خالد عبدالهادي |
ما من ثورة حقيقية إلا وترج الكيان
الوطني رجاً عميقاً شديداً فيظل ينفض أمراضه وعلله حقبة طويلة, وهذا ما تكفلت به
ثورة فبراير التي رجت الكيان اليمني كما لم يختض من قبل فشرع في فرز أسقامه إلى
السطح منذ 2011 بما فيها من أمراض اجتماعية وعصبيات فئوية صغيرة وطائفية وجهوية.
سوف يستمر الكيان الوطني في إفراز
كل أمراضه إلى السطح ليبقى في نهاية المطاف أصيلاً صحيحاً وستستعير تلك الأمراض
أكثر من قشرة مبهرجة خادعة, لكنها لن تزيد عن أن تكون أوعية استقطاب للغرائز
البدائية والعصبيات الصغيرة, سرعان ما ستستسلم للانطمار والزوال.
ولعل في الهجمات العصبوية والثارات
المغيرة على وطن الشعب الذي صنع هذا الحدث العبقري ويتحمل تداعياته بصبر جميل, منحة
لنا إذ مع كل غارة يسقط قناع جديد وتنخلع يافطة زائفة.
لا مبالغة في أن ثورة 11 فبراير
التي نحتفي بذكراها الرابعة هي ملحمة اليمنيين العصرية بعدما كانت ملحماتهم قد
توقفت منذ عصور؛ ملحمة في الكفاح اللاعنيف والبذل والاتحاد, وهي ملحمتنا التي قدمت
اليمنيين للعالم؛ شعباً كبيراً متحضراً يصبو لمستقبل لائق بعدما ظل حقباً طويلة في
مخيلات الشعوب كقبيلة صغيرة ترزح في الماضي.
كذلك, أطلقت ثورة فبراير الشعبية
السلمية أوسع عملية سياسية في أوساط الفئات الشعبية على مدى تاريخ البلاد الحديث
في حدث لا يمكن أن يتكرر إلا بحساب القرون أو العقود في أفضل الأحوال, فنقلت الشأن
العام من أبراج النخب إلى ساحات الناس العاديين بعدما طوعته بطريقة عبقرية ليغدو
قضية يومية تخوض فيه الملايين.
ويبقى درس "فبراير" الأهم,
أنها أيقظت في الشعب حقيقة قوته الجبارة حين يتحد خلف غاية كبرى ومدى هشاشة
المستبدين مهما وقعت في أيديهم من قوة الحديد والنار, ولقد أعادت الدكتاتور إلى
طبيعته التي كان عليها قبل اعتلائه الكرسي: قزم يقبض على خنجر الغدر ونار الثأر
تشب في داخله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق