21 اغسطس 2014
ميساء شجاع الدين
بعد أشهر عاصفة من القتال شمال العاصمة اليمنيّة صنعاء، وسقوط مفتاحها الشماليّ، مدينة عمران
الاستراتيجيّة في يدّ جماعة الحوثي المسلّحة، وإسقاط فصيل عسكريّ كبير للجيش، توالت ردود الأفعال على الحدث والتخمينات
حول ما سيلحقه، خصوصاً أنّه يأتي
في ظلّ أزمة سياسيّة حادّة داخل العاصمة، وانقطاع الخدمات الأساسيّة كالكهرباء، وانعدام النفط ومشتقّاته.
هكذا بدأت محاولات لملمة
تداعيات الحدث، حيث زار الرئيس عبدربه منصور هادي محافظة عمران بعدها بأسبوعين، وتناقلت الأخبار صور الزيارة تحت عنوان
عريض أنّ "الدولة استعادت سيطرتها على المدينة".
لكنّ
هذا الأمر لم يكن أكثر من دعاية إعلاميّة متهافتة لأنّ محافظ المدينة لم يعد إلى عمله، مطالباً
بطرد ميليشيات الحوثي أوّلاً. وتوالت الأخبار حول قيام الحوثيّين بمهام الدولة في المدينة، مثل إصدار حكم الإعدام في حقّ أحد سكّان المدينة.
في 28 يوليو / تموز عشيّة عيد الفطر، ألقي الرئيس هادي خطبته، مشدّداً على "ضرورة المصالحة الوطنيّة".
وتبدو هذه الدعوة مفهومة لرئيس دولة شهدت العديد من الحروب ولديها الكثير من الصراعات. لكن، ما هو مفهوم
المصالحة الوطنيّة الذي يقصده
هادي؟ اليوم التالي مباشرة، عند صلاة العيد، وصل للجميع مغزى دعوة الرئيس هادي عندما اجتمع خلال صلاة العيد كلّ من
الرئيس هادي ومستشاره العسكريّ
علي محسن والرئيس السابق علي صالح، للمرّة الأولى منذ
اندلاع ثورة 2011.
إنّها إذاً مصالحة وطنيّة بين
أقطاب الحكم الذين انقسموا عام 2011 الذي شهد ثورة شعبيّة وصراعات سياسيّة لا تزال مستمرّة حتّى الآن. وعلى الرغم من
سقوط مئات القتلى منذ ذلك
الحين وقبله، إلاّ أنّ دماء الضحايا كانت أبرز الغائبين عن "المصالحة الوطنيّة"، حسب زعم الرئيس هادي،
والتي يبدو جليّاً أنّها أوّل ما استثنته هو
المصلحة الشعبيّة، لتعيد ترتيب المصالح الشخصيّة للقادة المتصارعين.
هذا الثلاثيّ هو الحلف نفسه المنتصر في حرب 1994 التي تعاني البلد من
آثارها حتّى الآن. لا يخلو الأمر
من تبدّل مستمرّ للمواقع والأدوار. الضلع الأوّل من الحلف هو الرئيس صالح مع حزبه "المؤتمر" وتحالفاته
القبليّة، والضلع الثاني المتداخل بشدّة مع
الأوّل هو الإسلاميّون وعلى رأسهم حزب الإصلاح ( تحالف قبليّ – إخوانيّ) مع حليفه العسكريّ علي محسن، والضلع الثالث
والذي كان له الفضل الأكبر في
انتصار هذا الحلف هو القوّات الجنوبيّة التي فرّت من الشطر الجنوبيّ- الذي كان محكوماً من قبل الحزب الاشتراكي. وشهد
الجنوب حربا قاسية في عام 1986،
عندما انقسمت القوات الجنوبية إلى مجموعتين؛ الخط المعتدل في الحزب الاشتراكي الذي كان يمثله الرئيس الجنوبي السابق
علي ناصر محمد، والخط الراديكالي
في الحزب الاشتراكي. كانت حرب دموية حول احتكار السلطة؛ واستند القتل على الهوية. بالتالي، [حول] 10,000 شخص قتلوا خلال الحرب التي دامت أسبوعين،
وعشرات الآلاف فروا إلى الشمال مع الفصيلة السياسية العسكرية المهزومة التي قادها ناصر. ثم عادت إلى الجنوب
وخاض إلى جانب تحالف صنعاء حربأ ضد
الحزب الاشتراكي في الجنوب في عام 1994، بعد أربعة أعوام من الوحدة بين الشطرين الشماليّ والجنوبيّ. وكان على
رأس هذه القوّات الرئيس
الحاليّ عبدربه منصور هادي الذي قاد هذه الحرب.
إذاً، أدخلت حرب 1994 طرفاً
جنوبيّاً للتحالف الحاكم في صنعاء، لكنّه لم يكن مؤثّراّ تماماً، حتّى جاءت تطوّرات عدّة، تجسّدت في الانقسام بين علي
صالح من جهّة وعلي محسن والشيخ
الأحمر من جهّة أخرى، منذ بدء مشروع التوريث عام 2000، ثمّ نشوء الحراك الجنوبيّ عام 2007، وأخيراً ثورة عام 2011، التي رفعت من أسهم هذا الفصيل
الجنوبيّ حتّى احتلّ الصدارة، وأصبح له نصيب الأسد، بينما تراجع وضع الرئيس صالح الذي اقترب من التلاشي، وبدا
الفصيل الإسلاميّ والإخوان أكبر
المستفيدين من قسمة السلطة الجديدة بعد المبادرة الخليجيّة، إذ كانت القوى الأكثر
تنظيماً خلال الثورة.
أعادت حرب عمران مجدّداً توزيع
الأدوار ضمن دائرة تحالف حرب 1994 ذاتها، حيث تراجع دور الإصلاح بعد هزيمته في الحرب مع صعود جديد للرئيس صالح
الذي، على الرغم من أن البعض افترض
أنها النهاية له، إلا أن الأحداث الحالية والماضية تشير إلى أنه لايزال يشكًّل فصيلاً سياسيّاً وعسكريّاً
قويّاً وهامّاً. هكذا كانت صورة
المصالحة الوطنيّة المفترضة في صلاة العيد، وهي بمثابة عودة لهذا التحالف الذي انقسم، وحدث فيه انشقاق عام 2011، لكن بتوزيع مختلف، واللافت هو
تراجع دور الذي كان يبدو الرجل الأقوى بعد عام 2011، الجنرال علي محسن.
وفي ثالث أيّام عيد
الفطر، في 30 يوليو / تموز، أعلن عن رفع أسعار الوقود ومشتقّاته، لتلغي الدولة تماماً
دعمها، في مرحلة أخيرة من برنامج الجرعة (رفع الأسعار) التدريجيّ الذي بدأ عام 2011. وفي كلّ مرّة، كان الشارع
اليمنيّ يشهد احتجاجات ضدّ هذه
الإجراءات، مع وجود قوّة سياسيّة محرّكة للشارع.
كانت أحزاب اللقاء
المشترك المعارضة وعلى رأسها الإصلاح، تعلن رفضها الدائم لأيّ رفع للأسعار، فارتفعت أسعار النفط بنسبة 60٪، في حين تضاعفت أسعار الوقود. لكن
اليوم، وكونها مشاركة في الحكومة
ومسؤولة عن القرار، تولّى دورها المعارض الحوثيّون الذين يحاولون استثمار حرب عمران سياسيّاً وبأقصى شكل لفرض حضورهم في العاصمة صنعاء،
وبالتالي في السلطة. هكذا انطلقت المظاهرات في الرابع من الشهر الجاري، تغطّيها شعارات جماعة الحوثي وأعلامها في
استعراض واضح لقدرتها على الحشد وحجم أنصارها.
ليس هذا فقط، بل لوّح
الحوثيّون أيضاً باستخدام العنف كخيار أخير لإسقاط الحكومة وقرار الجرعة. وقال الصحافيّ
سامي نعمان إلى "المونيتور" إنّ "الحوثيّين يسيرون على خطى تجربة حزب الله
في لبنان، فلم يرضهم عرض الحكومة بعض مناصب وزاريّة بل يريدون وزارات سياديّة ومؤثّرة، لذا ليس من المستبعد استخدامهم
للعنف، فها هم يتحدّثون عن أبناء
القبائل المصمّمين دخول صنعاء وإسقاط الحكومة. لن يتحرّك أبناء القبائل بصفتهم القبليّة بل بصفتهم منتمين إلى جماعة
الحوثي، وهم بالفعل يتأهّبون
لدخول صنعاء". ووفقاً لنعمان "ستظلّ جماعة الحوثي مشكلة، فلا شيء يقف أمام توسّعها وطبيعتها الطائفيّة ستجعلها نقيضاً
للدولة اليمنيّة ومهدّداً
لوجودها".
تحاول السعوديّة ترتيب الوضع
السياسيّ في اليمن من جديد تحت لافتة المصالحة الوطنيّة، في الشكل الذي تطمح إليه، حيث سعت إلى بعض التناقضات، وهي
إضعاف الإخوان بعد اعترافها
بالحوثيّين كقوّة محليّة، لكن ليس بالقوّة التي تقلق حدودها وحضورها داخل اليمن. والنتيجة حتّى الآن هي إضعاف الإخوان
وصعوبة احتواء الحوثيّين الذين
أصبحوا أقوى، في مشهد يلخّص الكثير حول مدى فاعليّة الدور السعوديّ المتراجع باستمرار في اليمن، لكنّه يظلّ الرئيسيّ على الرغم من وجود لاعبين
جديدين وفرعيّين هما قطر وإيران. لذا، تتحرّك السعوديّة في مساحتها المعتادة ضمن دائرة حلفائها التقليديّين
والقدماء في محاولة لجني بعض المصالح
المتناقضة، لكنّ المصالحة الوطنيّة لن تكفي لمواجهة التمدّد الحوثيّ. هكذا تبدو الأمور في اليمن مرشّحة للتفاعل مجدّداً، فمرحلة ما بعد
سقوط عمران بالتأكيد تختلف كليّاً عن مرحلة ما قبل سقوطها.
===========
الصورة : رويترز- خالد عبدالله
الصورة : رويترز- خالد عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق