الاثنين، 25 أبريل 2011

كيف يقضي معتصمو ساحة الحرية في تعز أوقاتهم؟

يتبادلون الآراء السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، ويشكلون خارطة البلد الذي يحلمون به

سامي نعمان- تعز

الثلاثاء , 22 مارس 2011 م

يتواصل الليل بالنهار في ساحة الحرية بتعز، التي باتت أشبه بمنطقة حرة، لكن لغرض آخر غير التجارة.. إنها منطقة لتبادل الآراء السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وحتى الدينية والفنية، وتصب كلها في خانة واحدة ذات الهدف الأوحد والملح ممثلاً في إسقاط النظام كهدف يختزل كل المشاكل المتعلقة بالمجالات السابقة، وتطلعات الناس لوضع مختلف يكون أقرب إلى المثالية في تصورهم لمستقبل البلاد.

يتوافد عشرات الآلاف يومياً إلى ساحة الحرية وسط تعز، من مختلف أنحاء المحافظة الأكبر سكانياً، وكذا مختلف الشرائح والمكونات الاجتماعية.. لا تكاد الحركة تنقطع عن الساحة دخولاً وخروجاً من الساحة، ويصل عدد المعتصمين الذروة يومياً في الفترة المسائية، عدا الجمعة التي تشهد صلاتها أكبر حشد بشري في اليمن تكسر أحياناً حاجز المليون في بعض التقديرات، كما حدث الجمعة الماضية التي تزامنت مع مجزرة دامية في صنعاء سقط فيها زهاء 50 قتيلاً في إصابات مباشرة من قبل قناصة اعتلوا بعض المنازل، إضافة إلى مئات الجرحى بعضهم في حالة حرجة. وفي تعز طغت فاجعة المجزرة على أجواء الاعتصام، إذ تضاعف عدد الماكثين في الساحة، وتصدرت مجزرة صنعاء البرنامج اليومي لمنصة الاعتصام، وتعالت الهتافات التضامنية مع المعتصمين بساحة التغيير بصنعاء. وواصل عشرات الآلاف من الوافدين على الساحة بقاءهم في الساحة حتى وقت متأخر من مساء الجمعة.

إصابات واستعداد للأسوأ

لا يرى المعتصمون أنفسهم بمنأى عن هجوم مشابه، رغم تأكيدات قيادة محافظة تعز على حماية المتظاهرين، خصوصاً أنهم قد تعرضوا لهجمات بالرصاص الحي والقنابل الدخانية السامة حسب تأكيداتهم، فضلاً عن استشهاد أحد شباب الثورة وإصابة أزيد من 80 آخرين بجروح في هجوم بقنبلة على جموع المعتصمين في فبراير الماضي. وتحدثت بعض وسائل الإعلام عن انتشار مسلحين وقناصة في مبانٍ محيطة بالساحة، وهو ما نفته السلطات الأمنية في المحافظة.

والخميس الماضي أصيب 20 شخصاً بجروح جراء تعرضهم لإطلاق رصاص حي من مسلحين بزي مدني، وأصيب قرابة 450 آخرين، اثنان منهم بحالة حرجة، بحالات اختناق جراء إطلاق قوات الأمن لقنابل دخانية تقول قوات الأمن إنها مسيلة للدموع، لكن المصابين بها يتعرضون لتشنجات عصبية، واختناق وانهيار للجهاز العصبي والتنفسي، وهي تأثيرات لا تورثها القنابل العادية، وفقاً لأطباء وأخصائيين في المستشفى الميداني.

وفي كثير من الحالات لم تجدِ الأدوية المتوفرة في المخيم الطبي نفعاً في إنهاء آثار استنشاق الأدخنة، حيث تعود النوبات العصبية وضيق التنفس للمصابين بشكل متكرر، بعد بضع دقائق، وأحياناً بعد يوم.

وحال بلاطجة مسلحون، وفي وجود قوات الأمن، دون استمرار مسيرة لطالبات قرب مدرسة زيد الموشكي تقصد ساحة الحرية، وأصيب العديد منهن جراء إطلاق النار، وهو ما حدا بالمئات من المعتصمين التوجه إلى المدرسة لمساعدتهن والتضامن معهن، وشكلت قوات الأمن سياجاً فاصلاً بين الطرفين، وباشرت إطلاق القنابل الدخانية على المعتصمين، بحجة منع حدوث الاشتباك، ويؤكد المعتصمون أن إطلاق القنابل وصل إلى أطراف الساحة، حيث أصيب العشرات هناك. فيما تبرر الرواية الرسمية الأمر بأن قوات الأمن أطلقت الرصاص في الهواء والقنابل المسيلة للدموع، وهي قنابل عادية، وتؤكد أن المعتصمين ذهبوا لإخراج الطالبات من المدارس بالقوة، وأن ما حدث هو احتكاكهم بأولياء الأمور، ما استدعى قوات الأمن لإطلاق النار في الهواء والقنابل المسيلة للدموع لتفريق الاشتباك بين الطرفين.. تلك هي الرواية الرسمية.

وأثناء زيارتنا للعيادة الطبية وسط ساحة الاعتصام، تبين أن معظم المصابين كانوا من الشباب بين الفئة العمرية 18 - 30 عاماً.. وكان العدد مرشحاً للتفاقم لولا أن المئات من المعتصمين وأعضاء اللجان الأمنية والنظامية كانوا قد احتاطوا باستخدام الكمامات وقطع الأسفنج على وجوههم.

برنامج المنصة

يتداول المنصة يومياً عشرات المشاركين من مختلف الأعمار والميول والاتجاهات السياسية والثقافية والاجتماعية، بمداخلات تتفاوت بين إلقاء الكلمات التي تعبر عن الرأي، والقصائد الشعرية المتفاوتة بين الجيدة والرديئة، والخطب الدينية الشبيهة بخطب الجمعة، والمسرحيات، والأناشيد والأغاني التي يلقيها المشاركون، وتتخللها إذاعة أناشيد مسجلة، وأغانٍ وطنية، وإعلانات عن مفقودات، وتحذيرات من مندسين ومنشورات لا تعبر عن المعتصمين.

لجان الاعتصام

يشارك مئات الشباب على مدار الساعة في حراسة محيط ساحة الاعتصام، التي تضم آلاف المعتصمين ومئات الخيام المتوسطة والكبيرة والصغيرة. ويتولى آخرون مهام التنظيم والإعلام والنظافة والعلاج. وتشارك عشرات الفتيات في تلك اللجان.

وتوجد عدة أطر تتقاسم أعضاء لجان الاعتصام، تضم كيانات شباب الثورة، وأحزاب اللقاء المشترك. ورغم وجود حساسيات تطفو على السطح من حين لآخر بين تلك المكونات، إلا أنها لا تؤثر في الغالب على الجو العام للمعتصمين غير المحتكين باللجان.

حضور نسائي

تتواجد المرأة بكثافة في الطرف الغربي للساحة، وتتولى فتيات مؤطرات في لجنة النظام تفتيش المشاركات. وتبدي المشاركات حماساً زائداً في ترديد الهتافات والحضور الكثيف في أوقات ضعف الإقبال الذكوري، خصوصا في الفترة الصباحية. ويستمر تواجد عشرات الفتيات حتى المساء.

تجارة مزدهرة أيضاً

خلافاً لما كان متوقعاً في البداية ربما، ازدهرت حركة البيع والشراء لمعظم المحلات التجارية في ساحة الاعتصام، ويؤكد العاملون في البقالات ومحلات الهاتف النقال، والغسالات والمطاعم والباعة المتجولون وبائعو الصور والإعلام الوطنية أن حركة المبيعات ارتفعت أضعافاً كثيرة خصوصا بعد الأسبوع الأول.

خيام للمناطق والكيانات

تنتشر بطول الساحة وعرضها، عشرات الخيام المتفاوتة في الحجم.. غالبيتها تشير إلى جغرافيا معينة "قررت إسقاط النظام"، وتشير الأخرى إلى كيانات عمالية واجتماعية مختلفة انضمت إلى المطالبين برحيل النظام.

الأمطار زادت الحماس

رغم أن هاجس سقوط الأمطار كان يشغل الكثيرين في ظل المخاوف من أن تؤدي إلى إزعاج المعتصمين، خصوصاً أن كثيراً من الخيام تقع على أراضٍ ترابية منخفضة أو على الإسفلت في منطقة منخفضة، إلا أن هطول الأمطار، مساء الثلاثاء الماضي، زاد من حماس المعتصمين الذين صمدوا وسط الأمطار، وارتفعت أصواتهم بالهتاف ضد الرئيسين صالح والقذافي، وجابوا الساحة طولا وعرضاً حاملين الأعلام، ومرددين الهتافات وسط المطر.

وانشغل عشرات المعتصمين بحماية الخيام من تسرب المياه من أرضياتها، ودهموها بحواجز ترابية لحمايتها، وحماية أمتعتهم من البلل.

الجنوب في صدارة الاهتمام

لا يخفى على أي متابع أو مشارك للأنشطة اليومية، أن وحدة اليمن والقضية الجنوبية تتصدر اهتمامات المعتصمين، ويستبسل المتحدثون في الساحة، والمناقشون في التجمعات والخيام التي أصبحت أشبه بمنتديات سياسية إلى التأكيد على وحدوية أبناء الجنوب، وأن إسقاط النظام لن يقود إلى الانفصال بقدر ما سيرسخ الوحدة، ويشعر الجنوبيين بالدولة التي كانوا يحلمون بها.. هو الهاجس الحاضر الذي يبقى قائماً، ويعقد الأمل على العهد الجديد في إزالة الآثار التي أفرزت النزعة الانفصالية لدى كثير من أبناء المحافظات الجنوبية.

تعز في الساحة

يلتئم في ساحة الحرية بتعز ممثلون لكل المديريات والمناطق والكيانات والفعاليات في المحافظة.. يتفاعل المعتصمون مع كل التفاصيل سواء على المنصة أو على الشاشتين اللتين نصبتا في ضفتي الساحة.. هنا في الساحة يرتفع سقف الخطاب الموجه للنظام الحاكم والرئيس والمقربين منه إلى اللاسقف، سوى ما قد يتعارض مع أهداف الثورة. لجان تعمل على مراجعة المشاركات المكتوبة وتنظيم المشاركين الذين ينتظرون ربما في الساحة ليوم كامل حتى يصل دورهم.

وكما تتجلى في الساحة كثير من الإيجابيات، إلا أن هناك الكثير من الاحتكاك بين المكونات الشبابية والسياسية المختلفة.. بيد أنها لا تؤثر على الجو العام للاعتصام، ولا يعرف عنها المشاركون إلا أنها تبقى هموماً يومية تؤثر على جهود اللجان النظامية المختلفة، بسبب التجاذبات والاتهامات المتبادلة حول الاستحواذ على المنصة واللجان، كما أن الآلاف من المعتصمين يظلون حبيسي الخيام ليلاً ونهاراً، ونادراً ما يغادرونها إلى الساحة للمشاركة في فعالياتها المختلفة، وزيادة العدد في أقل التقديرات.

غير أن الساحة تبقى أمل الغالبية العظمى من المشاركين الذين يتعاملون مع سقوط النظام باعتباره مسألة وقت لا أكثر، ويزداد وعيهم وإصرارهم كل يوم على البقاء هنا حتى يتحقق مطلبهم بإسقاط النظام وبناء دولة مدنية حديثة تقوم على العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.

http://alnedaa.net/index.php?action=showNews&id=4062

ليست هناك تعليقات: