الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الحوثيون يرثون علي محسن في تهامة والقمش المتنمر في الخوخة!



سامي غالب

قلت لاصدقائي في مدينة الخوخة أمس إن الحوثيين على الأرجح اجروا تعداد مساكن قبل أن يقرروا التوسع باتجاه عمران ثم العاصمة صنعاء أولا، فالنزول من الهضبة الى السهل والساحل.
صارت حرفة الحوثيين الثانية_ بعد الحرب_ هي الاستيلاء على العقارات العامة والخاصة.
***
في مدينة الحديدة اطبق الحوثيون على عقارات واستثمارات تابعة لقائد المنطقة الشمالية الغربية السابق علي محسن الأحمر.
لكنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل سيطروا على القلعة التاريخية للمدينة والمكتبة العامة اللتين صارتا مسكنا خاصا بمسلحي الجماعة المستقدمين من خارج المحافظة.
تنتشر نقاط وتجمعات ودوريات الحوثيين في المدينة الساحلية ومحيطها في تذكرة يومية لسكان المحافظة بتاريخ من الحملات والاجتياحات قبل الجمهورية وبعدها.
صديق عزيز التقيته قبل يومين قال لي إن دوريات الحوثيين (بملابسهم القبلية) تذكره بأيام قاتمة للمدينة في طفولته الباكرة نهاية الستينات ومطلع السبعينات عندما استعان محافظ ( أو حاكم بمصطلحات تلك الفترة) الحديدة بمسلحين قبليين من قبائل "بكيل" لمواجهة التهديدات من جماعات المعارضة اليسارية.
لكن ذاكرة سكان المدينة، وتهامة عموما، تذهب إلى ما هو أقدم من العهد الجمهوري. فالغطرسة الحوثية المسلحة التي ادت الى مقتل بعض شباب المحافظة واختطاف بعض الناشطين المعارضين للتواجد الحوثي المسلح، تستحيي لدى كثيرين من السكان ما رسب في الذاكرة الجمعية من اخبار وفظاعات زحف الجيوش النظامية والبرانية للإمام يحي على تهامة في العشرينات ومطلع الثلاثينات.
***
اليقينيات هي من تستلذ جماعة "انصار الله" بالإقامة داخلها. وهناك الاصطفائية التي تجعل من كل نصير سفيرا لكل القيم (بما فيها قيمة القوة العارية من الشرعية) في مواجهة أعداء الله.
والثابت ان الفجوة تتسع بين نظرة الجماعة لنفسها وبين نظرة اليمنيين الأخرين لها.
في مدينة الحديدة وفي مناطق أخرى في تهامة بوسع المرء ان يلحظ الجرح التهامي مفتوحا من مجرد مراقبة ردود افعال السكان العزل أثناء تمشيط عربات الحوثيين المحملة بالمسلحين الشباب للشوارع الرئيسية.
هناك قوة مسلحة ليس لها اي نوع من القرابة بالشرعية تفرض سطوتها على المدينة على مرآى من المحافظ الذي سلم مفاتيحها بدون قتال، ثم واصل الدوام في مكتبه ك"حاكم" صوري للمحافظة يخدم ارادة القوة الغالبة.
***
صورة من صفحة سامي غالب لفيلا تابعة لغالب القمش
في الخوخة يبدو المشهد اكثر إثارة للزائرين. فالحوثيون يستمتعون بالتجول في ازقة البلدة الطيبة وفي سوقها القديمة بينما يشيح السكان بوجوههم عنهم بالعين غصصهم. وفي المنتجع البحري الذي افتتحه أمين عام الاشتراكي علي سالم البيض مطلع التسعينات، يتقبل القائمون عليه الحضور الثقيل للوافدين من اقصى الشمال باسم حفظ الأمن ومحاربة "داعش"!
هكذا يمكن للمرء ان يلحظ مسلحين، في المنتجع وعلى الشاطئ، يتولون تأمين المكان، وحماية المترددين على المنتجع، والتنغيص عليهم!
المشي على الاقدام بمحاذاة المياة بعيدا عن "حماة المنتجع" لا يعني شيئا سوى المزيد من المفاجأت. ففي "العشة" الأوسع والأقرب الى البحر يتكدس نحو عشرة من المسلحين في مجلس قات باعتبارهم "البحرية" التي سترد اي عدوان على المنتجعين.
في الركن القصي للمنتجع تظهر فيلا لها لسان يمتد عشرين مترا في الماء. وقد اختار صاحب الفيلا ان يحذر المتطفلين والغرباء بطريقة "أمنية" متعجرفة. وهو كتب على جدار حوش الفيلا محذرا من اي توغل في ممتلكاته التي يحرسها "كلاب".
