الجمعة، 27 مارس 2009

• مقتل الشوافي يدخل صراع مراكز القوى في تعز مرحلة دموية

سامي نعمان

لقي مدير مديرية خدير بمحافظة تعز أحمد منصور الشوافي مصرعه صباح الاثنين مباشرة اثناء تعرضه لاطلاق نار كثيف من قبل مسلحين يتبعون النائب البرلماني أحمد عباس البرطي، وذلك اثناء دخوله المجمع الحكومي بدمنة خدير، مركز المديرية، وأصيب في تبادل اطلاق النار اربعة من مرافقي الشوافي، احدهم بإصابة بليغة، في المقابل اعتقلت السلطات الامنية بمديرية تعز النائب البرطي و16 شخصاً من اتباعه، وتجري ملاحقة اخرين وباشرت التحقيق معهم...
وتشهد دمنة خدير حالة من الانتشار الامني الكثيف، بعد أن عززت ادارة امن المحافظة المنطقة بـ 12 طقما عسكريا وعشرات الافراد من المنتمين للامن المركزي والامن العام، لاحتواء اي مواجهات محتملة بين الجانبين، في حين اغلقت المحلات التجارية وباتت المدينة التي تعد ملتقى وسوق تجاري يقصده المئات يوميا من مختلف المناطق المحيطة بها.
مديرية خدير، 50 كم جنوب مدينة تعز، وتضم دائرين انتخابيتين، هي إحدى أكثر مديريات محافظة تعز توتراً منذ أعوام بفعل التجاذبات السياسية بين الحزب الحاكم واحزاب المشترك، خصوصا الاصلاح الذي يتمتع بنفوذ قوي في المديرية، غير أن صراعات المصالح وتنازع النفوذ السياسي بين اطراف "مشيخية" منتمية للحزب الحاكم نقلت ساحة الاحتقانات الى مواجهات عصبية وقبلية بين أتباع الشيخ محمد منصور الشوافي، وكيل محافظة تعز، وأحد اكثر المشايخ وقيادات الحزب الحاكم نفوذاً في المنطقة، وبين النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي العام عن الدائرة 40 أحمد عباس البرطي الصاعد نجمه أكثر في المنطقة ابتداء من عام 2003، ومثلت الحادثة باكورة مرحلة جديدة من الصراع المسلح بين الجانبين..
وتعود جذور المواجهة بين جماعتي البرطي والشوافي إلى ما يقارب العام حين بدأ الشيخ محمد منصور الشوافي يبذل مساعِ حثيثة لترشيح أحد المقربين منه عن حزب المؤتمر الشعبي العام في الدائرة 40 خلفاً للبرطي، في إطار محاولاته المستميتة لفرض نفوذه على هذا الجزء من مديرية خدير، بعد أن أحكم السيطرة على الجزء الثاني، الذي ينتمي اليه، الدائرة 41 في مدينة الراهدة، ونجح في احكام قبضته عليها وتوج هيمنته بانتزاع الدائرة الانتخابية التي كانت محسومة لصالح حزب الاصلاح، وتمكن من ايصال ابن عمه، فيصل عبدالله هزاع الشوافي إلى مجلس النواب عام 3003، في مشهد انتخابي تخلله توقف الانتخابات واجبار المقترعين على التصويت العلني واستخدام كل آليات القوة لعكس النتائج، وهو ما شجعه على السيطرة على دائرة اخرى لا يدخل هو واسرته ضمن اطارها، لكن له نفوذا فيها بدأ يتراكم اكثر بعد توليه منصب وكيل محافظة تعز...
رشح الشيخ محمد منصور الشوافي أحد أكثر اتباعه اخلاصا، وهو مدير المركز التعليمي لمديرية خدير، الذي كثيرا ما يعلن اغلاق المدارس متى شاء الشيخ الالتقاء بمدرائها ومدرسيها خصوصا في مواسم الانتخابات، وصاحب السجل السيء في ابعاد المدرسين المستقلين والمعارضين الذين لا يرضخون لتوجيهاته ورغبات الشيخ عن مناطق عملهم إلى مديريات نائية، ولا يستثنى من الامر حتى المدرسات من ناشطات الاحزاب.. إنه مراد محمد صالح، الشهير بمراد الزيلعي... أحد أبناء دائرة البرطي، مرشحاً عن الشيخ الشوافي لخوض الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في ابريل القادم، عن الحزب الحاكم أو بصفة مستقلة، وذلك ما جعل البرطي يستنفر كل قواه استعداداً للمواجهة، التي زاد من حدة الطموح بها اللهث وراء الفوز السهل الذي كان متوقعاً لمرشح المؤتمر ظل اصرار الحزب الحاكم على المضي في الانتخابات وتوجه المعارضة المبدئي - الذي بدا جاداً إلى حد ما - نحو المقاطعة.. ويبدو ان الزيلعي يمثل ذراع الشيخ الشوافي في المنطقة، وشكى مواطنون خلال الاسابيع الماضية تقطعه لشاحنات تحمل معونة القمح الاماراتي واعتدى على سائقيها، وفشلت مساعي المواطنين وبعض الوجاهات في فتح تحقيق حول ذلك.
بدوره استنفر الشوافي كل قواه، مستغلاً منصبه التنفيذي في قيادة المحافظة، إذ استخرج قبل ثلاثة أشهر أمراً عين بموجبه اخاه الشاب أحمد منصور الشوافي مديراً لمديرية خدير، ذلك كان كفيلاً ببسط نفوذ أكبر له على كل المديرية، هو ايضاً أحال إلى المجمع الحكومي بالدمنة حيث كان يفترض ان يعمل اخوه مدير الامن حميد الغزالي الذي انتفض عليه ابناء الراهدة، وأثمرت احتجاجاتهم المتواصلة عن نقله من ادارة امن الراهدة..
غير أن البرطي وأتباعه لم يسلموا بالأمر ، لقد نفذوا اعتصامات متواصلة رافضة للشيخ اللطيف أحمد منصور الذي كان يتحرك معيناً بالنيابة عن أخيه في إطار صراع اثبات الوجود، وفرض السيطرة، استمرت احتجاجاتهم التي لم تكن سلمية خالصة فقد كان التهديد بالمواجهة والمجاميع المسلحة حاضرة جنباً إلى جنب مع صور الرئيس التي يرفعها المتظاهرون..
وبعد ان ايقنت السلطات المحلية بمحافظة تعز أن الامر سيفضي إلى مواجهة مسلحة في ظل فترة احتقانات سياسية قبل الانتخابات، تدور رحاها هذه المرة بين شيوخ ووجاهات الحزب الحاكم، قرر المحافظ تجميد القرار...
اعتبر الشيخ محمد منصور قرار التجميد إهانة له لا يمكن ان يتقبلها، ودخل في خلاف شديد مع المحافظ تبعاً للقرار، ووفقا لمصادر خاصة بالنداء، فقد وصل الخلاف حد تقديم الشوافي استقالته من منصبه كوكيل للمحافظة، مطالباً برد الاعتبار من المحافظ... وقبل المحافظ الاستقالة، ولما يبت بها مع مستشاريه وأعضاء المجلس المحلي للمحافظة...
تدخل وزاراء وقيادات عليا في الدولة، وبدى مهيئاً الجو بعد تأجيل الانتخابات لعامين وترحيل الخلافات "المشائخية" وانفاذ قرار التعيين... كانت التقديرات تقول أن البرطي لن يعترض على عودة الشوافي طالما أن دورته البرلمانية ستمتد لعامين.. وفي حين يذكر البعض ان البرطي وافق على ذلك، غير أن مقربين منه نفوا موافقتهم على قبول احمد منصور الشوافي مديرا للمديرية من حيث المبدأ...
سيق أحمد منصور، الشاب الذي لم يكمل عقده الرابع بعد، الشيخ اللطيف الهادئ الذي يحظى بقدر كبير من التقدير ضداً على اخيه، سيق إلى حتفه بالنيابة عنه، بعد أن قضى سنوات من عمره في مناصب امنية لدى رعية لا يأخذون منصبه بعدائية كما أبناء خدير، قتل في معركة اثبات الوجود في محافظة كانت ولا زالت تفاخر بأنها كانت ولا تزال اكثر محافظات اليمن تحضراً وانفتاحا وتمدنا وبعداً عن الصراعات القبلية، وتفعيلاً حكم القانون وإن كان ذلك بالحد الأدنى وسط استجابة اجتماعية لسلطة الدولة هناك، غير ان حسابات مراكز وقوى النفوذ في المحافظة وتضارب المصالح كفيلة بايقاظ العصبية الجهوية فيها... حاليا ينتظر الشيخ محمد منصور في تعز، ويستقبل المعزين ضيوفاً، وقيل انه لا يعتبر ذلك عزاءً... لم يعرف له موقف حتى اللحظة لكن ما هو متحسب انه لن يترك دم اخيه الذي قتل بالنيابة عنه يذهب هدراً سواء نال مبتغاه من بوابة القضاء أو من نوافذ أخرى... بعدها سيفكر باستقبال العزاء في وفاة أخية كقضاء وقدر...

السبت، 21 مارس 2009

عن مواجهة الطالب وأمن الجامعة...
كلاهما ضحية.. وهيبة الدولة أيضاً


سامي نعمان
منتصف الاسبوع الماضي، قُتل طالب في كلية التجارة على يد أحد الحرس الجامعي، كلاهما وقعا ضحايا العشوائية التي تدار بها البلد والتي اثرت على ثقافة أبنائه، الاول ضحية مباشرة لتهور الامن وغياب الثقافة والوعي، كما والنظرة الدونية التي يتعامل بها بعض المدنيين مع رجال الامن... ربما يكون ضحية ايضا لثقافة الهنجمة القبلية التي ترى ان بإمكانها ان يكون صاحبها استثناء بها على البقية، وأيضا التعبئة المدنية التي تدفع بالطالب الى مربع المواجهة اللامسؤولة مع حارس الامن -الذي يؤدي واجبا يومياً ثقيلاً- باعتباره شخصا غير مرغوب به من قبل اتحادطلاب اليمن، وتبعا لذلك الطلاب الذين لا يروق لبعضهم المشهد الامني، وللبعض الاخر النظام والانضباط، والجندي ضحية ثقافة امنية رديئة تجعله يعتقد ان الاعتداء عليه وهو يؤدي واجبه العسكري، اهانة للبزة التي يلبسها اكثر مما هي اهانة لشخصه كإنسان من لحم ودم، وكلاهما ضحايا ثقافة اجتماعية غائبة لا تاتي في أي من خانات الاهتمام سواء لدى الدولة أو الاحزاب أو لدى اغلب منظمات المجتمع المدني.
كي لا يلتبس الفهم، ينبغي التأكيد على ضرورة محاكمة الجندي على الجريمة التي ارتكبها والتي لا يعد الحديث هنا دفاعاً عنه، شريطة أن تتمتع تلك المحاكمة بكل قيم العدالة والانسانية مع التأكيد على حقه في الدفاع والتضامن وعدم ترهيب اسرته وزملاءه، ولا التأثير على سير المحاكمات بأفواه الكلاشينكوف...
لست هنا بصدد مقارنة قضية مقتل الدكتور القدسي بمقتل الطالب في الجامعة، وغياب ضغط القبيلة عن الاول، وحضورها عند الثاني، أو تبادل مواقع الضحايا في الحادثين، وتأثير ذلك على سير المحاكمات، فكلاهما القدسي والحوتي ضحايا، والقتلة يبقون قتلة مع فارق ان الاول قاتل مع سبق الاصرار والترصد فيما الاخر حدثٌ مفاجئ لم يكن في حسبان اي منهما - القاتل والمقتول رحمهما الله- على ان التعصب القبلي، اذا كان هناك دولة تمنع حضوره بفوهات الكلاشينكوف والاسلحة، وتمنع فيه استنفاد وسائل القوة لاحضار العدالة، فسيكون ضغطاً مشروعاً يقترب من اعتصامات نقابة الاطباء في قضية القدسي، وهو حق للجميع للضغط من أجل احضار عدالة مغيبة عن الجانبين، ربما لا تحضر اذا تم الركون إلى القضاء والامن دون ممارسة ادوات الضغط على اختلافها..
منذ اعوام واتحاد طلاب اليمن ينادي بالغاء عسكرة الجامعة، وفي سبيل ذلك تصدر بيانات سياسية شديدة اللهجة ضد رئاسة الجامعة والامن، يكون لها أثر بالغ في تجييش مشاعر الطلاب ضد الحراس، وكما ان هناك بعضاً من الجنود معبئين ضد الطلاب في ظل التنازعات الحزبية التي تكاد تفسد حتى هواء الجامعة...
صحيح، هناك استياء بالغ من ممارسات بعض رجال الامن ليس في الجامعة وحدها، لكن هناك كثيرون، يدخلون الجامعة مراراً، وأنا منهم ، ونجد رجال أمن كثر يتعاملون في الغالب مع الطلاب والزوار بشكل راقٍ ومهذب، وأيا كانت النظرة المدنية التي ترى في بعض تصرفاتهم أمراً غير لائق، رغم انها قد تكون أوامر هم مجرد ادوات ينفذونها حفاظاً على لقمة عيشهم، في المقابل هناك طلاب "مدنيون" يتعاملون مع الحراسة بدونية لا اخلاقية للغاية لا تليق حتى بقاطع طريق يحترم قليلاً من فطرته...
شخصيا وجدت الرواية القائلة بأن الجندي رفع سلاحه في وجه الطالب لمجرد انه رفض اشهار بطاقته غير منطقية ولا معقولة، والا لكان قد قتل معظم طلاب الجامعة... وهذا ما اكده لي بعض من حرس الجامعة، ان الطالب اخرج صميله وضرب به الحارس.. اعتقد أن في كلامهم نوعاً من المبالغة لاظهار زميلهم في موقع المدافع عن النفس، وعلى أي فإن الامر يبقى في ذمة القضاة والمحققين والشهود الذين ينبغي عليهم أظهار الحقيقة وان ينال الجاني جزاءه بما يقره الشرع والقانون..
الثقافة العسكرية لأولئك تقول ان زميلهم اطلق النار لأن الطالب أهان "البزة" العسكرية باعتبارها اهانة للدولة، مع ان احترام البزة المدنية للطالب أولى بالحساب من اهانة البزة العسكرية لرجل يحمل السلاح، إذا كان ثمن حسبة كتلك ذهاب الروح لكليهما... وللاسف تلك هي الثقافة المكرسة عسكريا وحتى اجتماعيا أن "بزة العسكري اهم من شرفه ودمه ودماء الاخرين"..
عودة الى الاتحاد، الذي إن تمسك بعصبيته "المدنية"، دون ان يأخذ في الحسبان موقف ومهمة الطرف الاخر ومسؤوليته، وعمّم العداء لرجال الأمن من القمة الى القاعدة، فسيكون أسوأ من قبيلة عنجهية تعيش خارج اطار القانون الذي هو جوهر المدينة واساس استقامتها، وذلك بما يملكه من سطوة وتأثير على المدنيين. فمنذ اعوام وقياداته تنادي باستبدال حراسة الجامعة الامنية بحراسة مدنية، ولم يكلف نفسه يوما ان يوضح في إحد بياناته للطلاب ضرورة أن يتعاملوا مع حراسة الجامعة باحترام وتقدير ويحاولوا التغاضي مؤقتاً عن بزتهم الامنية واسلحتهم فقط، ويتعاملوا معهم كمدنيين وكأمر واقع حتى يتم حل الخلافات السياسية بين رضوان مسعود ومن ورائه الاتحاد – ليس كله طبعا مجمع على ذلك بحكم المزاج السياسي المتقاسم بين الاحزاب- و"الفندم" خالد طميم ومن وراءه الداخلية والامن السياسي...
أحياناً تُسمع تأويلات ساذجة لا اعلم مدى صحتها، وهي أنهم يريدون حراسة بزي مدني أو حتى تغيير الزي الامني.. هل يعقل أن البزة فقط هي التي تستفز مشاعر الاتحاد والنخبة من طلاب الجامعة؟..
قبل اشهر امتشق الاتحاد بيانا ادان فيه جندياً اطلق رصاصة تهديد اصابت فناء الجامعة وارتدت الى قدم أحد الطلاب، تبلطج عليه بمعية "شلته" وشرع في الاعتداء عليه بسبب ممارسة الحارس لروتين يومي يفترض فيه كطالب ان يحترمه ويتعامل معه بمدنية حتى اذا تعنت في ممارسة روتينه.. مع ان اطلاق النار يعد أمراً غير مقبول ممن انيط بهم حفظ الامن العام واؤتمنوا على ارواح الناس، لكن الراجح ان اخذا وردا وقع بين الاثنين حتى وقع ما وقع.
الحراسة تؤدي واجبها هناك ومن حقهم ان يحظوا بكل احترام، وكلهم لم يولدوا ببزتهم الامنية المستفزة لنا جميعا، وكثير منهم يتحللون منها ويلزمون مقاعدهم الى جانب اولئك الطلاب على كراسي الكليات، ويعانون اضافة الى ذلك همّ ساعات الخدمة اليومية لحراسة الجامعة، وهي مهمة وطنية ينبغي النظر اليها بإكبار.
وعموما فإن تغيير الحراسة أو البزة هي واجهة للابتزاز السياسي المتبادل في الجامعة بين الاحزاب السياسية التي تتقاسم المناصب والمنافع، وتخلف للشعب الجراح والانين، ونحن اليمنيون نعرف بعضنا جيدا ً، ومما نعرفه أن جامعة صنعاء، وفي مثل ظروف البلاد الحالية وثقافة الطلاب والحرس على السواء، وفي ظل تواجد مراكز القوى وسلطة القبيلة، وانتشار السلاح، لن يكون بإمكان أحد الحفاظ على أمنها سوى ترسانة عسكرية منيعة ومثقفة، على الاقل في الوقت الحالي، حتى نصل إلى حد أدنى من المثالية... نحن ندرك أن اية طلقة في الجامعة أو في اي مكان آخر في الاماكن المدنية تسجل دليلاً على الانفلات الامني للدولة بشكل عام، ويعلم الجميع بمن فيهم رضوان مسعود رئيس الاتحاد أنه لن يكون بإمكان أي حراسة مدنية الحفاظ على أمن الجامعة مهما بلغت قوتها، في بلد لا زالت فيه ثقافة الثأر والقتل مثل القاء التحية، وقد وقعت عدد من تلك الحوادث في الجامعة...
على الاتحاد ان لا يحول نشاطه المدني الى عصبية مقيتة يكون ضحاياها أفراداً يشعرون أنهم يؤدون مهمة وطنية خالصة، ويدفعون ثمن غياب توافق الزعامات السياسية، وعلى جامعة صنعاء ان لا تأخذ الامر كمسألة كرامة تنتزع هيبة الادارة لحساب الطلاب، وأن تعلي من شأن الطالب، وان لا تتعامل معه كمتمرد دائم الانفلات على التنظيم السياسي وعليه ان يدفع الثمن، عليهما ان يصلا الى كلمة سواء يتفقان معها ان الجندي ليس الشيطان والطالب ليس احد الملائكة...
وتبعاً لذلك فإن المطالب برفع الحراسة الامنية من الجامعة ليست مطالب عقلانية في الوقت الحالي وفي مجتمع غير مدني، والاجدر لمن يفكر بحفظ الامن العام للطلاب وتوفير الظروف الملائمة لتعليمهم ترشيد العمل المدني في بلد استثنائي وفي وضع غير مثالي، وأن يتبنى المطالبة بتهذيب سلوك "بعض" الجنود، وأن تمنحهم الجامعة بعض الامتيازات سواء للمنتظمين بالدراسة منهم، أو القانطين منها، أو على صعيد تحسين معيشتهم، وان تتعاون الجهات الرسمية مع منظمات المجتمع المدني على عمل دورات تدريبية وتثقيفية لهم بما ينعكس أثرها على طريقة تعاملهم مع الطالب والزائر، بما يقلل من نسبة الاحتكاك مع الطلبة، على أن يتحمل الاتحاد مسؤوليته في توعية "بعض" الطلاب بقداسة المهمة التي يؤديها اولئك الافراد، وأن يتعاملوا معهم كمواطنين يمنيين قبل ان يتعاملوا معهم كحراس بحكم افتراضي مسبق بالمواجهة والعداء..
إن المطلوب هو خلق أجواء تقارب ايجابي لا يتعصب فيها الطالب مع زميل منفلت ضد الجندي الذي يؤدي مهامه، ولا يتعنت فيها الجندي طالبا ويحرمه مثلا من دخول الجامعة لمجرد فقدان او نسيان بطاقته، ومعها ستكون المصادمات بين طالب ورجل امن مجرد عرض استثنائي وسوء تفاهم، يحل بحسن التفاهم وجميل تقدير الاخر..
نقطة أخيرة:
في خضم الحوادث الارهابية المتفرقة والاجراءات الامنية المشددة، والحملة "الناجحة" لمنع السلاح في العاصمة والتي تكاد تدخل عامها الثالث، تجمهر عشرات المسلحون من أهالي القتيل حول جامعة صنعاء، بعضهم بُعث بسلاحه من العاصمة ومعظمهم اجتازوا كل الجدران الامنية العازلة وطوقوا على جامعة طميم في قلب العاصمة..
يجب ان نفتش في الانقاض عن بقايا هيبة للدولة، يبدو أنها استنفدت مقدورها على المدنيين العُزّل..
saminsw@gmail.com

نشر هذا المقال في جريدة الشارع الصادرة بتاريخ 21 مارس 2009

صدور العفو رقم 3 عن صحفي "صالح"
الرئيس...ساعة عصيبة في "فرزة" الصحفيين

سامي نعمان*
ربما هي المرة الأولى التي يقع فيها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي يقترب
من إنهاء عقده الثالث في الحكم، في موقف كهذا.. يستمع لخطاب ناقد لسياسات نظامه وأجهزته الأمنية ويحظى بتأييد غالبية الحاضرين، ثم يخوض جدلاً شديداً مع جمهور لا يحسن الاصغاء، ولا "بريستيج" النقاش الجماعي مع رئيس دولة وفي حضرة وسائل الاعلام التي توثق صوتاً وصورة... ذلك حدث السبت الماضي في الحفل الافتتاحي لمؤتمر نقابة الصحفيين اليمنيين، حين بُدئ الحفل كعادته كلمات تزجي المديح الرسمي المطعم بأحاديث الانجازات والرفاه والقيادة الحكيمة ساقها مسؤولون رسميون أبرزهم نقيب الصحفيين اليمنيين (رئيس وكالة الأنباء الرسمية سبأ) نصر طه مصطفى، والامين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، ووزير الاعلام حسن اللوزي، غير ان ما لم يكن مألوفا هو تلك الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين جيم بوملحة..
قطعاً لم يكن ذلك توازناً، لقد بدا واضحا توتر الرئيس وهو ينصت جيداً لكلمة بوملحة التي كانت اشبه بمرافعة أمام المحكمة، و نادى بالماء مرتين وهو يتحدث، وتوقف عن الحديث عدة مرات والصحفيون يقاطعونه معقبين على بعض ما كان يتحدث عنه من معلومات حول فتح بابه وأبواب وزاراته للصحافة للتأكد من صحة المعلومات وللنقاش.. تبعاً لذلك اتخذ عددا من القرارات الايجابية من المنصة، يامل الصحفيون ان لا تظل طريقها كمثيلات لها أعلنت سلفاً ولم يكن لها أثر على الواقع.
تحدث نقيب الصحفيين اليمنيين، وتبعه الأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب، وحتى هنا كانت الامور تسير برسمية يمنية وعربية ربما افضل مما يرغب الرئيس: إشادات وأمنيات لا أكثر.
بعدها كانت الزلزلة.. لقد نودي برئيس الفدرالية الدولية للصحفيين متحدثا، وهذا الرجل يملك من الاستقلالية ما يجعله متخففاً من أعباء عبارات التزلف و"البروباجندا" الرسمية المنتقاة ألفاظها بعناية.. وبالنسبة له فهو فلم "موسم القنص" ضد الصحفيين حول العالم، الذي يستخدم كلمات قاسية من أجل ما يعانيه الصحفيون في خطاباته التي يلقيها في مختلف دول العالم للحديث عما يعانيه الصحفيون.. وأكد هنا في اليمن: وسأستمر في استعمالها....
صمت الحاضرون للمتحدث بالعربية بشكل ضعيف اعتذر عنه في بداية كلمته، وكانوا يقاطعونه بين الحين والآخر بتصفيق حار لم يكن يقطعه عن الحديث كعادة المتحدثين العرب عندما يُصفق لهم... كان التصفيق تلقائيا خالياً من النفاق المعتاد، مع كل عبارة شديدة اللهجة وجهها للنظام اليمني ولا شك انها وصلت سمع الرجل الاول فيه، وهو يعتبر ان تصفيق الأغلبية الحاضرة بمثابة تصويت ايجابي لصالح على كلام الرجل الذي نقل رسالته باسم 150 منظمة دولية يمثلها الاتحاد و 600 الف صحفي حول العالم: أنها دائما رسالة احتجاج واستنكار مدوية وواضحة الى السلطات اليمنية، لن نقبل باضطهاد الصحفيين ولا باعتقالهم أو فرض الرقابة عليهم بأي شكل من الاشكال.
بعد ان عمم الحديث عن تدهور حريات الصحافة منتقداً حتى الديمقراطيات العريقة، كهولندا والدنمارك والمانيا التي شرعت بمراقبة هواتف الصحفيين، مضيفاً : حينما تتصرف ديمقراطيات عريقة بهذا الشكل فإنه من غير المفاجئ أن تلجأ الانظمة التي يتم فيها خرق حقوق الانسان بشكل معتاد، وهذا الامر يجعلها تزيد من قوة الطغيان التي تحكم به بلدانها فيزداد التسلط ترسخاً.. كانت تلك التوطئة بداية الدخول في الحديث الاكثر حساسية هنا..
"نحن عائلة الصحفيين العالميين عائلتكم نشارككم في رعبكم وغضبكم بسبب المعاملة التي يعامل بها زملائنا هنا في اليمن، نحن نعرف ظروفكم والاحكام المسيسة والمجرمة وكذلك الرقابة التي تواجهونها بشكل دائم وقانون الصحافة المتشدد وقيوده الكثيرة حول تغطية اخبار الرئاسة وأمن الدولة والدين"، قال بوملحة في مستهل رسالته الى صناع القرار والصحفيين في اليمن.
رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين ذو الاصول العربية المغاربية، الذي زار اليمن هذه المرة بصفة رسمية كما ترغب السلطات: ضيف شرف على مؤتمر نقابة الصحفيين اليمنيين الذي تأجل للمرة الثالثة بسبب تأخر الدعم الحكومي، كان مؤملاً ان يكون ضيفاً دولياً يعمل بأصله العربي ليمنعه حضور رئيس البلاد من الحديث عن تدهور حريات الصحافة ويوفرها للغرف المغلقة، لكنه خيب كل التوقعات الرسمية وتحدث عن الانتهاكات وقمع الاجهزة الامنية اليمنية للصحفيين والتضييق عليهم، " إنه لمن المحزن وجود حرية الصحافة في اليمن دائماً تحت الظل لعدم وجود ثقافة ديمقراطية أو حرية صحافة متجذرة أو والتي خلقت افضل افضل الظروف من اجل مراقبة نفسها بنفسها وايضا من أجل التوجيه السياسي(...) إننا نقول للسلطات اليمنية إن هذه البلاد لن تسير في طريق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان اذا استمر اضطهاد الصحفيين والاعتداء على حقوقهم".
بوملحة مُنِع في اكتوبر الماضي من زيارة اليمن لتسليم الجائزة الخاصة بصحفيي حقوق الإنسان المعرضين للخطر منظمة العفو الدولية للصحفي عبدالكريم الخيواني في 18 يونيو من العام الماضي، أي بعد ايام من صدور حكم قضائي من محكمة أمن الدولة بسجن الصحفي الخيواني لمدة ست سنوات بتهمة الانتماء لـ"خلية ارهابية"، والإدانة اعتمدت على اسطوانات وصور كان يحوزها في بيته عن حرب صعده، كان الحكم صادما للجميع خصوصاً الخيواني الذي صرح قبيل صدور الحكم لصحيفة رسمية "ليس أمام المحكمة سوى الحكم بالبراءة".. صدر الحكم الابتدائي، واعتقل الخيواني من قاعة المحكمة، وتسلم بوملحه الجائزة، وطلب زيارة اليمن لتسليم الجائزة لصاحبها السجين أملاً في ان يمثل حضوره ضغطاً على السلطات للافراج عن الصحفي الذي لم يقتنع احد في الداخل ولا الخارج بأنه "ارهابي"، غير أن الرد جاءه كالتالي: إذا كانت الزيارة مخصصة لهذا الغرض فلا مرحبا بك، وأهلا وسهلاً بك في زيارة لليمن في أي وقت لكن لغرض آخر غير الخيواني..
أُطلق الخيواني في 25 سبتمبر بعفو رئاسي هو الثاني من نوعه لصحفي أَلِف الزنازن وقبضات وركلات الخاطفين، كما ألف ساحات المحاكم، و ادعاءات أمنية باجادته التمثيل المسرحي.. صدر العفو الاول في 21 مارس 2005، بعد أن قضى سبعة أشهر سجينا وفقا لحكم ابتدائي ايضاً بتهمة اثارة "النعرات" الطائفية والمذهبية والمناطقية، و"إهانة رئيس الجمهورية"، وكلها تهم غابت في حكم عام 2008، والثالث كان في عفوا مشروطاً أمام ازيد من 1200 شاهد..
في يناير تأكد من مصادر اعلامية حضرت المحكمة أن اسم الخيواني ورد في منطوق الحكم الاستئنافي الذي صدر بحق خلية صنعاء الثانية التي يحاكم كأحد افرادها، ست سنوات مؤكدة، تجمع المنظمات المحلية والدولية المعنية بحرية الصحافة انها كانت بدوافع سياسية.. وبقي التنفيذ هذه المرة مرهوناً بتغير المزاج الرسمي منه حسب تعبيره...
ذلك استدعى موجة احتجاجات محلية ودولية جديدة شككت بمصداقية القرار الرئيس بإيقاف العقوبة، والذي تم بموجبه قرار الافراج، وسبق لوزير العدل ان وضح انه قرار ايقاف العقوبة يعني انتهائها كلياً.
خصص رئيس الفدرالية الدولية للصحفيين حيزا لا بأس به من خطابه للحديث عن الصحفي الاكثر حضوراً لدى منظمته والاكثر استهدافاً في اليمن، الصحفي الذي أثقله حمل جائزته في حقيبته لما يقارب ثمانية اشهر، لم يوفق لفرصة يسلم فيها الامانة الى صاحبها...
كان كلامه في هذا الجانب اشد استفزازاً، فقد خاطب الرئيس: كنا نلح على على حكومتكم ان تجعل حرية الصحافة من بين اولوياتها، ولكن حين يتعلق الامر بقضايا كتلك التي حدثت مؤخراً، حيث جاء قرار المحكمة الخاصة بالارهاب ضاربا عرض الحائط بالعفو الرئاسي ووعود وزارة العدل وأجهزة رسمية أخرى بكون القضية قد أغلقت ولا زال الحكم بست سنوات نافذا بحق عبدالكريم الخيواني..
هو لم يكتف بذلك، بل عاد ليؤكد: باسم الـ 150 نقابة المنتمية في الفدرالية الدولية للصحفيين والـ 600 ألف صحفي من أعضائها، أوجه من جديد نداء للسلطات اليمنية لتعمل على احترام قرار الرئيس العفو عن الخيواني، والغاء العقوبة الصادرة بحقه.. هنا ضجت القاعة بالتصفيق الحار الذي كان أكثر ثقلاً على الرئيس الذي بدوره اخرج قلمه وسجل ملاحظة عند هذه النقطة.. استمر بوملحه بالحديث: نحن جميعاً وراء عبدالكريم الخيواني وسندعمه إلى أن يستعيد حريته ويعود لممارستها مهنته دون مضايقات..
وجه بوملحه الرسالة للداخل اليمني وعاد ليتحدث بشكل عام عن مشاكل الصحافة العالمية، ومحاولة اللتفريق وخلق الانقسامات بين الصحفيين العرب وزملائهم في العالم، في محاولة لتحريف الظروف المتغيرة في العالم من أجل الايحاء بأن ايديولوجيات الحرب الباردة لا زالت تحدد العلاقة بين الصحفيين، والفدرالية ترفض تلك الطريقة السطحية والمستهلكة من اجل التفرقة بين الصحفيين.. وهو ما بدا رسالة الى الداخل اكدها بالحديث على ان قوة الصحفيين في وحدتهم، مشيدا بدور النقابة النضالي من اجل العدالة الاجتماعية وعدها من نواح كثيرة نموذجا لذلك النوع من المنظمات التي تحتاج من أجل بناء اتحاد مناضل وقوي المزيج الخالص من الانسانية والصمود في وجه الظلم.. واوصاهم "لا تتركونهم يقسمونكم"!! ولا شك ان الصحفيين يعون جيدا من يقصد...
اخلى جيم المنصة وسط تصفيق لم يقطعه سوى صعود وزير الاعلام للحديث، عله ينجح في ازالة جزء مما تركته الرسالة المدوية لسلفه، لكن الامر لم يبدو كذلك، فهو خلف جرأة طارئة أثرت في عزيمة الصحفيين وان كانت قد زادت أحيانا حد الفوضى...
مباشرة ولحظة تبادل المنصة كان الصحفي جمال أنعم، يصيح من مؤخرة القاعة الكبيرة التي تضم اكثر من 1200 صحفي، وعشرات الضيوف.. لقد أكد على كلام بوملحه ويطالب بتسليم جائزة الخيواني وتكريمه، الوزير (ربما) تنبه لذلك لكنه حاول ان يتجاهل فتحدث عن الكلمة والحرف، ومناخات الصحافة الحرة وتصفية دخلاء المهنة، ولا شيء غير ذلك يمكن التقاطه من خطاب طويل ممل ومعتاد رسمياً في كافة المحافل، انشغل معظم الصحفيين عنه بالحديث الجانبي عن كلمة سابقه في الحديث، وأخيراً قدم "متشرفاً" كلمة الرئيس في الحفل.
تحدث الرئيس، وأخذ باعتباره كلمات بوملحه التي لا تزال مدوية في أذنيه، مبتدئاً بالحديث عما ينبغي وما لا ينبغي، ومسؤولية المهنة ومقتضاها: " عندما تكون معلومات الصحفي، صحيحة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، تتجسد الرسالة العظيمة للصحافة(...)الصحافة ليست وسيلة للتنازع والهدم ونشر بذور الفرقة والشتات بين أبناء المجتمع الواحد، بل هي وسيلة للبناء وللتربية الوطنية ولخلق ثقافة المودة والمحبة داخل أبناء المجتمع.
وبعد، رد على كلمات بوملحة بإجراء تنفيذي وبما يمتلكه من صلاحيات دستورية، حسب تعبيره.. أعلن إسقاط العقوبة التي كان أقرها القضاء على الصحفي عبدالكريم الخيواني، "وان يكون صحفيا صالحا في المجتمع ويتجنب إثارة المناطقية والطائفية والعنصرية".
اهتزت القاعة كاملة بالتصفيق لقرار إسقاط العقوبة التي كان وزير العدل قبل أسبوعين قد أكد إنه لم يعد لها وجود ، وأن القضية مغلقة، وذلك رداً على نقابة الصحفيين اليمنيين التي طالبته بتوضيح ما أثير عن تأكيد محكمة الاستئناف للحكم بحق الخيواني، والأخير كان جالساً في مكان ما في القاعة، ولم ير في هذا القرار اكثر من "تصحيح للخطأ"، متمنياً أن يكون ذلك بداية لتصحيح كل الأخطاء القائمة، وأن يكون الإعلان اقتناع للوصول إلى ضرورة لإصلاحات شاملة، وإنقاذا لهذا الوطن، وزاد بابتسامة: لا توجد كاتالوجات للمواطنة الصالحة سوى الدستور والقانون الذي يلتزم به الحاكم و المحكوم..
واصل الرئيس انفتاحه على الإعلام، اذ دعا الوزارة إلى سرعة إعداد مشروع قانون لإنشاء قنوات فضائية وإذاعية وتلفزيونية منح تراخيص انشاء الفضائيات والاذاعات سواء كانت للأفراد أو لجهات غير حكومية لتعمل في اطار حرية التعبير والصحافة والرأي والرأي الأخر التي تتميز بها اليمن.. أضاف "لم يعد بإمكان أي شخص أن يحجب ثورة المعلومات أو يضع حاجزاً على القنوات الفضائية (...)ولا يمكننا أن نمنع أكثر من اثنين وعشرين مليون مواطن من استقبال بث القنوات الفضائية..
كما وجه وزارة الاعلام بسرعة البت في طلبات التراخيص لإصدارات صحفية جديدة طبقا للقانون، والضوابط المنظمة لاعمال النشر، وهكذا سيكون بإمكان الصحفي والكاتب الساخر فكري قاسم إطلاق صحيفته الاسبوعية "حديث المدينة"، التي ناشد الزميل تيسير علوني في رسالة بعثها اليه بالتوسط لدى الرئيس علي عبدالله صالح لاطلاق ترخيص صحيفته المحتجز لدى وزارة الاعلام اليمنية، وذلك بعد ان علم ان الرئيس علي عبدالله صالح خاطب السلطات الأسبانية أثناء زيارته الى هناك مطلع العام الماضي من أجل اطلاق سراح علوني إيماناً بقيم الديمقراطية وحرية الصحافة...
بالتأكيد كلاهما خطوتان جريئتان استحقتا التصفيق ايضاً، ولمّا تنفذ في البلاد التي ينافس فيها التلفزيون الرسمي نظيره اليمني، وتطلق فيها تراخيص الصحافة الصفراء او الهزيلة بلا حساب.
وجه الرئيس سهام نقده للصحفيين، وعلمهم بعضا من اصول المهنة، ونصحهم بمراجعة التاريخ لمقارنة واقع حرية الرأي في الوقت الحالي بواقعه المر قبل وحدة اليمن في 22 مايو 90 والتي اشترطت لقيامها الديمقراطية وحرية الصحافة، بعد ان كان كثير من الناس لا يطيقون كلمة واحدة من النقد وتضيق صدورهم من النقد" ...
ساد القاعة ضجيج مستمر تبعاً للنصائح الرئاسية التي ابتدأها بالمواطنة الصالحة التي نادى الخيواني ان يلتزم بها، ثم دروس المهنية والتدقيق في المعلومة التى دعا الصحفيين اليها وحثهم على توخي الدقة ونشر المعلومات الصحيحة واستقاءها من خلال المصادر المعنية بما يضمن الحفاظ على مصداقية الوسيلة الإعلامية والصحفي. ذلك كلام جميل، لكن الصحفيين اعترضوا عليه هاتفين (يرفضون .. لا يمكن الحصول على المعلومات من جانب الحكومي)، كان هناك ايضا من يطالب الرئيس بتأكيد الحكومة بتنفيذ قرارها الذي اعلنته الاسبوع الماضي، أي قبل انتخابات نقابة الصحفيين، باقرار التوصيف الوظيفي للاعلاميين بعد اضراب بدا يزحف على ساعات العمل المسائية للمؤسسات الاعلامية الرسمية شيئا فشيئا، فهم يعلمون ان حديث الرئيس محل ثقة أكثر من الحكومة، بل ان بعضهم ذهب الى ان عدم حديث الرئيس عن الامر يعني ان قرار الحكومة كان مجرد امتصاص للغضب ولعب بالوقت حتى تنقضي الانخابات.. آخرون كانوا ينادون بوقف المحاكمات، وغيرهم بصرف اراض للصحفيين على غرار جماعات اخرى...
ووسط الضجيج القاعة أشار الرئيس الى وزير الاعلام الذي كان يجلس في مواجهته بأنه مكلف وملزم بعقد مؤتمر صحفي الساعة الواحدة والنصف من كل اسبوع عقب اجتماع الحكومة وهو ملزم بنقل ما دار في الجلسة الى الصحفيين، لكنه مازح الصحفيين بالقول انهم في مثل هذا الوقت سيكونون في "المقوات".
هو طالبهم عند مناقشة ما الذي تحقق من برنامجه الانتخابي ان يتوجهوا بأسئلتهم الى الرئاسة بدلا من الكتابة فقط دون سؤال او حضور لمعرفة ماذا تحقق، لكن هناك من قاطعه بأن أحداً لا يصل اليك ، فرد عليهم: بل بامكانكم أن تصلوا.. كيف؟ لم يوضح ذلك بعد.
الرئيس نادى بالماء مرتين وهو يلقي كلمته، واستفزه الضجيج والفوضى في القاعة، والذي كان منعدما بشكل شبه كلي في كلمة رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، ما حدا به الى لوم الصحفيين على ذلك ووصفهم بالنخبة ودعاهم للهدوء كون هذا الضجيج لا يليق، وليس بامكانه السماع الى 1200 صحفي، وزاد "إحنا مش في فرزة".. بعدها غادر القاعة..
ختام:
حفل الافتتاح كان حافلاً، الخيواني من اليوم لن يرد اسمه في وسائل الاعلام الرسمية مسبوقاً بكلمة "المدعو"، فقد اصبح "الصحفي"، أو بالاحرى "الصحفي الصالح"، وقد تسلم جائزته من رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين في ختام اعمال المؤتمر في فقرة استراحة قطعت عملية فرز نتائج التصويت على انتخابات النقيب ومجلس النقابة، ببساطة تسلم الخيواني جائزته وانصرف، بعد ان حرم من حضور الاحتفالية الكبيرة في يونيو من العام الماضي.. ويأمل الجميع ان لا يكون هناك ما يستدعي نسخة رابعة من العفو الرئاسي....
الصحفيون انتخبوا نقيباً جديدا لهم... وبعد رئيس وكالة الانباء اليمنية سبأ جاء نائب رئيس تحرير صحيفة الثورة ياسين المسعودي بـأصوات 483 صحفيا، بعد منافسة شديدة مع الدكتورة رؤوفة حسن المحاضرة بجامعة صنعاء التي حصلت على 392، والتي مثلت الانتخابات بالنسبة لها عملاً شريفاً نزيهاً وشفافاً واعتبرت ماحصلت عليه من أصوات دليل على أن "اليمنيين يصوتون للنساء اذا كن كفؤات".
بالنسبة للنقيب فقد بدا متجذراً المفهوم السائد بانه مرشح الرئيس، أما هذا الاخير فيبدو انه ادرك تماما أنه غامر كثيرا بحضوره افتتاح مؤتمر نقابة الصحفيين، ربما اسهم ايجابيا في تجيير بعض الصحفيين لصالح مرشحي حزبه الذين يؤمل ان لا يحملوا الحكومة مسؤولية الانتهاكات، لكنه ادرك ان هناك مجتمعاً اخر، لا يترك عبارة لا يتفق معها تمر دون تعليق، ولا يجيد الاصغاء وهز الرأس ايجابا لكل ما يقال كما يفعل العامة، بل إنهم يصغون لغيره افضل مما يصغون اليه احياناً... أدرك أيضاً أن المعالجات الشكلية لانتهاكات حرية الصحافة لا تعني خلو الساحة من جرائم بحقها تتحملها السلطة بأي حال من الأحوال، ولن يُحيّد ذلك المنظمات الدولية المستقلة، كما أن محاولة إظهار الاحترام والتقدير للصحافة بحضور مؤتمر النقابة لا يعني بالضرورة ان هناك سلطة وأجهزة تحترم الصحفيين.ما هو معلوم بالضرورة من الاجتماع ان الرئيس أدرك انه غامر بحضور الحفل الافتتاحي، وليس مستعدا تماما للعودة الى "فرزة" الصحافة مستقبلاً ...

الطالب ليس أحد الملائكة والجندي ليس الشيطان

سامي نعمان، نيوزيمن:(19/03/2009)
بداية وحتى لا يلتبس الفهم، انا مع محاكمة الجندي محاكمة عادلة يحظى بها بحق الدفاع والتضامن وعدم ترهيب اسرته وزملاءه...
ليس موضوع حديثي مقارنة قضية مقتل القدسي بمقتل الطالب وغياب القبيلة عن القدسي وحضورها عند الحوتي فكلاهما ضحايا مع فارق طبعا..
أعتقد ان الزملاء في اتحاد طلاب اليمن يتحملون مسؤولية تجييش مشاعر الطلاب ضد الجنود أيضا وكما ان هناك جنود معبئين ضد الطلاب في ظل التنازعات الحزبية التي تكاد تفسد حتى الهواء...
شخصيا وأنا احد المستائين من كثير من ممارسات رجال الامن، الا انني دخلت الجامعة كثيرا ووجدت ان أمن الجامعة يتعامل في الغالب بشكل راق ومهذب، عدا استثناء، في المقابل هناك طلاب يتعاملون مع الحراسة بدونية لا اخلاقية للغاية لا تليق بقبيلي على الفطرة يحترم نفسه...
شخصيا لم اصدق الرواية القائلة بأن الجندي رفع سلاحه في وجه الطالب لمجرد انه رفض اشهار بطاقته، وهذا ما اكده لي بعض من اعرفهم من حرس الجامعة، وأكدوا انه تعرض للاعتداء واللطم.. بطبيعة الحال قد يكون كلامهم مبالغ فيه لاظهار المواطن الصبري في موقع المدافع عن النفس مع ان اطلاق النار لا يصح...
هم يقولون انه اهان البزة العسكرية، مع ان احترام البزة المدنية باعتقادي اهم من البزة العسكرية، لكن هذا هو منطقهم وتفكيرهم للاسف الذي كرسته الثقافة العسكرية وحتى الاجتماعية.. بزة العسكري اهم من شرفه ودمه..
عودة الى الاتحاد ، الذي حال تمسك بعصبيته "المدنية" فسيكون اسوأ من قبيلة متعصبة...
منذ اعوام ونحن نسمع اتحاد طلاب اليمن ينادي باستبدال حراسة الجامعة بحراسة مدنية، ولم يكلف نفسه يوما ان يوضح في بيان له للطلاب ان يتعاملوا مع حراسة الجامعة باحترام وتقدير ويتغاضوا عن بزتهم العسكرية واسلحتهم فقط ويتعاملوا معهم كمدنيين وكأمر واقع حتى يتم حل الخلافات السياسية بين رضوان مسعود ومن ورائه الاتحاد ومن خالد طميم ومن وراءه الداخلية والامن السياسي...
الحراسة تؤدي واجبها هناك ومن حقهم ان يحظوا بكل احترام، خصوصا ان كثير منهم يتحللون من البزة العسكرية ويقعدون الى جانب اولئك الطلاب على كراسي الكليات..
قبل اشهر امتشق الاتحاد بيانا ادان فيه الجندي صادق الصراري الذي اطلق رصاصة تهديد اصابت فناء الجامعة وارتدت الى قدم طالب اجنبي، تبلطج عليه بمعية شلته ورفض التعاون وشرع في الاعتداء عليه في امور يفترض فيها كمدني ان يحترم الجندي اذا تعنت فيها ويلجأ الى الاسلوب المدني.. على أن صادق الصراري وشكري الصبري قطعا كانا مخطئين في اطلاق النار ايا كانت الاسباب...
وعموما فإن مطالب اتحاد طلاب اليمن ليست اكثر من شماعة، فنحن اليمنيين نعرف بعضنا جيدا...
نعرف ان جامعة بحجم جامعة صنعاء لن يكون بإمكان احد الحفاظ على امنها سوى ترسانة عسكرية منيعة ومثقفة، على الاقل في الوقت الحالي... نعرف ان اي طلقة نارية تطلق في الجامعة تحسب دليل على الانفلات الامني للدولة بشكل عام وهذه مفارقة...
المطالب برفع الحراسة الامنية من الجامعة ليست مطالب عقلانية في الوقت الحالي، كان الاولى المطالبة بتهذيب سلوك "بعض" الجنود، وتثقيفهم في اسلوب التعامل مع الطالب، اسلوب التعامل المدني، ولا ضير حتى ان كان يحمل على كتفيه مضاد طيران، طالم كان راقيا في تعامله، ووجد ايضا طالب يحترم المكان الذي يدخل اليه..
المطالب عنترية غير مدروسة، وعلى الاتحاد ان لا يحول نشاطه المدني الى عصبية مدنية مقيته..فالحارس ليس الشيطان والطالب ليس احد الملائكة...