الأحد، 23 مايو 2010

في ذكراها الـ 20
الوحدة اليمنية ليست بخير... أزمات اليمن تتجه نحو الأسوأ


تقرير خاص بالمدونة: اعداد سامي نعمان*


توطئة:
احتفلت الجمهورية اليمنية أمس السبت بمرور عشرين عاماً على تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، يوم انضوت جمهوريتان يمنيتان متباينتان في الرؤى والايديولوجيا والسياسة والثقافة، تحت علم واحد هو علم الجمهورية اليمنية التي ضمت الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وكان يترأسها علي عبدالله صالح، وهي الاكثر سكاناً والاقل مساحة، وايضا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحت قيادة الحزب الاشتراكي اليمني بزعامة علي سالم البيض، وهي الاقل سكانا والاكثر مساحة..
كانت الوحدة اندماجية كاملة وتمت بمشاعر عاطفية دون دراسة كافية، وفي إطار سعي الدولتين للدخول في صيغة حكم جديدة تنقذهما معاً من الانهيار والحروب الأهلية والانقلابات، فكانت الجمهورية اليمنية التي لم تصمد ارادة محققيها كثيرا حتى بدؤوا يتنازعون زمام الحكم ويكيد كل طرف للاخر، وبعد ان دخلت البلاد في ازمة سياسية وامنية خانقة بعد الانتخابات النيابية عام 93 التي انتهت بتغيير خارطة المشهد السياسي اليمني بحصول حزب الرئيس علي عبدالله صالح (المؤتمر الشعبي العام) على اكثر من نصف المقاعد، وجاء ثانيا حليفه حزب التجمع اليمني للاصلاح(الاخوان) فيما جاء ثالثا الحزب الاشتراكي شريك الوحدة، وكانت النتيجة طبيعية ، فحزب الرئيس حصد الاغلبية من المحافظات الشمالية التي تشكل اكثر من 70% من المقاعد، ومبدئيا تقاسمت الاحزاب الثلاثة السلطة بالتوافق كما يحدث في لبنان فالرئاسة لحزب الرئيس، ورئاسة الحكومة للحزب الاشتراكي والبرلمان لحزب الاصلاح، غير ان هذا التوافق لم يكن مقنعاً للجميع، فدخلا البلاد في ازمة سياسية وقطيعة تامة بين قيادات الشطرين السابقين لتنتهي الازمات المتفاقمة باندلاع حرب صيف 94 التي انتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي وسيطرة علي عبدالله صالح وحلفاؤه على الحكم.
13 عاما من التفرد بالحكم:
بعد انتهاء الحرب دخل حزب الرئيس (المؤتمر الشعبي العام) مع الاخوان المسلمين (حزب التجمع اليمني للاصلاح بقيادة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رئيس مجلس النواب) في الحكومة حتى انتخابات 1997، التي قاطعها الحزب الاشتراكي اليمني، حيث انفرد حزب المؤتمر الشعبي العام بالحكومة واقصى شركاءه الاسلاميين، ومن يومها وازمات البلاد وحالات الفوضى والتمرد تزداد في البلاد، فيما يتجه مؤشر الاقتصاد مطرداً نحو الهاوية، وبوصف اكثر دقة فإن التفرد لم يكن بالحكومة، بل كان تفرداً في السلطة، فمنذ انتهاء حرب 94، كثف الرئيس من مساعيه للاستحواذ على كافة السلطات، وتعزيز نفوذه، وجعل من الحكومة مجرد ديكور لإكمال شكل الدولة، بيد ان كل صغيرة وكبيرة في البلاد تدار من دار الرئاسة وما الحكومة إلا اشبه بسكرتارية تنفيذية في أحسن الاحوال.
ورغم ان اليمن تشهد انتخابات نيابية وسلطة محلية ورئاسية في دورات شبه منتظمة إلى أنه وطيلة 13 عام لم تفضي تلك الانتخابات سوى إلى مزيد من التفرد بالسلطة، ورغم ان المعارضة وخصوصا الحزب الاشتراكي وحزب الاصلاح تكتلت منذ عام 2001 في كيان واحد لمواجهة الحزب الحاكم ، وعودة الحزب الاشتراكي اليمني إلى ضمار الحياة السياسية إلا أن حظوظ الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية عام 2001 والنيابية عام 2003 كانت تتجه نحو اقصاء شركاء الحياة السياسية باسم الديمقراطية، ففي كل انتخابات تتضاءل حصة المعارضة في البرلمان وفي المجالس المحلية، وتزداد حصة الحزب الحاكم في مفارقة عجيبة يتقدم الحزب الحاكم رغم ما احدثه في حياة الناس من تدهور في اوضاعهم المعيشية والاقتصادية، وغياب الخدمات الاساسية وتفشي الفقر والبطالة، لكن الامر يكون واضحاً حين يفهم ان ما يتطور في اليمن هو آليات الفساد والتزوير والاستحواذ والاقصاء، فهناك مراكز نفوذ وبؤر سلطة قادرة على رسم المشهد السياسي في البلاد حسب ما يخطط له في قصر الرئاسة.
بعد التفرد مغازلة الشراكة:
عشية الاحتفال بالذكرى العشرين للوحدة اليمنية الذي اقيم هذا العام في مدينة تعز وسط البلاد، ألقى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح خطابا دعا فيه أطياف العمل السياسي واليمنيين في الداخل والخارج إلى إجراء حوار وطني، عارضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية على ضوء نتائج ذلك الحوار، واشترط الرئيس أن يكون الحوار الذي وصفه بالوطني والمسئول تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل مرتكزاً على اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب من أجل بناء دولة النظام والقانون، والإبتعاد عن المشاريع الصغيرة والمكايدات السياسية.
الرئيس أوضح انه وبناء على نتائج ذلك الحوار فإنه يمكن تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة (يقصد الحزب الاشتراكي اليمني) وشركاء الدفاع عنها (حزب التجمع اليمني للاصلاح)، وكذلك التحضير لإجراء انتخابات نيابية في موعدها المحدد في ظل الشرعية الدستورية والتعددية السياسية، وذلك حرصاً منه على طي صفحة الماضي وإزالة آثار ما أفرزته أزمة عام 1993م وحرب صيف عام 1994م.
كما وجه بإطلاق سراح المحتجزين على ذمة حرب صعدة ومن سماهم "الخارجين عن القانون في بعض مديريات الجنوب"، معبرا عن امله أن يستفيدوا من هذا العفو وأن يكونوا مواطنين صالحين.
هذه الدعوة قوبلت بترحاب حذر من قبل الحوثيين وأحزاب المعارضة اليمنية الرئيسية المنضوية في تكتل اللقاء المشترك (يضم ستة احزاب ابرزها الحزب الاشتراكي وحزب الاصلاح والناصريين)، بعد ان كانت قد وصلت الى قطيعة شبه تامة مع الحزب الحاكم والحكومة بسبب رفض السلطة بالافراج عن المعتقلين، وتهيئة الاجواء المناسبة للحوار، وقد رحبت المعارضة باطلاق سراح المعتقلين بلا استثناء، مؤكدة ترحيبها باستئناف الحوار الوطني الشامل بين كافة فرقاء الأحزاب السياسية باعتباره الطريق الأمثل الذي تم اختياره كاستجابة للحاجة الوطنية الملحة في هذه اللحظة التاريخية التي تعقدت فيها أوضاع البلاد وبات من الضرورة استئناف الحوار على وجه السرعة.
هذا الحوار الذي يتفق الجميع على ضرورته لكنه يبقى حواراًُ ممتنعاً منذ سنوات، فهو حوار يفضي إلى لا شيء، بل صار معقداً إلى درجة اصبح فيها مجرد الاتفاق على استئناف الحوار يحتاج إلى حوار والى وسيط داخلي وخارجي، فالحوار قد توقف منذ اتفاق فبراير 2009، بعد أن تعقدت الازمة السياسية بين احزاب المعارضة والحزب الحاكم، مع قرب الاستحقاق الانتخابي لمجلس النواب الذي كان مقرراً في ابريل 2009، وكان الحزب الحاكم قد مضى في اجراءات التحضير للانتخابات منفرداً رافضا قبول مطالب المعارضة حينها والتي كانت شبيهة بمطالبها في الفترة الاخيرة كاطلاق المعتقلين وتهيئة الاجواء واعتماد نظام القائمة النسبية، ويبدو ان الرئيس اليمني حينها تخوف من ان تفتقد السلطة للشرعية حال خاضت انتخابات في ظل مقاطعة المعارضة الرئيسية، وهو ما جعله يقترح اجراء تعديل دستوري يفضي إلى تأجيل الانتخابات النيابية لعامين، يتم خلالها اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وانتخابية واعتماد نظام القائمة النسبية، رغم أنه كان في السابق يرى ان تأجيل الانتخابات يعني ان البلاد غير مستقرة.
في 23 فبراير 2009 وقعت الاحزاب على الاتفاق، ومن يومها لم تتفق على الاجتماع، وكونت المعارضة لجنة حوار وطني، ضمت اليها احزاباً اخرى ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية واجتماعية وقبلية ومدنية، وطرحت رؤية لانقاذ البلاد والتعامل مع ازماتها، وحملت الرئيس شخصيا مسئولية كل الازمات بسبب التفر د بالسلطة، ولم تحمل الحكومة أي مسئولية باعتبارها حكومة لا تحكم.
المعارضة، لم ترحب بالدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، بل ارجعت الامر إلى نتائج الحوار، ومن المرجح أن المعارضة ترى أن الرئيس يسعى إلى جر الاحزاب إلى الحكومة ليكونوا شركاء في تقاسم المسؤولية وبالتالي تغيب عن الساحة المعارضة الفعلية، بمعنى انه يسعى لطرح رؤيته لحل الازمات على طريقته الخاصة التي تعالج المعضلات بطريقة سطحية، لا تمس مصالحه بالمطلق، ولا يفقد معها اياً من صلاحياته، وسلطاته المطلقة، فلا فرق بين حكومة جميع وزراءها من الحزب الحاكم او مشكلة من جميع الاحزاب طالما أن الرئيس هو الرئيس وسياسته في الحكم لم تتغير.
ومن الصعوبة بمكان على المعارضة ان تقبل بالشراكة في حكومة الوحدة الوطنية، فالمعارضة لا ترى المشكلة في الحكومة، بل ترى الشراكة السياسية في السلطة والثروة وتحديداً في منصب الرئيس وتقترح النظام البرلماني الذي يحد من صلاحيات الرئيس، وهي لا تنافس بالمطلق على الحقائب الوزارية في ظل حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وتوجه له انتقادات لاذعة باعتباره المسيطر على كل مفاصل الدولة، ومن أضعف دولة المؤسسات لصالح تقوية نفوذه الشخصي والاسري واسهم في زراعة مراكز قوى على حساب مؤسسات الدولة... هناك صراع لمراكز القوى في اليمن على تقاسم السلطة والثروة وبالتالي لا يمكن ان يكتب لأي مبادرة النجاح في ظل دولة لا تحكمها المؤسسات، ويغيب عنها ادنى مقومات الدولة الحديثة، ولا يوجد فيها قضاء مستقل، وهناك سيطرة تامة على الجيش والامن والاعلام والموارد من قبل النخبة الحاكمة.
ومع تباين الاراء، فهناك من يرى ان دعوة الرئيس للمرة الاولى للشراكة في حكومة وحدة وظنية، مقدمة يثبت بها حسن نوايا تمهيداً لدخول الانتخابات النيابية المقررة بعد اقل من عام منفرداً، دون مشاركة المعارضة، خصوصاً أنه يرى في نجاح النموذج السوداني في ظل مقاطعة المعارضة، وقبول المجتمع الدولي بنتائج الانتخابات، مؤشراً على ان المجتمع الدولي لن يرفض نتائج انتخابات اليمن حتى اذا لم تشارك فيها المعارضة، فيما ينبري هدف أخر للرئيس على المدى المتوسط، وهو ان يتم قبول التعديلات الدستورية المقترحة من الرئيس والتي تهدف من حيث الاساس الى تمديد ولاية الرئيس او تأمين توريث السلطة لنجله..
وخلاصة القول فإن الحوار في اليمن قد فقد قيمته من فقدان الثقة بين اطراف العمل السياسي، وحتى اذا كان هناك حوار جاد بين الجانبين وتوصلوا الى اتفاق يحظى بقبول الاطراف المختلفة فإنه لا توجد ضمانات لتطبيقه، وهو ما جعل المعارضة تطالب بضمانات واشراف دولي على الحوار، وتطبيق الاتفاقات.
القضية الجنوبية:
تبرز القضية الجنوبية في الوقت الراهن كأحد ابرز القضايا التي تؤرق اليمنيين والمجتمع الدولي، وخاصة دول الجوار، فالنزعات الانفصالية قد تنامت بشكل كبير خلال السنوات الاربع الماضية، وتشكلت حركة احتجاجات شعبية قوية تنادي بالانفصال، في ظل عجز النظام عن تقديم الحلول للمظالم التي أججت مشاعر الجنوبيين، الذين اقصوا من السلطة بعد حرب صيف 94، واحيل غالبية العسكريين والمدنيين إلى التقاعد، ولا يشاركون في صنع القرار، فضلا عن استيلاء النافذين على الاراضي العامة والخاصة، وعدم وجود عدالة في توزيع السلطة والثروة، واجمالا غياب المواطنة المتساوية.
وبدأ الحراك الجنوبي مطلع العام 2007، كحركة مطلبية قادتها جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين، للمطالبة بتسوية اوضاعهم، غير انه وفي ظل عجز النظام عن انتاج الحلول والنظرة السطحية المتعالية للمشاكل والمطالب، فقد تطورت تلك الحركات المطلبية لتنادي بمطالب سياسية وتدرجت حد المطالبة بالانفصال.
وشهدت المحافظات الجنوبية خلال الاعوام الماضية مواجهات عسكرية بين قوات الامن والمحتجين، وسقط عشرات القتلى والجرحى، وزج بالمئات في المعتقلات، وشهدت المحافظات الجنوبية حالة طوارئ غير معلنة، وبدأ النظام يفقد كثيراً من اتباعه الجنوبيين وتأججت مشاعر الجنوبيين ضد الشماليين بشكل عام، وشهدت العديد من المدن الجنوبية اعتداءات قتل للعاملين فيها من المناطق الشمالية كما يتم احراق المحلات التجارية الخاصة بهم، ومضايقتهم في اعمالهم، العامة والخاصة.
والعام الماضي وصلت حركة الاحتجاجات اوجها منذ خروج نائب الرئيس السابق علي سالم البيض بعد غياب دام 15 عاماً لينادي بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، ومعه زادت حركة الاحتجاجات التي اصبحت تطالب بالانفصال، ورغم ذلك تظهر تلك الحركة كحركة غير منظمة تفتقر للقيادة التي تتحد في مطالبها ، فقد برزت العديد من القيادات التي تتحدث باسم الجنوب، ولكل فريق منهجه ورؤيته المتباينة، التي تتراوح بين الانفصال، والفدرالية.
ورغم ان الحراك الجنوبي يؤكد على سلوكه طريق النضال السلمي، فقد برزت فصائل مسلحة تابعة لبعض اجنحة الحراك وقد بدأت بالفعل ممارسة انشطتها المسلحة خصوصاً في لحج والضالع وابين.
الدعوة الرئاسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية لم تقابل بحماس يذكر من قبل الجنوبيين، الذين استمروا في احتجاجاتهم وكأن الامر لا يعنيهم، ويبدو ان تلك الدعوة تظهر متناقضة مع الواقع، فالحشود العسكرية والامنية في الجنوب لا تنسجم بالمطلق مع الخطاب المهادن للرئيس، بل تشير ان الاوضاع متأزمة بشكل اكبر.
وتشهد بعض المحافظات الجنوبية هذه الايام تشديدات أمنية قوية تحسباً لأي مظاهرات قد ينظمها الحراك، وقد تصاعدت أعمال العنف المسلح التي تشهدها المحافظات الجنوبية الأسبوع الماضي لتصل حد استهداف المواكب الرسمية والمسؤولين الأمنيين ابرزهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع رشاد العليمي في منطقة الحبيلين بلحج، واستهداف نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية صادق ابورأس.
وفي أول رد فعل لسياسي يمني جنوبي كبير، وصف رئيس الوزراء اليمني الأسبق المهندس حيدر أبو بكر العطاس، خطاب الرئيس علي عبدالله صالح بـ"الطلقة الباهتة" يهدف منه إلى إيجاد نوع من البلبلة في الصف الوطني الذي اتحد في مواجهة الفساد، وليس هدفه تقديم حوار بدليل انه لم يعترف بالقضية الجنوبية، ولم يعترف بأن هناك أزمة في الوحدة وأزمة سياسية وأمنية في الوطن.
وأكد العطاس انه مع الحوار ويرفض الانفصال، وأن فك الارتباط سيكون حل أخير، ودعا الجنوبيين إلى تكثيف وحدتهم ونضالهم، مشدداً على أن يكون هذا النضال سلمياً، لأن السلطة تريد أن تدفع بهم إلى منحى آخر، داعياً إلى اسقاط النظام الذي زرع الفرقة بين اليمنيين.
وهكذا على صعيد القضية الجنوبية لا يبدو ان المغازلات الرئاسية بالشراكة قد هدأت من فورة الاحتجاجات في الشارع الجنوبي الذي ينتظر حلاً جذريا سريعاً يؤثر مباشرة في حياة الناس، ويعيد لهم الثقة المفقودة في جدوى الوحدة.
صعدة: حظوظ السلام في مواجهة طبول الحرب
في فبراير الماضي أعلن عن توقف الحرب في نسختها السادسة بين قوات الجيش والمتمردين الحوثيين، بعد ستة اشهر من المواجهات العنيفة التي لم يكن فيها الجيش في موقع يحسد عليه، وفي هذه النسخة من الحرب اقحمت المملكة العربية السعودية كطرف فيها يواجه الحوثيين الذين تسللوا الى الاراضي السعودية.
ورغم الاتفاق الذي ابرم بين الحوثيين والنظام اليمني بناء على ست نقاط، تقضي بانسحاب الحوثيين من مواقعهم وتسليم الاسلحة، وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية والالتزام بعدم الاعتداء على الاراضي السعودية، إلا أنه وبعد ثلاثة اشهر ونصف لا زالت اللجان المشرفة على تنفيذ الاتفاق عالقة في الاتهامات المتبادلة بين الطرفين والخروقات المستمرة للاتفاق، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان صمود هذا الاتفاق.
وعاد التوتر مجدداً في محافظة صعدة ومنطقة حرف سفيان في شمال اليمن، والمحاذية للحدود مع السعودية بين الجيش والحوثيين، في طل عودة الطرفين إلى التمركز واستحداث الحواجز العسكرية على الطرقات، وتبادل الاتهامات بارتكاب الخروقات، كذا يتهمون السعودية بأنها قصفت بعض مناطقهم ودمرتها بالكامل، ويصر الحوثيون على ان قضيتهم تأخذ بعداً اقليميا باعتبار السعودية طرفاً فيها.
وفي غضون الفترة الاخيرة ابدى الحوثييون مؤشرات سياسية عبر تواصلهم مع احزاب المعارضة وقبولهم بالتحالف معهم وتبني قضيتهم شريطة التخلي عن العنف في مواجهة الدولة، وقد رحب الحوثيون بقرار الرئيس الافراج عن المعتقلين من اتباعهم مؤكدين ان هذه المبادرة ستساهم، اذا ما تحققت، في تثبت السلام وفي اغلاق ملف الحرب بشكل نهائي.
الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار:
الاقتصاد اليمني ليس احسن حالاً في وضعه من بقية الازمات، فالاقتصاد اليمني هش وضعيف، وتأثر كثيراً في غضون السنوات الماضية بفعل الحروب، وغياب الاستقرار، فضلا عن مشاكل اخرى مزمنة ابرزها الفساد المالي والاداري وغياب القضاء المستقل، والاختطافات والاحتجاجات، ونشاط تنظيم القاعدة.
وقد تأثرت اليمن بشكل كبير في العامين الماضيين جراء الازمة المالية العالمية وتراجع اسعار النفط، وتدني الانتاج إلى اكثر من النصف، وعزوف رؤوس الاموال عن الاستثمار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب البنية التحتية.
وتدهورت العملة اليمنية بشكل كبير منذ مطلع العام، وارتفع سعر الدولار بمقدرا 13% مقابل الريال اليمني، فيما تستمر معدلات التضخم في الارتفاع، وسط غياب سياسة نقدية ومالية واضحة.
وتسعى اليمن الى الحصول على المزيد من المساعدات الدولية لتحسين مستوى الاقتصاد، وصرح مسؤولون يمنيون عن حاجة اليمن إلى ما يقارب 48 مليار دولار خلال الخمس السنوات القادمة لتحسين تقدم في الاقتصاد ومحاولة دمج اقتصاد اليمن باقتصاد دول الخليج، وفي ذات الوقت لا تمتلك اليمن الامكانات الفنية اللازمة لاستيعاب اكثر من 5 مليارات دولار تعهدت بها العديد من الدول والصناديق المانحة في مؤتمر لندن عام 2006.
خلاصة: مستقبل اليمن غامض
في ضوء تلك الازمات التي تم الاشارة لها، وازمات اخرى ابرزها النشاط المتنامي لتنظيم القاعدة في اليمن وازمة المياه المرتقبة، فإن مستقبل اليمن محفوف بالمزيد من المخاطر، ولا مؤشرات على حلول جذرية سريعة لمعالجة تلك الازمات.
وليس راجحا أن دعوة الرئيس للشراكة في حكومة وحدة وطنية هذه ستضيف جديداً، خصوصاً أنها مبنية على الحوار الذي اعلن الحزب الحاكم مرات عديدة وفاته، ويدعو له وفقا لمحدداته.
وخلاصة الموضوع فإن الخطاب يبقى فرقعة إعلامية للتشويش على المجتمع الدولي، ودغدغة المشاعر الشعبية، واللعب بالوقت، وارباك المعارضة، مالم يصدقها اجراءات سريعة بحواد جاد ومسؤول والافراج الفوري عن المعتقلين، وانهاء المظاهر العسكرية، والجدية في مكافحة الارهاب وعدم استخدامها كورقة لابتزاز الغرب، وتصفية الحسابات، ومعالجة مظالم الجنوبيين، وحل مشاكل الاراضي في الجنوب والشمال، وتحسين اداء الحكومة ومحاربة الفساد بشكل جدي لا شكلي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية واحترام الحقوق والحريات وتحقيق شراكة حقيقية في السلطة والثروة، وضمان حياد الجيش والامن والاعلام ولجنة الانتخابات ، وتحقيق استقلال القضاء وبناء دولة مؤسسات لا اقطاعيات افراد.
ملاحظة:
* هذا التقرير خاص بمدونة احرار ، ويحظر اعادة نشره او الاقتباس منه دون الرجوع الى الكاتب.