الاثنين، 21 يوليو 2014

الحصاد المر للخطايا السياسية.. أحمد الزرقة



أحمد الزرقة
 yjournalist@gmail.com

تفكر النخب اليمنية بالمقلوب وفق نظرية قوة الغلبة والقهر للأخر، ربما يكون سبب تصرفها ذلك يرجع لكون تلك النخب التي تعتقد انها قاهرة لغيرها انها في حقيقة الامر نخب مقهورة في الأصل ونتاج لافعال قاهرة لذلك فهي تعيد انتاج ثقافة القهر والانتقام ليس ممن قهروها سياسيا وحسب، بل ايضا لمن يصنفونهم كخصوم في التراتبية السياسية او الفكرية والاجتماعية المقيتة الخارجة من رحم الجهل والتخلف وتحالفات العسكر والقوى الأكثر تخلفا ووعيا في البلاد والتي تمتلك أدوات العنف التقليدية والسلاح والثروة المحرمة.
1
في كل مراحل الصراع على السلطة والثروة في اليمن غالبا ماكانت هناك تحالفات مقدسة بين القوى الدينية والايديولوجية المتطرفة وبين النخب السياسية الانتهازية الخارجة من رحم المؤسسة العسكرية والقبلية مضافا اليها البيوت التجارية واصحاب رأس المال الجبان والمنحاز دوما لتلك القوى اما خوفا على مصالحها او طمعا في زيادة ثرواتها.
افرزت تلك التحالفات وضعا مجتمعيا وسياسيا مشوها ، لايعترف بقيم العدالة الاجتماعية او المواطنة القائمة على المساواة وحق الحياة وفق قواعد التنافس والبقاء للافضل علميا ومهنيا ، لذلك تم احتكار الفعل السياسي والاقتصادي ضمن دوائر تلك التحالفات الضيقة والمغلقة على نفسها، مما اسهم في وصول البلاد لحالة من الجمود والتخلف وظهور اصطفاف عريض من تلك القوى ضد اي محاولة للتغيير او الخروج بالبلاد من تلك المنظومة المدمرة لذاتها ولغيرها بسبب اطماع تلك القوى للاستحواذ على كل موارد البلاد عبر محاولة خنق كل محاولات الانعتاق من كماشة تلك القوى التي استخدمت كل موارد البلاد ومقدراتها وثرواتها للحصول على المزيد من المكاسب والنفوذ والثروة ،وكان من المحتم ان يؤثر نمو تلك القوى وازدياد ثرواتها وقوتها ونفوذها على كل فرص قيام دولة حقيقية تتسع لكل اليمنيين ويتساوى فيها الجميع تحت مظلة القانون وحكم الدستور.
2
خلال العقود الثلاثة الاخيرة كانت القوى السياسية الحاكمة بتحالفاتها الجرثومية تعيد انتاج نفسها بقوة وبوتيرة متسارعة تسوق البلاد عكس حركة الزمن وبدأت تلك النخب تضيق ذرعا بتحالفاتها تلك وتسعى للنيل من الحلقات الاضعف فيها وبدأت تمارس لعبة الاقصاء والالتهام فيما بينها، وشهدت تلك القوى تحولات مخيفة تتمثل في محاولات الجمع بين الثروة والسلطة والسلاح ، واصبح من الشائع مثلا تحول شيوخ القبائل الى تجار وقادة عسكريين ومسئولين حكوميين واعضاء في البرلمان، وتسببت السياسة المتبعة من قبل رأس النظام ورجالاته المقربين لحصول تلك القوى على امتيازات اقتصادية مهولة جعلت منها متحكمة في اقتصاد البلاد عبر استخدام تسهيلات وامتيازات غير قانونية وفي قطاعات يفترض كونها سيادية تحتكرها الدولة ، وامعانا في الفساد تحول عدد من الشخصيات القبلية والعسكرية لشخصيات اقتصادية بحكم القوة والقهر والفساد السياسي لرأس الدولة، ووصل الامر لتخلي الدولة عن حقها في احتكار شراء صفقات السلاح وبيعه لمتنفذين قبليين اصبحوا سماسرة دوليين وتجارا للاسلحة في اليمن وخارجها، وتعددت القطاعات الاقتصادية والتجارية وغيرها التي سيطرت عليها تلك القوى الفاسدة وارتفعت نسبة الرشاوى والعمولات المدفوعة ، واتسعت معها شريحة الفقر والفقراء في البلاد، مع اتساع رقعة الحروب والصراعات التي تغذيها تلك القوى وتحالفاتها مع النظام، ويجوز القول ان تلك القوى تماهت مع الدولة وكانت في حالات كثيرة هي الدولة ، وقد عبر الرئيس صالح عن ذلك بقوله انه لايحكم البلاد بل يدير تحالفات القوى المختلفة فيها، ووصف نفسه ذات مرة في احد خطاباته الشهيره عام 2009 انه هو الدستور .
3
مع زيادة تلك اطماع تلك القوى وتنافسها فيما بينها ظهرت بوارد انشقاقات وصراعات خفية وتم تغليفها في كثير من الاحيان بمسميات اخرى لاعلاقة لها بجوهر الصراعات تلك وبدأت في تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية وقبلية جديدة تتفق جميعها في مفاهيم العنف والاقصاء والاستحواذ والهيمنة على مقدرات البلاد وثرواتها، وذهبت تلك القوى في صراعاتها بعيدا جدا وخلقت بؤرا للعنف والتوتر ودعمت جماعات العنف السياسي والديني في مختلف المناطق .
4
ولعل اللافت في صراع تلك القوى هو صراعها باستخدام مقدرات البلاد دون المساس بالمصالح والاستثمارات الاقتصادية والتجارية التابعة لكل طرف على حدة او تلك الاستثمارات والشراكات المشتركة، وكان يتم تغذية تلك الصراعات من الخزينة العامة للبلاد المفسمة فيما بين تلك القوى وباستخدام مقدرات المؤسستين الامنية والعسكرية اللتان تم التعامل معهما باعتبارهما ملكية خاصة لتلك القوى فتم تدمير مؤسسات الدولة وقوتها العسكرية وفي احيان كثيرة دمرت المؤسسات العامة والممتلكات الخاصة بالمواطنين وتم تدمير العديد من المحافظات والمناطق في تلك الصراعات العبثية، تحت مسميات مختلفة تخفي ورائها صراعا لا اخلاقيا ومحاولات لكسر العظم فيما بينها لكن الخاسر الاكبر في تلك الصراعات كانوا هم اليمنيين عامة ومساحات التعايش فيما بينهم ،ومستقبل بلادهم .
5
لم تستطع ثورة الشباب السلمية تحقيق أي من اهدافها الكبيرة والعظيمة التي رفعها ونادى بها ملايين اليمنيين الحالمين بالتغيير وبالعدالة والمساواة والانعتاق من عقود الفساد والقهر والاستبداد واهدار مكونات البلاد في صراعات النخب الفاسدة، بسبب التهام عدد كبير من القوى التقليدية والسياسية وتصدرها للخطاب الثوري واستحواذها على تمثيل الثورة في الاتفاقات السياسية التي اعقبت المد الثوري، وادى ذلك للانحراف بالمسار الثوري وتحويل الثورة لازمة سياسية بين مكونات سياسية وقوى تقليدية اختلفت فيما بينها على طريقة توزيع السلطة والثروة ، وعادت تلك القوى بالثورة من الشارع الى الغرف المغلقة والتفاوضات السرية والتحالفات القديمة، الامر الذي انعكس سلبا على الشارع وعلى احلام اليمنيين وطموحاتهم واصابتهم بحالة عارمة من اليأس والاحباط ، مع استمرار النخب السياسية المنقسمة فيما بينها على استخدام سياسة الدمار الشامل لمؤسسات الدولة والخدمات العامة لليمنيين.
6
انجرار تلك القوى السياسية الاعمى وراء الحلول الاسعافية الواردة عبر المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الامن كان يعني جولة جديدة من جولات الصراع ونقله من جديد للشارع لكن بشكل اكثر حدة وعنفا، واستغلال الوقت لاعادة التموضع والتمركز ومحاولة الانقضاض من جديد على السلطة، لكن تلك القوى ربما اغفلت او تغافلت سلسلة من المتغيرات التي ظهرت على السطح ونمت في ظل هيمنة الافكار القديمة على مظاهر الحياة ومحاولاتها سد واغلاق كل منافذ الضوء، في عملية استجرار طويلة لنفس النخب وذات المشاكل حتى تقيحت الجروح وبات البتر طريقة العلاج الانسب بسبب تعفن اطراف التحالفات القديمة.
7
حرصت مختلف القوى المتصارعة على محاولة تسويق مشاريعها او افكارها القديمة عبر استخدام مصطلحات اكثر حداثية ومداعبة لخيال الجماهير والاغلبية الصامتة التي لاحول لها ولاقوة، رفعت تلك القوى مصطلحات العدالة والمساواة والدولة المدنية الحديثة،وغيرها من المفردات التي ادعى كل طرف وصلا بها،وان الاطراف الاخرى تمثل خطرا وتهديدا كبيرا وسدا منيعا امام تحقيقها.
وبالتوازي مع ذلك التسويق الاعلامي والسياسي لمشاريع تلك القوى،كانت تلك القوى تسعى لاشعال الحرائق والمعارك والحروب تحت لافتات متعددة تبدأ عند الحرب على الارهاب ولاتنتهي عند سقف الصراعات الطائفية والمناطقية والجهوية، واستغل كل طرف ضعف الدولة وانقسامها محاولا توظيف ذلك الانقسام والتشظي لصالحه ،وانقض كل طرف للاستئثار بجزء من مقدرات الدولة وممتلكاتها، وادعاء الانفراد بالقدرة على تمثيل الشعب وحماية مصالح الامة.
8
دخلت الأطراف اليمنية مؤتمر الحوار الوطني برعاية اقليمية ودولية قبل تسوية الملعب السياسي وبدون ان تحقق الحد الادنى من تهيئة الاجواء السياسية والاستجابة للمطالب الحقوقية والقانونية للقضايا العالقة منذ عقود من الزمان، وكان هذا جزء من عملية سوء الاداء الرسمي والحزبي لدى النخب السياسية الشريكة في ادارة البلاد، واستمرار لسياسة ترحيل الاستحقاقات وإدارة البلاد بإستراتيجية الركل للاعلى والإدارة بالأزمات.
دخول البلاد مسار الحوار كان من المفترض ان ينتج مخرجات تخدم البلاد التي دخلت اليه بتراكمات كثيرة نتيجة اخطاء الادارة في الماضي ، وبدلا من ان يكون الحوار مدخلا لخروج البلاد مما تعانية من ازمات تحول الحوار ومخرجاته لازمة جديدة تضاف الى سابقاتها، وخرجت البلاد بمشكلات اكثر واكبر بسبب تنصل كل الاطراف من التزاماتها تجاه المخرجات، وزادت حدة الاشكالات والمواجهات المسلحة والانقسامات.
9
منطقيا كان يجب ان تسبق مرحلة الحوار البدء بتنفيذ حزمة من الاجراءات على التوالي بدءا من تحقيق العدالة وانصاف الضحايا واعتراف واقرار الاطراف المختلفة بأخطائها واعتذارها عن تلك الاخطاء وطلب الصفح والعفو من الضحايا، بعيدا عن المماحكات السياسية والاتهامات واقصاء أي طرف من العملية السياسية دون احكام قضائية باتة، وذلك متعذر فعليا بسبب عدم وجود قضاء محايد ومستقل، والاجراء التالي يتمثل باجراء مصالحة وطنية شاملة بين جميع الاطراف السياسية في البلاد تكون مدخلا جادا وعمليا لاجراء جوار وطني شامل وفق معطيات واضحة وصريحة تعكس رغبة حقيقية وجادة لدى كافة الاطراف اليمنية في طي صفحة الماضي وفق قاعدة لاضرر ولا ضرار ، وتغليب مصلحة الوطن على مصالح جميع الاطراف.
10
ولكن بما ان البدايات الخاطئة بالضرورة تنتج نهايات خاطئة، رأينا كيف وصل حال البلاد بعد نهاية الحوار اشد سوءأ واكثر انقساما والتهابا، وشاهدنا تعالي اصوات تطالب بجولة جديدة من الحوار على مخرجات مؤتمر الحوار ووفق التطورات والمستجدات الجديدة في الساحة، وظهور دعوات لعودة التحالفات والاصطفافات القديمة والمدمرة للبلاد، وهي دعوات تعكس قصورا في الوعى ونوايا سيئة لاتهدف لخدمة البلاد وانقاذها بقدر ما تهدف لانقاذ تلك الاطراف التي ادت ممارساتها الخاطئة خلال الفترة الماضية لتعرضها لخسائر فادحة كانت هي جزء من استمرار تلك القوى في استخدام خطاب الاقصاء والالغاء للخصوم، وباتت اليوم ضحية لتلك السياسية التي طالما تغنت بها وروجت لها واصبحت جزء اصيل من سلوكها السياسي اليومي.

ليست هناك تعليقات: