الأحد، 1 فبراير 2009

تحديات حرية الصحافة في اليمن والعالم العربي لعام 2009م .. حمدي البكاري


تتشابه البلدان العربية في القيود المفروضة على حرية الصحافة وان كان هناك بعض الاختلاف فهو لايتعدى الشكليات التي يصفها البعض بالتطور النسبي وهي غالبا لاتصمد طويلا امام ثقافة المنع والمصادرة لاسيما في أجواء الأزمات والحروب والاحتقانات وكذلك الصراعات الداخلية التي يعج بها عالمنا العربي.
في الواقع بنية النظام السياسي العربي قائمة على أساس مناقض لحرية الرأي والتعبير ولعله ملاحظ انه كلما علت الاصوات المطالبة برفع سقف الحريات كلما حضرت مظاهر هذا الاساس الاستبدادي لتؤكد هذا التناقض غير ان ذلك لايحجب رؤيتنا لتجارب افضل من غيرها في اطار المفاضلة العربية العربية .
معظم البلدان العربية هي الاسوأ في العالم في مجال حرية الصحافة وفقا لتقارير المنظمات الدولية وما هناك من معيار لقياس حالة التطور بين دولة عربية وأخرى سوى المقارنة بين مستويين او اكثر للقيود والانتهاكات التي تطال الصحافة والصحفيين فتلك الدولة قد تحصل على درجة متقدمة ولكن ليس بالنسبة الى الحرية وانما بالقياس الى الدولة الاخرى الاقل منها استبدادا وبطشا..ولذلك يصعب الحديث عن وجود حرية صحافة صرفة في العالم العربي بالمعنى المتعارف عليه دوليا اذ لاتكاد تخلو دولة عربية من قيود سواء عبر القوانين وتفسيراتها او عبر الثقافة المكونة لهذه الانظمة والسائدة في اغلب الاحيان او في تلك المواقف السلبية لبعض النخب السياسية ومكوناتها التنظيمية بما هي تمثيل لعناصر تخلف وخوف وبطء تحول.
بين سنة واخرى
من الواضح ان الصورة القاتمة لحرية الصحافة في البلدان العربية يقابلها صورا مشرقة ايضا في العديد من البلدان,فالحقيقة ان هناك اتساع كبير في حجم المطالب والضغوط المدنية والحقوقية محليا وإقليميا ودوليا في اتجاه توسيع هامش الحرية والتصدي للانتهاكات المستمرة مااتاح تكوين شبكة ضغط واسعة قلصت الى حد كبير التدهور الحاصل للحريات الصحافية التي سبق انتزاعها حتى بتنا في الاعوام الاخيرة امام صراع من نوع مختلف في العديد من البلدان اذ كلما اتسعت الانتهاكات اتسعت دائرة مواجهتها ما جعل الحكومات تطور من أساليبها وادواتها لمحاولة تجاوز ادوات واساليب ردود الفعل الغاضبة ..وأمام هذا الصراع تبدو المعركة غير متكافئة فتكتيكات ووسائل السلطات العربية وتطورها في الانتهاكات لايقابلها نفس المستوى في المواجهة لدى المتضررين منها ومناصريهم غير ان ذلك لايعني سوى تأجيل واعاقة الوصول الى حرية صحافة حقيقية لفترة زمنية اطول ليس الا..فالقضية اذن قضية زمن والزمن في حالة حركة سريعة ومذهلة بالنسبة الى عالم الصحافة وتقنياتها التكنولوجية وطالما نحن جزء من هذا العالم فاننا حتما سنتفاعل معه وبه شئنا ام رفضنا.
إن قدرة صمود الانظمة والحكومات العربية لاعاقة مشروع حرية الصحافة تتناقص يوما بعد اخر وسنة بعد اخرى فثورة التكنلوجيا والجيل الجديد من الانترنت والفضاء الالكتروني الواسع ثم تزايد الناشطين في مجال حرية الصحافة كفيل بخلق تطورات ايجابية بين عام مضى وآخر اتى..لمصلحة حرية الصحافة وتقليل مخاطر التحديات في اقل الاحتمالات.
بلا شك عام 2009م سيحفل بتحديات عديدة على المستوى العربي ذلك أن العام بدأ بكارثة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في ظل صمت يشبه حالة الوفاة السرسرية للنظام الرسمي والشاهد هنا يكمن في اتساع الهوة وبصورة واضحة بين الشعوب وحكامها ولعل في خروج الناس الى الشارع والفعاليات التضامنية مع اهلنا في قطاع غزة تكريس محتمل لثقافة الاحتجاج والرفض والتظاهر في مواجهة الاستحقاقات ومنها حرية الصحافة وسيكون التحدي في هذا الاستدلال: هل يسمح للشعوب العربية بالاحتجاج فقط عندما تعتدي اسرائيل على الشعب الفلسطيني اوامريكا على العراق مثلا ولايسمح لها عندما تتعرض حرية الصحافة وكافة الحقوق الاخرى للانتهاك ؟ انه سؤال يتوخى وبكل صدق التأكيد على واجب التضامن مع اهلنا في فلسطين واستنكار العدوان الاسرائيلي البشع على القطاع لكنه ايضا وبعجالة يثير اشكالات حقيقية في قراءة بطء التحولات الاجتماعية الداخلية والانماط السوسيولوجية السائدة واتجاهاتها المحتملة ازاء ثقافة التعامل مع رفض ممارسات الانظمة العربية المتعلقة بالحقوق والحريات ومنها حرية الصحافة والقدرة على مواجهة القمع والاستبداد...
تحديات مكرورة
في التحديات المتوقعه حديث عن الفرص المواتية وتلك المنعدمة ولكل مؤشراتها لكن وباختصار شديد يمكن القول ان تحديات حرية الصحافة خلال عام 2009م في البلدان العربية لاتكاد تخلو من تحد او اكثر ممايلي:
التحدي الاول :
استمرار نفاذ لتشريعات القانونية السالبة للحريات والتي ترفض الأنظمة العربية إحداث تطوير حقيقي فيها وفي احسن الحالات يجري اعادة صياغة التشريعات القانونية القائمة بهدف فرض قيود جديدة مع مراعاة عمل تحسينات شكليه للتغطية على ذلك.
التحدي الثاني
هيمنة الخطاب السياسي التابع للسلطات او المعارضات العربية على الخطاب المهني للوظيفة الصحفية فيما يتعلق بنقل الاخبار والوقائع بصورة دقيقة وسليمة وصحيحة ومحايدة وخالية من عنصر التلوين.
التحدي الثالث
حجب للمعلومات ومحاولات منع وصولوها الى الصحافيين وبالتالي الى الجمهور والمبررات جاهزة في لاسيما لائحة المحظورات العربية من وجهة نظر السلطات.
التحدي الرابع
التحكم في منح التراخيص الصحفية وتشديد القبضة على حرية الاصدار واسناد هذه المهنة الى الحكومات التي لطالما كانت خصما للصحافة وحرية الكلمة
التحدي الخامس
تمييع وظيفة ودور الصحافة الجادة من خلال إصدارات صحفية لاتحترم أخلاقيات المهنة وتكديس السوق بالصحافة الصفراء والمبتذلة وبالتالي التشويش على الرأي العام.
التحدي السادس
سيطرة السلطة السياسية على سلطة القضاء واستغلال ذلك في استمرار المحاكمات لما تسميه السلطات وتفسره بتجاوز الصحافة الحرة للخطوط الحمر والزرق والخضر وربما كل الوان الحياه.
التحدي السابع
حرمان الافراد والجماعات من حق انشاء قنوات الاذاعة والتلفزة الخاصة والمستقلة.
التحدي الثامن
التجسس الالكتروني واعاقة حالة نمو الصحافة الالكترونية وتقنياتها التفاعلية من خلال القرصنة والتشويش والحجب والتحكم بمنافذ الانترنت وتزويد خدمتها بسبب احتكار الحكومات وشركاتها لهذه الخدمات في معظم البلدان.
التحدي التاسع
عمل الصحفيين في ظل بيئية آمنة سلما وحربا اذ من الواضح وجود أزمات وصراعات داخلية في العديد من البلدان العربية حيث تكون الصحافة في قلب الصراع في سبيل ذلك تواجه ضغوطا لاتحصى في اداء رسالتها دون انحياز اوتأطير.
التحدي العاشر
تجميد فاعلية التجمعات النقابية ومنظمات المجتمع المدني الناشطة والمناصرة لحرية الصحافة لاسيما الكيانات النقابية سواء من خلال افساد دورها عبر التجاذبات الحزبية اومحاولة شل حركتها بطريقة او بأخرىوتوجيه مسار حركتها بما يناقض دورها بما الاختراق والسيطرة الامنية عليها.
التحدي اليمني
بدأ مشروع حرية الصحافة في اليمن في 22 مايو1990م مع اعادة تحقيق وحدة شطري البلاد واعتماد نظام التعددية الحزبية غير ان هذا المشروع الذي يصل عمره الان ثمانية عشر عاما لايعبر في كثير من مخرجاته عن مشهد ناضج بالقياس الى التغيرات التي يمكن رصدها عليه فقانون الصحافة الساري مايزال هو نفسه القانون رقم 25 لعام 1990م بكل مافيه من عيوب وثغرات وتحوطات سياسية فرضتها مرحلة إصداره اما الممارسات التي تعتمل في هذا المشروع فهي لاتعبر في الاغلب عن تراكم ايجابي يتيح اعادة تشكيل واقع صحفي جديد يستجيب للتطورات في عصر سمته حرية تدفق المعلومات .
وباستثناء بروز الصحافة المستقلة في السنوات الاخيرة بخطاب مهني تجاوز حالة الصحافة الحزبية التعبوية بما في ذلك صحف احزاب المعارضة وكذلك استقطاب المهنة للعديد من الكوادر الشابة الجديدة واتساع مساحة اهتمام وسائل اعلام عربية ودولية بالشأن اليمني فان الحديث عن تغييرات نوعية كبيره في مجال حرية الصحافة يفتقد الى الدقة والصدق والموضوعية وهو واقع لايجب ان نخجل منه او نتحايل عليه وانما التفكير بصوت عال لكيفية تجاوزه لان في ذلك مصلحة أكيدة لليمن.
لايستطيع احدنا انكار وجود مساحة من الحرية في الصحافة المطبوعة غير ان ذلك لايعني ان حرية الصحافة تحققت اذ لايكفي الاستشهاد بنشر رأي معارض و ربما حاد ضد السلطة او الحكومة او الحزب الحاكم او ضد احزاب المعارضة لاثبات وجود حرية صحافة..فذلك لايمثل حين يحدث سوى ملمحا ضئيلا من ملامح حرية الصحافة التي تشمل ضمن ماتشمل حق الاصدر والبث والملكية وحق الحصول على المعلومات وتمكين الناس من تلقيها وتدوالها والتعبير الحر بالرأي والموقف عما يجري من احداث وتوفير بئية عمل سليمة وآمنة للصحفيين ثم تنظيم كل مكونات هذه العملية في اطار تشريعي سلس طابعه فني وأخلاقي وليس سياسيا وبمايضمن عدم سيطرة الدولة او أي حزب يحكم الان او في المستقبل علي مشهد الاعلام او يحتكره على ان تكون المرجعية في قضايا السب او القذف اوالتشهير او الضرر من النشر والبث الصحفي هو القضاء ,والقضاء ايضا لابد ان يكون محايدا ومستقلا وصاحب سلطة حقيقة.... كل هذا يعني الكثير من الحاجة والاهمية لبلد كاليمن لكنه يعني ايضا وفقا للمؤشرات القائمة الحاجة الى الكثير من الوقت والانتظار والتضامن بالنظر الى الملمح القائم للحراك السياسي والحقوقي والمطلبي.

خمسة تحديات
من وجهة نظري ابرز التحديات المحتملة خلال العام 2009م بالنسبة لحرية الصحافة في اليمن تتمثل وبشكل موجز في الآتي:
التحدي الاول
احتمال تعديل قانون الصحافة والمطبوعات النافذ والتعديل اصبح ملحا وضروريا لكن التحدي في أي اتجاه سيصب التعديل المرتقب فمضامين هذا القانون خضعت لكثير من التشريح والقراءات النقديه واكدت انه احد اهم المعوقات الكبيرة امام حرية الصحافة في اليمن بيد ان الخطورة تكمن في تقديم بديل اكثر سؤ وامكانية تمرير قانون لايستجيب لمطالب الوسط الصحفي او تفكيك قدرة هذا الوسط في الدفاع عن مطالبه واعاقة تقديمه لزؤية بديله تمنحه فرصة تشكيل حركة ضغط لانجاز مشروع متطور او ايقاف أي مشروع لايحقق حرية اوسع للصحافة.

التحدي الثاني
تعطيل الحكومة ممثلة بوزارة الاعلام العمل بقانون الصحافة والمطبوعات النافذ في جزئية منح التراخيص والبت في الطلبات المقدمة اليها بهذا الخصوص فهناك العديد من الطلبات المستوفية لكافة الشروط القانونية لكن الوزارة ترفض منحها وثيقة الترخيص او حتى التعليق والرد على تلك الطلبات....انه تحد حقيقي امام نقابة الصحافيين وامام القضاء ايضا الذي لجأ اليه بعض مقدمي الطلبات بحثا عن العدالة والانصاف دون ان يجدونها كما هو الحال مع الزميل فكري قاسم وصحيفته قيد الترخيص "حديث المدينة"..

التحدي الثالث
احتمال مواجهة الصحافيين لبعض صنوف التضييق اثناء تغطيتهم للاحداث في الميدان خاصة تلك المتعلقة بانعكاس الاحتقانات القائمة بين اطراف اللعبة السياسية في السلطة والمعارضة على الشارع في مواجهة الاستحقاق الانتخابي القادم للبرلمان وسواء شاركت المعارضة في الانتخابات ام قاطعتها فالأكيد اننا امام ازمة مفتوحة تجعل مهمة الصحافة محفوفة -خلال هذه العملية على الاقل- بالمخاطر وفي مقدمتها التعبئة الخاطئة ضد الصحفيين.

التحدي الرابع
تفكيك مقومات التضامن مع الصحفيين والصحف التي يتم جرجرتها الى النيابة والمحاكم لاسباب سياسية في الغالب كما هو الحال حاليا مع صحيفة المصدر المستقلة ورئيس تحريرها سمير جبران, ذلك ان تراجع الروح التضامنية من شأنه اضعاف مطالب تحقيق هامش حرية الصحافة المطبوعة ماقد يجعل الصحف والصحفيين عرضة لاحكام قضائية جائرة مشابهة لتلك الاحكام التي عرفناها في السنوات السابقة.

التحدي الخامس
الفشل في عقد المؤتمر الرابع لنقابة الصحافيين اليمنيين او افشال نجاحه وبالذات بعد تأجيله اكثر من مرة بسبب واضح ومعلن هو عدم صرف الحكومة لميزانيته والحقيقة التي يصعب فهما كيف تكون النقابات مهنية ومحايدة وتنسب الى فئة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بينما تمويلها بل وعقد مؤتمراتها يعتمد وبصورة كلية ومنذ زمن طويل على الحكومة...؟ ان امام الصحافيين ونقابتهم تحد اخر وهو ان يبحثوا عن اجابة للسؤال التالي: ماذا لو رفضت الحكومة تمويل مؤتمر النقابة والنقابة عموما؟ و في التحدي النقابي ايضا تفاصيل اخرى لاتقل اهميه ومنها رؤية محددة للتعامل مع تعديل قانون الصحافة, نظام داخلي يستجيب لتطورات العمل النقابي وميثاق شرف يعيد الاعتبار لاخلاقيات المهنة ويمحو عار الصحافة الدخيلة والبذيئة التي شهدتها اليمن مؤخرا.

اخيرا...
ان الصحافة تفرز مشاكلها بصورة دائمة ومستمرة ومما لاشك فيه ان حرية الصحافة تحتاج الى نضال كبير من قبل المؤمنين بها وبقدر مايحالف النجاح أنصار حرية الصحافة بقدر مايكبر دور الصحافة وتأثيرها على الرأي العام واسهامها الفاعل في صناعة التحولات القيمية للمجتمع ولعل الاكتفاء من وجهة نظري بالتعاطي الايجابي مع التحديات الخمس الماضية خلال عام 2009م ربما كافيا بالقياس الى بلد كاليمن طابعه النفس القصير والاجهاضات المستمر للمشاريع الحية ليبقى السؤال الاهم من سينتصر في مواجهة هذه التحديات...؟
امنيتي كمواطن ان تنتصر حرية الصحافة.

hamdibokary@hotmail.com
*عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين
**ورقة مقدمة لندوة تحديات العام الجديد التي نظمتها مؤسسة العفيف الثقافية -13 يناير 2009م صنعاء

ليست هناك تعليقات: