الخميس، 5 فبراير 2015

"بيعة السارق التاريخية" التي يريدها الحوثي من الأحزاب


نبيل سبيع

استولى على الدولة بالكامل، ويتحدث بإسم الشعب كله. ومع هذا، لم يستطع الحوثي اتخاذ قرار منفرد يتعلق بالدولة التي أصبحت كلها بيده ولايستطيع منفرداً فعل شيء في مرحلة مابعد انقلابه على هادي وعلى الدولة بكل سلطاتها ومؤسساتها. لماذا؟
- لأنه حريص على عدم اتخاذ القرار منفرداً؟ لا طبعاً، فهو قد انقلب على رئيس الدولة والدولة كلها منفرداً.
- لأنه حريص على التوافق السياسي مع سائر الأطراف؟ لا أيضاً، فهو قد انقلب على كل اتفاقاته السياسية مع الجميع دونما اكتراث.
**
إذا كانت الدولة كلها قد أصبحت بيده، وإذا كان يعتبر نفسه الشعب بكله، فلماذا إذن ينتظر من الأطراف السياسية أن تصيغ معه مرحلة مابعد انقلابه على هادي والدولة ككل؟
- لأنه حريص على علاقات حسن الجوار بين الدولة والشعب اليمنيين اللذين يمثلهما وبين دول وشعوب البلدان المجاورة التي تمثلها أحزاب المشترك والمؤتمر والحراك الجنوبي؟ لا طبعاً..
- لأنه حريص على التوافق السياسي بين الأغلبية العظمى من الشعب التي يمثلها هو والأقليات الصغيرة التي يمثلها المشترك والمؤتمر والحراك الجنوبي وغيرهم من القوى غير المنضوية في أطر سياسية؟ لا أيضاً..
- وإذن لماذا دخل في "حيص بيص" بعد استقالة هادي، وأخذ يتوغل أكثر في هذا الـ"حيص بيص" بعد انتهاء المهلتين (الأولى والثانية) اللتين وضعهما للأطراف السياسية؟ لأنه ميليشيا مسلحة غير شرعية انقلبت على الدولة، ولأنه جماعة تمثل فئة صغيرة من الشعب فقط.
**
الحوثي يتحدث بإسم الشعب كله، ويعتبر سائر الأطراف السياسية غير ممثلة للشعب بقدره هو، لكنه يدرك أمرين مهمين: الأول أنه ميليشيا مسلحة انقلبت على الدولة وعلى الشعب بكل قواه السياسية وفئاته الإجتماعية، وهو بالتالي بحاجة لغطاء وشرعية سياسية لإدارة الدولة بعد استيلائه عليها. والثاني أنه مهما كانت الأطراف السياسية الموجودة في الساحة تعاني من مشاكل واختلالات كبيرة في تمثيل الشعب إلا أنها ستظل الأطراف الممثلة له سياسياً في نظر الداخل والخارج حتى تأتي قوى سياسية أخرى تمثل الشعب بدلاً عنها، وهو بالتالي بحاجة ماسة لها كي تمنح انقلابه الشرعية وكي توافق على أي خطوة يتخذها في صياغة المرحلة التالية للإنقلاب.
فهل تدرك الأطراف التي زجّتْ بنفسها في مفاوضات سياسية مع الميليشيا الإنقلابية هذه النقطة؟ لا أظن، لذا قد تبرم مع الحوثي "بيعة تاريخية" تشرعن له سرقته للدولة ووضع يده عليها مستقبلاً.
**
الحوثي يتعامل مع قادة الدولة والقوى السياسية باعتبارهم مجموعة من اللصوص الذين لايمثلون الشعب ولايستحقون قيادة الدولة والسياسة في البلد، وهو قد يكون محقاً في ذلك الى حدٍّ بعيد. لكن هذا لايعني أنه بديل أفضل منهم في قيادة الدولة وتمثيل الشعب، بل هو "السارق المبهرر" بينهم فقط. ولعل في مافعله بالدولة حتى الآن خير دليل. أما مايريده من هؤلاء "اللصوص"، فهو التوقيع له على "بيعة سارق" تمنحه الدولة كلها دون أي مقابل، ولا حتى المقابل الرمزي الذي يحصل عليه السارق من بيع مسروقاته.
**
الدرس الذي خرج به الحوثي من الإنقلاب ولم تستوعبه الأحزاب بعد هو:
أنك قد تنجح في الإنقلاب والإستيلاء على دولة، لكنك لاتستطيع استخدامها بدون شرعية.
والأطراف السياسية تورطت- بشكل أو بآخر- في تسليمه الدولة اليمنية التي مايزال الخلاف حول صيغتها قائماً بين سائر اليمنيين، لكن كل أخطائها السابقة في كفة وموافقتها على "بيعة السارق التاريخية" التي يريدها منها الحوثي الآن في كفة أخرى.

ليست هناك تعليقات: