مطلع الأسبوع الماضي، تمكن طاقم
طائرة نقل عسكرية من إنقاذ أنفسهم وزملائهم، من كارثة وشيكة، عقب انطفاء محركي
الطائرة على التوالي..
حالفهم الحظ أن كانوا فوق صحراء بحضرموت
لحظة انطفاء المحركين، ووجدوا المكان الأكثر ملاءمة للهبوط دون إنزال العجلات،
فكانت المعجزة أن نجوا جميعاً، وخرجت الطائرة دون أضرار تقريباً، في حالة أشبه
بالمعجزة، خصوصاً أنها كانت مثقلة بحمولة تصل إلى اثنين طن ربما كانت كفيلة
بتحطيمها في حالة الهبوط الاعتيادي.
وبغير عامل المكان الصحراوي الذي
توفر لهم، لكانت الطائرة قد أتت على رؤوس الآمنين فوق المدن الآهلة بالسكان، كما
حدث سابقاً في تحطم ثلاث طائرات بصنعاء، وإن تفاوتت الخسائر.
خيراً صنعت قيادة القوات الجوية
بتكريم طاقم الطائرة.. لقد أنقذهم ذاتهم أكثر من كارثة بل وفضيحة جديدة، ترتكب
باسم الخفة في التعامل مع معايير الطيران بكل أسف.
ثمة طائرات خارج الجاهزية في إطار
القوات الجوية اليمنية.. هذه ليست المشكلة، فالطائرات لها عمر افتراضي محدد تنتهي
في كل بلدان العالم.. لكن المشكلة تكمن في الخفة وانعدام المسؤولية في التعامل
معها..
بالنسبة لبلد محدود القدرات
والإمكانيات لشراء طائرات جديدة، فإن الوضع الطبيعي هو المسؤولية في التعامل مع
قدراتنا، وتلك المسؤولية تقتضي استمرار التدريب وأداء المهام الاعتيادية بالطائرات
الجاهزة، وفقاً للوثائق الفنية.. وما عداها من الطائرات غير الجاهزة، فالأجدى
والأصلح للبلاد هو تنفيذ الصيانة الممكنة لها، وتخزينها لحالات الطوارئ التي تحتاج
معها البلاد جهوداً إضافية، وتكون هناك مهمة وطنية تستحق شرف التضحية.
عندها يكون أخلاقياً وملهماً للغاية
أن يغامر الطيارون والطواقم بالطيران على طائرات خارج الجاهزية، خدمة للمصلحة
العليا للوطن، سواء كانت طائرات مقاتلة أو نقل أو مروحيات.
أخبرني أحد الطيارين الذين
التقيتهم، أنه مستعدٌ للطيران على نصف طائرة، دفاعاً عن سيادة البلاد، وكرامة
أبنائها، أو المشاركة في أعمال إغاثة أو إنقاذ وقت الكوارث، أما أن يتم المغامرة
بنا بالطيران تحقيقاً لمصالح خاصة، أو في تمارين اعتيادية بطائرات متهالكة فهذا
يعتبر ضرباً من الانتحار.
ليس معيباً أن نعترف ونعمل بحدود
الإمكانيات الآمنة، ونحفظ كوادرنا من الطيارين المحترفين الذين خسرت البلاد مئات
الملايين من الدولارات على تأهيلهم وتدريبهم المستمر، إذ لدينا طيارون على شاكلة
النقيب طيار محمود العرمزة، ومهدي العيدروس، وطاقمهم المساعد الذين نفذوا المهمة
الأكثر استحالة مقارنة بنتائجها المبهرة..
ورثت القوات الجوية تركة ثقيلة من
الفساد والتسيب من النظام السابق الذي كان يستمرئ فساداً أكثر وقاحة كل سنة، وكل
صفقة تبرم، تكون أسوأ من سابقاتها، إذ كان همهم الأكبر زيادة حجم المنافع والفائدة
وليس تحسين شروط الصفقة ومواصفات الطائرات.
الصفقات الأخيرة للطائرات كانت
كارثية بكل المقاييس، إذ تم شراؤها بعد أن انتهى عمرها الافتراضي تماماً، وتم
ترميمها خارج مصانعها، ودخلت الخدمة في البلاد عامي 2007، و2008، وبعضها لم يصل
البلاد حتى الآن.. الصفقات كانت في قمة الاستهتار والفساد بحياة الطيارين
واليمنيين، واستمرار تطييرها يعتبر جزءاً من ذلك العبث، خصوصاً بعد أن تهالكت
بعضها في صنعاء والعند فوق رؤوس المدنيين، وكشفت عن مدى الفساد والتهاون
والاستهتار في إطار القوات الجوية سابقاً..
وأكبر من فساد القيادة السابقة أن
تأتي القيادة الجديدة، لتغطي على فساد سابقتها، وتجازف بحياة الطيارين وتجبرهم على
الطيران بالحظ بطائرات متهالكة.
وحالياً يحاكم طياران من العند في
محكمة عسكرية بصنعاء في قضية رفعتها نيابة القوات الجوية لامتناعهما عن الطيران
على طائرة خارج الجاهزية، وذلك يدخل في صميم مسؤوليتهم، باعتبارهم كوادر خسرت
الدولة على تأهيلهما عشرات الملايين من الدولارات على حساب قوت الملايين من
المحتاجين لها.
هذه القضية وطنية ومهنية بحتة،
وتقتضي وقفة جادة من القيادة، ومن مسؤولي وزارة الدفاع، خصوصاً أن رئيس الجمهورية
كان قد حاضر في الطيارين بعد تحطم طائرة سوخواي بشارع الخمسين في مايو من العام
الماضي، وشدد عليهم الامتناع عن الطيران بطائرة خارج الجاهزية.
قليل من المسؤولية والالتزام
بمعايير الطيران – ومعها تشديد إجراءات الحماية وتفعيل منظومة رقابة الكترونية
لتجنب الاختراق- في الظروف الطبيعية كفيل بتجنيب البلاد كوارث محتملة، كتلك التي
وقعت في صنعاء العام الماضي، وإنقاذ حياة الطيارين والأبرياء، وذلك كفيل بذلك
أيضاً بأداء أفضل لسلاح الجو عند حاجته للدفاع عن سيادة البلاد.
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت
08 مارس - آذار 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق