السبت، 21 مارس 2009

عن مواجهة الطالب وأمن الجامعة...
كلاهما ضحية.. وهيبة الدولة أيضاً


سامي نعمان
منتصف الاسبوع الماضي، قُتل طالب في كلية التجارة على يد أحد الحرس الجامعي، كلاهما وقعا ضحايا العشوائية التي تدار بها البلد والتي اثرت على ثقافة أبنائه، الاول ضحية مباشرة لتهور الامن وغياب الثقافة والوعي، كما والنظرة الدونية التي يتعامل بها بعض المدنيين مع رجال الامن... ربما يكون ضحية ايضا لثقافة الهنجمة القبلية التي ترى ان بإمكانها ان يكون صاحبها استثناء بها على البقية، وأيضا التعبئة المدنية التي تدفع بالطالب الى مربع المواجهة اللامسؤولة مع حارس الامن -الذي يؤدي واجبا يومياً ثقيلاً- باعتباره شخصا غير مرغوب به من قبل اتحادطلاب اليمن، وتبعا لذلك الطلاب الذين لا يروق لبعضهم المشهد الامني، وللبعض الاخر النظام والانضباط، والجندي ضحية ثقافة امنية رديئة تجعله يعتقد ان الاعتداء عليه وهو يؤدي واجبه العسكري، اهانة للبزة التي يلبسها اكثر مما هي اهانة لشخصه كإنسان من لحم ودم، وكلاهما ضحايا ثقافة اجتماعية غائبة لا تاتي في أي من خانات الاهتمام سواء لدى الدولة أو الاحزاب أو لدى اغلب منظمات المجتمع المدني.
كي لا يلتبس الفهم، ينبغي التأكيد على ضرورة محاكمة الجندي على الجريمة التي ارتكبها والتي لا يعد الحديث هنا دفاعاً عنه، شريطة أن تتمتع تلك المحاكمة بكل قيم العدالة والانسانية مع التأكيد على حقه في الدفاع والتضامن وعدم ترهيب اسرته وزملاءه، ولا التأثير على سير المحاكمات بأفواه الكلاشينكوف...
لست هنا بصدد مقارنة قضية مقتل الدكتور القدسي بمقتل الطالب في الجامعة، وغياب ضغط القبيلة عن الاول، وحضورها عند الثاني، أو تبادل مواقع الضحايا في الحادثين، وتأثير ذلك على سير المحاكمات، فكلاهما القدسي والحوتي ضحايا، والقتلة يبقون قتلة مع فارق ان الاول قاتل مع سبق الاصرار والترصد فيما الاخر حدثٌ مفاجئ لم يكن في حسبان اي منهما - القاتل والمقتول رحمهما الله- على ان التعصب القبلي، اذا كان هناك دولة تمنع حضوره بفوهات الكلاشينكوف والاسلحة، وتمنع فيه استنفاد وسائل القوة لاحضار العدالة، فسيكون ضغطاً مشروعاً يقترب من اعتصامات نقابة الاطباء في قضية القدسي، وهو حق للجميع للضغط من أجل احضار عدالة مغيبة عن الجانبين، ربما لا تحضر اذا تم الركون إلى القضاء والامن دون ممارسة ادوات الضغط على اختلافها..
منذ اعوام واتحاد طلاب اليمن ينادي بالغاء عسكرة الجامعة، وفي سبيل ذلك تصدر بيانات سياسية شديدة اللهجة ضد رئاسة الجامعة والامن، يكون لها أثر بالغ في تجييش مشاعر الطلاب ضد الحراس، وكما ان هناك بعضاً من الجنود معبئين ضد الطلاب في ظل التنازعات الحزبية التي تكاد تفسد حتى هواء الجامعة...
صحيح، هناك استياء بالغ من ممارسات بعض رجال الامن ليس في الجامعة وحدها، لكن هناك كثيرون، يدخلون الجامعة مراراً، وأنا منهم ، ونجد رجال أمن كثر يتعاملون في الغالب مع الطلاب والزوار بشكل راقٍ ومهذب، وأيا كانت النظرة المدنية التي ترى في بعض تصرفاتهم أمراً غير لائق، رغم انها قد تكون أوامر هم مجرد ادوات ينفذونها حفاظاً على لقمة عيشهم، في المقابل هناك طلاب "مدنيون" يتعاملون مع الحراسة بدونية لا اخلاقية للغاية لا تليق حتى بقاطع طريق يحترم قليلاً من فطرته...
شخصيا وجدت الرواية القائلة بأن الجندي رفع سلاحه في وجه الطالب لمجرد انه رفض اشهار بطاقته غير منطقية ولا معقولة، والا لكان قد قتل معظم طلاب الجامعة... وهذا ما اكده لي بعض من حرس الجامعة، ان الطالب اخرج صميله وضرب به الحارس.. اعتقد أن في كلامهم نوعاً من المبالغة لاظهار زميلهم في موقع المدافع عن النفس، وعلى أي فإن الامر يبقى في ذمة القضاة والمحققين والشهود الذين ينبغي عليهم أظهار الحقيقة وان ينال الجاني جزاءه بما يقره الشرع والقانون..
الثقافة العسكرية لأولئك تقول ان زميلهم اطلق النار لأن الطالب أهان "البزة" العسكرية باعتبارها اهانة للدولة، مع ان احترام البزة المدنية للطالب أولى بالحساب من اهانة البزة العسكرية لرجل يحمل السلاح، إذا كان ثمن حسبة كتلك ذهاب الروح لكليهما... وللاسف تلك هي الثقافة المكرسة عسكريا وحتى اجتماعيا أن "بزة العسكري اهم من شرفه ودمه ودماء الاخرين"..
عودة الى الاتحاد، الذي إن تمسك بعصبيته "المدنية"، دون ان يأخذ في الحسبان موقف ومهمة الطرف الاخر ومسؤوليته، وعمّم العداء لرجال الأمن من القمة الى القاعدة، فسيكون أسوأ من قبيلة عنجهية تعيش خارج اطار القانون الذي هو جوهر المدينة واساس استقامتها، وذلك بما يملكه من سطوة وتأثير على المدنيين. فمنذ اعوام وقياداته تنادي باستبدال حراسة الجامعة الامنية بحراسة مدنية، ولم يكلف نفسه يوما ان يوضح في إحد بياناته للطلاب ضرورة أن يتعاملوا مع حراسة الجامعة باحترام وتقدير ويحاولوا التغاضي مؤقتاً عن بزتهم الامنية واسلحتهم فقط، ويتعاملوا معهم كمدنيين وكأمر واقع حتى يتم حل الخلافات السياسية بين رضوان مسعود ومن ورائه الاتحاد – ليس كله طبعا مجمع على ذلك بحكم المزاج السياسي المتقاسم بين الاحزاب- و"الفندم" خالد طميم ومن وراءه الداخلية والامن السياسي...
أحياناً تُسمع تأويلات ساذجة لا اعلم مدى صحتها، وهي أنهم يريدون حراسة بزي مدني أو حتى تغيير الزي الامني.. هل يعقل أن البزة فقط هي التي تستفز مشاعر الاتحاد والنخبة من طلاب الجامعة؟..
قبل اشهر امتشق الاتحاد بيانا ادان فيه جندياً اطلق رصاصة تهديد اصابت فناء الجامعة وارتدت الى قدم أحد الطلاب، تبلطج عليه بمعية "شلته" وشرع في الاعتداء عليه بسبب ممارسة الحارس لروتين يومي يفترض فيه كطالب ان يحترمه ويتعامل معه بمدنية حتى اذا تعنت في ممارسة روتينه.. مع ان اطلاق النار يعد أمراً غير مقبول ممن انيط بهم حفظ الامن العام واؤتمنوا على ارواح الناس، لكن الراجح ان اخذا وردا وقع بين الاثنين حتى وقع ما وقع.
الحراسة تؤدي واجبها هناك ومن حقهم ان يحظوا بكل احترام، وكلهم لم يولدوا ببزتهم الامنية المستفزة لنا جميعا، وكثير منهم يتحللون منها ويلزمون مقاعدهم الى جانب اولئك الطلاب على كراسي الكليات، ويعانون اضافة الى ذلك همّ ساعات الخدمة اليومية لحراسة الجامعة، وهي مهمة وطنية ينبغي النظر اليها بإكبار.
وعموما فإن تغيير الحراسة أو البزة هي واجهة للابتزاز السياسي المتبادل في الجامعة بين الاحزاب السياسية التي تتقاسم المناصب والمنافع، وتخلف للشعب الجراح والانين، ونحن اليمنيون نعرف بعضنا جيدا ً، ومما نعرفه أن جامعة صنعاء، وفي مثل ظروف البلاد الحالية وثقافة الطلاب والحرس على السواء، وفي ظل تواجد مراكز القوى وسلطة القبيلة، وانتشار السلاح، لن يكون بإمكان أحد الحفاظ على أمنها سوى ترسانة عسكرية منيعة ومثقفة، على الاقل في الوقت الحالي، حتى نصل إلى حد أدنى من المثالية... نحن ندرك أن اية طلقة في الجامعة أو في اي مكان آخر في الاماكن المدنية تسجل دليلاً على الانفلات الامني للدولة بشكل عام، ويعلم الجميع بمن فيهم رضوان مسعود رئيس الاتحاد أنه لن يكون بإمكان أي حراسة مدنية الحفاظ على أمن الجامعة مهما بلغت قوتها، في بلد لا زالت فيه ثقافة الثأر والقتل مثل القاء التحية، وقد وقعت عدد من تلك الحوادث في الجامعة...
على الاتحاد ان لا يحول نشاطه المدني الى عصبية مقيتة يكون ضحاياها أفراداً يشعرون أنهم يؤدون مهمة وطنية خالصة، ويدفعون ثمن غياب توافق الزعامات السياسية، وعلى جامعة صنعاء ان لا تأخذ الامر كمسألة كرامة تنتزع هيبة الادارة لحساب الطلاب، وأن تعلي من شأن الطالب، وان لا تتعامل معه كمتمرد دائم الانفلات على التنظيم السياسي وعليه ان يدفع الثمن، عليهما ان يصلا الى كلمة سواء يتفقان معها ان الجندي ليس الشيطان والطالب ليس احد الملائكة...
وتبعاً لذلك فإن المطالب برفع الحراسة الامنية من الجامعة ليست مطالب عقلانية في الوقت الحالي وفي مجتمع غير مدني، والاجدر لمن يفكر بحفظ الامن العام للطلاب وتوفير الظروف الملائمة لتعليمهم ترشيد العمل المدني في بلد استثنائي وفي وضع غير مثالي، وأن يتبنى المطالبة بتهذيب سلوك "بعض" الجنود، وأن تمنحهم الجامعة بعض الامتيازات سواء للمنتظمين بالدراسة منهم، أو القانطين منها، أو على صعيد تحسين معيشتهم، وان تتعاون الجهات الرسمية مع منظمات المجتمع المدني على عمل دورات تدريبية وتثقيفية لهم بما ينعكس أثرها على طريقة تعاملهم مع الطالب والزائر، بما يقلل من نسبة الاحتكاك مع الطلبة، على أن يتحمل الاتحاد مسؤوليته في توعية "بعض" الطلاب بقداسة المهمة التي يؤديها اولئك الافراد، وأن يتعاملوا معهم كمواطنين يمنيين قبل ان يتعاملوا معهم كحراس بحكم افتراضي مسبق بالمواجهة والعداء..
إن المطلوب هو خلق أجواء تقارب ايجابي لا يتعصب فيها الطالب مع زميل منفلت ضد الجندي الذي يؤدي مهامه، ولا يتعنت فيها الجندي طالبا ويحرمه مثلا من دخول الجامعة لمجرد فقدان او نسيان بطاقته، ومعها ستكون المصادمات بين طالب ورجل امن مجرد عرض استثنائي وسوء تفاهم، يحل بحسن التفاهم وجميل تقدير الاخر..
نقطة أخيرة:
في خضم الحوادث الارهابية المتفرقة والاجراءات الامنية المشددة، والحملة "الناجحة" لمنع السلاح في العاصمة والتي تكاد تدخل عامها الثالث، تجمهر عشرات المسلحون من أهالي القتيل حول جامعة صنعاء، بعضهم بُعث بسلاحه من العاصمة ومعظمهم اجتازوا كل الجدران الامنية العازلة وطوقوا على جامعة طميم في قلب العاصمة..
يجب ان نفتش في الانقاض عن بقايا هيبة للدولة، يبدو أنها استنفدت مقدورها على المدنيين العُزّل..
saminsw@gmail.com

نشر هذا المقال في جريدة الشارع الصادرة بتاريخ 21 مارس 2009

هناك تعليق واحد:

Godfather يقول...

مهما كان حصل من المواطن
فقانون الشرطه يوضح عدم إستخدام السلاح إلا للضروره والتصويب يكون في أماكن غير قاتله

وشكرا
شمسان العماري
مواطن شريف