السبت، 22 فبراير 2014

غياب حساسية الوقت إهدار لفرص التنمية


مضى عام تقريباً على انطلاق مسيرة الحوار الوطني، وشهر على اختتامها الذي تأخر نصف تلك المدة، ويبدو أننا سنستغرق وقتاً إضافياً في تمجيد وثناء المنجز، دونما حساسية كافية لعامل الوقت الذي يتسرب على البلاد، في وقت هي في أمس الحاجة لاستثمار كل لحظة لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية المتردية يوماً عن سابقه.
البلاد بحاجة إلى طاقة جبارة لانتشالها من الوضع المتأزم والخطير الذي تمر به، وجهود مخلصة ومكثفة لتحقيق حالة من الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني، وبدونه لا يمكن أن تكون هناك تنمية أو ازدهار في البلاد أو تغيير في حياة الناس، ومسيرة ما بعد الحوار تمشي الهوينى كأننا بتلك الوثيقة انتقلنا إلى مصاف الدول الاسكندنافية.
أواخر عام 2009، تحدث وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله، وهو من أكثر الوزراء العرب حصافة وكياسة دبلوماسية، وقدم نصائح شديدة التركيز والحساسية، كانت جديرة بأن يأخذ بها النظام السابق –والحالي أيضاً- عوضاً عن أن تأخذه العزة بالإثم ويحتج على النصيحة الأمينة القيمة للوزير العماني.
بن علوي أبدى قلقه على اليمن، ليس لجهة التشرذم كما أوضح، في مقابلته مع جريدة الحياة اللندنية، بل لأن المشكلات التي تواجهه لن توفر لليمنيين الوقت الثمين الذي ينبغي أن يستغلوه لبناء الاقتصاد وإيجاد الطبقة الوسطى التي هي عماد الاستقرار.. وإذ شدّد على أن دول الخليج لن تتأخر عن دعم اليمن، قال إن على اليمنيين أن يساعدوا أنفسهم، وعلى قادتهم التعاون لبناء بلدهم.
هو الوقت الذي تخسر البلاد كثيراً بمضيه دون التقدم خطوة نحو بناء البلد، لا بل دون تنفيذ الالتزامات، ودون أن يدخل ذلك ضمن حسابات الأطراف المتصارعة، التي استغرب بن علوي حينها كيف أنها تتغنى بالسياسة وتتعارك حولها، وهي ذاتها، وأطراف أخرى صاعدة، لا زالت تتعارك حتى اليوم وكل منها يدعي احتكار تمثيل الشعب، وانفراده بالمساعي المخلصة لبناء دولة مدنية.
إطالة أمد الأزمات ليس في مصلحة أحد، ومخطئ من يظن ذلك، وينبغي أن تركز الجهود بمسؤولية وإخلاص، للشروع فوراً في اتخاذ معالجات مدروسة للأزمات المستفحلة بالتوازي، لا أن يتم التركيز على إحداها وتجاهل الأخرى، فالأوضاع لا يمكن أن تستقر والتغيير لا يمكن أن يتحقق بغير التكامل.
صبر اليمنيون كثيراً على دولتهم ونخبهم السياسية، ولا ينبغي أن يكافأوا على ذلك بالزج بهم في أتون مزيد من البؤس والمعاناة، حتى وصل الحال ببعضهم، وقد طال بهم أمد انتظار الوفاء بوعود التغيير، حد تمني العودة إلى الوضع الذي انتفضوا ضد مدبريه.
من حق هؤلاء الناس أن يشعروا بالأمان في وطنهم، والاطمئنان على مستقبل أبنائهم، وأن يلمسوا إرادة جادة مركزة على تحقيق مصالحهم، لا أن يمضي الوقت، ويكون جل ما وصلت إليه البلاد مزيداً من النصوص والوثائق، يتبعها تعثر في التنفيذ تبعاً لتعقد حسابات الأطراف السياسية، في موازاة تعقيد مضاعف على الأزمات القائمة، قد تقتضي بعضها جولات حوار أخرى لاستيعاب متغيراتها.
تهدر النخب اليمنية فرصاً ثمينة مواتية لبناء الدولة، ويتسرب الوقت من بين أيديهم دونما اكتراث بتحقيق التغيير الذي حلم به الناس، وكل يوم يمر، دون التقدم خطوة يعيد البلاد خطوات إلى الوراء، ويزيد من تفاقم وتعقيد المشاكل، ليصبح وضع اليوم هو أمل الغد الآخذ مساره نحو مزيد من التردي والعثرات.
تراجع أحلام الناس وطموحاتهم ليس في مصلحة أحد، وحين يصل هؤلاء إلى مرحلة اليأس من تحقيق تطلعاتهم التي ينخفض سقفها يوماً عن سابقه، ليبلغوا نقطة الانحدار التي يشعرون معها أن لا مصلحة لديهم يخافون عليها، فسيلجأون إلى جماعات العنف المزدهرة تذمراً من الواقع الذي وصلوا إليه، وعندها سيفقدون جميعهم وطناً، وستتضاءل حظوظهم في بناء الدولة، وكثير من نماذج الدول الفاشلة ماثلة، لكن السياسيون يستحضرونها دون أخذ العبرة، وتجنيب البلاد السياسات الكارثية التي تقود البلاد لمآلاتها المرعبة التي لن يقتصر ضررها على الجيل الحالي فحسب، بل ربما تطال تبعاتها الوخيمة أجيالاً متعاقبة.

saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 22 فبراير - شباط 2014

ليست هناك تعليقات: