مرة أخرى تطل الفوضى برأسها من
المعسكرات، لكن بشكل أكثر وقاحة وهمجية بعد أشهر من الهدوء النسبي، إذ سبق أن
سادتها الفوضى خلال الفترة التي تلت الانتفاضة الشعبية وحتى ما بعد إصدار قرارات
هيكلة الجيش في أبريل 2013.
وأن يصل الأمر بضباط وجنود في معسكر
حد الاعتداء على مؤسسة حكومية رسمية، والسيطرة عليها، فذلك يعني أن وحدة في الجيش
تتحرك بحرية مستغلة طابعها النظامي المفترض، وإمكانيات ومقدرات الدولة، لتمارس
سلوك الميليشيات والعصابات المسلحة التي تقتل وتفتك وتنهب المواطنين متخففة من أي
التزام أو مسؤولية..
اقتحام مبنى محافظة الحديدة من قبل
ضباط وأفراد إحدى كتائب اللواء العاشر، للضغط على المحافظ لتوقيع وثائق تثبت
تمليكهم أراضي تابعة لإحدى مؤسسات الدولة، يؤشر لوضع خطير ومزرٍ للغاية، بعد عام
من الهيكلة، بغض النظر عن الموضوع المشكل الذي تسبب في فعلهم المشين ذاك.
مثل ذلك العمل يوحي أن بعض وحدات
الجيش لن تتورع أن تمارس سلوك الميليشيات وبشكل أكثر جرأة وعنجهية حينما يتعلق
الأمر بمصالح أفراد أو ضباط فيها أو نخب مرتبطة بها، دونما اكتراث لطبيعتهم
النظامية، ومهامهم العظيمة، إذ يرتبط عملهم بحماية سيادة الدولة، وليس استباحة
حرمتها في الداخل.
وعلى العكس من ذلك تماماً، يبدو
كثير من هؤلاء وأمثالهم مسترخين للغاية أمام بلاغات توجه لهم من قبل مواطنين،
بتهريب سلاح أو مخدرات، أو احتراب بين مواطنين، ويبدون التزاماً حرفياً بنصوص
مهامهم، ليؤكدوا أن مثل ذلك لا يدخل ضمن مسؤولياتهم، وكأن اقتحام محافظة الحديدة،
أو إدارة أمن، أو أي منشأة حكومية أخرى مؤصلة في القانون.
عرفنا سابقاً أن قيادات عسكرية
نافذة كانت تُسخِّر وحدات الجيش وإمكانيات الدولة لحماية مصالحها، وتعزيز نفوذها.
وأن يتجاوز الأمر تلك القيادات
الفهلوية المستهترة ليصبح سلوكاً وممارسة يتسم به الأفراد والضباط لحماية مصالحهم
المفترضة بعيداً عن القضاء، وهم الذين طالما اشتكوا غطرسة قياداتهم وفسادهم، فذلك
ينمّ عن مشكلة كبيرة في ثقافة ومسؤولية رجال الدولة، يوشك تدهورها وانحطاطها أن
يودي بالدولة برمتها قبل مصالح الآخرين حينما تتقاطع المصالح.
أي خسارة تخسرها البلاد، إذ تنكب
برجال دولتها المفترضين، الذين يفرطون في أبسط تقاليد وقيم الدولة، ليستبسلوا في
مواجهتها ذاتها وانتهاك حرمتها وضربها في الصميم متى اقتضت ذلك المصلحة الخاصة أو
ثقافة الاستحواذ بالقوة، عوضاً عن الدفاع والتفاني والتضحية في الدفاع عن مكانتها
مهما ضعف أداؤها وزادت سلبياتها.
وزارة الدفاع معنية بالوقوف بشكل
صارم وحازم في مواجهة أي أعمال أو تصرفات همجية من ذلك القبيل، ومحاسبة المسؤولين
والمتورطين فيها، بمختلف مستوياتهم، وإحالتهم للقضاء العسكري، وإعمال القانون بشكل
صارم عليهم وغيرهم من المزاجيين في افتعال الفوضى والعبث في قبول ورفض القيادات،
وكأن أمر قيادات الجيش أصبح مطروحاً للخيارات المزاجية أو حتى العقلانية.
****
تقييم إيجابية تعيين ناطق باسم
القوات المسلحة يعتمد على أداء الناطق العقيد سعيد الفقيه، ومدى تعامله بشفافية
ومصداقية مع وسائل الإعلام، ومدى ما توفره له المؤسسات العسكرية من معلومات واضحة،
على أن القرار يبقى إيجابياً.
الرجل متخصص عسكرياً وإعلامياً، وهو
معني بكسب ثقته.. الإعلام معني بالتواصل معه، ومن الخطأ أن يظن البعض أنه وبتعيين
ناطق رسمي للجيش توقفت مسؤولية الصحافة في التحري وراء الأحداث من مصادر أخرى، على
أن لا تغفل صوته بالضرورة.. الإعلام المستقل ليس ملزماً سوى بخدمة الحقيقة والتحري
وراء ما قد يتحفظ عليه الناطق الرسمي من معلومات، مع توخي أقصى درجات الدقة
والمهنية.
أتمنى على الناطق الرسمي أن يسهم في
تعزيز الشفافية وخدمة الحقيقة وحق الرأي العام في المعرفة، وأن لا يقبل بحصر مهمته
في النفي والتكذيب.. الناطق الرسمي للجيش والإعلام اليمني بمختلف توجهاته معنيان
بالالتزام بالمسؤولية وتحري الدقة والابتعاد عن التضليل أو التلفيق في قضايا وأمور
شديدة الحساسية وربما الخطورة كتلك المتعلقة بشؤون الجيش.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت
01 فبراير - شباط 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق