الأحد، 5 أبريل 2009

مطلع ومنزل في تعز!!

سامي نعمان
saminsw@gmail.com
"المصاعد" و "المُدوّرة" قريتان صغيرتان في عزلة اصرار بمديرية ماوية، لكن الاولى التي انتمي اليها اكبر من الثانية المجاورة لها كونها تتكون من قريتين، العليا والسفلى، وانا كأحد أبناء القرية السفلى للمصاعد، كنت أحد أطفال تلك القرية الذين يستنفرون جهودهم في مبارزة زملائنا من القرية الاخرى على ملعب كرة قدم(ليس ملعب بل مخْلف)، وكان هزيمة احدى الفريقين في الملعب يؤخذ كمسألة كرامة نحاول الانتصار لها بأي شكل من الاشكال، احيانا يلجأ المهزوم لمحاولة تمديد الوقت الى بعد المغرب، وأحياناً يسعى إلى تعويض الهزيمة بافتعال عراك بالايدي ينال به ما فقده في "المخلف"، خصوصاً إذا كانت الهزيمة قد تذوقها الفريق الذي تمت المباراة في ارضه..
أكثر من ذلك كان يصل بنا الامر أحياناً إلى تحريض كلاب القرية ضد كلاب القرية الاخرى ونسوقها إلى منتصف الطريق الفاصل بين القريتين حيث تدور معركة نتلذذ بانتصار كلابنا فيها، وإن حصل العكس لنا او لهم، نتحدث بروح المنهزم الذي يبرر نكسته "كلابهم مؤاذيات، ومتحرشات... مثل اصحابها".. غير أن لقاء طفلين صدفة من القريتين صباح اليوم التالي وقد نسوا معارك الامس الرياضية وحرب الكلاب يكون كفيلاً بالتوافق على مباراة جديدة في مكان محدد عصراً، لا يعترض على الاتفاق احد، ولا يتخلف عنه سوى صاحب عذر، وكأننا اول يوم نلعب فيه... ذات المشهد أحيانا كان يتكرر بين القريتين العليا والسفلى التي كانت تتعصب سلفاً ضد "المدورة" أو غيرها...
براءة الطفولة تلك، أوردتها كي تكون حاضرة في هذا السياق ونحن نفتقدها، فهي لا تتوفر في حدها الادني في صراعات الكبار اليوم، واعني هنا كبار محافظة تعز التي باتت تدفع اليوم - للأسف- ثمن عنتريات البعض وتمردهم على أهم قيمة طالما كنا نحن ساكني الحالمة -المدينة كانت او المحافظة بمديرياتها- نفاخر بها أمام بقية اخواننا في كافة ارجاء اليمن... إنها المدنِيّة التي طالما كانت عامل سلم واستقرار اجتماعي وركيزة ثقافتنا وتحضرنا، وهي التي تفرض علينا على الدوام عدم الانتقاص من بقية خلق الله في بقية محافظات الجمهورية، بل مبادلتهم المزيد من الاحترام.. تعز نموذج التعايش والحياة والنموذج الامثل لليمن... تعز التي لا ينساها اهلها اذا غادروها ، ولا ينكرون انتماءهم لها وان عاشوا عقوداً خارجها.. تعز التي اذا انتقل اليها شخص من خارجها عملاً او حباًَ أو قسراً ارتضى بها بلداً وارتضت به مواطنه وقبله أهلها كأحد بَنِيْها.. تعز التي تجمع كل الالقاب من كل محافظات الجمهورية.. تعز التي صعد منها نواب إلى المجلس وهم ينتمون لمحافظة أخرى دون أن نسمع من يفتش عن جذور القاضي الفاضل المرحوم محمد بن يحيى مطهر، ولا من يسأل عن ألقاب العديني ولا البعداني ولا البرطي، ولا مذهب الجنيد ولا قبيلة شيبان ولا "مخلقة" غيرهم من النواب والمسؤولين..
بالتأكيد اعني ما يحدث هذه الايام في مديرية خدير، وما وصلت اليه تداعيات مقتل مدير المديرية أحمد منصور الشوافي، وتداعياتها المتمثلة بحبس النائب أحمد عباس البرطي كـ"متهم" في القضية، وما آلت اليه القضية من اصطفاف لأعضاء مجلس النواب في مواجهة القضاء، وللأسف ما رافقها من تبادل اتهامات بانتهاك الدستور الذي يفترض بمسؤلي السلطتين التشريعية والقضائية ان يكونوا أكثر حرصاً على تطبيقه والاكثر غيرةً على انتهاكه، وقبل ذلك الاكثر توافقاً على فهم نصوصه..
ليس هذا هو موضوع حديثنا هنا، فالأكثر استفزازاً في القضية ما بدأ يثور في الفترة الاخيرة من تأويلات وتحميل لقضية أكثر مما تحتمل، والاكثر قبحاً في هذا المشهد، هو احالة الموضوع إلى صراع بين "مَطْلَع" وتعز باعتبار لقب البرطي يدل على جذور قبيلة قوية في شمال البلاد.. في مقابل هذا الطرح قد يظهر من يقول إن الشهيد أحمد منصور دفن في الشعيب التي أحيلت مؤخراً وبشكل طازج إلى محافظة لحج، فالمعركة بين تعز وأصحاب "مَنْزَل".. للاسف هذا أيضاً كان يحدث ذات الامر في ماويه اذا اثيرت خلافات بين أي طرف في المديرية وشخص من أسرة البحر، حينها يحال "البحور" إلى برط في مساعي تأليب أكبر قدر من العداء ضدهم باعتبارهم "دخلاء" أو "نقائل"، بعد أن تستنفد جميع أدوات إقامة الحجة أمام السلطات أو أمام الوجاهات، سواء كان أقارب فيصل البحر أو المحسوبين عليه أصحاب حق أم أهل قوة... وبالتالي تتوه الحقوق وتذهب الدماء هدراً وسط البحث في الملل والنحل والانساب واصول اليمنيين الذين يفاجئك غالبية العرب أنهم يفخرون بحديثهم عن انتمائهم لليمن كأصل للعرب، ونحن نبحث عن عروق آبائنا واجدادنا في أي ارض نبتت، في حين أصبح الاستاذ باراك حسين أوباما "النقيلة" حديثاً رئيسا للولايات المتحدة الاميركية في غضون اربعين عاماً، دون ان يعيش ابوه ولا جده في ولاية الينوي، أو محافظة تعز الاميركية..
البرطي والشوافي كلاهما من أبناء محافظة تعز أباً عن جد، وقبل ذلك هما مواطنان يمنيان، كانا من "مطلع" او "منزل"، من دمنة خدير او الشويفة، من شرعب او ماوية، من حاشد أو بكيل، يجب أن لا نساوم في ذلك وإن كانت بعض ممارسات الواقع تقول بغير ذلك، ويجب أن تاخذ القضية مسارها الحقيقي وفقا لما يقرره القضاء دون التهديد بدخان برط أو سلطة الشويفة..
شخصياً قضيت فترة دراستي كلها تقريباً في الراهدة، أحد اجنحة مديرية خدير، وأقولها بكل صدق أني ومع كثرة تنقلي بين مديريات تعز، ومحافظات الجمهورية لم أجد مدينة كالراهدة، بطيبة أهلها ومدنيتهم واندماجهم جميعا دون اي اعتبارات او مستويات اجتماعية كالتي تنتشر في غيرها، خصوصاً على أساس اللون او العرق أو المهنة، وهذا ما يدركه الكثيرون وخصوصاً أبناء هذه المدينة التي هي جزء من المديرية، ولا اعتقد أن ذلك حطراً عليها وحدها دون بقية المديرية، كما استبعد بالمطلق أن يكونوا قد تحللوا من قيمهم أو انهم مستعدون للتخلي عنها ذات يوم، وإلا لأصبحت حارة "الدّيّاني" تقصف حارات الراهدة من عليين دون اعتبار سوى لمنطق ارتفاعهم على بقية الحارات، هذا ان غابت افرازات التعصب الاخرى.
ليس من مصلحة البلاد، ولا من مصلحة أحد أن نعزو الصراعات التي تنشأ في المجتمع إلى عصبيات مقيتة تأخذ أكثر من الواقع.. ليس من مصلحة الشهيد، ولا الشيخ محمد منصور ولا أحمد البرطي، ولا تعز، ولا اليمن، ولا السلم الاجتماعي ولا المدنية التي تباهينا بها وفاخرنا وانطلقنا بها نحمل مشاعل التنوير إلى كل ارجاء اليمن، ورأس مالنا ما نحظى به من احترام فرضه فرضا عدم انخراطنا جميعا في أية عصبيات منتشرة هنا أو هناك وبقائنا على مسافة واحدة من جميع الاطراف وإن كان هناك انحياز فلمصلحة الوطن، وليس من المقبول ان ندخر العصبيات في تعاملنا مع الجميع لنفرغها وبفجاجة في ذات البَيْن، وكل اليمن ذات بَيْن.
ينغي ان نتمرد على تلك المقولة السيئة التي تكرس التعصب «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، نحن جميعا مع الحق والمظلوم اينما وجد، وعلى القضاء ان ينتصر لقيم المدنية ويعزز ثقة أبناء الحالمة بقيم الحرية والعدالة والمدنية والمواطنة المتساوية وان ينظر للقضية دون اية اعتبارات أخرى، وأن لا يتأثر بأصوات النواب ولا يتعصب أيضا لقراراته إن كان فيها حيفاً بحق طرف بعينه إن كان ثمة لبس في فهم القوانين قد حصل بحقه.. فالقضية عدالة وقيم مجتمع وسلم اجتماعي، سيكون الحيف فيها بالتأكيد مسماراً في نعش العدالة وثقة الناس وقبل كل ذلك في أمن واستقرار البلاد.
إلى مجلس النواب:
من المؤسف ان نسمع اليوم أحاديث النواب من مختلف الكتل وهم يتحدثون عن رغبة متأخرة في انتصار المجلس لمرة واحدة في حياته...
هي تهمة صريحة لهم بالتقصير وعدم قيامهم بواجبهم، ينبغي ان يفكروا بحساب انفسهم عليها قبل التفكير بمحاسبة شخص آخر..
لا أدري ما خلفية التصعيد ضد وزير العدل، مع انه يحظر كواجهة للقضاء الذي نفذ ما يراه صحيحاً - وإن احتمل الخطأ – والقضاء بأي حال من الاحوال ومهما قيل عن عدم استقلاليته يحق له ان يتمسك بمادة من الدستور تنص صراحة على ذلك...
ما الذي فعله الدكتور غازي الاغبري لتتعالى اصوات النواب اليوم مطالبة باستقالته... اهو كبش الفداء الذي يسعى مجلس النواب اليوم لتقديمه قرباناً يكفر به هزالة أدائه في سنواته الدستورية باعتراف النواب انفسهم.. أهذا ما استطاع النواب تقديمه لاستعادة هيبتة المجلس الضائعة في فترة عمله "اللحقة" ... مجرد تساؤل لا أكثر...

ليست هناك تعليقات: