السبت، 25 أبريل 2009

حريق الحصبة.. حين تكتب ما لايعجب الناس


منى صفوان، نيوزيمن:
يفور الناس مع شرارة الخبر الأول، وتستمر هذه الفورة رغم تغير مسار الخبر.
" حريق الحصبة" الشهير هو عنوان حادثة فجرت الكثير من القلق والتكهنات، وعندها كانت بلبلة الرأي العام قد أثرت في مسارها لتكون بعيدة تماما عن مسار نمو المعلومات الطبيعي.
كانت المعلومات تتدفق من اتجاهات مختلفة، و في البداية لم يكن لها مصدر يمكن وصفه بالموثوق ، لكن المصدر الأكثر شيوعا هو كلام الناس، وكلام الناس هو المصدر الذي يصدقه الناس وينجذبون له أكثر من كلام الصحف، التي لا توافق كلامهم.فان لم توافق الصحف كلام وتكهنات الناس فكلام الصحف هذا يهمل ولا يصدق.
الناس يبحثون عن الفضيحة والإثارة والغامض، و هنا لا ينساقون للمنطق، ولا يسكن الهدوء لهفتهم لمعرفة المزيد، و مع فجر الحادثة كان الصباح ذاته محملا بأخبار الناس، أخبارهم، بعضها انسجم كثيرا مع ما تداولته أخبار بعض الصحافة، و صحافة أخرى لم تساير ولع الناس.
"نيوز يمن" لم يساير كثير، فهو كواحد من المواقع الإخبارية الرصينة، لم ينساق وراء ولع الناس بالتفاصيل الفاضحة، وأدار مهمته بعيدا عن هذا التأثير المغري، ولذا كان خبره يحوم حول صبغ الخبر بتفاصيل خفيه لم تعلن بعد، و اهتم هو بالبحث عنها.
هذه التفاصيل الخفية للحادثة هي مالم يهتم به الناس الذين يهمهم التفصيل الأكثر شيوعا لبناء بقية الخبر على طريقتهم. و في تفاصيل البحث "لنيوز" كانت الحقيقة مرهونة بإمكانية إثبات نظرية، أن ما أشيع منذ أول شرارة ليس هو الحقيقة الكاملة.
ما حدث بعد ذلك في منتدى نيوز يمن الإخباري كان مرعب، انصب هجوم القراء على الموقع وطريقة قراءته للخبر، و نال نبيل الصوفي رئيس تحرير الموقع نصيبه من الهجوم الشخصي، فشخصنه القضايا، سمة يمكنها بسهوله أن تلتصق بطريقة التغطية الإخبارية التي يديرها أصحابها "بمهنية" من وجهة نظرهم.
لم تجري الأمور لتداول الخبر كما يريد الموقع، وغيره من الصحف الرصينة. وما يفرق الموقع عن غيره من الصحف انه أني و سريع التفاعل مع القراء.
القراء، وهم جزء من الجمهور المؤثر في الحدث كانت مشاعرهم ملتهبة، فما قيل هو يكفي تماما لإثارة شعور الغيرة والحنق والغضب، فهذه هي مقدسات الناس و خصوصيات ثقافتهم و وقود حياتهم.
وليس من السهل الدخول لهذه المنطقة المقدسة والخروج دون خسائر فادحة، خاصة إن كان الدخول ليس هو ذلك الدخول الاعتيادي لدعم فرضيات مسبقة.
مسار تطور المعلومات الطبيعي ظل ينمو في مساره بعيدا عن اهتمامات الناس الذين بعد أن صبوا غضبهم الكافي على من يخالف مسارهم اهتموا بتنمية المعلومات التي تدعم فرضياتهم و تفرغوا لتغذية مصادر المعلومات الخبرية التي تؤكد لهم أن هناك انتهاك واختراق لحياتهم.
التفاصيل كانت مرعبه، والأفكار حولها كانت مشوشة في البداية والتفاصيل متضاربة، وهذا لم يعني أن هناك تأني في تناول خبر حساس كهذا.
بعض الصحافة أججت الموضوع وزادت ولع الناس، واقتربت من المنطقة الحساسة دون أن ترغم نفسها على تحيد مشاعر الناس. في المقابل الخبر المتأني لقي المعارضة المتوقعة.
ولهذا يمكن وصف الأمر بالمغامرة، ربما هي بطوله نادرة لصحافة جادة تريد أن تعرف هي أولا قبل أن تنقل ما يتم تداوله، ولكن هذه البطولة يمكنها بسهولة أن تصيب أصاحبها بتهم لا تختص بمهنيتهم ويمكنها أن تكون سببا في اختراق خصوصيتهم، فببساطة الدخول لفوضى الأخبار التي تخدش الحياء العام، و تهيج الرأي العام ، و تناولها بطريقة لم تجري عليها العادة،أمر يعرض هذه الصحافة أيضا للانتهاك، خاصة عندما يفسر الخبر انه دفاع عمن أدانهم الناس.
الصحافة بوصفها لعبة المعلومات، هي أحيانا ضحية لهذه اللعبة في وقت يكون للمجموع العام كلمته، بغض النظر عن "كيف كانت هذه الكلمة"
"نيوز يمن " كان تناوله للضحايا مختلفا، و الضحايا في "نيوز يمن" هم الذين احرق منزلهم وممتلكاتهم "ومن وجهة نظر صحافة أخرى هؤلاء هم المجرمين" !
" نيوز يمن" مثلا قدمهم بصيغة عاطفية ومؤثرة، و اظهر ألمهم وخسارتهم و دموعهم. لان العاطفة وحدها هي من هيجت الموضوع من البداية، وتوظيفها عليه أن يكون هنا في لعبة تهدئة الأمر، أو بالأصح إنصاف الخبر.
لم يهدا الأمر، لم يعد العامة مهتمون بما يقوله التفصيل الجديد للخبر، و أصبح الخبر معروفا لديهم، ولديهم الآن دليل الجريمة و المجرمين، والتحقيق لم ينتهي بعد! وهذا هو المعتاد عندما يكون الخبر والحدث هو ملك العامة.
لم يعد الكثيرين مهتمين بأخر التطورات، بالنسبة لهم أهم التفاصيل هي التي نقلت صباح الأربعاء، ومنها تم إشعال شعلة التفاصيل اللاحقة، و الكثيرين بل أي شخص يمكنه بسهوله أن يتحول لشاهد عيان، و فجاءه ستجد بسهوله شاهد يؤكد انه رأى وسمع كل ما قيل عنه من انتهاك وتدنيس واغتصاب و أعمال فاضحة.
لا يمكنك أن تستثني المخيلة العامة والولع بالأخبار الفاضحة و شهوة الاشتراك في رواية التفاصيل كمصدر للخبر.
هذا الولع العام يجعل التهمة ثابتة تماما، لا مجال للشك إذا ، و هذه هي الخسارة الحقيقة لمهمة الصحافة المتحرية، التي ليس من مهامها الدفاع عن احد أو تثبيت التهمة على طرف، ولكن لعب دور المحايد ليس سهلا، ولا يوجد في الحقيقة خبر محايد، عادة الخبر ينحاز لفكرة يود إثباتها بالبحث عن تفاصيل تخدمه، و لكن بعض التفاصيل ليست هي ما يبحث عنه الناس، الذين اهتموا بالخبر الذي اظهر تفاصيل تؤكد لهم أن هناك من انتهك قدسيتهم.
هنا تقفز لأذهانهم رغبة الانتقام من كل من دنس مقدساتهم ولم يستطيعوا الوصول له، و تكون الصحافة التي تقف أمام غوغاء الشارع لتقول لنهدا أولا و نفكر و نبحث و نتحقق. و لنؤكد أن ما حدث هو جريمة انتهكت القانون والدولة، هذا يجعلها صحافة تخسر هذا الجمهور العريض.
برغم ا ن هذه الصحافة المسئولة هي الوحيدة القادرة على محاسبة المجرم إن ثبت تورطه في تدنيس معتقدات وحرمات ومقدسات الناس.
مقدسات الناس منطقة محرمة لا يجب الاقتراب حولها، أو اختبار مشاعر الناس بها، وهي أداة قاتلة بسهولة. ما حدث صباح الأربعاء يصف تماما كل ما حدث للصحافة المحلية في تغطية خبر غير اعتيادي وحساس، و المهتمين بصحافة رصينة لا تستخدم كأداة، يخسرون الجولة الأولى دائمان ولكن فقط يخسرون الجولة الأولى فقط، فمع مرور أسبوع واحد فقط تتصدر هذه الصحافة موقع الصحافة المحترمة ، سواء أدين المتهمين أم أثبتت براءته. و لكنها لن تهتم أن تدين من يدينه الوعي الجمعي.
والوعي الجمعي هو النوع الصعب للصحافة في السيطرة، ووسط العقل الجمعي ببساطة يختفي المنطق وينهي أمر أي تفكير مختلف
و في صحافة التي لا تنصاع لشرارة الخبر الأول لتخرج لمسار مختلف تماما، يضيع ما يبحث عنه الناس ويعجبهم، وما يثر فضولهم، ويزيد تهيجهم، و كذلك يزيد تدفقهم على هذه الصحافة ، عندها قد لا تكسب في توسع قاعدتها الجماهيرية، وتواصل بحثها الاستقصائي لتثبت نفسها وحقيقة أنها فقط تنتصر للمهنة والحقيقية. وليس دفاعا عن طرف ما حتى لو خسرت لفترة محدودة جزء من جمهورها.
وهذا تماما ما فعله نيوز يمن الإخباري وما حدث معه، فهذا الموقع الأهم الذي اجبر للحظة للدفاع عن نفسه ودفع ثمن خياره، ولكن كان عليه أن يفعل.

ليست هناك تعليقات: