الأربعاء، 12 أغسطس 2009

القلق الغربي المشترك: فشل الدولة سيخلق بيئة ملائمة للقاعدة

بريطانيا كلفت المسؤول السابق عن العراق بملف اليمن، وأمريكا ابتعثت نائب وكالة الاستخبارات مرتين في ستة أشهر..


لقاء رسمي جمع العليمي والقربي بسفراء بريطانيا والمانيا والمحققين الامنيين في يوم اجازة رسمية



كتب سامي نعمان (نشر في جريدة النداء)


تحتل اليمن هذه الأيام مستوى عالٍ في اهتمام صناع القرار في الدول الغربية، في ظل متغيرات محلية باعثة للقلق، ومن المحتمل أن تتسبب في الاضرار بمصالح تلك الدول، ليس في اليمن فحسب وإنما على مستوى العالم، ويأتي في ناصية محاور الاهتمام تلك، القلق من تحول اليمن إلى بيئة مفضلة لنشاط تنظيم القاعدة، حال استمرت الاوضاع الامنية بالتدهور، وبالتأكيد، فإن القضية في الوقت الحالي تعدت مشكلة الوضع الامني وفوبيا الارهاب، إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في بيئة مؤهلة للصراع، ولم يعد من السهولة بمكان التعامل مع الخرق الامني – رغم أولويته بالنسبة لهم- وإغفال ازمات البلاد الاخرى..


وشهد هذا الاسبوع لقاءات رسمية ببعض السفراء الغربيين.. وعلى شحة المعلومات التي تنشر في وسائل الاعلام الرسمية عن اللقاءات الحكومية مع مختلف الاطراف، خصوصا الوفود والسفراء الغربيين، وايضاً رتابة اخراج اخبار تلك اللقاءات، كان لافتاً ان يعقد لقاء رسمي استثنائي و"طارئ" في يوم إجازة رسمية، الجمعة الماضية، جمع نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والامن الدكتور رشاد العليمي - المكلف حالياً برئاسة الحكومة في ظل اجازة الدكتور مجور- ومعه وزير الخارجية الدكتور ابوبكر القربي، بسفراء بريطانيا وألمانيا وفريقا التحقيق التابعين للبلدين في قضية الاختطاف الغامض لتسعة أطباء في صعده قبل شهرين تقريباً، وقتل ثلاثة منهم، واستمرار الاختفاء للستة الباقين، في ظروف غير طبيعية وجغرافيا غير خاضعة لسيادة الدولة بشكل شبه تام..


لقد حمل هذا الاجتماع رسالة جادة من الطرفين المعنيين بالقضية، غير ما نقلته وكالة سبأ عن اشادتهما بمستوى التعاون مع فريقي التحقيق: الاوضاع لا تحتمل التأخير.


بحسب المعلومات التي حصلت عليها النداء، فإن فرق التحقيق وصلت الى طريق مسدود، فاشتعال المعركة في صعده تحول دون تمكنهم من القيام بالمهمة الموكلة اليهم، وتشكل الاوضاع الأمنية المتدهورة هناك خطراً على حياة أعضاء فريق التحقيق، وتحد بشكل شبه تام من قدرتهم على تتبع خيوط الجريمة، وبحسب مصدر خاص بالنداء لا يؤمل الجانبان على بقائهم أحياء، ويرجحان فرضية ان تكون الجثث قد رميت او دفنت في مكان ما في إطار منطقة الصراع، أو أي من المناطق القبلية المجاورة التي لا تخضع لسيطرة الدولة، وغموض العملية وتعقد بيئة التحقيق تجعل من الصعب اتهام اي طرف بما فيها القاعدة في الضلوع بالامر، يضيف "لكن ليس مستبعداً أن يكون هناك معجزة تحفظهم على قيد الحياة، وكلها فرضيات".


يوم الاثنين التقى الرئيس بسفراء الولايات المتحدة، وبريطانيا، وهولندا، والقائم بالاعمال الالماني، وأشارت الوكالة الرسمية للأنباء أن اللقاء ناقش الوضع الاقتصادي وعلاقة اليمن مع الدول المانحة، وكان الابرز فيما تناوله الخبر الرسمي الاشارة الى استيعاب العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون الخليجي، والاهم من ذلك "دراسة امكانية تخفيض دعم المشتقات النفطية دون التأثير على المواطن" و"تعزيز فرض سيادة القانون والمضي قدما في عملية الاصلاحات".


وعاد مجدداً إلى الواجهة الحديث عن رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة 40%، وهو الخيار الذي تضغط باتجاهه دول الاتحاد الاوروبي، وفي ذات الوقت يستحضرون مشهد الاحتجاجات التي شهدتها اليمن منتصف عام 2005، حينما نفذت الحكومة جرعة سعرية جديدة، وشهدت معظم المحافظات مواجهات عنيفة بين المواطنين وقوات الامن سقط جراءها عشرات القتلى والجرحي، وفي ذات الوقت وبحسب مصادر النداء، فإن دول مجلس التعاون الخليجي، تتحفظ، بل وتعارض تطبيق جرعة سعرية جديدة في ظل الوضع الحالي، والتدهور الاقتصادي في البلاد، ويرون في ذلك تعزيزاً لفرص عدم الاستقرار في اليمن وتأثيراً مباشراً يمس حياة الناس، وربما يتجاوز هذه المرة تأثيره إلى دول الجوار، خصوصاً في ظل الاوضاع المهترئة شمالاً وجنوباً.


وفي إشارة لافتة أشار الخبر الرسمي إلى أن الرئيس ناقش مع السفراء " تعزيز فرص سيادة القانون"، وهو ما يشير أن النقاش تطرق الى الحرب المستعرة في صعده، والاوضاع في الجنوب، والفساد، ومع كل ذلك الحرب على الارهاب...


وجاء اللقاء متزامنا مع افراج السلطات القضائية بالولايات المتحدة الامريكية على الشيخ محمد المؤيد بعد أن قضى ازيد من ست سنوات في السجون الامريكية، - حكم عليه بالسجن 75 عاماً- وذلك بعد ان اسقطت عنه تهم دعم القاعدة، واقراره، في تسوية قضائية، بدعم حماس، والاكتفاء بمدة السجن السابقة عقاباً لهذه التهمة..


وبالاضافة لما يراه البعض انسجاماً مع توجهات الادارة الامريكية الجديدة في تحسين العلاقة مع دول العالم الاسلامي، وازالة الصورة التي كرستها 8 سنوات من حكم الرئيس الجمهوري بوش، والتي ادت إلى تنامي مشاعر الكراهية والعداء لامريكا في العالمين العربي والاسلامي، وبالتالي، زيادة التعاطف مع القاعدة، يرى آخرون في الخطوة أنها اثبات حسن نوايا تجاه اليمن، وتخفيف ردة الفعل المتوقعة تجاه الولايات المتحدة وتقليص مشاعر العداء تجاه أمريكا، حال تدهورت الاوضاع في اليمن لمصلحة القاعدة، في ظل المتغيرات الداخلية.


ويقابل تسوية الافراج عن المؤيد، الذي ترى فيه السلطة السياسية في اليمن انتصاراً لها، فشل ذريع في التوصل إلى تسوية مرضية للجانبين اليمني والامريكي، في اعادة المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو وهم الذين يشكلون الرقم الاكبر والتحدي الابرز أمام قرار اوباما بإغلاق جوانتانامو، في ظل الشكوك الامريكية بقدرة الحكومة اليمنية على اعادة تأهيلهم وعدم الثقة بقدرتها على عدم انخراطهم مجدداً في القاعدة أو أعمال معادية او انتقامية للمصالح الامريكية، وهذا الامر، يشكل اخفاقاً للسلطة السياسية اليمنية التي تصر على إعادة جميع مواطنيها إلى اراضيها، وبالنسبة للادارة الامريكية يشكل تحدياً أمام اغلاق المعتقل، ومخاوف من تأثير ذلك على المتعاطفين مع المعتقلين، أو حصول ردة فعل من قبل خلايا القاعدة.


وقد ذكرت سبأ أن الرئيس تلقى الاثنين إتصالا من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي روبرت موللر والذي أبلغه أن الافراج عن المؤيد ورفيقه محمد زايد، كان استجابة من الادارة الامريكية لجهوده واتصالاته المكثفة للافراج عنهما.


وكانت تقارير صحافية أمريكية اشارت منتصف يونيو الماضي أن ثمة أدلة على فرار عشرات المقاتلين المنتمين للقاعدة من المناطق القبلية في باكستان إلى الصومال واليمن، وقال مسؤولون أمريكيين إن الاستخبارات الأميركية والبيت الأبيض والبنتاغون رصدوا زيادة في معدل الاتصالات بين المجموعات الإرهابية في المناطق الثلاثة لتنسيق نقل هذه العناصر من باكستان إلى الصومال واليمن وعزوا تلك التحركات إلى الضغط الذي تتعرض له القاعدة وعناصرها في باكستان جراء الهجمات المكثفة من القوات الأميركية والباكستانية أو نتيجة لتزايد الحملات الجهادية في الصومال واليمن على نحو استقطب المزيد من المتشددين مثلما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003.


وقد التقى الرئيس علي عبدالله صالح في تعز نهاية مارس الماضي، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، الذي زار اليمن، للمرة الثانية في غضون ستة أشهر، وكان الملف الأمني هو الطاغي على مباحثات المسؤول الامريكي مع المسؤولين اليمنيين، وكذا كانت زيارات مسؤولين عسكريين امريكيين في غضون الفترة الماضية، التي شهدت زيارات مكثفة للمسؤولين البريطانيين، ورغم أن الاعلام الرسمي يبرز تأكيدات الدول الغربية على دعمها لوحدة اليمن، واستمرار الدعم الاقتصادي، إلا أن الملف الامني يسيطر على الزيارات، وقد كان ملاحظاً أن الحكومة البريطانية كلفت مسؤولاً رفيعاً في الوزراة وكان معنياً إلى وقت قريب بالملف العراقي منذ ما قبل سقوط نظام صدام حسين، بمهام الملف الامني في اليمن، وهو ما يشير إلى مدى الاهتمام البريطاني بتطورات الوضع في اليمن، وتشابهها مع العراق، على صعيد افرازات الصراع الداخلي على الأقل.


وتبدي الدول الغربية دعماً صريحاً للوجدة اليمنية، لكنها لا تؤيد السياسات الحكومية المتخذة في معالجة الاحتجاجات التي تشهدها الجنوب، وتتخوف الدول الغربية من أن يستفيد تنظيم القاعدة من المشاعر المتأججة في المحافظات الجنوبية، والمناطق القبلية ليمارس انشطته بحرية.


وبشكل عام تبدو الصورة غير واضحة بالنسبة للغربيين، ولا يدركون إلى اين تتجه الاوضاع في اليمن، وما هي المخارج المتاحة للانقاذ، وما هي سيناريوهات المستقبل، في ظل تطورات متفاقمة لا تشير إلى بوادر انفراج وشيكة، لكن ما يهمهم بالدرجة الاولى هو الحد من الاضرار التي قد تتسبب بها اليمن على مصالحهم، حال انحدرت إلى هاوية الفشل، ويسعون بالدرجة الاولى لتكثيف أنشطتهم وجهودهم الامنية من أجل عدم تمكين القاعدة من الاستفادة من الوضع الحالي لصالح مخططاتها في المنطقة والعالم.

ليست هناك تعليقات: