في احد صفحات الفيسبوك يدور حوار
بين ثلاثة مثقفين يمنيين أحدهم استاذ فلسفة وآخر دكتور اجتماع وثالث صحفي- حصيف
ومستقل سابقاً- حول الحوثي الذي سوف يتمسك بمطالب الشعب واسقاط الجرعة أمام
الحكومة الفاسدة.
بأبسط مبادئ المنطق المقدمات
السليمة تؤدي لنتائج سليمة، بهذا المنطق كيف دار نقاش حول مدى تمسك الحوثي بمطالب
الشعب، رغم علمهم بمقدمة بديهية جداً هي إن الحوثي ميلشيا طائفية ترفض التحول لحزب
وكل منجزاته حتى الآن مرهونة بالسلاح والتوسع العسكري الذين يتم الحشد والتعبئة لهما
بخطاب طائفي خالص، فكيف لهكذا ميلشيا أن تنحاز لإرادة الشعب ولا تكون مجرد راكب
انتهازي جشع لموجة الغضب الشعبي من الجرعة وهي نفس الموجات التي ركبتها الأحزاب
اليمنية المختلفة منذ بدء تطبيق سياسة الجرعات منذ عام 1993م.
محاصرة صنعاء بالسلاح و تسيير
مظاهرات مسلحة يغضوا الطرف عنها، ولا يثير قلقهم انجرار البلد لحرب أهلية طائفية
وشبح تمزقها لدويلات طائفية.
هذا تحرك شعبي مخالف لتحرك عام
2011م حيث كان يشمل كل اطياف المجتمع اليمني بمنطلقات مختلفة ويغلب عليها العمل
السلمي والمدني على الأقل في المظاهرات والاعتصامات. اليوم تحرك شعبي يعبر عن جزء
من الشعب الذي وجد نقسه ممثلاً بجماعة طائفية جراء غياب الدولة، تحرك يعبر عن جشع
هذه الجماعة بعد أن تركتها الدولة تسقط محافظة محاذية للعاصمة صنعاء، وعوضاً عن
احتواء هذه الجماعة التي تعبر عن جزء من الشعب احتواء سياسياً ضمن منطق مشاركة تحت
مظلة الدولة ، يخضع الجميع لمنطق التهديد بالسلاح ويبحثون جميعاً عن وصفة محاصصة
جديدة.
ولا يتساءل المثقف الواهم حول ما هو
أهم، لماذا هذه الحكومة وغيرها فاسدة؟ هل الفساد جينات أخلاقية خاصة ببشر أو قوى
سياسية معينة أم هو قضية مرتبطة ببنية الدولة التي يفترض إنها تكون ذات هيبة كافية
تكتسبه من مصداقيتها في خدمة المواطنين وتأمين مصالحهم، مرتبط بنزاهة وحيادية
مؤسساتها السيادية مثل الجيش والقضاء. صحيح إن الحكومة اليمنية فقدت مصداقيتها
تماماً ولم يستشعر المواطن أي تطور منذ عام 2011م بشكل دفعه للارتماء بحضن معارضة
مسلحة قدمت اسوء نماذج الحكم في صعده وعمران، حكم بالحديد والنار متمحور حول
القائد الزعيم وليس أي شكل تنظيمي أو مؤسسي، بل ونموذج شديد التخلف والانغلاق مثل
تحريم الموسيقى ومنع النساء من الخروج بعد المغرب، هذه أمور معروفة للصحفيين
المثقفين اليمنيين فما الذي يدفع بعضهم للوهم إن هكذا جماعة سوف تنقذهم من حكومة
فاشلة وفاسدة؟
بعيد عن شراء الولاءات بالأموال في
وسط صحفي وثقافي فقير، فهناك أمور تتعلق بطبيعة المثقف والصحفي الذي يفكر بمنطق
القطيع والقبيلة فهو لا يتصور نفسه إلا ضمن قطيع تحركه مجموعة من التحيزات
والتعصبات..
فنكاية بالإصلاح لا يمانع من
الاصطفاف مع الحوثي، ولا يكترثون لحقيقة إن هذا ليس حل بل نتاج طبيعي للدولة التي انهكها صالح بفساده واستهتاره وكان لا يمانع من
التفاوض مع الخاطفين والمخربين وادار اليمن لمدة ثلاث عقود بمنطق شيخ القبيلة الذي
يتوسط ويدير الصراعات وليس كرئيس دولة وظيفته وقف الصراعات وفرض سلطة الدولة.
لحقه الإصلاح الذي تعامل مع بقايا
الدولة عام 2011م بأكبر قدر من الانتهازية والاستهتار، وقاتل من أجل الحفاظ على
حصته في الجيش دون ادراك إن جيش ذو ولاء حزبي أو شخصي سوف يفقد مصداقية الدولة
تماماً حتى يأتي اليوم الذي تحاصر عاصمتها ميلشيا طائفية وتتطور وظيفتها من
التفاوض مع الخاطفين للتفاوض مع من يحاصرون العاصمة في سقوط اخير للدولة اليمنية
سوف يدفعها نحو هاوية اقتتال طائفي، والبديل لدى اليمن الأسفل سيكون القاعدة وكفى
بهذا انجاز لمن يريدون التشفي بالإصلاح من مثقفين لا يمانعون من سقوط الدولة
وتقسيمها لطوائف طالما سوف يسقط خصومهم.
منطق التشفي بالخصم وتصديق الشعارات
الديمغاوغية مفهوم لدى عامة الناس لما يصلون لهذه الدرجة من الإحباط المسؤول عنه
الاحزاب المختلفة التي خذلتهم، لكن أن يصدقه مثقف فهذا أمر يدفع للتساؤل وربما
الريبة. المثقف اليمني الذي يستهويه محاباة الجماهير ودغدغة عواطفهم ولو تضليلاً
وهو بهذا الشكل يثبت استقلاليته كما يفترض، لكن محاباة الجمهور وتضليله ليست
استقلالية بل سطحية مثقف تخلى عن دوره في التوعية والتثقيف لكي يجري وراء اغراء
جاذبية الصوت العالي الذي يعجب الكثيرين ويجد صدى واسع في وقت قصير، فللجماهير
اغرائها فهي تمنح المثقف سطوة لا يحلم بها مثقف السلطة.
رئيس الدولة والحكومة اليمنية هما
المسؤولان عن وصول الوضع لهذه الطريق المسدود ولتداعي الدولة اليمنية المحاصرة
عاصمتها بالسلاح، بسبب ادائهما الفاشل والانتهازي حتى لو ورثوا تركة ثقيلة من
التداعي والفشل من عهد الرئيس صالح، فهم لم يقوموا بشيء لمعالجة هذه التركة بل
اضافوا لها لأنهما رهنا نفسهما للخارج وافترضا إن الشرعية الدولية والرضا الإقليمي
هو الضامن الوحيد لبقائهما في السلطة وليس تأدية واجباتها من حماية المواطن وتأمين
مصالحه.
هذا ساعد الطرف المعارض للمزايدة
بهذا الخصوص، فكيف لا وأكبر الأحزاب اليمنية الإصلاح يدعو لتدخل دولي تضع الحوثي
ضمن معرقلي المبادرة بينما يوجه الحوثي خطابه للشارع متحدثاً عن الجرعة وفساد
الحكومة.
بالطبع كما هو ميؤوس من جماعة
متخلفة وطائفية ومسلحة مثل الحوثي أن تلبي مطالب الشعب وكذلك ميؤوس منه أن يحافظ
على سيادة دولته، فسيادة الدولة أمر مرهون بتماسك مجتمعها وليس بانقسامه الطائفي،
مرهون بمجاراتك العصر ومتطلباته وليس مرهون بمزايدتك بإسم الشريعة والدين، مرهون
بقوتك التي لا توجهها لأبناء بلدك وطرد مخالفيك من سلفيين ويهود من مناطق حكمك في
صعده.
الفارق بين الإصلاح والحوثي ليس
ارتهان أحدهم للخارج ووطنية الآخر، فكليهما مرهون للخارج والحوثي يتلقى دعم خارجي
معروف، لكن هو فارق من في السلطة ولم يقوم بدوره المطلوب داخل السلطة فأصبح عاجز
عن المزايدة خطابياً ولم يجد أمامه سوى الاستنجاد بالخارج وطرف آخر بالمعارضة
متخفف من السلطة والتزاماتها ويستطيع المزايدة كيفما شاء من موقعه، لكن مجدداً لا
مجال للسيادة الوطنية في ظل جماعة تعزز انقسامه الطائفي وتقدم احد اسوء نماذج
الحكم في صعده وعمران.
المزايدة خارج السلطة سهلة لطالما قامت بها أحزاب
المعارضة، لكن النجاح بالحكم يتطلب شروط ومقدمات مختلفة وتظهر من الخطاب والأفعال،
فكيف لمن يحمل السلاح ضد شعبه ويقمع من يقعون تحت حكمه ويقدمون خطاب طائفي
وينساقون وراء اكثر التفسيرات الدينية تشدداً وتخلفاً أن ينجحوا في السلطة ويقدموا
لليمنيين دولة عصرية وحديثة ذات سيادة طالما حلموا بها، تكرار الخطأ بالانجرار
وراء شعارات يتضح كذبها على الأرض، بصعده وعمران، أمر يقتصر بمثقف يمني يستهويه
التعلق بوهم إما تعصباً ومكايدة لخصم سياسي أو انجرار وراء تمجيد جماهير محبطة .=================
عن صفحة الكاتبة على الفيسبوك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق