعه زادت حركة الاحتجاجات التي اصبحت تطالب بالانفصال، ورغم ذلك تظهر تلك الحركة كحركة غير منظمة تفتقر للقيادة التي تتحد في مطالبها ، فقد برزت العديد من القيادات التي تتحدث باسم الجنوب، ولكل فريق منهجه ورؤيته المتباينة، التي تتراوح بين الانفصال، والفدرالية.
ورغم ان الحراك الجنوبي يؤكد على سلوكه طريق النضال السلمي، فقد برزت فصائل مسلحة تابعة لبعض اجنحة الحراك وقد بدأت بالفعل ممارسة انشطتها المسلحة خصوصاً في لحج والضالع وابين.
الدعوة الرئاسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية لم تقابل بحماس يذكر من قبل الجنوبيين، الذين استمروا في احتجاجاتهم وكأن الامر لا يعنيهم، ويبدو ان تلك الدعوة تظهر متناقضة مع الواقع، فالحشود العسكرية والامنية في الجنوب لا تنسجم بالمطلق مع الخطاب المهادن للرئيس، بل تشير ان الاوضاع متأزمة بشكل اكبر.
وتشهد بعض المحافظات الجنوبية هذه الايام تشديدات أمنية قوية تحسباً لأي مظاهرات قد ينظمها الحراك، وقد تصاعدت أعمال العنف المسلح التي تشهدها المحافظات الجنوبية الأسبوع الماضي لتصل حد استهداف المواكب الرسمية والمسؤولين الأمنيين ابرزهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع رشاد العليمي في منطقة الحبيلين بلحج، واستهداف نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية صادق ابورأس.
وفي أول رد فعل لسياسي يمني جنوبي كبير، وصف رئيس الوزراء اليمني الأسبق المهندس حيدر أبو بكر العطاس، خطاب الرئيس علي عبدالله صالح بـ"الطلقة الباهتة" يهدف منه إلى إيجاد نوع من البلبلة في الصف الوطني الذي اتحد في مواجهة الفساد، وليس هدفه تقديم حوار بدليل انه لم يعترف بالقضية الجنوبية، ولم يعترف بأن هناك أزمة في الوحدة وأزمة سياسية وأمنية في الوطن.
وأكد العطاس انه مع الحوار ويرفض الانفصال، وأن فك الارتباط سيكون حل أخير، ودعا الجنوبيين إلى تكثيف وحدتهم ونضالهم، مشدداً على أن يكون هذا النضال سلمياً، لأن السلطة تريد أن تدفع بهم إلى منحى آخر، داعياً إلى اسقاط النظام الذي زرع الفرقة بين اليمنيين.
وهكذا على صعيد القضية الجنوبية لا يبدو ان المغازلات الرئاسية بالشراكة قد هدأت من فورة الاحتجاجات في الشارع الجنوبي الذي ينتظر حلاً جذريا سريعاً يؤثر مباشرة في حياة الناس، ويعيد لهم الثقة المفقودة في جدوى الوحدة.
صعدة: حظوظ السلام في مواجهة طبول الحرب
في فبراير الماضي أعلن عن توقف الحرب في نسختها السادسة بين قوات الجيش والمتمردين الحوثيين، بعد ستة اشهر من المواجهات العنيفة التي لم يكن فيها الجيش في موقع يحسد عليه، وفي هذه النسخة من الحرب اقحمت المملكة العربية السعودية كطرف فيها يواجه الحوثيين الذين تسللوا الى الاراضي السعودية.
ورغم الاتفاق الذي ابرم بين الحوثيين والنظام اليمني بناء على ست نقاط، تقضي بانسحاب الحوثيين من مواقعهم وتسليم الاسلحة، وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية والالتزام بعدم الاعتداء على الاراضي السعودية، إلا أنه وبعد ثلاثة اشهر ونصف لا زالت اللجان المشرفة على تنفيذ الاتفاق عالقة في الاتهامات المتبادلة بين الطرفين والخروقات المستمرة للاتفاق، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان صمود هذا الاتفاق.
وعاد التوتر مجدداً في محافظة صعدة ومنطقة حرف سفيان في شمال اليمن، والمحاذية للحدود مع السعودية بين الجيش والحوثيين، في طل عودة الطرفين إلى التمركز واستحداث الحواجز العسكرية على الطرقات، وتبادل الاتهامات بارتكاب الخروقات، كذا يتهمون السعودية بأنها قصفت بعض مناطقهم ودمرتها بالكامل، ويصر الحوثيون على ان قضيتهم تأخذ بعداً اقليميا باعتبار السعودية طرفاً فيها.
وفي غضون الفترة الاخيرة ابدى الحوثييون مؤشرات سياسية عبر تواصلهم مع احزاب المعارضة وقبولهم بالتحالف معهم وتبني قضيتهم شريطة التخلي عن العنف في مواجهة الدولة، وقد رحب الحوثيون بقرار الرئيس الافراج عن المعتقلين من اتباعهم مؤكدين ان هذه المبادرة ستساهم، اذا ما تحققت، في تثبت السلام وفي اغلاق ملف الحرب بشكل نهائي.
الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار:
الاقتصاد اليمني ليس احسن حالاً في وضعه من بقية الازمات، فالاقتصاد اليمني هش وضعيف، وتأثر كثيراً في غضون السنوات الماضية بفعل الحروب، وغياب الاستقرار، فضلا عن مشاكل اخرى مزمنة ابرزها الفساد المالي والاداري وغياب القضاء المستقل، والاختطافات والاحتجاجات، ونشاط تنظيم القاعدة.
وقد تأثرت اليمن بشكل كبير في العامين الماضيين جراء الازمة المالية العالمية وتراجع اسعار النفط، وتدني الانتاج إلى اكثر من النصف، وعزوف رؤوس الاموال عن الاستثمار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب البنية التحتية.
وتدهورت العملة اليمنية بشكل كبير منذ مطلع العام، وارتفع سعر الدولار بمقدرا 13% مقابل الريال اليمني، فيما تستمر معدلات التضخم في الارتفاع، وسط غياب سياسة نقدية ومالية واضحة.
وتسعى اليمن الى الحصول على المزيد من المساعدات الدولية لتحسين مستوى الاقتصاد، وصرح مسؤولون يمنيون عن حاجة اليمن إلى ما يقارب 48 مليار دولار خلال الخمس السنوات القادمة لتحسين تقدم في الاقتصاد ومحاولة دمج اقتصاد اليمن باقتصاد دول الخليج، وفي ذات الوقت لا تمتلك اليمن الامكانات الفنية اللازمة لاستيعاب اكثر من 5 مليارات دولار تعهدت بها العديد من الدول والصناديق المانحة في مؤتمر لندن عام 2006.
خلاصة: مستقبل اليمن غامض
في ضوء تلك الازمات التي تم الاشارة لها، وازمات اخرى ابرزها النشاط المتنامي لتنظيم القاعدة في اليمن وازمة المياه المرتقبة، فإن مستقبل اليمن محفوف بالمزيد من المخاطر، ولا مؤشرات على حلول جذرية سريعة لمعالجة تلك الازمات.
وليس راجحا أن دعوة الرئيس للشراكة في حكومة وحدة وطنية هذه ستضيف جديداً، خصوصاً أنها مبنية على الحوار الذي اعلن الحزب الحاكم مرات عديدة وفاته، ويدعو له وفقا لمحدداته.
وخلاصة الموضوع فإن الخطاب يبقى فرقعة إعلامية للتشويش على المجتمع الدولي، ودغدغة المشاعر الشعبية، واللعب بالوقت، وارباك المعارضة، مالم يصدقها اجراءات سريعة بحواد جاد ومسؤول والافراج الفوري عن المعتقلين، وانهاء المظاهر العسكرية، والجدية في مكافحة الارهاب وعدم استخدامها كورقة لابتزاز الغرب، وتصفية الحسابات، ومعالجة مظالم الجنوبيين، وحل مشاكل الاراضي في الجنوب والشمال، وتحسين اداء الحكومة ومحاربة الفساد بشكل جدي لا شكلي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية واحترام الحقوق والحريات وتحقيق شراكة حقيقية في السلطة والثروة، وضمان حياد الجيش والامن والاعلام ولجنة الانتخابات ، وتحقيق استقلال القضاء وبناء دولة مؤسسات لا اقطاعيات افراد.
ملاحظة:
* هذا التقرير خاص بمدونة احرار ، ويحظر اعادة نشره او الاقتباس منه دون الرجوع الى الكاتب.

الثلاثاء، 16 فبراير 2010

صعدة.. اتفاقية سلام لا تخلو من ثغرات
كتب سامي نعمان

جريدة النداء
منتصف ليل الخميس الماضي كانت أطراف النسخة السادسة من حرب صعدة، يعلنون انتهاء العمليات العسكرية بناء على شروط حكومية، وليلتها كانت الحرب قد طوت شهرها السادس تماماً، رغم أن التوافق على تلك الشروط كان قد بدر بعد أقل من شهرين على اندلاع جولة الحرب هذه، لكن ذلك لم يحصل.. ربما لأن ما كان ينقص أطراف الصراع هو المزيد من السيطرة على الارض في إطار المساعي لإثبات غرور القوة الذي يتماهى على الأرض.. لا بل كان ينقصهم أكثر: المزيد من الخسائر في الأرواح والعتاد، وأكثر من ذلك المدنيين الذين شردوا وسط ظروف إنسانية بالغة الحرج.. لقد كان أكثر ما ينقصهم حينها هو الشعور بالحاجة لوقفها ربما، فالآثار التي خلفتها وقتئذ لم تكن باعثة على التفكير بخيار السلام.. كان ينقصهم أيضاً لإعلان هذا الخيار حينئذٍ جر طرف إقليمي آخر إلى الصراع ليدركوا جميعا أن الحكومة اليمنية والحوثيين يقاتلون ويجنحون أحياناً لهدنة التقاط الأنفاس. وكما هو خيار الحرب صعبٌ على الجميع، فإن خيار السلام ليس بالأمر السهل في منطقة تتداخل فيها كل العقد القبلية والدينية والعسكرية وحتى الانتهازية.. لا شك أن هذا الطرف الذي طالما اتُّهم بالضلوع في الحروب السابقة، وطالما كانت له مواقف تؤثر إيجاباً في اتخاذ قرار الحرب، وعلى فرص السلام سلباً، قد أدرك الآن أن الحليف اليمني ينتهز فرص السلام أحياناً تحت وطأة خيار "مكرهٌ أخاك لا بطل".
إنها الصورة ذاتها تتكرر، اتفاقيات سلام لا تخلو من ثغرات تبعث على أسباب حرب جديدة، لجان تعمل في ظل واقع مرير وغامض لا يخلو من رغبة شديدة لدى العديد من تجار الحروب والمستفيدين من استعارها، وانتهاكات لا تكاد تتوقف، ولا يمتلك الطرفان من الثقة بالآخر ما يكفي لتبريرها بحسن نية.. دعاة حرب يدعون ليل نهار بفشل فرص السلام، ويرون دخان الحرب أصلح للبلد من غيره، إنهم يرون في حقن الدماء خيانة للشهداء، ويرون في استمرار إراقتها انتصاراً لهم... تصريحات تتحدث عن مرحلة بناء وتنمية قادمة وفقا لرجال السلطة... هذا الكلام سُمع كثيراً، وتلك الشروط تكررت مراراً خصوصاً إثر تدخل الوساطة القطرية لوقف الحرب الرابعة، وإثر التوافق الغامض على وقف الحرب الخامسة في 17 يوليو 2008 بإرادة داخلية صرفة.. وقبلها كانت وقفات لا ترقى الى مستوى يمكن وصفه باستراحة محارب، فقد كانت فترات التقاط الأنفاس لا أكثر في منطقة ألفت الحروب والصراعات العسكرية والفكرية، وتعايشت انسجاماً مع واقع يقول إنها أكثر مناطق الإقليم ازدهاراً في تجارة السلاح.

إرهاصات الاتفاق
منذ ما يزيد عن الأسبوعين كانت طبخة الاتفاق تعتمل بانتظار النضج، وكان اجتماع لندن من أبرز المحفزات للحكومة اليمنية للمضي في خيار إنضاج هذه الطبخة.
تفاعلت خلال الأسبوعين الماضيين، وبشكل متسارع، إرهاصات السلام، بدرت مواقف إيجابية من الطرفين المثقلين بغبار الحرب.. لقد تفهم كل طرف إلى حد ما اشتراطات الآخر، وبدت لهما منطقية، وكان هناك من العوامل الداخلية والخارجية ما يكفي لاتخاذ قرار كهذا، فأزمات البلاد المحدقة تحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات، وبالتأكيد فإن الطرف اليمني الرسمي ليس من يقرر لوحده ما هي أولوية المواجهة في المرحلة القادمة، ولن تتحكم رغباته في تقريرها، فالقضية أكبر من أن تكون شأناً داخلياً في كثير من جوانبها.
في الـ25 من يناير الماضي، أعلن الحوثي انسحابه من الأراضي السعودية، وفي الـ30 من الشهر ذاته بادر بالإعلان عن قبوله بالشروط الحكومية الخمسة، ثم أعلن قبوله بالسادس المضاف مؤخراً من قبل اللجنة الأمنية العليا، والذي يشترط الالتزام بعدم الاعتداء على الشقيقة السعودية.. ليعلن مستشار الرئيس عبدالكريم الإرياني في السادس من فبراير الجاري عن آلية تنفيذية لوقف الحرب وتنفيذ الشروط الستة عبر لجان تراقب تنفيذ تلك الشروط عبر جبهات الحرب الاكثر اشتعالاً، وهي الآلية التي تحفظ عليها الحوثي وأضاف عليها بعض المقترحات التي قوبلت بموافقة حكومية أفضت إلى الإعلان عن وقف الحرب في نهاية شهرها السادس.
ورغم أن الاتفاق لا يبدو مختلفاً عن اتفاقات سابقة في كثير من إرهاصاته، ومؤشراته بعد الاعلان والتوقيت الزمني من حيث الاتهامات المتبادلة والتشكيك والخروقات والتوجس المتبادل، وربما يفتقر لطرف دولي ممول وداعم صريح للإعمال كذاك الذي تكفلت به قطر في الاول من فبراير 2008، إلا أنه يكتسب هذه المرة دعماً دوليا يعزز رصيده في الصمود أكثر، فبعض الدول الغربية قد بادرت إلى مباركة الاتفاق، فضلاً عن أنه يأتي بتنسيق يمني سعودي يزيد ذلك الرصيد حظاً في الاستمرار في خيار السلام.
مباركة دولية
أشارت "النداء" الأسبوع الماضي إلى تحركات دولية تحفز الحكومة اليمنية على بذل جهود أكبر على معالجة المشاكل الداخلية وفي طليعتها قضية صعدة، خصوصاً بعد أن وصلت تلك الدول إلى قناعة شبه مؤكدة بأن إيران ليست ضالعة بصورة مباشرة في الحرب، ولا دليل ملموساً على ما تدعيه اليمن بخصوص التدخل الايراني في شؤونها ومقاتلة الحوثيين بالنيابة عنها في إطار تصفية حسابات إقليمية، فضلاً عن أن الحرب في صعدة تشتت الجهد الدولي المتركز حول اليمن في محور واحد بأبعاده المختلفة: إنه محور القاعدة، وخطرها الذي بات ينبعث من اليمن مهدداً الأمن العالمي. وقد رحبت الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وروسيا والأمم المتحدة بقرار وقف العمليات العسكرية في المنطقة الشمالية الغربية في اليمن.
وعبر مسؤول في الخارجية الأمريكية عن أمل الولايات المتحدة في نجاح الجهود المبذولة لإحلال السلام والأمن وإعادة إعمار المناطق المتضررة والتي من شأنها وضع حلول نهائية لجولات المواجهات المتجددة.
كما رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقرار وقف العمليات العسكرية في المنطقة الشمالية الغربية في اليمن، معرباً عن أمله في أن يصمد قرار وقف إطلاق النار وأن يكون بمثابة الفرصة الحاسمة لوضع حلول نهائية للصراع الدائر في المنطقة الشمالية الغربية في اليمن.
واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو وقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين "أنباء طيبة للغاية عن اليمن بالنسبة للمسؤولين الفرنسيين"، متمنيا أن "يتطور وقف إطلاق النار ليصبح سبيلا إلى التوصل لتسوية دائمة للنزاع"، داعيا في ذات السياق إلى ما سماه بـ"تعبئة جهود جميع الأطراف المعنية لضمان نجاح عملية اجتماع لندن الذي عقد في 27 يناير للتعامل مع المرحلة القادمة".
وكذا رحبت روسيا، مؤكدة مؤقفها الثابت والداعم لجهود الحكومة اليمنية في سبيل تعزيز دعائم الأمن والاستقرار، ومعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية لتحسين مستوى حياة الشعب اليمني.

استمرار الهدنة رغم تجار الحروب
"الحوثيون يخرقون الهدنة" هكذا كان الخبر متداولاً عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية بعد ساعات من بدء سريان وقف إطلاق النار، بعد أنباء عن تعرض وكيل أول وزارة الداخلية اللواء محمد القوسي لمحاولة اغتيال نجا منها وقتل فيها جندي وجرح آخر، وهو الاتهام الذي ساقته مصادر رسمية، ونسبته لعناصر إرهابية حوثية، لكن الحوثي نفاه ونسبه إلى "تجار الحروب".
وأكد الطرفان رصدهما لبعض الخروقات، لكنهم أكدوا أكثر على استمرار الهدنة رغم ذلك، وبرزت تصريحات حصيفة لمسؤولين حكوميين وقياديين في الحزب الحاكم تغلب حسن النوايا في حديثها عن الخروقات التي يُتهم الحوثيون بارتكابها، باعتبار ذلك أمراً طبيعياً يترافق مع أي وقف لإطلاق النار في أي مكان في العالم. ومن جهته أكد الحوثي أن أتباعه رصدوا خروقات متمثلة في استمرار الزحف العسكري في مناطق المنزالة وصعدة، لكنهم فضلوا التغاضي عنها لإفساح المجال أمام السلام.
وأكد مصدر في جماعة الحوثي في خبر نشر في موقع صعدة أون لاين التابع للجماعة أن الحوثي أمر عناصره بالاستعداد لنزع الألغام وفتح الطرقات، كما سمح للجيش اليمني بانتشال الجثث في منطقتي الصحن وآل عقاب وفي محيط مدينة صعدة، وأبدى استعداده لتقديم مبادرات فورية بعد تثبيت وقف إطلاق النار لإثبات حسن النية ومن أجل البدء في تنفيذ النقاط الست.
اللجنة في صعدة
وباشرت اللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ النقاط الست ابتداء من السبت عملها حيث التقت محافظ صعدة طه عبدالله هاجر، الذي أكد استعداد قيادة المحافظة التعاون الكامل مع اللجنة، وتذليل كافة الصعاب أمام عملها، مشددا على ضرورة التزام عناصر التمرد بتنفيذ الشروط الستة دون مراوغة أو مماطلة للوصول إلى الأهداف المنشودة وتحقيق الأمن والاستقرار الكامل.
وأشار رئيس اللجنة علي أبو حليقة إلى أن اللجنة تشكلت من أعضاء في مجلسي النواب والشورى وأعضاء من المعارضة والحزب الحاكم، وأن أولى مهام اللجنة هي الإشراف على فتح طريق صعدة -باقم.
وطبقا لموقع سبتمبر نت التابع للجيش فقد عقدت اللجان الوطنية المكلفة بالإشراف الميداني على وقف العمليات العسكرية وتنفيذ النقاط الست وآلياتها التنفيذية في محاور صعدة وسفيان والملاحيظ والشريط الحدودي، اجتماعاتها المحددة لمناقشة سير عملها، ومعرفة طبيعة المهام والمناطق التي سوف يشرفون فيها على تطبيق تنفيذ النقاط الست.
ويرأس لجنة محور الملاحيظ العميد علي بن علي القيسي عضو مجلس الشورى، ويرأس العميد محمد يحيى الحاوري رئيس لجنة الدفاع والأمن بمجلس النواب، لجنة الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية، ويرأس لجنة محور سفيان علي عبد ربه القاضي عضو مجلس النواب، ويرأس النائب علي أبو حليقة لجنة محور صعدة. وقد التأمت جميع اللجان يوم السبت، ولم ينضم إليها ممثلون عن الحوثيين حتى ساعة كتابة هذا التقرير فجر الأحد، رغم أن الحوثي طالب في آخر رسالة له بانضمام ممثليه وممثلين عن أحزاب اللقاء المشترك، رغم أن الأخيرين انضموا فعلاً لتلك اللجان.
وبحسب مصادر إعلامية فقد باشر الجيش اليمني مساء الجمعة انتشاره على بعض أجزاء الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية، بعد انسحاب الحوثيين منها.
السعودية تنتظر أسراها!
موضوع الأسرى السعوديين بات مفروغاً منه، ويعتبر من أولويات تنفيذ الشروط، ومن أولى القضايا التي تبناها أعضاء اللجان ويتحمسون لها، واحتلت الصدارة في اهتماماتهم، وقد أكدت مصادر رسمية أن وسيطاً خاصاً سيتسلم الأسرى السعوديين في غضون اليومين الأولين لمباشرة اللجان لعملها، وأن طائرة خاصة ستقلهم إلى صنعاء حيث سيتم تسليمهم إلى لجنة عسكرية سعودية هناك.
إلا أن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية السعودية، جدد الإعلان عن الشروط السعودية التي يتم تنفيذها على الارض وفقا للاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين، إذ أعلن وفقا لجريدة الحياة أن السعودية تشترط للتوصل إلى تسوية نهائية للعدوان على أراضيها السيادية المحاذية لليمن أن تحلّ قوات من الجيش اليمني على امتداد الشريط الحدودي لضمان عدم عودة المسلحين اليمنيين إلى التسلل. كما تشترط إعادة 5 أسرى سعوديين إليها في غضون مهلة لا تتجاوز 48 ساعة، إضافة الى عدم بقاء أي متسلل في أراضيها، واعتبر اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية والحوثيين "هو شأن داخلي وأن للمملكة مطالب معروفة للجميع".
غير أن القائد العسكري السعودي الأبرز في الحرب العصيبة التي خاضها بأكبر قوة في المنطقة ضد المتسللين، والذي ما يفتأ يشدد على أن عدم بقاء أي متسلل على الاراضي السعودية قد تحقق ليس برغبة من المتسللين "بل بقوة منا"، لم يعلق بأكثر من ذلك، ولم يبين الخطوة التالية في حال تعذر تسليم الاسرى خلال المدة المحددة.

تاريخ من الحروب الفاشلة
على مدى 6 سنوات خاضت الحكومة اليمنية 6 حروب مع الحوثيين في صعدة، واتسعت رقعة تلك المواجهات إلى مناطق أكثر اتساعاً، حيث شملت منطقة حرف سفيان بمحافظة عمران، كما تمددت في الحرب الرابعة إلى منطقة بني حشيش الواقعة على مشارف صنعاء.
- واندلعت الحرب الأولى رسميا في 20 يونيو 2004، بعد سلسلة اعتقالات ومناوشات تمت في محافظة صعدة وفي صنعاء على خلفية ترديد الشعار الشهير للحوثيين في المساجد "الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل"، وقاد الحوثيين فيها حسين بدر الدين الحوثي مؤسس جماعة الشباب المؤمن التي تدرس الفكر الزيدي، إضافة إلى الشيخ عبدالله الرزامي، وهما عضوان سابقان في مجلس النواب عن حزب الحق الزيدي، قبل أن ينشقا عنه وينظما للمؤتمر الشعبي العام الحاكم، حيث حظيا بدعم ورعاية رسميين، وكانت علاقتهما متميزة بالحكومة حتى عام 2003، حيث انتخب يحيى الحوثي في انتخابات أبريل 2003 نائبا عن الحزب الحاكم أيضا، غير أن العلاقة فقدت التوازن بعد دخول القوات الامريكية إلى العراق حين بدأ حسين الحوثي بتبني الشعار، وظهر كرجل دين يحظى بأتباع أصوليين تابعين أثار قلق السلطات، فشنت عليه الحرب التي انتهت بإعلان مقتله في 10 سبتمبر 2004.
- بعدها استدعى الرئيس علي عبدالله صالح العلامة بدر الدين الحوثي (86 عاماًً) إلى صنعاء واستضافه هناك في إطار المساعي لإزالة آثار الحرب، غير أن الحوثي الأب اتهم الرئيس والحكومة بعد أشهر في حوار مع صحيفة الوسط الأسبوعية، بعدم الوفاء بالالتزامات التي قطعتها، وعدم الإفراج عن الشباب المعتقلين على ذمة تلك الأحداث، كما كان موقفه غامضاً في المقابلة حيال شرعية النظام الحالي، وهو ما استدعى عودته إلى صعدة في مارس 2005، حيث حظي باستقبال مهيب، لتندلع الحرب الثانية بقيادته بمعية عبدالله الرزامي في 19 مارس 2005، وانفضت في 12 أبريل 2005، وتحدثت وسائل الاعلام العسكرية والرسمية عن مقتله في تلك الحرب، رغم أنها عادت في الحرب السادسة لتضع اسمه على رأس قائمة المطلوبين للأجهزة الامنية والنيابة العامة.
- بدأت الحرب الثالثة في 12 يوليو 2005 حيث بزغ نجم عبدالملك الحوثي فيها كقائد ميداني للجماعة، ولم يعلم أن لهم قائداً آخر غيره، عدا قيادة عبدالله الرزامي في محور الجوف، والذي خفت نجمه حياً بعد أن كان اسمه مقترنا بحسين الحوثي، وتضاءلت أحلامه عند مستوى العثور على حسين الحوثي حياً أو ميتاً، وقد انتهت تلك الحرب بهدوء في 28 فبراير 2006، في إطار تهيئة مناخات آمنة للانتخابات الرئاسية التي جرت في 20 سبتمبر 2006، وسبقتها دعوة الرئيس علي عبدالله صالح لعبدالملك الحوثي بالنزول من المواقع وتشكيل حزب سياسي، علماً أن الرئيس صالح قد دشن حملاته الانتخابية من مدينة صعدة حينها.
- وما كادت تنفض الانتخابات الرئاسية التي تلاها مؤتمر لندن للمانحين أواخر نوفمبر 2006، حتى كانت أجراس الحرب الرابعة تقرع لتندلع الحرب في 27 يناير 2007، واتسعت هذه المرة إلى نطاق جغرافي أوسع حيث شملت منطقة حرف سفيان بمحافظة عمران كما امتدت إلى منطقة بني حشيش على مشارف صنعاء، لكن دولة قطر بدأت تدخل على خط الوساطة بموافقة من الطرفين، مقدمة تعهدات بتقديم دعم مالي كافٍ لإعادة الإعمار، وأرسلت وفوداً إلى صنعاء التي زارها وزير الخارجية القطري قرابة 4 مرات، كما زارها في نوفمبر 2007 أمير قطر، ورغم الجهود القطرية حينها إلا أن الحرب الرابعة استمرت بصورة مناوشات متقطعة لا تكاد تذكر، لتتوقف الحرب الرابعة تماما في الاول من فبراير 2008 بإعلان اتفاق الدوحة الذي وقعه عن جانب الحكومة كل من عبدالكريم الإرياني واللواء علي محسن الأحمر، وعن جانب الحوثيين الشيخ صالح هبرة، ويحيى الحوثي، وأرسلت قطر لجنة للإشراف على تنفيذ اتفاق الدوحة، كما شكلت لجنة برلمانية بقيادة رؤساء كتل الأحزاب الممثلة في المجلس للإشراف على تنفيذ الاتفاق، إلا أن غياب الثقة بين الطرفين إضافة إلى ضغوط إقليمية، عززت من فرص فشل الوساطة.
- وفي منتصف مايو 2008 كانت بداية الحرب الخامسة في صعدة وحرف سفيان وسط انتقادات رسمية حادة للوساطة القطرية التي قال الرئيس عنها حينها إنها شجعت الحوثيين على الظهور كند للدولة، لكن تلك الحرب انتهت في 17 يوليو 2008، بإعلان مفاجئ للرئيس علي عبدالله صالح عن وقفها في الذكرى الـ30 لتوليه الحكم في اليمن منذ 1978، وأعلن حينها أن المرحلة مرحلة بناء وتنمية وأن الحرب قد انتهت إلى غير رجعة.
- ما لبثت إرادة إيقاف الحرب الخامسة أن خفتت، لتنطلق الحرب السادسة والأخيرة، حتى اللحظة، في 11 أغسطس 2009، وكانت أعنف الحروب على الإطلاق، وشهدت توسعاً غير مسبوق للحوثيين الذين استولوا على معظم أجزاء محافظة صعدة، وتوسعوا غرباً باتجاه البحر الأحمر الذي كادوا يصلون مشارفه، كما استولوا على 3 مديريات كاملة في الجوف، فضلاً عن سيطرة شبه تامة على مديرية حرف سفيان، ووصلت الحرب أكثر مراحلها حرجاً وخطورة بامتدادها إلى أراضي المملكة العربية السعودية في 3 نوفمبر 2009، لتدخل المملكة طرفاً فيها عندما استولى الحوثيون على أجزاء شاسعة من أراضيها بعد أن سمحت المملكة للجيش اليمني باستخدام أراضيها لمهاجمة الحوثيين حسب ادعائهم، وقد أعلن الحوثي الانسحاب من الأراضي السعودية في 25 يناير 2010، وانسحب من العديد من القرى والمواقع السعودية، وأفضت الوساطات والضغوط الأجنبية على اليمن إلى إعلان وقف إطلاق النار منتصف ليل 11 فبراير الجاري.