لكن كلاب غالب القمش (مالك الفيلا) لم تحرك ساكنا حيال القادمين من صعدة الذين سيطروا عليها فور دخولهم الخوخة.
اقتربنا من الجدار المتعالي في وجوه سكان الخوخة. فالفيلا تضع حدا للشاطئ وتقطع استمراريته. وهناك التقطنا صورا قبل ان يصدر صوت من وسط النخيل محذرا من استمرار تواجدنا في المكان. شابان مسلحان طلعا من بين الشجر وتقدما نحونا. عندما اقتربا اتضح انهما في حدود ال16 من العمر. أحدهما حذر "المتطفلين" ال3 من خطورة البقاء في المكان وضرورة الابتعاد. كان علينا ان نبادله اللعب، وقد قال له احدنا ان هذا شاطئ وليس منطقة خاصة. لكنه قال بنبرة من يهمه سلامة الزوار، إن المكان مغروس بالإلغام، وان حياتنا معرضة للخطر. وقد أضاف بنبرة جهادي غارق في يقينياته :" هؤلاء _يقصد القمش_ أعداء الله، ويمكن أن يفعلون اي شيء".
شابان ريفيان طيبان يمضغان القات بعد الغداء انتزعا من بيتهما الاجتماعي ليواجهون اشخاصا من مشارب ومناطق وأعمار مختلفة.
كنا قد انهينا فعليا الجولة، وقد ابلغناهما بأننا سنغادر ولا داعي للقلق على سلامتنا. كانا يحتاجان لرفقة كما بدا من ايماءتهما. وقد سارع احدهما ليطلب منا البقاء. وعندما لاحظ علامات قلق في وجوهنا، أشار بيده الى مكان مقيلهما وسط الاشحار بعيدا من الشاطئ، وسارع الى القول: "جو معنا نتجابر".
اعتذرنا بلطف بينما كان رفيقه يتميز غيظا جراء حماقة الشاب الذي يدعو غرباء الى الجلوس في مخبأهما السري بين اشجار النخيل.
شعرت بتعاطف عميق معهما. وقلت للصديقين اللذين شهدا الواقعة معي إن هذين الشابين البرئيين اللذين أرسلهما قائدهما لتأمين واحد من أجمل الشواطئ اليمنية، يقتلهما السام رغم كل شيء. إنهما ضحيتان مثل سكان الخوخة المسالمين الذين صاروا تحت سيادة الحوثيين.
كان المشهد مكتملا:
غالب القمش رئيس اكبر جهاز قمعي في تاريخ اليمن يشيد من "حر ماله" فيلا في موقع شديد الرومنسية. وينشر الكلاب داخل الحوش لتنهش اي غريب يقترب منها. لكن وافدا آخر من العاصمة (ومن شمال العاصمة) يصل البلدة تحت دعوى مقاومة الإرهاب واجتثاث الفساد. وبدلا من أن يسلم الفيلا للدولة أو للمجلس المحلي يقرر الاستيلاء عليها إلى حين.
***
لا غرابة!
الحوثيون يقطنون القلعة والمكتبة في الحديدة.
وهنا في غرب العاصمة استطابوا سكنى حديقة 21 مارس التي طردوا منها الموجة السابقة من الغزاة.
***
الحوثيون الذين يخوضون حروب تطهير في مناطق يمنية وحروب استرداد في مناطق يمنية أخرى. هم تحريريون في عيون أنفسهم وعيون انصارهم.
لكنهم في غير مكان من اليمن_ وبخاصة في تهامة_ باتوا مجرد موجة جديدة من الغزاة او "المستعمرين الوطنيين".
هناك فراغ في العاصمة رغم الحكومة الجديدة. وعلى الأرجح فإن الحوثيين سيواصلون اللعب خصوصا وان بعض وزراء الحكومة الجديدة يشيعون انطباعا أوليا بأن لديهم من الخفة الكثير إذ يظهرون في فقرات اعلانية ضمن حملة لتشجيع المنتخب اليمني لكرة القدم.
اولوياتهم تبعث على الاطمئنان فعلا. ومن غير المستبعد ان يتحولون الى موديلات اعلان لصالح شركات اتصال كما فعل اسلافهم في الحكومة السابقة!
___
__
في الصورة يظهر تحذير القمش لأبناء البلدة من الاقتراب. وفي محاذاة فيلا القمش تقع فيلا لرجل آخر_ لا علاقة له بالقمش ولا بعلي محسن_ يبدو ان الحوثيين قرروا الاستيلاء عليها ضمن "البيعة" أو المبايعة _ مبايعة المحافظ وقائد المنطقة العسكرية لهم كسادة جدد للمحافظة بعد صالح وعلي محسن الاحمر.

ليست هناك تعليقات: