سامي نعمان:
استضافت ابوظبي الاسبوع الماضي، أعمال منتدى المستقبل بدورته الخامسة، بحضور ممثلي 38 دولة، بينها ممثلو الدول الثمان الصناعية الكبرى، وسط تشكيك رسمي بمدى نجاح المنتدى في تحقيق اهدافه، خصوصا في ظل تخفيض التمثيل الرسمي للدول الكبرى، وتركيز عربي على قضية اصلاح "غير مستورد"، كان الاكثر صراحة في التعبير الدكتور ابوبكر القربي رئيس الوفد اليمني المشارك في المنتدى، رئيس الدورة السابقة التي فشلت في الانعقاد في صنعاء اواخر العام الماضي، بيد أن الامريكيين ليسوا اقل صراحة، اذ ردوا بالحديث عن طاولة بثلاثة ارجل الامن والديمقراطية والاقتصاد، التي تحدث عنها الدكتور القربي، ويؤكدون ايضا ان الحفاظ عليها حفاظ على امنهم القومي، واحدى تجلياتها الانتخابات في بلدان الشرق الاوسط بما فيها بعض تلك المنتقد للاصلاح "المستورد"..
فبعد الكلمة الافتتاحية التي القاها وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي تترأس بلاده واليابان الدورة الحالية للمنتدى، والتي اتبر فيها أن الإصلاح في الشرق الأوسط «هو مطلب وطني قبل أي شيء آخر»، كانت كلمة الدكتور القربي الاكثر تذمراً وجرأة وصراحة في التعبير عن مضمون التنويه الحصيف للوزير الاماراتي، إذ أكد، أن مسؤولية المنتدى تقع على عاتق دول المنطقة في المقام الأول وأن عليها تحمل مسؤولية إدارته وتفعليه بما يحقق طموحاتها في الإصلاح والديمقراطية والحريات، مؤكدا أن فرض أي إصلاح لا تقبله دول المنطقة وشعوبها سيكون مصيره الفشل.. مشيرا إلى غياب للدعم الحقيقي للإصلاحات والتحديث خاصة للدول التي بدأت خطوات جادة لتحقيقه "لأنه بدون هذا الدعم المادي سنظل في دائرة الكلام دون الانتقال إلى مرحلة العمل"، كذا وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي صرح للصحفيين على هامش المؤتمر فالمعلم قال للصحفيين «نحن نعيش في منطقة في الواقع ضحية لسياسات تقرر في الخارج دون التشاور مع بلدان المنطقة ونحن نحصد اخطاء هذا الواقع»، مضيفاً: «بالحديث عن منتدى المستقبل، يجب ان يكون مستقبل هذه المنطقة من صنع ابناء هذه المنطقة وبقرار منهم دون اي فرض او وصاية من الخارج»،.
وبأي حال من الاحوال ، تبدو تصريحات الدكتور القربي مرتبطة باستضافة فاشلة لأعمال الدورة الرابعة لمنتدى المستقبل العام الماضي في صنعاء والتي اُجلت لمرتين لتعلن الخارجية اليمنية في نهاية يناير من العام الجاري اعتذار الحكومة عن استضافته بعد تجاوز فترة انعقاده التي كانت مقررة في ديسمبر 2007، وايضا عدم حصولها على موعد جديد من الدول الثمان، اضافة الى الاشكالية المتمثلة في انتقال الرئاسة من المانيا الى اليابان... ورغم ذلك جاء في موجز رئاسة المنتدى أن المشاركن ثمنوا الجهود التي بذلتها الإمارات العربية المتحدة، لاستضافة المنتدى، بما فيها مساهمة اليابان، إضافة الى جهود اليمن وألمانيا، في إطار أعمال الدورة السابقة للمنتدى عام 2007.
خلف الكواليس كان الحديث يدور عن الغاء أميركي لانعقاد المنتدى بنسخته الرابعة ونقل مقر انعقاده الى دولة اخرى لدواع أمنية، بعد موافقة 63 دولة على المشاركة في المنتدى الذي اسسه الرئيس الأمريكي جورج بوش في 2004 كجزء من مبادرته للشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، ويُعرّف بأنه جهد مشترك بين تلك الدول والثمان الصناعية وشركاء آخرين من الدول الديمقراطية من اجل التنمية والتطوير في مجالات الإصلاحات السياسة والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة»....
الحديث عن الالغاء الاميركي لانعقاد المنتدى في صنعاء جاء على خلفية احتدام الجدل بين الادارة الاميركية وصنعاء حول افراج السلطات اليمنية عن المواطن اليمني جمال البدوي الذي تتهمه الولايات المتحدة بالوقوف وراء تفجير المدمرة كول في شواطئ عدن عام 2000، وأجمالا حول ملف الارهاب..
هو ذاته الملف الذي لا يبدو انه اصبح محل ثقة بين واشنطن وصنعاء رغم التقارب النسبي الاخير بعد ان تمكنت قوات الامن اليمنية من قتل خلية القعيطي وجماعة من رفاقه في اغسطس الماضي، والقعيطي هو احد الفارين من سجن الامن السياسي في فبراير 2006، ويتهم بالوقوف وراء هجوم فاشل بالقاذفات استهدف السفارة الاميركية في مارس 2008، ومن بعده الهجوم الذي استهدف السفارة الاميركية 17 مارس الماضي..
ورغم ان السلطات الرسمية اليمنية تؤكد أن الهجوم الاخير، الذي تؤكد على وصفه بالفاشل، عزز من مستويات التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب، إلا ان هناك تشويشا جلياً في مدى مستوى العلاقات بين الجانبين، والمجتمع الدولي بشكل عام، اذ تولي تلك الدول، في علاقاتها مع اليمن على الاقل، اولوية قصوى لمكافحة الارهاب على تقديم المساعدات التنموية والانسانية.
ذلك ما عبر عنه بصيغة اخرى وزير الخارجية ابوبكر القربي بالحديث عن "دول في المنطقة -منها الجمهورية اليمنية- لم تحظ بالدعم الكافي سواء لبرامجها التنموية الطموحة أم لجهودها في مكافحة الإرهاب أم للأعباء الكبيرة التي تتحملها نتيجة الأوضاع في القرن الأفريقي.
منظمات المجتمع المدني التي عقدت منتداها الموازي في دبي أيضاً، حظيت بنصيب من نقد الوزير القربي، بشكل أثار حفيظتها، اذ شدد على ضرورة ان يكون عمل منظمات المجتمع المدني متوافقا مع القوانين والدساتير السائدة في بلدانها وألا يتم التعامل معها وكأنها وسائل للضغط على الحكومات، مؤكداً ضرورة رفض مبدأ إستقواء منظمات المجتمع المدني بالخارج لأن ذلك سيقوض من مكانتها في مجتمعاتها ويضر بدورها الهام وشراكتها مع الحكومات في مسيرة الإصلاح والتنمية؛ لأن منظمات المجتمع المدني يجب أن تنطلق في نشاطها من مبدأ التكامل والشراكة مع الحكومات والالتزام بالقانون". هذا الامر يرتبط باحراج وضغط كبيرين تعرضت له الحكومة اليمنية من قبل منظمات المجتمع المدني اليمن وبقية دول العالم على خلفية عدد من القضايا وابرزها سجن الصحفي عبدالكريم الخيواني بتهمة الارتباط بخلية ارهابية، وكانت سفارة اليمن في الولايات المتحدة الامريكية من اكثر السفارات تضررا وتعرضا للضغوط من قبل منظمات المجتمع المدني الامريكية، وقد اعلنت الخارجية الامريكية موقفا مستاءا من تلك المحاكمة.
منظمات المجتمع المدني في اجتماعها الموازي، التي تميزت بحضور يمني اثار استياء الخارجية الاماراتية، ، طبقا لموقع نيوز يمن، لجهة كثرة العدد ومنع الوفد اليمني من المشاركة، الا في حال تقليص "العدد اليمني"، لم تفوت تصريحات القربي دون نقاش، فقد ذكرت صحيفة الشرق الاوسط ان "ممثلي مؤسسات المجتمع المدني رفضوا الانتقاد اللاذع الذي وجهه إليهم وزير الخارجية اليمني، عندما طالبهم بالألتزام بالدساتير والأنظمة في دولهم، واستغربوا تصريحاته في جلسة مغلقة، معتبرين أنهم ملتزمين بهذه الدساتير، متهمين في الوقت ذاته بعض الحكومات بعدم الالتزام بالأنظمة والدساتير ولديها خروقات قانونية واضحة.
المشاركون في اجتماع دبي الموازي استاؤوا لطغيان الهيمنة الرسمية والقبضة الأمنية الشديدة وسوء الإدارة الحكومية حيث عانى المشاركون، في مؤتمر مخصص للدمقرطة والاصلاح، منع دخول الصحفيين او توزيع أي وثائق او معلومات داخل القاعة مع رقابة أمنية لصيقة والتدخل المستمر بأعمال المجتمع المدني الذي قالوا إنه بقي خلال السنوات الماضية في المغرب والبحرين والأردن واليمن(حيث عقد الموازي ولم يعقد الاساسي) يتصف باستقلالية وحرية تامة وبدون أي تدخلات رسمية..
واستمر الدكتور القربي بحديثه الصريح، إذ اشارإلى عدم دعوة إيران لحضور أعمال المنتدى، حيث انتقد، وطبقا لصحيفة "الشرق الاوسط" ايضا، «عدم دعوة دول أخرى من المنطقة»، معتبرا أن عدم دعوة هذه الدول له «آثاره السلبية على المنتدى لدى الأوساط السياسية ومنظمات المجتمع المدني في دولنا»، وهو التصريح الذي يأتي غريباً في سياق المنتدى وفي مرحلة العلاقات اليمنية الايرانية، فالقربي كان يتحدث في دولة الامارات التي تشهد علاقاتها توترا كبيراً مع طهران على خلفية النزاع على الجزر الثلاث التي تسيطر عليها ايران، وتعدها الامارات محتلة، وفي منتدى تحمل بصمة منشأه العلامة الاميركية، وفي وقت تعيش العلاقات اليمنية الايرانية اسوأ مراحلها، وهو ما يتبدى من خلال تكثيف المحاكمات لجماعات متفرقة اما أنها تضم ايرانيين متهمين بتهريب مخدرات الى اليمن او اخرى متهمة بارتباطها بإيران، كما أن اصابع الاتهام الرسمية بمستوياتها المختلفة لم ترفع بعد عن طهران كداعم اساسي لتمرد الحوثي، او حتى من خلال شركة كهرباء مارب التي تتولاها شركة ايرانية التي وصلت خلافاتها مع الحكومة اليمنية حدا فاصلا يقترب من انهاء العقد.. يبدو الحديث عن ايران هنا محاولة للاشارة الى استقلال اليمن بسياساتها وتوجهاتها بعيدا عن المؤثرات الداخلية والضغوط الخارجية.
وغابت عن اعمال المنتدى الدكتورة كوندوليزا رايس ، التي تقضي ايامها الاخيرة في الوزارة ولا يبدو راجحا حتى اللحظة بحسب استطلاعات الرأي ان جمهوريا سيخلفها فيها، غير ان ذلك لم يعرقل الانعقاد كما حصل الدورة الفارطة في اليمن، وابتعثت بالنيابة مساعدها جون نيغروبونتي..
مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون حقوق الانسان وهو القسم الذي تثير تقاريره السنوية امتعاضا شديدا لدى غالبية الدول العربية، وتعده تدخلا في شؤونها الداخلية، تكفل بالرد على النزعة العربية في الاستقلال "المستحيل" بالمنتدى واهدافه، يقول السيد ديفيد كريمر "منذ 2004 وحتى اليوم حققنا تقدما كبيرا والولايات المتحدة كبلد ستبقى ملتزمة بقوة بارساء الديموقراطية والحرية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لاننا نعتبر ان ذلك جزء من مصلحتنا القومية واعتقد ان دول المنطقة تعتبر الامر كذلك من مصلحتها القومية"، هو اذا بوجه نظر السيد كريمر توافق مبطن يجافي التصريحات المعلنة التي اطلقت في المنتدى وضمنت في توصياته.
دورة المنتدى التي ولدت في المغرب عام 2004، عود الى ذات البلد في دورتها السادسة، وكان البعض من ممثلي الحكومات يراهنون على أن منتدى المستقبل الذي ولد في المغرب عام 2004م سيموت في الإمارات 2008م، وهو مالم يحصل رغم مروره بحالة موت سريري في اليمن، وبحسب عزالدين سعيد الاصبحي منسق اللجنة الإقليمية التحضيرية للمنتدى، فـأن "منتدى الإمارات كان الأقل من حيث الفاعلية بالنسبة للمنتديات السابقة إلا انه نجح في تحديه كافة الصعوبات الجمة".
غير ان نجاح المنتدى من فشله لا زال امرا غير متوافق عليه، وهناك اختلافات كثيرة حول ذلك، ابرزها ما اثير من قبل الوزير القربي حول التنمية والحرب على الارهاب، والاصلاحات المدفوعة من الخارج، ورغم ان توصيات المنتدى انساقت وراء كلمات المشاركين لتؤكد على ضرورة "محلية" الاصلاح، و"عالمية" الدعم، وتحمل مسؤولية إدارته وتفعليه بما يحقق طموحاتها، الا ان الحديث اياه يبدو عاطفيا اكثر واقعي، فالدول العربية تقيم نجاح المنتدى من فشله بمستوى التمثيل الغربي فيه، وهو المبرر الذي الغت به صنعاء منتداها العام الماضي بسببه، هذا ان صح خبر الاعتذار اليمني، وتلك الدول هي ذاتها التي تجتمع وفقا للمبادرة الامريكية(حتى مع اسرائيل كما في مؤتمر انابوليس)، وتغفل ان تمويل المنتدى البالغ 25 مليون دولار القسم الاكبر منه مصدره الولايات المتحدة.
عن الشكوك حول مستقبل المنتدى الذي يرى ناشطون ومسؤولون ان حصيلته متواضعة قال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون حقوق الانسان ديفيد كريمر "مستقبل المنتدى ايجابي لكنه يتطلب استمرارية في التزام دول مجموعة الثماني ودول الشرق الاوسط الكبير والمجتمع المدني كما ان التقدم يتطلب وقتا".
وعن تراجع ارساء الديموقراطية في المنطقة ضمن الاجندة الاميركية خصوصا لصالح الاعتبارات الامنية قال كريمر ان "الامن والديموقراطية والاقتصاد كطاولة لها ثلاثة ارجل (..) لا اعتقد ان هناك في واشنطن اشخاصا جديين يعتقدون ان الديموقراطية قد تقوض الامن"... معلوم في هندسة الاشكال ان مجموع اي ضلعين في مثلث أطول من الضلع الثالث... معلوم بالضرورة ان الضلع الاطول هو ضلع الامن في حين يبقى ضلعا الديمقراطية والاقتصاد هما الضلعان الاقل تاثيرا والذين قل ان يجتمعا معاً لينالا من الضلع الثالث، فمعظم الدول فقيرة مع ديمقراطية اشد فقراً، ولا سطوة الا لضلع الامن الذي يبدو انه بات الاشد وطأة على جميع المكونات بما فيها الضعلين الاخرين ..
وجهة النظر الامريكية تبدو متفائلة، يؤكد ديفيد كريمر لوكالة فرانس برس ان للمنتدى مستقبلا بغض النظر عن هوية الادارة الاميركية، في حين قال جون نيغروبونتي مساعد رايس في كلمة امام المنتدى ان الادارة الاميركية المقبلة "سترث مبادرة قوية وصحية" مشيراً إلى تنظيم انتخابات في الامارات للمرة الاولى وكذلك انتخابات في اليمن والكويت والبحرين وتجارب انتخابية في السعودية وقطر، تلك هي أهم الانجازات التي تحققت في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية كإحدى ثمار المنتدى رغم ان تاريخ بعضها يعود الى عقود قبل ميلاده... ليس معلوما حتى اللحظة مستقبل المنتدى خصوصا في ظل تبعات الازمة المالية التي دخلت في جدول اعمال المنتدى اجباريا، وايضا في ضوء ما ستحمله نتائج انتخابات نوفمبر القادم في اميركا في تحديد الهوية الامريكية التي تحدث عنها كريمر، والتي تشير مؤشراتها الى وصول اول رجل اسود الى البيت الابيض، وهو الرئيس الذي يبدو مختلفا بشكل كبير عن سابقه، ذلك ما يتخوف منه ناشطو المجتمع المدني الاميركي المهتمين باصلاح الشرق الاوسط زالذين بدأوا يتخوفون من وصول باراك أوباما والذي يرونه متحمسا للعودة لمعالجة كثير من الاختلالات في حياة المواطن الاميركي، في حين ستأتي اولويات الاصلاح في اجندته ثانيا وربما اخيراً..
استضافت ابوظبي الاسبوع الماضي، أعمال منتدى المستقبل بدورته الخامسة، بحضور ممثلي 38 دولة، بينها ممثلو الدول الثمان الصناعية الكبرى، وسط تشكيك رسمي بمدى نجاح المنتدى في تحقيق اهدافه، خصوصا في ظل تخفيض التمثيل الرسمي للدول الكبرى، وتركيز عربي على قضية اصلاح "غير مستورد"، كان الاكثر صراحة في التعبير الدكتور ابوبكر القربي رئيس الوفد اليمني المشارك في المنتدى، رئيس الدورة السابقة التي فشلت في الانعقاد في صنعاء اواخر العام الماضي، بيد أن الامريكيين ليسوا اقل صراحة، اذ ردوا بالحديث عن طاولة بثلاثة ارجل الامن والديمقراطية والاقتصاد، التي تحدث عنها الدكتور القربي، ويؤكدون ايضا ان الحفاظ عليها حفاظ على امنهم القومي، واحدى تجلياتها الانتخابات في بلدان الشرق الاوسط بما فيها بعض تلك المنتقد للاصلاح "المستورد"..
فبعد الكلمة الافتتاحية التي القاها وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي تترأس بلاده واليابان الدورة الحالية للمنتدى، والتي اتبر فيها أن الإصلاح في الشرق الأوسط «هو مطلب وطني قبل أي شيء آخر»، كانت كلمة الدكتور القربي الاكثر تذمراً وجرأة وصراحة في التعبير عن مضمون التنويه الحصيف للوزير الاماراتي، إذ أكد، أن مسؤولية المنتدى تقع على عاتق دول المنطقة في المقام الأول وأن عليها تحمل مسؤولية إدارته وتفعليه بما يحقق طموحاتها في الإصلاح والديمقراطية والحريات، مؤكدا أن فرض أي إصلاح لا تقبله دول المنطقة وشعوبها سيكون مصيره الفشل.. مشيرا إلى غياب للدعم الحقيقي للإصلاحات والتحديث خاصة للدول التي بدأت خطوات جادة لتحقيقه "لأنه بدون هذا الدعم المادي سنظل في دائرة الكلام دون الانتقال إلى مرحلة العمل"، كذا وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي صرح للصحفيين على هامش المؤتمر فالمعلم قال للصحفيين «نحن نعيش في منطقة في الواقع ضحية لسياسات تقرر في الخارج دون التشاور مع بلدان المنطقة ونحن نحصد اخطاء هذا الواقع»، مضيفاً: «بالحديث عن منتدى المستقبل، يجب ان يكون مستقبل هذه المنطقة من صنع ابناء هذه المنطقة وبقرار منهم دون اي فرض او وصاية من الخارج»،.
وبأي حال من الاحوال ، تبدو تصريحات الدكتور القربي مرتبطة باستضافة فاشلة لأعمال الدورة الرابعة لمنتدى المستقبل العام الماضي في صنعاء والتي اُجلت لمرتين لتعلن الخارجية اليمنية في نهاية يناير من العام الجاري اعتذار الحكومة عن استضافته بعد تجاوز فترة انعقاده التي كانت مقررة في ديسمبر 2007، وايضا عدم حصولها على موعد جديد من الدول الثمان، اضافة الى الاشكالية المتمثلة في انتقال الرئاسة من المانيا الى اليابان... ورغم ذلك جاء في موجز رئاسة المنتدى أن المشاركن ثمنوا الجهود التي بذلتها الإمارات العربية المتحدة، لاستضافة المنتدى، بما فيها مساهمة اليابان، إضافة الى جهود اليمن وألمانيا، في إطار أعمال الدورة السابقة للمنتدى عام 2007.
خلف الكواليس كان الحديث يدور عن الغاء أميركي لانعقاد المنتدى بنسخته الرابعة ونقل مقر انعقاده الى دولة اخرى لدواع أمنية، بعد موافقة 63 دولة على المشاركة في المنتدى الذي اسسه الرئيس الأمريكي جورج بوش في 2004 كجزء من مبادرته للشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، ويُعرّف بأنه جهد مشترك بين تلك الدول والثمان الصناعية وشركاء آخرين من الدول الديمقراطية من اجل التنمية والتطوير في مجالات الإصلاحات السياسة والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة»....
الحديث عن الالغاء الاميركي لانعقاد المنتدى في صنعاء جاء على خلفية احتدام الجدل بين الادارة الاميركية وصنعاء حول افراج السلطات اليمنية عن المواطن اليمني جمال البدوي الذي تتهمه الولايات المتحدة بالوقوف وراء تفجير المدمرة كول في شواطئ عدن عام 2000، وأجمالا حول ملف الارهاب..
هو ذاته الملف الذي لا يبدو انه اصبح محل ثقة بين واشنطن وصنعاء رغم التقارب النسبي الاخير بعد ان تمكنت قوات الامن اليمنية من قتل خلية القعيطي وجماعة من رفاقه في اغسطس الماضي، والقعيطي هو احد الفارين من سجن الامن السياسي في فبراير 2006، ويتهم بالوقوف وراء هجوم فاشل بالقاذفات استهدف السفارة الاميركية في مارس 2008، ومن بعده الهجوم الذي استهدف السفارة الاميركية 17 مارس الماضي..
ورغم ان السلطات الرسمية اليمنية تؤكد أن الهجوم الاخير، الذي تؤكد على وصفه بالفاشل، عزز من مستويات التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب، إلا ان هناك تشويشا جلياً في مدى مستوى العلاقات بين الجانبين، والمجتمع الدولي بشكل عام، اذ تولي تلك الدول، في علاقاتها مع اليمن على الاقل، اولوية قصوى لمكافحة الارهاب على تقديم المساعدات التنموية والانسانية.
ذلك ما عبر عنه بصيغة اخرى وزير الخارجية ابوبكر القربي بالحديث عن "دول في المنطقة -منها الجمهورية اليمنية- لم تحظ بالدعم الكافي سواء لبرامجها التنموية الطموحة أم لجهودها في مكافحة الإرهاب أم للأعباء الكبيرة التي تتحملها نتيجة الأوضاع في القرن الأفريقي.
منظمات المجتمع المدني التي عقدت منتداها الموازي في دبي أيضاً، حظيت بنصيب من نقد الوزير القربي، بشكل أثار حفيظتها، اذ شدد على ضرورة ان يكون عمل منظمات المجتمع المدني متوافقا مع القوانين والدساتير السائدة في بلدانها وألا يتم التعامل معها وكأنها وسائل للضغط على الحكومات، مؤكداً ضرورة رفض مبدأ إستقواء منظمات المجتمع المدني بالخارج لأن ذلك سيقوض من مكانتها في مجتمعاتها ويضر بدورها الهام وشراكتها مع الحكومات في مسيرة الإصلاح والتنمية؛ لأن منظمات المجتمع المدني يجب أن تنطلق في نشاطها من مبدأ التكامل والشراكة مع الحكومات والالتزام بالقانون". هذا الامر يرتبط باحراج وضغط كبيرين تعرضت له الحكومة اليمنية من قبل منظمات المجتمع المدني اليمن وبقية دول العالم على خلفية عدد من القضايا وابرزها سجن الصحفي عبدالكريم الخيواني بتهمة الارتباط بخلية ارهابية، وكانت سفارة اليمن في الولايات المتحدة الامريكية من اكثر السفارات تضررا وتعرضا للضغوط من قبل منظمات المجتمع المدني الامريكية، وقد اعلنت الخارجية الامريكية موقفا مستاءا من تلك المحاكمة.
منظمات المجتمع المدني في اجتماعها الموازي، التي تميزت بحضور يمني اثار استياء الخارجية الاماراتية، ، طبقا لموقع نيوز يمن، لجهة كثرة العدد ومنع الوفد اليمني من المشاركة، الا في حال تقليص "العدد اليمني"، لم تفوت تصريحات القربي دون نقاش، فقد ذكرت صحيفة الشرق الاوسط ان "ممثلي مؤسسات المجتمع المدني رفضوا الانتقاد اللاذع الذي وجهه إليهم وزير الخارجية اليمني، عندما طالبهم بالألتزام بالدساتير والأنظمة في دولهم، واستغربوا تصريحاته في جلسة مغلقة، معتبرين أنهم ملتزمين بهذه الدساتير، متهمين في الوقت ذاته بعض الحكومات بعدم الالتزام بالأنظمة والدساتير ولديها خروقات قانونية واضحة.
المشاركون في اجتماع دبي الموازي استاؤوا لطغيان الهيمنة الرسمية والقبضة الأمنية الشديدة وسوء الإدارة الحكومية حيث عانى المشاركون، في مؤتمر مخصص للدمقرطة والاصلاح، منع دخول الصحفيين او توزيع أي وثائق او معلومات داخل القاعة مع رقابة أمنية لصيقة والتدخل المستمر بأعمال المجتمع المدني الذي قالوا إنه بقي خلال السنوات الماضية في المغرب والبحرين والأردن واليمن(حيث عقد الموازي ولم يعقد الاساسي) يتصف باستقلالية وحرية تامة وبدون أي تدخلات رسمية..
واستمر الدكتور القربي بحديثه الصريح، إذ اشارإلى عدم دعوة إيران لحضور أعمال المنتدى، حيث انتقد، وطبقا لصحيفة "الشرق الاوسط" ايضا، «عدم دعوة دول أخرى من المنطقة»، معتبرا أن عدم دعوة هذه الدول له «آثاره السلبية على المنتدى لدى الأوساط السياسية ومنظمات المجتمع المدني في دولنا»، وهو التصريح الذي يأتي غريباً في سياق المنتدى وفي مرحلة العلاقات اليمنية الايرانية، فالقربي كان يتحدث في دولة الامارات التي تشهد علاقاتها توترا كبيراً مع طهران على خلفية النزاع على الجزر الثلاث التي تسيطر عليها ايران، وتعدها الامارات محتلة، وفي منتدى تحمل بصمة منشأه العلامة الاميركية، وفي وقت تعيش العلاقات اليمنية الايرانية اسوأ مراحلها، وهو ما يتبدى من خلال تكثيف المحاكمات لجماعات متفرقة اما أنها تضم ايرانيين متهمين بتهريب مخدرات الى اليمن او اخرى متهمة بارتباطها بإيران، كما أن اصابع الاتهام الرسمية بمستوياتها المختلفة لم ترفع بعد عن طهران كداعم اساسي لتمرد الحوثي، او حتى من خلال شركة كهرباء مارب التي تتولاها شركة ايرانية التي وصلت خلافاتها مع الحكومة اليمنية حدا فاصلا يقترب من انهاء العقد.. يبدو الحديث عن ايران هنا محاولة للاشارة الى استقلال اليمن بسياساتها وتوجهاتها بعيدا عن المؤثرات الداخلية والضغوط الخارجية.
وغابت عن اعمال المنتدى الدكتورة كوندوليزا رايس ، التي تقضي ايامها الاخيرة في الوزارة ولا يبدو راجحا حتى اللحظة بحسب استطلاعات الرأي ان جمهوريا سيخلفها فيها، غير ان ذلك لم يعرقل الانعقاد كما حصل الدورة الفارطة في اليمن، وابتعثت بالنيابة مساعدها جون نيغروبونتي..
مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون حقوق الانسان وهو القسم الذي تثير تقاريره السنوية امتعاضا شديدا لدى غالبية الدول العربية، وتعده تدخلا في شؤونها الداخلية، تكفل بالرد على النزعة العربية في الاستقلال "المستحيل" بالمنتدى واهدافه، يقول السيد ديفيد كريمر "منذ 2004 وحتى اليوم حققنا تقدما كبيرا والولايات المتحدة كبلد ستبقى ملتزمة بقوة بارساء الديموقراطية والحرية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لاننا نعتبر ان ذلك جزء من مصلحتنا القومية واعتقد ان دول المنطقة تعتبر الامر كذلك من مصلحتها القومية"، هو اذا بوجه نظر السيد كريمر توافق مبطن يجافي التصريحات المعلنة التي اطلقت في المنتدى وضمنت في توصياته.
دورة المنتدى التي ولدت في المغرب عام 2004، عود الى ذات البلد في دورتها السادسة، وكان البعض من ممثلي الحكومات يراهنون على أن منتدى المستقبل الذي ولد في المغرب عام 2004م سيموت في الإمارات 2008م، وهو مالم يحصل رغم مروره بحالة موت سريري في اليمن، وبحسب عزالدين سعيد الاصبحي منسق اللجنة الإقليمية التحضيرية للمنتدى، فـأن "منتدى الإمارات كان الأقل من حيث الفاعلية بالنسبة للمنتديات السابقة إلا انه نجح في تحديه كافة الصعوبات الجمة".
غير ان نجاح المنتدى من فشله لا زال امرا غير متوافق عليه، وهناك اختلافات كثيرة حول ذلك، ابرزها ما اثير من قبل الوزير القربي حول التنمية والحرب على الارهاب، والاصلاحات المدفوعة من الخارج، ورغم ان توصيات المنتدى انساقت وراء كلمات المشاركين لتؤكد على ضرورة "محلية" الاصلاح، و"عالمية" الدعم، وتحمل مسؤولية إدارته وتفعليه بما يحقق طموحاتها، الا ان الحديث اياه يبدو عاطفيا اكثر واقعي، فالدول العربية تقيم نجاح المنتدى من فشله بمستوى التمثيل الغربي فيه، وهو المبرر الذي الغت به صنعاء منتداها العام الماضي بسببه، هذا ان صح خبر الاعتذار اليمني، وتلك الدول هي ذاتها التي تجتمع وفقا للمبادرة الامريكية(حتى مع اسرائيل كما في مؤتمر انابوليس)، وتغفل ان تمويل المنتدى البالغ 25 مليون دولار القسم الاكبر منه مصدره الولايات المتحدة.
عن الشكوك حول مستقبل المنتدى الذي يرى ناشطون ومسؤولون ان حصيلته متواضعة قال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون حقوق الانسان ديفيد كريمر "مستقبل المنتدى ايجابي لكنه يتطلب استمرارية في التزام دول مجموعة الثماني ودول الشرق الاوسط الكبير والمجتمع المدني كما ان التقدم يتطلب وقتا".
وعن تراجع ارساء الديموقراطية في المنطقة ضمن الاجندة الاميركية خصوصا لصالح الاعتبارات الامنية قال كريمر ان "الامن والديموقراطية والاقتصاد كطاولة لها ثلاثة ارجل (..) لا اعتقد ان هناك في واشنطن اشخاصا جديين يعتقدون ان الديموقراطية قد تقوض الامن"... معلوم في هندسة الاشكال ان مجموع اي ضلعين في مثلث أطول من الضلع الثالث... معلوم بالضرورة ان الضلع الاطول هو ضلع الامن في حين يبقى ضلعا الديمقراطية والاقتصاد هما الضلعان الاقل تاثيرا والذين قل ان يجتمعا معاً لينالا من الضلع الثالث، فمعظم الدول فقيرة مع ديمقراطية اشد فقراً، ولا سطوة الا لضلع الامن الذي يبدو انه بات الاشد وطأة على جميع المكونات بما فيها الضعلين الاخرين ..
وجهة النظر الامريكية تبدو متفائلة، يؤكد ديفيد كريمر لوكالة فرانس برس ان للمنتدى مستقبلا بغض النظر عن هوية الادارة الاميركية، في حين قال جون نيغروبونتي مساعد رايس في كلمة امام المنتدى ان الادارة الاميركية المقبلة "سترث مبادرة قوية وصحية" مشيراً إلى تنظيم انتخابات في الامارات للمرة الاولى وكذلك انتخابات في اليمن والكويت والبحرين وتجارب انتخابية في السعودية وقطر، تلك هي أهم الانجازات التي تحققت في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية كإحدى ثمار المنتدى رغم ان تاريخ بعضها يعود الى عقود قبل ميلاده... ليس معلوما حتى اللحظة مستقبل المنتدى خصوصا في ظل تبعات الازمة المالية التي دخلت في جدول اعمال المنتدى اجباريا، وايضا في ضوء ما ستحمله نتائج انتخابات نوفمبر القادم في اميركا في تحديد الهوية الامريكية التي تحدث عنها كريمر، والتي تشير مؤشراتها الى وصول اول رجل اسود الى البيت الابيض، وهو الرئيس الذي يبدو مختلفا بشكل كبير عن سابقه، ذلك ما يتخوف منه ناشطو المجتمع المدني الاميركي المهتمين باصلاح الشرق الاوسط زالذين بدأوا يتخوفون من وصول باراك أوباما والذي يرونه متحمسا للعودة لمعالجة كثير من الاختلالات في حياة المواطن الاميركي، في حين ستأتي اولويات الاصلاح في اجندته ثانيا وربما اخيراً..