السبت، 11 أكتوبر 2014

حكومة قبل الدولة.. فشل مهمة وضع العربة قبل الحصان



ليس مفاجيء أن يرفض أحمد عوض بن مبارك بسبب شطحاته الخيالية حول داعش والتدخل
ميساء شجاع الدين
الخارجي باعتباره صاحب الشرعية الوطنية التي تعزز السلم الأهلي وتبعد عن اليمنيين شبح القاعدة أو باعتباره يعبر فعلاً عن مصلحة وطنية وإرادة شعبية في وقت تحاصر ميلشياته الأمن القومي في مهمة إيرانية خالصة بينما لم يجد دليل ملموس في اتهام أحمد عوض بالعمالة الأمريكية، لا يجد الحوثي غضاضة في اتهام الآخرين جزافاً ولا يملك حجج منطقية على أي من كلامه، فلو كان رفضه منطلقاً من ضعف خبرة بن مبارك لكان اكثر وضوحاً لكنه آثر اتهاماته الجزافية التي تناسب أوهامه كوكيل حصري للوطنية في اليمن.
تعنت الحوثي وإهانته لمن يفترض إنه رئيس دولة عبدربه منصور نتاج طبيعي للعملية السياسية المقلوبة والتي تؤسس لوهم حقيقي أسمه الدفع بالعملية السياسية ضمن اتفاق السلم والشراكة الوطنية. فالجدال حول رئيس الوزراء طبيعي يأخذ شكل بيزنطي لأنه ببساطة يدور في عملية سياسية تسبق فيها العربة الحصان، عملية تدور حول ترتيبات جديدة للسلطة لكن في ظل دولة غائبة وأي عملية سياسية تفرضها سطوة سلاح ميلشيا وليس سيطرة سلاح الدولة هي عملية محكومة بالفشل فضلاً عن انعدام شرعيتها، هذا أمر بديهي وليس له شواهد نجاح سابقة تاريخية أو معاصرة.
اللافت في هذا كله هو تبرير البعض لهذا الوضع بحجة إنها سلطة غير شرعية في عملية خلط واضحة بين الدولة والسلطة، فالدولة هي الكيان السياسي والسلطة هي النخبة الحاكمة والمتحكمة بمؤسسات هذا الكيان السياسي. الدولة اليمنية هي الكيان السياسي الذي أسسته ثورة سبتمبر لعام 1962م ورغم حالة تماهي العلاقة بين السلطة والدولة في العهد الطويل لحكم علي صالح الذي سيطر على كل مؤسسات الدولة وربطها بشخصه لكنها ظلت امتداد لثورة سبتمبر التي انقلب صالح على اهدافها لكنه لم يعارض قيام ثورة سبتمبر وكيانها السياسي بعكس حالة الحوثي.
الحوثي في معارضته للسلطة يختلف في منطلقاته عن ثورة 2011م التي كانت تعارض السلطة ضمن الدولة اليمنية التي أسستها ثورة سبتمبر بينما كانت تواجه مشكلة في الجنوب الذي كان يعاني من أزمة شرعية دولة وليس فقط سلطة، لأن شرعية الدولة التي أسستها الوحدة عام 1990م تداعت بسبب النتائج الكارثية لحرب 1994م، وكانت هناك حلول مطروحة كالحوار والفيدرالية وغيرها لمعالجة هذا الأمر.
حالة الحوثي مثل حالة الحراك الجنوبي الذي يدعو للجنوب العربي وهو انقلاب لثورتي سبتمبر وأكتوبر اللتان أسستا لمشروع الهوية الوطنية اليمنية ضمن مشروع الدولة اليمنية الحديثة والمستقلة، بعيداً عن إمامة لها منطلقات زيدية وسلالية ومشيخات وسلطنات ومستعمرة تؤسس للقبيلة والمنطقة وليس الهوية اليمنية. أي إنهما انتكاسة كبرى لمشروع الدولة اليمنية الحديثة والمستقلة كنتاج لانتكاساتنا السابقة وكونها نتيجة لا يعطيها شرعية ولا صحة وجود، لأن الوضع الخاطئ يمكن تصحيحه بفكرة سليمة مغايرة للمقدمات الخاطئة لأنها تستمد شرعيتها من سلامة توجهها وقدرته على خلق معطيات جديدة تناسب الجميع ، تستمد قوتها من صلاحية تحققها ووضوح فكرتها وهذا كله غير موجود في حالة الحوثي.
الحوثي يريد تسلط وليس سلطة وهذا وضع غريب جداً ، فهو يدعي شرعية ثورية وهو حالياً القوة المسلحة الأكبر داخل العاصمة صنعاء أي قادر على فرض سلطته الثورية كأي ثورة في العالم تسعي للحكم لخدمة أهدافها الثورية، لكن الحوثي بإعتباره نتيجة وامتداد خاطيء لوضع خاطيء، فهو يستلهم نموذج مراكز القوى في عهد صالح التي كانت تملك نفوذ وسطوة بدون مسؤولية، مثل علي محسن وحميد الأحمر وعبد المجيد الزنداني الذين لم تكن سطوتهم مستمدة من وجودهم بالسلطة ومناصبهم السياسية أو العسكرية لكن من أموال وتدخل خارجي وشبكة موالاة وسلاح من خارج سلطة الدولة. في حالة الحوثي الدولة قضي عليها تماماً ولم يتبق منها شيء يستر هذه اللعبة الرديئة لذا ظهر الوضع بهذا القدر من الفجاجة والإهانة لأعلى سلطة للدولة اليمنية وهو عبدربه منصور.
لا يريد الحوثي تحمل مسؤولية سلطة يعلم فشلها مسبقاً ويسعي لدور المتطهر الذي يكتسب شرعيته من ضعف شرعية الآخرين واشباحه الداعشية والتدخلات الأمريكية، لكن لماذا تنتظر هذه السلطة الفشل بهذا القدر من اليقين؟ لأنها ببساطة لا تعمل ضمن سلطة دولة ويصعب على أي أحد تحمل مسؤوليتها بما فيهم الحوثي الذي يسعي لبطولة جماهيرية رخيصة الكلفة وكثيرة المطامع.
تبرير آخر لقبول الوضع اللا معقول وهو أنه لا يوجد بديل عن هذه العملية وهذا كلام مفهوم لو هي عملية قابلة للتطبيق وهذا غير ممكن في حالة عملية سياسية تقوم تحت سطوة سلاح ميلشيا وليس تحت سلطة سلاح دولة؛ أي إنها محكومة بالفشل الحتمي. الحل ليس في التحايل على الأمر الواقع بحجة الواقعية بل توصيفه كما هو كخطوة أولى لمعالجته وطرح التساؤل الطبيعي هو كيف يمكن استعادة الدولة؟ هذا يعفينا من التساؤلات البيزنطية حول رئيس الوزراء وشكل الحكومة ونسب التمثيل والنتيجة في النهاية فشل مضاعف لأن الخطأ مضاف خطأ يعني خطأ مضاعف ولن ينتج عنه وضح صحيح أبداً.
استعادة الدولة لا يمكن أن يكون دون الخروج عن سطوة سلاح الميلشيا وفرض هيبة الدولة كخطوة أولى تسبق أي اتفاق وهذا لن يتم إلا برفض كل المكونات السياسية للمشاركة في المهزلة القادمة وحراك شعبي سلمي، وهذا حل ليس ناجز لكن العمل عليه لابد أن يبدأ من الآن وأول خطوة في ذلك هو رفض ما يتم طرحه من حلول سياسية تحت سطوة سلاح الميلشيا، خاصة إنه خيار محكوم بالفشل ولا يستحق التمسك به. لذا أول خطوة في الحل هو طرح أولوياتنا كما يفرضها تصورنا للحل الصحيح والقابل للنجاح والتطبيق وليس طرح حل تلفيقي يدخلنا في متاهات جديدة لا طائل منها.
ضعف شرعية السلطة لا يعطي شرعية للإنقلاب على الدولة ولا يمكن مساواة سلاح دولة في يد سلطة غير شرعية بسلاح ميلشيا خارج إطار الدولة، لا يستويان ولا يتفقان شرعية ونتائجاً. الأول مثل الانقلابات العسكرية التي تفرض نفسها بالقوة تعني ضعف شرعية سلطة ضمن الدولة بينما الثاني يعني انقلاب على الدولة ويعني سقوط الدولة ولا يضفي هذا شرعية على سلاح الميلشيا، الأولى نتائجها استبداد وفساد والثانية نتيجتها حرب أهلية وتمزق.
طبيعي أن يبدأ تطبيق أول بند في اتفاقية السلم والشراكة في جدال بيزنطي حول رئيس الوزراء في تخبط واضح وهذا سيكون مصير كل بند في الاتفاق لأنه ببساطة اتفاق فرضته سلاح ميلشيا وليس سلاح دولة، كنتاج طبيعي للخلط المتعمد أو المتخبط بين السلطة والدولة، ونتيجة لطرح حلول تضع العربة قبل الحصان لأنها حلول تسعي لمعالجة مشكلة شرعية السلطة وغياب الحكومة وليس معالجة مشكلة غياب الدولة وسقوطها، والسلطة لا يمكنها العمل أو القيام بدون وجود دولة.

ليست هناك تعليقات: