حين يعمل الاعلام/ي متخففاً من القيم فإنه لا يكترث لكتابة
منشور يتضمن اتهامات خطيرة وفجة من العيار الثقيل، كهذه التي وردت في الزاوية الصفراء
بالصفحة الأخيرة المعروفة من جريدة اليمن اليوم بإلقاء الاتهامات الجزافية، بدون
سند سوى اكتمال السيناريو في مخيلة الكاتب أو من أوعز له.
بوجود الصحفي الحضرمي الصاعد راضي صبيح فوق الباص الذي
أقل الجنود من سيؤون في طريقه إلى صنعاء، قبل أن تغدر بهم عصابة القاعدة، يكون السيناريو
قد اكتمل في مخيلة المحققين مرتفعي حساسية الشم في جريدة اليمن اليوم على مسؤولية
الإخوان في مذبحة الجنود مساء الجمعة الماضية.
وزيادة في حبك السيناريو السخيف المهترئ، مُنح سائق الباص
اليمني، الجنسية التركية، لتحضر بصمة التنظيم الدولي، وبذلك "فاحت رائحة
الإخوان من نتن الجريمة البشعة"، عند المحققين المتحسسين للروائح.
ما كان ينقص الجريدة سوى اصدار اتهام مطلق بأن بقية
ركابه هم من أعضاء التنظيم الدولي
"الارهابي"، وفيهم عناصر شاركت في الهجوم على جامع النهدين، وحفر النفق
الجديد.
أعرف راضي صبيح، مدير تحرير موقع حضارم نت منذ عامين
تقريباً وهو يدرس الاعلام في جامعة صنعاء، وتخرج مؤخراً ، صحفياً ملتزماً ومثابراً
وحريصاً تطوير قدراته مع زملائه في الموقع الذي يعمل بجهودهم وشغفهم بالصحافة لا
أكثر.
بإمكان أي متابع يفهم في الحد الأدنى من معايير النشر والصحافة
أن يقارن أداء الموقع شحيح الموارد وطاقمه حديثو العهد بالصحافة، بأداء اليمن
اليوم، الجريدة المتخمة بالامكانيات والخبرات ليدرك أيهما أكثر التزاماً ومسؤولية.
صبيح، وشاب آخر، أمين بارفيد، يدرس اعلام في جامعة
صنعاء، كانا فوق الباص فعلاً حجزا من تريم وأقلهما باص صغير استأجرته الشركة الى
سيؤون، حيث صعدا الباص والجنود على متنه، ولم يقدم هو وزميله مع بلعيدي وجماعته..
السبت استمعت في صنعاء من الزميل العزيز راضي صبيح، لروايته
للجزئية المتعلقة بإنزال الجنود من فوق الباص، لأن واقعة الإعدام تمت
في سوق بعيد بعد أن اختطف مسلحو بلعيدي الجنود وذهبوا بهم لسوق الحوطة حيث ارتكبت
المذبحة على مرأى ومسمع، فيما واصل الباص بركابه، بمن فيهم صبيح، وبارفيد، طريقه
إلى صنعاء، حيث كان في استقبالهم ضباط من الاستخبارات العسكرية افادوهم بشهادتهم
دون تردد.
صبيح نشره روايته في الموقع، ورواها لصحفيين، تماماً كما
فعل زميله بارفيد، ولأول مرة تنشر تفاصيل متطابقة بدقة شديدة عن واقعة كهذه، شهدها
صحفيان بدون تخطيط، سوى أن أقدارهما ساقتهما ليستقلا الحافلة ليلة الفجيعة، التي
نالا حظاً مضاعفاً منها.
نجيا منها ورفاقهم غير العسكريين، لكنهما لم يسلما من سياط
أقلام شنيعة لا تقل قبحاً ولا بشاعة في مضمارها عن سكاكين قتلة الجنود هناك.
القائمون على الجريدة، او من يدير سياستها، متحمسون
لتأكيد أن اللقطات الصفراء البذيئة التي كانت تنشرها الصحافة الرسمية للتشهير واتهام
المعارضين خلال فترة حكم الرئيس صالح، وانتقلت إلى اليمن اليوم، بعد أن أصبح صالح زعيماً،
إنما هي مرتبطة بمطبخ الزعيم.
تذكرت كيف أن تلك المساحات الصفراء لم يسلم منها
حتى نائب الزعيم في قيادة الحزب عبدالكريم الارياني ذات موقف اتخذه يوماً ولم يرق
لصانع سياسات الصحيفة او من يجتهد لرضاه على حساب قيم مهنته، فنزعت عنه الوطنية
والدين في منشور بذات المساحة بتاريخ 25 ديسمبر الماضي، وختم بعبارة "مشكلة
الارياني انه رغم لا دينيته يؤمن أن أمريكا إله على كل شيء قدير"، وهو الرجل
الذي كان ملاذ صالح، ومرقع خروق سياساته الفهلوية وقت الأزمات مع معارضيه داخلياً،
أو عند توتر العلاقة مع دول الاقليم، وواجهته الأبرز التي يخاطب بها العالم.
فكيف بصحفي حضرمي، تهمته الرئيسية الكافية لإدانته بنظرهم
هي انتمائه لحزب الإصلاح إيمانه بالتعددية ، الذي يحضر بقواعده كإرهابيين مفترضين
في توظيف الأخبار وإخراجها بما يتوافق ومزاج المطبخ.
منشور كهذا، يقتضي اعتذاراً صريحاً يدفع لأجله صحفيون يعملون
بمهنية في الجريدة، وأدرك يقيناً أنهم لا يقبلون بمثل هكذا اتهامات ملفقة وخطيرة
تجاوزت الصيغة العمومية إلى أشخاص بعينهم، مهما تفهموا ارتفاع سقف المشاحنات والمكايدات
السياسية الحمقاء.
وبدون ذلك فالقائمون على أمر الصحيفة أجدر بعدم مزاولة الصحافة قبل أخذ دورة الزامية في أبسط أخلاقيات المهنة ومبادئها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق