السبت، 18 يناير 2014

دماج.. مأزق التعايش ..!


حين كان عبدالملك الحوثي يخطب في الحشود التي حضرت احتفالية رعتها جماعته بذكرى المولد النبوي، مؤكداً على المصالحة والشراكة الوطنية، ويده الممدودة بالإخاء والتعاون والمحبة لكل مكونات الشعب، كان مكون يقيم ضمن حدود منطقة نفوذه وسلطته، يحزم أمتعته لمغادرتها، بعد مواجهة مسلحة وغير متكافئة، أعيت الوسطاء عن الخروج بحلول يتنازل فيها الطرفان بما يحفظ دماءهم، ويصون التعايش بينهم.
بدا مؤلماً مشهد عشرات الأسُر، بنسائها وأطفالها وشيوخها، وهي تغادر دماج-التي ولدوا وعاشوا فيها، أو أقاموا لعقود وسنوات- إلى المجهول، بعد أن ازدادت أوضاعهم سوءاً باندلاع جولة الصراع الأخيرة..
مآلات النزاع في دماج كانت صادمة للغاية، وما كان ينبغي لها أن تبلغ ذلك المستوى الكارثي، على الإنسانية والعدالة والدولة والمجتمع، لتصل حد المساس بالتعايش كقيمة إنسانية ضامنة لحقوق ومعتقدات المواطنين، بعد أن تجاوز الصراع حده القابل للاحتواء، لتغدو الخيارات الماثلة أمام الطرف الأضعف مجحفة ومؤلمة، إذ انحصرت بين الحرب والمغادرة.
بالنسبة لبلد يمر بمرحلة شديدة الحساسية والتعقيد، على كافة المستويات، ويزيد من خطورتها نزعات متناسلة تبحث عن عصبيات صغرى، فإن التأسيس لحل كذلك الذي طغى عليه التعصب الأيديولوجي، يعزز نزعة الاقصاء والتفرد، بما يوحي وكأن حلول النزاعات باتت أقرب إلى التسليم بخيار الانقضاض على قيمة التعايش في ظل غياب الدولة والعجز عن معالجة جذور الصراعات.
وإذا كانت النزاعات التي تتورط فيها الجماعات المسلحة، تؤول إلى تلك النهاية، فذلك يعني أن الجميع يخسر..
المجتمع والدولة.. الطرف الأقوى قبل الأضعف.. الضالعون فيه والمتفرجون عليه..
من يشعرون بنشوة الانتصار، أو المرحّلون أملاً في حفظ حق الحياة..
المتحمسون للبحث عن مبررات معيبة تغطي سوأة الجريمة، أو أولئك الذين يستغلون الانتكاسة الإنسانية للتشنيع بخصومهم المتورطين فيها..
يخسر الجميع وطناً، إذ يفرطون بقيمة التعايش، حتى وإن استدعى ذلك خيار حفظ الأرواح، باعتباره أخف الأضرار وأقلها قبحاً، على المدى القريب، لكن تبعاته لن تكون أقل مأساوية مستقبلاً، خصوصاً إذا ما استمرأ المتحاربون غياب الدولة.
والأنكى من ذلك كله؛ أن الطرف المستأسد في ذلك النزاع، المتحمس لرعاية احتفالات دينية تتجاوز عقدة المذهب، يجد غضاضة في التعامل مع آخرين إلى جواره، ولا يتوخى، بما هو الطرف الأقوى، تجنب نتائج وخيمة لصراع يمس قيمة التعايش، والمواطنة كأهم قيم ومرتكزات الدولة المدنية التي يستبسل في المطالبة بها.
جماعة الحوثي، تواجه معضلة بالغة الحساسية والخطورة، تتناقض مع دعوات قيادتها المعلنة، التي تنادي بدولة ومواطنة.
وحين يربط زعيمها بين شرط تخليه عن السلاح وقيام الدولة بحكومة غير عاجزة أو مرتهنة للبعض ممن يريدون استهدافه، فذلك يعني أنه قدم شرطاً مستعصياً، إذ إن بقاء جماعته كميليشيا مسلحة تشكل القوة الأكبر في البلاد حالياً، إضافة لميليشيات أخرى، يشكل العائق الأكبر أمام قيام الدولة.
كان حرياً به أن يبادر بما يحقق الهدف الذي يطالب به، بإبداء الاستعداد الفوري للتخلي عن السلاح تزامناً بين الميليشيات الأخرى بما يعجّل بقيام الدولة التي تكون قادرة على حمايته.
تلك الدولة هي الحلقة المفقودة في صراع الخصوم، والتي بات لغيابها المزمن كلفته الباهظة على الجميع دون استثناء..
ليس من مصلحة الحوثي ولا السلفيين ولا أي مواطن في هذه البلاد أن تقوم الدولة بدور لا يمت لقيمها بصلة ويضرب في الصميم هيبتها، إذ تحضر كوسيط بلا حول ولا قوة، يركز جل جهده المخلص في إظهار الحياد وكسب ثقة المتحاربين، لإبرام هدنة مؤقتة، أو حل نهائي بكلفة باهظة وخطيرة على مستقبل البلاد والتعايش بين أبنائها، إذ يكون خروج مواطنين بالمئات من موطنهم، أقرب من معالجة جذور النزاعات وتعزيز التعايش.
وإذا ما استمرت الميليشيات، متمسكة بسلاحها، ومشترطة قيام الدولة أولاً للتخلي عنه، فإنها لن تقوم ولن تحضر إلا بتلك الصورة السلبية التي ظهرت عليها مؤخراً في دماج..
وبدون سحب رصيد القوة من كافة الميليشيات لصالحها بما يعزز حظوظ الدولة والمواطنة، فلن يكون هناك طرف منتصر وآخر منهزم في أي مواجهة، بين أطراف تناوب مواقع القوة والمظلومية..
يخسر الجميع، إذ يغتصبون مهام الدولة ويضحون بالوطن..
saminsw@gmail.com
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت 18 يناير-كانون الثاني 2014
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=44705

ليست هناك تعليقات: