السبت، 15 مارس 2014

جرس إنذار.. حروب على مشارف العاصمة



للمرة الأولى يخرج سفراء الدول العشر الراعية للتسوية السياسية، ببيان مختلف، غير ما اعتادوا عليه في بيانات الترحيب، وإبداء القلق، وإن تضمن تلك المفردات.. عبّر سفراء الدول الراعية عن غاية قلقهم من العنف الدائر شمال صنعاء، بينما تتحرك الجماعات المسلحة باتجاه العاصمة.
البيان أكد أنه “لن يتم التساهل حول الترويع باستخدام تلك الجماعات التي تعمل بشكل غير قانوني ضاربة بعرض الحائط مصالح الشعب”.
وبما أن القلق هذه المرة كان في محله، فقد جاء البيان بتلك الصيغة التي حملت موقفاً صارماً تجاه الميليشيات المسلحة، ولوّح ضمنياً برد حازم..
في الظروف الطبيعية لن يكون مقبولاً من سفير أي دولة، أياً كانت التدخل في الشأن الداخلي، والتلويح بالقيام بدور من الواجب أن يبقى منوطاً ومحصوراً في الدولة، لكن وضعنا ليس كذلك للأسف.
ففي مقابل تقدير الدولة لوضعها وظروفها، وسعيها لتعويض غيابها وضعفها بالقيام بدور الوسيط كأردأ وظيفة يمكن أن تقوم بها دولة، تجنباً لعدم التورط في معارك جديدة، تمادى العنف بوقاحة وكشر عن أنيابه، واستمرأ زعماء الجماعات المسلحة غياب الدولة، التي ما إن تنجح في إيقاف المعارك في جبهة ما، حتى يفجر أمراء الحروب جبهة أخرى، أكثر خطورة وأشد حساسية من سابقتها، ولا يعدمون مبررات سخيفة لتسويق حروبهم الجاهلية..
قبل أكثر من أسبوعين صدر قرار مجلس الأمن الدولي بالتصرف تحت الفصل السابع، بفرض عقوبات بحق معرقلي التسوية السياسية في اليمن، بعد أن أصبح الوضع فيها يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.. القرار صدر وأصبح أمراً واقعاً، وهو للتنفيذ والتنفيذ فقط، سواء للمرحبين أو المعترضين.. هذه مواثيق دولية، أياً كان مستوى العدل أو الإجحاف فيها، إلا أنها ملزمة للجميع.
ورغم صدور القرار، مكتفياً بقصر عقوباته على تجميد الأرصدة، والحظر من السفر على معرقلي الانتقال السياسي، أو معرقلي تنفيذ مخرجات الحوار، أو منتهكي حقوق الانسان، إلا أن المراهقين المستهترين بمستقبل البلاد، لا يعبؤون بتبعات حماقاتهم المرصودة، إذ سيقتضي استمرار العنف وتقويض الدولة إلى تجاوز سقف العقوبات التي شملها القرار، الذي نص على إبقاء الحالة في اليمن قيد الاستعراض المستمر، وأن الإجراءات الواردة فيه قابلة للتعديل أو التعزيز أو التعليق أو الرفع، وفقاً للتطورات.
وفي خضم كل تلك التفاعلات على الأرض الضاربة بمصالح اليمنيين وحياتهم عرض الحائط، وفي ظل الانقلاب على مخرجات مؤتمر الحوار، يتحدث البعض بسخرية عن جدوى القرار الدولي، الذي يعارضونه ويعتبرونه انتهاكاً للسيادة ويغلفونه بنظرية المؤامرة، لكنهم يتعاطون معه في ذات الوقت بقدر من السخرية، وكأنهم يريدون منه ردة فعل لحظية تبعاً لكل اقتتال ومغامرة جديدة.
مجلس الأمن ليس شيخاً عبيطاً، أو قائداً سياسياً أو عسكرياً منفعلاً، أو زعيماً مسلحاً مراهقاً، ليبني ردة فعله تبعاً لأي استفزاز، طالما أن مؤشر الخطورة لم يرتفع إلى اللون الأحمر وفقاً لتقديراته.
لدى المجلس آلية وسقف زمني واضح لتنفيذ قراره، وهو لا يمزح على الأرجح، وأي تدخل طارئ كذلك الذي يُعيّر المجلس لعدم اتخاذها تبعاً للحروب الجاهلية المحتدمة على مشارف صنعاء، سيقتضي أولاً تعديلاً في القرار بما يتناسب مع التطورات والاجراء المفترض..
أتحدث عن الأمر الواقع، وليس عن الوضع المثالي أو الطبيعي المفترض الذي نحلم به جميعاً، فقرار مجلس الأمن لا يبعث على السرور، إذ يكشف فداحة مأزقنا اليمني بامتياز، لكن لا يبدو أن اليمنيين -دولة ومراكز قوى ونافذين- مسؤولون وموثوقون بما يكفي للحفاظ على دولتهم وصون أرواح مواطنيهم، بعد مضي 3 أعوام «منذ بداية مراقبة مجلس الأمن للحالة في اليمن» دون تدخل منه ودون تعقل من معظم المراهقين المدججين بكتائب مقاتلة وأسلحة يفترض أن لا تمتلكها سوى الدولة.
نحن بلد يوشك أن يعود إلى عصر ما قبل الدولة، ولدينا نخب تتغنى بأوهام السيادة التي داست عليها العصابات والميليشيات الإجرامية المحلية ومعها الحكومة، إذ قصرت بوظيفتها في حماية أرواح مواطنيها الذين يقتلون بالجملة وتحضر الحكومة لأداء دور الوسيط الضعيف الذي لا يقدر على إلزام أطراف الصراع بما توصلوا إليه ذاتهم من اتفاقات.
والأنكى أن يستدعي المتحاربون الذين يقتلون اليمنيين مسألة السيادة، وكأنهم يريدون الاستمرار في مهامهم دون رقيب أو حسيب.. عن أي سيادة نتحدث ومن الذي يزعم الحفاظ عليها وكيف ومن الذي انتهكها وأهدرها ابتداء؟.
لازالت الفرصة مواتية لتجنيب البلاد تبعات مراهقات المقامرين القاتلة لليمنيين المهدرة لفرص بناء دولتهم المضيعة لمستقبل بلدهم.. روسيا والصين وأميركا والاتحاد الأوروبي مجمعة حول اليمن، رغم اختلافها حد القطيعة في بؤر ساخنة أخرى في العالم..
وهذا الإجماع الدولي إن لم يستغل لمصلحة البلاد سيعود وبالاً على الجميع، وهذا الدرس الذي ينبغي أن يستحضره المعنيون في الدولة والمتحاربون على الأرض والخارجون من مؤتمر الحوار قبل فوات الأوان.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 15 مارس - آذار 2014

ليست هناك تعليقات: