السبت، 26 يوليو 2014

عن معضلتنا مع خيار الاستقلالية..

ان تجتهد لاثبات وتأكيد استقلاليتك، على أن التحزب الراقي المتخفف من العصبية يظل من أرقى الممارسات السياسية المدنية، فهذا يعني انك تواجه مشكلة في ذاتك مع الاستقلالية كخيار اكثر تحرراً من الالتزام الجماعي..
ان تجد نفسك مضطراً بعد كل رأي تكتبه، بعد كل منشور في شأن معين تنتقد فيه حزباً أو جماعة، للاجتهاد في كتابة منشور آخر عن الطرف النقيض..
لا بل وأن تحرص في تشويه أي موضوع تكتبه أو فكرة تناقشها بتلغيمها بأفكار وجمل اعتراضية، حرصاً على تجنب الاتهامات التي تطالك، وتأكيداً للاستقلالية، فذلك يعني انك رضخت لمؤثرات تطال استقلاليتك في الصميم.
المؤدلجون محدودو الأفق، لا يقيمونك إلا وفقاً لآخر منشور وربما آخر جملة تكتبها أو رأي تعبر عنه، ومساحة رضاهم وقبولهم لرأيك أو رفضهم واتهامهم لك، يراوح تلك النقطة.
الاستقلالية ان تكون نفسك وان تعبر عن قناعاتك دونما حسابات أو مهابة تصنيف.

أدناه مقال نشرته منتصف عام 2012، ناقشت فيه بعض الأفكار حول خياري الحزبية والتعددية.
===========


الشباب بين الحزبية والاستقلالية
سامي نعمان
السبت 30 يونيو-حزيران 2012
من بين جملة شعارات ثورية طموحة رافقت حركة الاحتجاجات في اليمن كان شعار«لا حزبية ولا أحزاب» الأكثر تخلفاً وتناقضاً مع أهداف الثورة رغم أنه أخذ بحماس منقطع النظير.
ذلك أن التعددية بجوهرها الحقيقي ليست نزوة انفعالية هدفها مصادرة الآراء والحقوق لصالح قلة منتفعة، بقدر ما هي تأطير لعمل سياسي منظم ومسؤول، يتلافى سلبيات الأنظمة الشمولية ويتيح للناس حرية الانتماء إلى التيارات المختلفة وفقاً لقناعاتهم عوضاً عن اللون الواحد، وتبعاً لذلك محاسبة حكامهم على تقصيرهم بحرية اختيار من يرونه أهلاً للحكم من بين كل الألوان على الساحة، واستناداً إلى برامجها السياسية والانتخابية.
وولادة التعددية في اليمن كانت ثمرة نضالات وتضحيات جيل من اليمنيين ضاقوا ذرعاً بالحكم الشمولي المتفرد في جنوب الوطن وشماله، منذ ستينيات القرن الماضي، وربما قبل ذلك، ليأتي في ثورة القرن الحادي والعشرين من ينتقص تضحياتهم بنبرة متهورة تقصي التعددية أو الحزبية، والأدهى أن يأتي ذلك من دعاة المدنية.
بالتأكيد يعاني العمل السياسي في اليمن من تخلف إلى حد ما، مرجعه إلى تخلف النظام السياسي الحاكم، الذي عمل على تشويه صورة التعددية وغذى تخوف الناس منها لضمان الاستمرارية في الحكم، وأي شعارات ثورية رافضة للحزبية بحسن نية أو بدونها إنما تنسجم في الحقيقة مع الطرف المنتصر في حرب 94 والذي كان من إنجازه الوحيد إقصاء شريك الوحدة الاساسي ممثلاً في الحزب الاشتراكي اليمني ومن بعده القوى السياسية الوطنية الاخرى، لتكون المحصلة إعادة إنتاج نظام شمولي برتوش ديمقراطية تهمش محلياً، ويروج لها دولياً كجزء من سياسة نظام في حكم البلاد باسم الديمقراطية.
ولئن كانت الأحزاب السياسية في اليمن، متخلفة كجزء من منظومة وواقع سياسي، فإن الحل لن يكون بإلغائها، فالقوى التي قاومت نهج الشمولية وسياسة الاقصاء طيلة عقود، وحافظت على خيار التعددية رغم انتقاصها، لا يمكن أن تقصى، وحري بجميع المكونات الشبابية التي تقترب في رؤاها من أي لون سياسي أن تنخرط بفعالية في إطاره، وتعمل على الارتقاء بأدائه وبرامجه السياسية، وتكوين رؤية جمعية متقدمة وشاملة لمطالب الشعب بأكمله، وليس الشباب وحدهم، بدلاً من التشتت باسم الاستقلالية، والحفاظ فقط على السخط من الأحزاب التي تتهم بالتخلف.
ليس الأمر مستحيلاً ولا مستعصياً، فالشعب الذي وقف في وجه النظام وأجبره، على نقل السلطة، وهو فعل كان في حدود الخيال سابقاً، قادر على إحداث تغيير حقيقي مؤثر وعاجل في بنية وبرامج الأحزاب إذا تجنب شبابها السلبية والمواقف الانفعالية، خصوصاً الانهزامية والنظر إلى العمل الحزبي بصورة قاصرة، مع أنها في الحقيقة أرقى تجليات الدولة المدنية وأكثرها حضارة.
باسم شباب الثورة والاستقلالية، التي ينتحل اسمها حزبيون ملتزمون تنظيمياً، دخلت محاولة التواصل مع الشباب مرحلة الفوضى، قبل أسبوعين تقريباً، ولا أعتقد أن احداً يرضى بالصورة الغوغائية في لقاء مخصص للتهيئة للحوار، ولا أحد يعلم من المستفيد منها..
فالاستقلالية سلوك فردي يكون ضرورة بالنسبة لفئات عاملة في المجتمع وأبرزهم القضاة والصحفيون والجنود، بحيث لا تؤثر على أدائهم لعملهم، أما إذا كانت جماعية منظمة، فإنها بذلك تدخل مرحلة التنظيم والترتيب السياسي، بمعنى أنها دخلت أولى مراحل الحزبية، التي ينبغي أن تحافظ على استقلاليتها -ككل الأحزاب- من النفوذ الحكومي والولاءات الخارجية، أما أن تكون استقلالية جماعية وغير منظمة، فستؤول سريعاً الى الاختلافات الفردية والجماعية بحسب تباين الآراء ولن يكون لها صوت مسموع بالمطلق.
تسويق الحزبية باعتبارها أمراً مشيناً لا يخدم الدولة المدنية، ولا أهداف الثورة، إذ تمثل أساس اختيار الحاكم في الانظمة الديمقراطية العريقة، على أن الحزبية لا تحول دون استقلال رأي الفرد متى ما وجد الرأي الجمعي للحزب مغايراً لقناعاته التي يرى فيها المصلحة العليا للوطن، وهناك شخصيات قيادية في اليمن خرجت عن آراء حزبها بآراء مغايرة، وحتى في الولايات المتحدة الامريكية حين أعلن جمهوريون تأييدهم لترشيح الديمقراطي باراك اوباما على مرشح حزبهم جون ماكين..
تعتبر الحزبية كأبرز أشكال التعددية من أبرز سمات الدولة المدنية وأبرز ممارساتها، ولا بديل لها سوى العصبيات والتكتلات المذهبية والجهوية والمناطقية التي تؤسس لصراعات اجتماعية وليس دولة مدنية حديثة، وتبقى الاستقلالية خياراً متاحاً للأفراد من شأنها أن تمارس دوراً رقابياً ًمستقلاً ومؤثراً يسهم في تعزيز التجربة الديمقراطية وتطوير العمل السياسي الحزبي القائم على تنافس البرامج، وصولاً إلى النظام السياسي المستقل والمتزن الذي يبني دولة ديمقراطية مستقلة قائمة على مبادئ مدنية، ولدينا في اليمن تيارات وقوى سياسية متنوعة تشمل الاسلاميين واليساريين والقوميين والليبراليين وأحزاب أخرى تجمع بين توجهات مختلفة، وهي أحزاب قابلة للتطوير والتأسيس لعمل سياسي يرقى إلى مستوى أهداف الثورة التي لن تتحقق بادعاء الاستقلالية وإقصاء الأحزاب السياسية مهما كانت المبررات، إذ تبقى الدولة المدنية بدون أحزاب أساساً لدولة شمولية..
=========
المقال نشر في صحيفة الجمهورية وتجدونه على الرابط التالي: 
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=31983

ليست هناك تعليقات: