الاثنين، 16 يناير 2012

قانون نقص المناعة ..

قانون نقص المناعة ..

سامي نعمان

تمنح الحصانة دستورياً وقانونياً لحماية مسؤولين في سلطات الدولة؛ لتمكينهم من أداء مهامهم باستقلالية (النواب والقضاة) عن السلطة التنفيذية.. وترفع في حالة التلبس الجلي بجرم، أو بانتهاء فترة العمل الذي يقتضي الحصانة.. بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين من الرؤساء والوزراء فإن الدستور يسمح بمحاكمتهم وفقاً لقرار اتهام يوافق عليه ثلثا النواب..

في اليمن يراد للعفو أن يصبح حصانة - إرضاءً لغرور من اعتادوا إشعال الحروب والعفو عن الضحايا، كأن الأمر مجرد فائض امتياز لا أكثر - تعفي مسؤولين تنفيذيين بمختلف مستوياتهم من تحمّل مسؤولية جرائم وأخطاء “مفترضة” ارتكبت أثناء توليهم مناصبهم، بفعل سوء استغلال كثير منهم لسلطاتهم خارج محددات الدستور والقانون، وبالتالي سيتمتعون بتلك الحصانة بعد مغادرة مناصبهم كما هو مفترض..

لكن كيف ينظر المشمولون بقانون الحصانة - المقر وفقاً للمبادرة الخليجية - إلى السجالات الدائرة حوله في مجلس النواب، في ظل التأكيدات القانونية أن تشريعاً كهذا سيكون بلا قيمة، بل هو مشروع إدانة أكثر منه حماية؟!

التساؤل هنا عن موقف المحصنين وهم يرون نواباً في البرلمان ووزراء في الحكومة، بينهم محسوبون على جناح المشمولين إياهم بالقانون، يتجنبون التعامل مع مسودة القانون بل وحتى قراءتها في المجلس.. لكأني أخال هذا القانون مصاباً بداء نقص المناعة “الإيدز”، في مجتمع لم يألف التعايش مع مصابين بهذا النوع من المرض، ولم تصله بعد منظمات حقوقية معنية بإقناع الناس بثقافة التعايش مع المصابين بهذا المرض كحق إنساني لهم..

وكيف يقرأ المشمولون مطلقاً بالحصانة المواقف الدولية المعلنة حوله.. أهي خرق لحدود العقل؟ أم بطولة أنجزت ما لم تستطعه الأوائل والأواخر.. شخصياً أعجز عن فهم طريقة تفكير الرئيس ومن عمل معه، وكيف يتفق ذلك مع ما يشيعه البعض عن ذكاء فطري حاد يتمتع به الرجل!!

بغض النظر عن فعالية القانون ومشروعيته، كيف يقبل الرجل ومن معه أن يختم مشواره بأن يكون محل جدل سلبي كهذا؟.. قانون منبوذ يعافه أنصاره ومعارضوه، يتعاملون معه كشبهة، كمفسدة صغرى مباحة لدرء ما هو أكبر، كدليل إدانة.. أنصاره يقولون إنهم لا يحتاجونه، ويسخرون منه، ويصرون على تمريره في نفس الوقت.. أي انتصار سيسجله “الصقور” في شوط إضافي لا يكفي لإسعاف رأس حربة الهجوم مصاباً في جبهة الدفاع.. سيُنجزون قانوناً أخرق عديم المناعة، فقير القيمة، لا يتعدى نفوذه حدود البلد، تماماً كالريال اليمني أحد ضحايا المشمولين بالعفو..

أمريكا حليفة النظام الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب لما يناهز العقد، تؤيد القانون وتؤكد على ثمن باهظ يتكبده الصقور، وهو تخلي المشمولين بالعفو عن مناصبهم وترك العمل السياسي، وهو ما يرفضه المحصنون الأذكياء الذين يصرون على شعارهم المفضل “أشتي لحم من كبشي، وأشتي كبشي يمشي”!! لكنها في المقابل أثبتت حسن نواياها تجاه مدى مشروعية القانون على أراضيها بجدل كبير ومستفز حول طبيعة زيارة الرئيس صالح لأراضيها وصفته.. هل هو رئيس أم طالب علاج إنساني..

أما السفير الألماني بصنعاء يعتقد أنه ليس من السهل منح الحصانة لأشخاص ارتكبوا انتهاكات ضد حقوق الإنسان، ويرى أن بند الحصانة يمثل الجانب السلبي للمبادرة... وتعليقاً عليه، انبرى مصدر مجهول باسم المؤتمر يجتر تاريخ حزب طاعن في الحكم، ويوشك على التقاعد لبلوغه سنه، ليطالب وزارة الخارجية بطرد السفير الألماني”غير الحصيف، وغير المعتمد” حتى الآن وفقاً لمقلب بلعه السفير وآخرون رفضوا تقديم أوراق اعتمادهم للرئيس وفقاً لشرط الخارجية، وأصروا على تقديمها للرئيس الفعلي هادي، فكان أن تراجعوا، ومن قبل بالشرط ذاته سلم أوراق اعتماده للنائب نكاية بمن رفض!.

هذا القانون يتحفظ عليه مسؤولو حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، رغم شراكة منظمتهم في صياغة آلية تنفيذ المبادرة، ويعتبرونه مخالفاً لالتزامات البلاد بالقانون الدولي الإنساني وسياسية الأمم المتحدة.. وتحرض ضده منظمات حقوقية مستقلة ومرموقة كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فهو - بنظرها- إما صفعة في وجه العدالة، وإما ريال يمني لا يصرف خارج الحدود، وكذا إهانة للضحايا وأقاربهم، تستوجب المحاكمة لا المكافأة بترخيص يرخص القتل..

ورغم أن هيومن رايتس أسدت نصيحة مجانية للمشمولين بالعفو، بعدم جدوى القانون للبحث عن مخرج طوارئ آخر، إلا أنها اُتهمت من قبل مصدر رئاسي بالتحالف مع الحاكم العسكري الأمريكي للعراق بول بريمر وشركة بلاك ووتر الأمنية، حيث كانت مهمتها التغطية على جرائمهم بحق العراقيين، وجرائم الإسرائيليين في غزة، وكشفت بصوت عال عن الجرائم في اليمن..الرئاسة المنتهية ردت بمنطق عقيم خلا من أي حجة، وأراد للمنظمة أن تصمت عن جرائم النظام، كما صمتت - وفقاً لتجنياته - عن جرائم جيش احتلال قتل وأساء معاملة من يظنهم أعداءه.

لماذا يتجنب نظام الرئيس علي عبدالله صالح اتخاذ مواقف ترفع رصيده، من قبيل تقديم الاستقالة وفقاً للمبادرة، ويصر على الحصول على حصانة، تعتبر من أعمال السيادة؟.. مع أن مصدراً قضائياً أكد لي أن المادة الثانية من هذا القانون مهمتها تحسين ظروف الطعن فيه؛ كونه لا شيء في الدستور والقانون يسمى أعمال سيادة، وعدّ القاضي إياه هذا القانون طعناً في نعش السلطة القضائية المتهالكة باسم الاستقلالية..

كما تذاكى الرئيس على بند الاستقالة المهمة له قبل الشعب، وحولها من استقالة خلال ثلاثين يوماً إلى إقالة مبكرة خلال تسعين يوماً وبانتخابات شكلية، لا قيمة لها سوى إرضاء غرور صندوق الانتخابات المهان.. كان الأولى به أن يتحاذق على بند قانون الحصانة بطلب الضمانات من بعض دول الخليج التي ستتطوع بكل الضمانات المطلوبة لإنجاح المبادرة كإنجاز خليجي، ويتجنب بذلك جدل القانون محلياً ودولياً، وسترتب إقامة دائمة ومشرفة له، ولرموز نظامه الذين يحبهم، مع أني أعتقد أنه لا يفكر بأحد، ولا يهمه قيران والعوبلي والبركاني والصوفي، ولا يأبه بأي وادٍ هلكوا..

دول الخليج ستضمن - دون ضجيج - عدم التعامل مع أي دعاوى ضده محلياً أو دولياً، ولن يكون أقل شأنا لديها من زميله ورفيق دربه لزهاء ربع قرن الرئيس التونسي بن علي الذي حل ضيفاً عزيزاً باتصال من الطائرة خلال بضع دقائق دون الحاجة لضمانات أو مبادرات أو سفريات أو علاج وعمليات، وسيسلم من الملاحقات والمحاكمات والتجاذبات المستفزة حول قانون العفو، الذي سيفضي في النهاية إلى ذات المآل، لكن على طريقة جحا حين أشار إلى أذنه..

ما كان أغناهم عن قانون كهذا.. يدركون أنه لن يجعلهم بمنأى عن تبعات ماضٍ كئيب ومظالم متراكمة، ستلازمهم بقية حياتهم ككابوس مؤرق مثقل بجرائم وحروب ودماء وفساد وفقر وإرهاب وظلم..

لكنها الأعمال بخواتيمها.. وبالنسبة لنظام أدار البلد بالأزمات والحروب، وكافأ شعبه نهاية فترة حكمه الطويلة بقصف صدورهم العارية بالقذائف، فإن مآلات قانون مشبوه سيء السمعة - كهذا - هي الأكثر ملاءمة كخاتمة عقود من حكم طالما وصفه رئيسه بأنه “رقص على رؤوس الثعابين”.

saminsw@gmail.com

الجمهورية الإثنين 16 يناير-كانون الثاني 2012

http://algomhoriah.net/articles.php?id=27358

ليست هناك تعليقات: