الاثنين، 17 نوفمبر 2014

فضيلة اليأس..


ميساء شجاع الدين

في لحظة يأس شعر بالغضب واتجه لكسر جدار اليأس وفتح ثقب تسرب منه قليل من الضوء قليل من الهواء، وفي لحظة تفاؤل استرخى وتفرج مذهولاً لا تفارقه علامات الدهشة وهو يستمع لأخبار اليمن المرعبة.
لا شيء في واقعنا يستدعي التفاؤل سوى رغبتنا فيه، حكومة تشكلت فيها وجهان أو ثلاثة نحبهم ونقدرهم حتى طارت أحلامنا بعيداً بمستقبل ذهبي يزيح عنا ثقل اللحظة التي نعيشها، حكومة تكنوقراط. يا لسحر الكلمة ويا لوهمها. هكذا فجأة صارت مشاكل اليمن محلولة بيد حكومة تكنوقراط ولينتحر سياسيو اليمن أو يذهبوا لجحيم المحاصصة.
من قال إن حكومة تكنوقراط تناسب اليمن؟ التكنوقراطي هو إداري قد يدير عملية تنموية واقتصادية لكنه لا يستطيع اتخاذ قرار سياسي يتعلق بفساد مستشري بالبلد ناهيك عن دولة معطلة تحتاج لإعادة حضورها داخل العاصمة التي تسيطر عليها ميلشيا، وهذه مهمة سياسية بامتياز تحتاج لقرار من سياسيين مسنودين بقوى حزبية وسياسية خارج الحكومة.
ينزعج البعض من هكذا فكرة لأننا تعبنا من المحاصصة، لكن من السخافة بمكان تصور إن هناك حكومة يمنية تتشكل من غير حصص لتلك المحافظة وتلك الجماعة وذلك الحزب. المحاصصة لا تكون مشكلة لوكان هناك ارادة سياسية لحل المشاكل، فكل العالم يعرف حكومات ائتلافية لكن المشكلة هي في غياب برنامج للحكومة والأهم هو ضعف قدرة الدولة بسبب مراكز القوى على الأرض.
الحكومة الماضية تحكم بها ابن الرئيس وحميد الأحمر وعلي محسن ولا مانع من تدخلات علي صالح أيضاً، لأنه ببساطة قوة الدولة على الأرض لم تكن حاسمة بسبب غياب الإرادة السياسية أما الآن وقد صارت الدولة بلا أي قوة على الأرض والحوثي معه الرئيس هادي والرئيس السابق علي صالح يمارسون اللعبة المفضلة، لعبة مراكز القوى التي تحكم بالظل بلا مسؤولية لكن هذه المرة بسطوة أكبر على مؤسسات دولة اختامها صارت في احضان السيد المقيم بمران.
إذن لماذا لا تيأس؟ لماذا تتفاءل وتتحول لسياسي يمني فاشل لا يكف عن التفاؤل، فبعد كل كارثه يجد سبب للتفاؤل والبحث عن حل من وسط الكارثة لأنه لو فكر من خارجها سوف يشعر باليأس. لا يدرك السياسي اليمني الفارق بين طرق متعرجة قد تتجه تصاعدياً للإمام وأخرى مستقيمة تتجه للخلف مباشرة، ولأن السير للوراء مستحيل فهو طريق مسدود بطبيعة الحال وينفجر من تلقاء نفسه لو لم يتغير المسار نحو طرق أخرى.
الدعوة لليأس هي آخر أمل، فمن يصلون للسلطة لا يتغيرون والحوثي وصل بالعنف دون أي عناء في السياسة وهو لن يتغير مثلما وصل علي صالح على جثة رئيسين بدعم من خارج الحدود ولم يتغير مساره طيلة ثلاث عقود. لا شيء يستدعي التغيير طالما وصل لذروة السلطة بهذه الطريقة.
انتظر رؤساء الأحزاب اليمنية لمدة سنوات بتفاؤل شديد مكالمة من صالح يقول فيها إنه تغير وسوف يغير نظام الانتخابات ويعدل القائمة الانتخابية، ثم في لحظة يأس من مكالمة صالح الذي لن يتغير ومن شباب لم يعرف التفاؤل انفجر الغضب وانفتح باب أوسع للتغيير من مجرد قائمة انتخابية.
احزاب العدمية والخفة السياسية الرديف السياسي الأهم لحزب الفساد الذي أسسه صالح، الحزب الأول يؤسسه المتفائلون بلا سبب سوى إنهم يريدون ذلك وليس لأن هناك ما يدعو للتفاؤل. متفائلون لأنهم يخشون مكاشفة انفسهم بالحقيقة، لأن الحقيقة تعني جهد أكبر وتعني وقت أطول.
لا احد يتغير وهو في السلطة فلا تضيع وقتك وجهدك وتنتظر، فاليأس يكفيك عناء الذهول اليومي أمام شاشة الأخبار وانت تسمع عن قاعدة تتغول وحوثي يفجر منازل ويتحدث منظريه الافتراضيين عن امكانية اصلاحه ونقده.
سوف يكفيك اليأس عن الشعور بالإحباط والخذلان الذي سوف يستهلك من وقتك ومشاعرك الكثير، لأنه لا خبر جيد ينتظرك قريباً. سوف تتعثر حكومة بحاح كسابقتها وسوف يتحدث الحوثي وغيرهم عن فسادها ولن يكلف أحدهم مشقة الدفاع عنها، ولا حتى افعالها سوف تدافع عنها لأنها سوف تشتكي العجز وعدم القدرة على الحركة وسوف تتوالي الأزمات المعيشية، وستظل اخبار اليمن تطل علينا بكثير من الدماء. وستظل هناك اخبار اسوء مسكوت عنها مثل الجوع والتشرد والنزوح والانقسامات التي لا تنتهي شمالاً وجنوباً.
التفاؤل لن يكلفك عناء التساؤل لماذا هذا كله يحدث لنا؟ لن يدفعك للبحث عن اجابات واسباب، وسوف تظل كأعمى ومتخبط تسير في الطريق المسدود، لكن عندما تيأس سوف تعلم إن الطريق مسدود فلا تضيع وقتك وجهدك فيه، عندما تيأس سوف تشعر بالغضب وتبذل جهدك الذي وفرته عندما لم تعلق اوهاماً وسرت بهذا الطريق المسدود. عندما تيأس لن تر غد مشوش فيه الكثير من الوهم بل سوف ترى مستقبل مشرق يلوح بالأفق يليق بك، باختصار اليأس يعني ألا تظل عالقاً بين لحظة تفاؤل وخيبة أمل وسوف يمنحك دفعة غضب تحتاجها لكي تفتح فتحة جديدة يدخل منها الكثير من الضوء والهواء.

ليست هناك تعليقات: