لم تمض سوى بضعة أيام على تصريح أطلقه الرئيس عبدربه
منصور هادي، أكد فيه انحسار نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، مقارنة بالعامين
الماضيين، وهجرة عناصره إلى دول أخرى، حتى كانت مجموعة مسلحة، غالبيتها سعوديون،
تشن هجوماً نوعياً، هو الأكثر جرأة، مستهدفاً مجمع وزارة الدفاع، في عمق صنعاء،
العاصمة.
وأثار الهجوم العديد من الهواجس لدى السلطات اليمنية،
وشركائها في الحرب على «الإرهاب»، حول مدى قدرة التنظيم على تنفيذ ضربات نوعية،
تشكل تهديداً حقيقياً للاستقرار السياسي في البلد الذي يشهد مرحلة انتقالية شديدة
الخطورة، في ظل تحديات اقتصادية وأمنية واجتماعية معقدة.
هادي أكد، في 22 نوفمبر الماضي، انحسار نشاط التنظيم في
اليمن، مقارنة بعامي 2011-2012، حينما سيطرت «القاعدة» على محافظة أبين، تبعاً
للحملة العسكرية التي شنتها قوات الجيش ضد معاقل التنظيم هناك، حتى تمكنت من دحرهم
منتصف عام 2012.
وأشار أن ذلك دفع عناصر التنظيم للهجرة إلى مناطق أخرى
تشهد اضطرابات مثل سوريا ومصر، وليبيا والمغرب العربي ومناطق أخرى.
قاعدة اليمن وجهة مفضلة للمسلحين الموالين
غير أن اليمن، ورغم تصريحات الرئيس هادي، لازالت تحضر
كوجهة مفضلة وأكثر ملاءمة للكثير من العناصر الراغبة في الالتحاق بمسلحي تنظيم
القاعدة في جزيرة العرب، ومقره اليمن، الذي تألف من اندماج فرعي التنظيم في اليمن
والسعودية، ويصنف كأخطر فروع التنظيم في العالم، بعد أن أصبح خطره متجاوزاً لحدود
القارات.
نهاية الأسبوع الماضي، قالت أجهزة الأمن الجزائرية إنها
اعتقلت أعضاء خلية مكونة من عشرة أشخاص في ولاية الوادي الصحراوية في أقصى جنوب
شرق البلاد على الحدود مع تونس، كانت تخطط لإرسال مسلحين للانضمام إلى تنظيم «القاعدة»
في اليمن.
وفقاً لوكالات الأنباء، فإن أجهزة الأمن الجزائرية تحقق
في ما إذا كانت المجموعة تعد حلقة في شبكة تعمل على نقل المتشددين إلى اليمن،
للمرة الأولى بعد أن كان الأمن هناك يضبط خلايا مشابهة، لكنها كانت تحدد عادة
العراق كوجهة لإرسال جموع المسلحين الساعين للارتباط بالقاعدة.
والسبت، أشادت وزارة الخارجية الليبية، السبت، بإفراج
السلطات اليمنية عن ثلاثة سجناء ليبيين، دون أن توضح ظروف وملابسات اعتقال
مواطنيها أو الإفراج عنهم، رغم أن الأخبار التي تناقلتها وسائل الاعلام، مطلع
سبتمبر الماضي، أشارت لضبط ثلاثة ليبيين شمال صنعاء، كانوا في طريقهم إلى محافظة
مأرب. وقال مصدر أمني حينها إنهم ينتمون لتنظيم القاعدة «وضبطوا وبحوزتهم مبلغ 250
ألف دولار أميركي».
اضطرابات 2011.. سيطرة القاعدة وزيادة
الوافدين
خلال الأعوام الماضية، انتقل العشرات من العناصر المؤيدة
للقاعدة، إلى اليمن، بعد أن وجدت فيها بيئة خصبة لنشاطها، بما تتيحه تضاريسها
الجغرافية الشاسعة والمتباينة، والتركيبة الاجتماعية المعقدة، وضعف سلطة الحكومة
المركزية على أراضيها، وتدهور علاقتها بالتكوينات القبلية، من حرية لتلك العناصر
في التجمع والتدريب والحركة والتخطيط بشكل أكثر فعالية.
وبدخول البلاد، مطلع عام 2011، في موجة احتجاجات شعبية،
للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، استغل عناصر القاعدة حالة
الاضطراب السياسي، وتركيز حكومة صالح الضعيفة على مواجهة الاحتجاجات، لإعلان
سيطرتها على محافظة أبين وأجزاء في محافظة شبوة.
وبعد انتقال السلطة من صالح إلى نائبه هادي، الذي حظي
بتوافق ودعم سياسي واسع، وفقاً للتسوية السياسية التي رعتها دول الخليج، ومجلس
الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، تمكنت قوات الجيش، وبدعم من شركائها في مكافحة
الإرهاب وأبرزهم الولايات المتحدة، من تحرير المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ
القاعدة في أبين وشبوة منتصف عام 2012.
غير أن القاعدة لم تخسر كثيراً، وهي التي لم يعرف عنها
سعيها لحكم مناطق واسعة بشكل نظامي، وما يمثله ذلك من خطورة على عناصرها في أي
مواجهة عسكرية، وهي التي ألفت أسلوب الهجمات الخاطفة، إذ أعادت ترتيب صفوفها في
جيوبها الجبلية الخفية، وبدأت تخطط لتنفيذ عملياتها، رغم تضييق حركتها خصوصاً من
قبل الطائرات الأميركية بدون طيار.
فبعد أيام من ذلك الانتصار، تمكن شاب انتحاري من تفجير
نفسه بسيارة قائد المنطقة الجنوبية اللواء سالم قطن، الذي قاد عمليات الجيش ضد في
أبين، ما ادى لمقتله، وذكرت المعلومات حينها أن الانتحاري صومالي الجنسية.
خلال فترة المواجهات، كانت السلطات الأمنية والعسكرية
اليمنية تتحدث عن وصول مقاتلين من جماعة الشباب المسلم الصومالية إلى اليمن للقتال
إلى جانب عناصر القاعدة في أبين، كذلك، أكد صحفيون ومهتمون زاروا مناطق نفوذ
القاعدة حينها، انهم وجدوا مقاتلين ومتخصصين في مجالات مختلفة، من جنسيات عربية
وأجنبية عديدة، التحقوا بصفوف التنظيم، ودخلوا البلاد بطرق مختلفة.
بداية القلق الصريح من الانتقال الى اليمن
انتقال المقاتلون الأجانب إلى اليمن للانضمام لفرع
التنظيم القائم فيها، ليس حدثاً طارئاً تبعاً لاضطرابات 2011، إذ سبق أن صرح
مسؤولون في الإدارة الأميركية منتصف 2009، أن العشرات من عناصر القاعدة وطالبان
غادروا باكستان إلى الصومال واليمن تحت وطأة الضربات العسكرية الأميركية هناك.
وأكد مسؤولون أميركيون لجريدة نيويورك تايمز حينها أن
عناصر القاعدة في باكستان واليمن والصومال ينسقون التحركات فيما بينهم، منادين
بمنع التنظيم من الحصول على مأوى جديد له في اليمن، ذات الحكومة الضعيفة، التي لا
تبسط نفوذها على مساحات واسعة من أراضيها أو الصومال، التي تشهد نمواً لحركة
الشباب المجاهدين التي تحارب حكومة شيخ شريف احمد المعتدلة.
وخلال العامين الماضيين، شنت طائرات أميركية من دون طيار
غارات مكثفة على أهداف مفترضة لتنظيم القاعدة، وقتل فيها العشرات، وأفادت تقارير
رسمية وإعلامية بمقتل العديد من الأجانب في تلك الغارات، أغلبهم سعوديون.
تلك الغارات بما شكلته من ضربات موجعة للتنظيم أودت
بالعديد من قياداته، وحدت من حركته ونشاطه بشكل كبير، إضافة لجهود قوات الأمن
والجيش اليمني، لم تكن كافية للحد من خطورة التنظيم الذي واصل عملياته داخلياً
ضارباً أهدافاً حساسة، واستمر تهديده متجاوزاً لحدود اليمن، ومثيراً لقلق الإدارة
الأميركية بشكل كبير.
تهديد عابر للقارات.. وتقنيات تتجاوز
الاحتياطات
أواخر عام 2009، فشل الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد
المطلب في محاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية وهي في طريقها إلى ديترويت، بإخفاء
متفجرات في ملابسه الداخلية، واعترف حينها للمحققين بأن حوالي 20 انتحاريا آخرَين
تدربوا في اليمن على تنفيذ هجمات مماثلة.
وأثارت قدرات التنظيم الفائقة على ابتكار عبوات ناسفة
يصعب على أجهزة الفحص الأمني اكتشافها، المزيد من المخاوف الغربية حول إمكانيات
فرع التنظيم في اليمن، وقدرته على تطوير تقنياته تتجاوز التقنيات الأمنية،
مستعيناً بخبرات أجنبية.
وفي مايو من عام 2012 كشف مسؤولون أميركيون إنه تم إحباط
مخطط لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقرا له، لتفجير طائرة
ركاب مدنية متجهة إلى الولايات المتحدة أو بلد غربي آخر باستخدام عبوة متطورة يصعب
رصدها، أطلق عليها «قنبلة الملابس الداخلية».
وقال مسؤولون أميركيون إن التنظيم يعمل على تصميم عبوات
ناسفة يمكن زرعها في أجساد انتحاريين لضرب أهداف في اليمن والسعودية وفي الولايات
المتحدة واوروبا.
ويحضر اسم السعودي ابراهيم عسيري، في دوائر الاستخبارات
الغربية باعتباره المسؤول عن تطوير تلك التقنيات، التي استخدمت في محاولة تفجير
طائرة الركاب التي قام بها النيجيري عبد المطلب، او محاولة اغتيال مساعد وزير
الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، وكلاهما عام 2009.
وعيد بهجمات تغيير مجرى التاريخ..
ومطلع أغسطس الماضي، أغلقت الولايات المتحدة الأميركية
سفاراتها في أكثر من 20 بلداً معظمها في منطقة الشرق الأوسط، ونحت منحاها دول
غربية عدة، بعد رصد مكالمات لقيادات في القاعدة توعدت فيها بتنفيذ هجوم كبير يغير
مجرى التاريخ.
وكشف الرئيس هادي أن تلك الإجراءات ترجع لمحادثة هاتفية
تعهد فيها زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي بتنفيذ هجوم «يغير وجه
التاريخ»، خلال اتصاله بقائد التنظيم المركزي أيمن الظواهري، الذي يعتقد انه يقيم
في باكستان.
وتحدث هادي حينها، أن قوات الأمن ضبطت بعد ذلك سيارتين
تحمل كل واحدة منهما سبعة أطنان من المتفجرات، تم تدمير الأولى التي كانت تعتزم
مهاجمة ميناء الضبة النفطي بحضرموت، فيما اتجهت الأخرى إلى صنعاء ولا يزال مصيرها
غير معروف، وكشف هادي إن السلطات ضبطت الخلية التي كانت مكلفة بتهريبها إلى
المدينة، موضحاً أن ذلك التهديد أرعب الأميركيين ودفعهم لإغلاق سفاراتهم.
استهداف وزارة الدفاع.. حتمية تقييم
استراتيجيات المواجهة
وجاءت العملية الأخيرة التي استهدفت وزارة الدفاع
اليمنية، بعد أيام فقط من تصريح الرئيس هادي، بانحسار نشاط تنظيم القاعدة في
اليمن، لتعيد مجدداً التنظيم إلى صدارة الأخطار المحتملة، إذ قال مسؤول دفاعي
أمريكي كبير إن الجيش الأمريكي رفع حالة التأهب الإقليمية في صفوف قواته بعد تلك
الهجمة.
ونقلت وكالة رويترز على المسؤول قوله إن «جيش الولايات
المتحدة مستعد تماما لدعم شركائنا اليمنيين في أعقاب هذا الحادث».
تلك العملية، وقبلها، مطلع اكتوبر الماضي، اقتحام مقر
المنطقة العسكرية الثانية بالمكلا، تدفع باتجاه إعادة تقييم مستوى خطورة التنظيم،
وقدرته على تشكيل خطر حقيقي للأمن في اليمن والعالم.
وتبعاً لذلك فإن الأمر الأكثر إلحاحا هو أعادة دراسة
استراتيجية مكافحة الإرهاب، والتزامات الشراكة، بما يعطي أولوية لتعزيز قدرات قوات
الجيش والأمن اليمني، وكفاءتها وتحديث إمكانياتها، بما يمكنها من أداء دورها في
مكافحة الإرهاب على أراضيه، ضمن مجموعة إجراءات، تراعي الأوضاع السياسية المتأزمة
في البلاد، ولا يطغي فيها الحل الأمني على الوضع الاقتصادي باعتباره أساساً
للمشكلة، التي تُبقي اليمن كحاضنة أكثر ملائمة للعناصر الموالية لتنظيم القاعدة من
الدول الأخرى، وتبقي معه خطراً قائماً يهدد أمن ومصالح اليمن والعالم.
==========
نشر التقرير في صحيفة المصدر اليومية، واعيد نشره في موقعها الالكتروني على الرابط التالي:
http://almasdaronline.com/article/52656
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق