السبت، 22 مارس 2014

الصحة.. أولوية الاستثمار في الإنسان


الإنسان أكثر ما هو مغيب عن الاهتمام في هذه البلاد.. حتى الآن لا مؤشرات على تقدم في مؤشرات التنمية البشرية على الإطلاق، وحين نتحدث عن التنمية البشرية تأتي الخدمات الصحية في صدارتها..
قليلون من يكترثون لحياة الناس وأرواحهم.. أقسام الطوارئ في المستشفيات تتحدث عن هذا الأمر بشكل مفجع.. ثمة حالات طارئة يكون إنقاذها في متناول اليد، لكنها تفارق الحياة، أو تتدهور حالاتها إلى مستويات أكثر خطورة تبعاً لضعف الإمكانيات، أو بسبب الإهمال أحياناً، على أن هناك الكثير من الأطباء والممرضين يبذلون جهوداً جبارة لأداء واجباتهم بمسؤولية وأمانة، لكنها ليست كافية للتعامل مع كل الحالات.
الصحة في بلادنا في حالة موت سريري للأسف، يرجع الأمر إلى أنها تأتي غير ذات أولوية في ميزانية الدولة، ثم بما تشهده المستشفيات والهيئات الطبية الحكومية من انفلات وفساد وغياب فعالية، وقلة الرواتب للأطباء، والعاملين في الحقل الصحي، وغياب التأمين الصحي، وتدهور الخدمات في المستشفيات المحلية، حتى للأمراض البسيطة، بما يشكل عبئاً على المستشفيات المركزية.
وحين نتحدث عن مركزية الخدمات الطبية، فإننا نتحدث عن مستشفى الثورة العام بصنعاء بدرجة رئيسية، وربما بضع مستشفيات لا تتجاوز أصابع اليد في جميع المحافظات تقريباً تفي بالحد الأدنى من الخدمة المطلوبة.
وحين نتحدث عن منشآت طبية، فإننا - للأسف - نتحدث غالباً عن مبانٍ فقط، تصبح هي بمثابة الإنجاز، بيد أغلبها شبه فارغة من الخدمة التطبيبية للإنسان.
خلال السنوات الأخيرة عمل الصندوق الاجتماعي للتنمية على بناء عشرات وربما مئات الوحدات الصحية في أرياف المديريات.. لكنها للأسف لا تقدم غالباً أبسط الخدمات الطبية لمرضى الأرياف لغياب الكادر، والإمكانيات المفترض أن تتولى تزويدها والإشراف عليها وزارة الصحة ومكاتبها في المحافظات والمديريات.
في كثير من المديريات مستشفيات معطلة متخمة بالموظفين، لكنها ليست بأحسن من الوحدات الصحية في الأرياف، ما يجعل قاصديها من ذوي المرضى يلجأون للمستشفيات المركزية في عواصم المحافظات، ليقاسوا الأمرين وهم يتابعون الحظوة بفرصة علاج لمرضاهم، في ظل ذات المشكلات المتراكمة، مع أن الارتقاء بالخدمات ابتداء من الوحدات الصحية في الأرياف وصولاً إلى مستشفيات المديريات ثم المحافظات سيكون كفيلاً إلى حد كبير بوضع حد لمعاناة الناس مع المرض، وتخفيف الوطأة على المركز.
وأمام كل ذلك، نجد في العاصمة مثلاً أن استيعاب القروض والمنح المقدمة من الداعمين لا تجد طريقها بسهولة للاستثمار في بنى تحتية تحفظ حياة الناس، وتذهب لصالح الجسور والأنفاق وتخفيف الاحتقان في الحركة المرورية، ورغم أهمية هذا الجانب، إلا أن بعض الزحام الذي يجدون أن الحل الأنسب له بناء جسر ونفق، تقتضي تواجداً قوياً لشرطة السير لوضع حد للفوضى المرورية بمختلف جوانبها.
وإن حظيت محافظة ما بمستشفى، فإنها لن تتجاوز حدود المبنى، ولنا في مستشفى الشيخ زايد للأمومة والطفولة بصنعاء خير مثال على ذلك، الذي رغم حداثة عهده، إلا أن منتسبيه ومراجعيه من المرضى جميعهم يشكون تدهور الخدمات والإمكانيات.
ثمة رقابة غائبة أو مغيبة في قطاع الصحة بشكل عام، ويتجلى ذلك في الفوضى التي تسود سوق الأدوية في البلاد، والتي أصبحت بورصة للمرابحة التجارية على مرأى ومسمع من وزارة الصحة والهيئات واللجان المنبثقة عنها.
يحصل أن تجد دواءً مدوناً عليه سعره بستة آلاف ريال، لكنه يباع في الصيدليات بخصم يصل إلا ثلث المبلغ، وبالنسبة لمن لا يجدون رقابة من ضمير فسيكون متاحاً لهم بيعه بذات السعر.. الأمر مرتبط بتلاعب الموردين وهشاشة الرقابة الطبية، إذ يتعامل الوكيل أو المورد لصنف ما بعدة فواتير، بعضها بسعر زائد لتقرير سعر بفائدة مضاعفة في وزارة الصحة، وأخرى بسعر متدنٍ تهرباً من الجمارك، وأخرى حقيقية لحساباتهم الخاصة.
التنظيم في بلادنا يتحول إلى ضرب من الفوضى والعبث والعشوائية، في ظل غياب الرقابة النزيهة، والمواطن المغلوب على أمره هو من يتحمل في النهاية تبعات كل ذلك الفشل في إدارة الحقل الطبي، ويدفع حياته ثمناً لذلك.
حياة الناس أولى بالاهتمام والاستثمار فيها، ليس لجلب سياحة طبية في اليمن، بل لتوفير مبالغ طائلة بالعملة الصعبة تذهب تبعاً للجوء الكثير من القادرين إلى السفر إلى الخارج، والبلاد في أمس الحاجة للاستفادة منها، وقبلها الاستفادة من طاقة هؤلاء الناس وحياتهم.
الدول ثرية بإنسانها قبل أن تكون بثرواتها ومخزونها النفطي، وحينما يكون الإنسان سليماً معافى في عقله وبدنه، وتتكامل الخدمات التعليمية مع الصحية وغيرها، فمن الممكن أن يقوم شخص ما أو مجموعة أشخاص باختراع يكسب البلاد الذهب، فبرنامج بسيط في التواصل الاجتماعي كالواتس أب يصل سعره إلى 19 مليار دولار، ونحن نحسب الأقاليم حسبة نفط وغاز وثروة، قبل الإنسان القادر على إيجاد مصادر بديلة للثروة واستخدام الموارد المتاحة..
لا أمل في الارتقاء بالبلاد دون الاهتمام بالإنسان، مع أن من الممكن إدارة هذا الشأن في الحدود المتاحة، لكن عقلية الإدارة لم تتغير.. لا يبدو أن هناك خطة للارتقاء بالخدمات الطبية على المدى القريب وربما المتوسط، والمعالجات أغلبها تذهب لصالح الشكليات التي لا تغير كثيراً في جوهر المشكلة الصحية، ولا تسهم في إحداث أي تغيير في وضع البلاد برمتها.

نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 22 مارس - آذار 2014

ليست هناك تعليقات: