الأربعاء، 18 يونيو 2014

رجال الدولة وسلطة الفهلوة..


المقال في الصفحة الأخيرة من صحيفة الأولى.. الثلاثاء 17 يونيو

المحكمة العسكرية الجنوبية بصنعاء أصدرت حكماً يدين اثنين من أنزه الطيارين الحربيين اليمنيين يناضلان منذ عامين من أجل معايير السلامة في الطيران بعد أن غدت الطائرات الحربية تتساقط فوق رؤوس المدنيين.
قضى الحكم بإدانة الطيارين صادق الطيب وطلال الشاوش، بتهم ملفقة تشمل الغياب، والامتناع عن تنفيذ الأوامر بالطيران على طائرة متهالكة مرشحة لقتلهما، أو زملائهما، إضافة لحبسهم ستة أشهر مع وقف التنفيذ، وخصم رواتبهم مقابل فترة الغياب رغم أنهما استلما رواتبهما بانتظام، لأنهما يزاولان عملهما دون انقطاع سوى فترة حجز في استخبارات الجوية بصنعاء، وما تلاها.
ضرب الحكم عرض الحائط بمرافعة نوعية مهيبة انبرى لها المحامي الكبير هائل سلام، فندت ما شاب قرار الادعاء من تلفيق وتزوير مثبت بالوثائق التي لا تحتاج كثير عقل وتفكير لفطنها؛ بل ينضح التزوير والتلفيق الغبي بتناقضه، بما تضمنته لائحة الادعاء، ويمكن لقاضٍ مبتدئ أن يدركه دون عناء.
القضاء العسكري بوضعه الحالي ليس أكثر من دائرة قانونية تابعة لوزارة الدفاع، وللنيابة فروع في الألوية والمعسكرات، وتمر اجراءات اصدار القوانين بدائرة مغلقة بلا جدوى، سوى ما تراه وتقرره الدائرة القانونية التي تحمل مسمى القضاء العسكري.
عن أي قضاء نتحدث إذا لم يستند للمرافعات والإجراءات القضائية الفعلية وأساسها الجوهري ضمان المساواة بين المتخاصمين.. هذا الواقع معيب بحق الدولة والقضاء والمواطنة..
الأمر في مجمله مجرد تكييف قانوني يعاقب خصوم وزارة الدفاع وتشكيلاتها العسكرية، من قبل قضاة عسكريين، يعينهم وزير الدفاع، وفقاً للقانون الذي يطعن الدستور ولم يطعن به أحد من المعنيين.
تلك خطيئة، يتحمل تبعاتها مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة، وعليهم تقع مسؤولية فرض استقلالية القضاء العسكري الذي ينبغي أن يكون متخصصاً وليس تابعاً.. طالب نادي القضاة أثناء الاضراب أن يكون القضاء العسكري تابعا لمجلس القضاء، لكن هذا الشرط لم يحضر في الاتفاق الذي ابرمه الجانبان النادي والمجلس لرفع الاضراب، رغم انهما يزعمان النضال من أجل الاستقلالية.
ما هو حاضر في مرافعة الدفاع وبالوثائق الدامغة، ولم يأخذه القضاء العسكري في الاعتبار، أن الطياران الطيب والشاوش، قدما للوطن خلال عامين تقريباً تضحية وطنية جسورة في مواجهة الفهلوة والفساد والعبث بمقدرات البلاد.. وقفا ضد القتل والمغامرات والجرائم التي تنتهي بإعدام الحقيقة، في كوارث الطيران الحربي.
خاض الطياران واحدة من انزة واجل النضالات الحضارية في زمن الانتهازية والأنانية.. عملا باخلاص وشفافية بعيداً عن أي مؤثرات أو أجندات سياسية.. طالبا بإصلاح الاختلالات، وتحملا كل صنوف التنكيل، دون ان يحضر في اجندتهم خوض معارك شخصية تطالب باستقالة قائد او مسؤول لا يفضي تغييره لاصلاح الوضع.
تجربة حضارية راقية يفتقرها المجتمع المدني للأسف، وحري به أن يسلتهما.. لم يرتم العسكريان في احضان احد اقطاب الصراع السياسي، ولم يستندا لظهر شيخ أو زعيم أو سيد أو قائد عسكري نافذ، بل شاطرهم الغرم زملاؤهم النبلاء الذين لا يقلون عنكم عزة ونزاهة وتضحية، ومحام نبيل، وصحفيون من اتجاهات مختلفة.
كانا كثيراً ما يصححان لي بعض المعلومات التي اتناولها في سياق متابعتي للقضية، ويكشفان حقائق من مصلحتهما اخفائها، لكنهما يحرصان على الحقيقة حتى لو كانت لصالح الطرف الأخر..
حين أنظر لهذين الطيارين وزملاءهما ينتابني تفاؤل سقفه السماء.. أدرك أن لدينا رجال دولة محترمون نزيهون عظماء يقدمون مصلحة الوطن، شرفاء يواجهون الفهلوة والفساد بجرأة وصدق ونزاهة، دونما ادنى اعتبار لمن يمارسه.
خيراً صنع رجلا الدولة، الطياران "المتهمان" بتقديم طلب الاستئناف، ذلك أنهما مصممان على الاستمرار في نهج سلوك رجال الدولة الكبار، ومتابعة مستويات التقاضي حتى النهاية.
أخجل من وصفهما بالمتهمين.. ولو كانت هناك دولة محترمة، ونيابة تدرك معنى اسمها فقط لكان قائد القوات الجوية، واركان حربه، وقادة قاعدة العند في قفص الاتهام، بتهمة ارغام الطيارين على الانتحار وتهديد حياة المدنيين..
احييكما، واقبل جباهكما وأياديكما، وأثق ان الحق سيكون حليفكما، مهما طال أمد الفهلوة يا صديقيّ.

ليست هناك تعليقات: