السبت، 28 يونيو 2014

تهنئة بحلول رمضان.. أيمن نبيل



البحث عن الحكمة الدنيويّة من شعيرة دينيّة هو عمل عبثي, وفيه بعض السطحية ايّاً كانت غاية -او باعث- هذا البحث.
فعمليّات الاقناع بصحّة الدين و "عظمته" لا تستلزم نهائيّاً تبرير الشعيرة الدينيّة, ومحاولات عقلنَة الشعائر الدينيّة -نؤكد هنا اننا نتحدث عن الشعيرة الدينية المحضة وليس حقول تقاطع الديني مع الدنيوي بوضوح مثل فقه المعاملات- لا تفيد اطلاقاً في عمليّات "الاقناع" والتأكيد على فكرة الدين, بل على العكس, هي تنزل "بالشعيرة الدينيّة" من حقل التواصل مع المقدّس الى حقول العقلنة الكاذبة التي لا تحتاجها الشعيرة الدينيّة اساساً .

وعمليّات دحض فكرة "الدين" التي تتوسل نقدَ الشعيرة الدينيّة لا عقلانيّة بالمناسبة, هي مماحكاتيّة وسطحيّة وهذا توصيفها السليم, فنقد الدين لا يكون بنقد شعيرة دينيّة تدّعي التواصل مع المقدّس بطريقة خاصة -ولا يستطيع اي مخلوق انّ يقوم بإثبات خطأ هذه الطريقة!- ولكن نقد الدين يكون بتقويض فكرة الدين التي تجعل من الشعيرة الدينيّة مهمّة ومقبولة كوسيلة اتصال مع المتجاوز والمقدّس الجليل, اي بتقديم تصوّر مخالف تماماً للمقدس, او ترجيح عدم وجوده من الاساس .. هكذا يكون نقد الدين, وليس مماحكات المراهقين حول شعيرة دينيّة.

الشعيرة الدينيّة لا تؤَدّى -وليست عظيمة- لذاتها حتى نبحث عن سبب من داخلها يعللها, هي تُؤدى لأن هناك ايمان قَبْلي- مدعّم عقليّاً بالتأكيد- بـ"الكائن العاقل المقدّس" الذي امر بها ببنيتها المعروفة .. وبالتالي لا حاجة للتبرير والتعليل لأنها في غنىً عنهما, بالاضافة الى انّ هناك شعائر دينيّة كثيرة يستحيل عقلنتها, فلتكن الشعائر في حقلها الروحي العُلوي بصفتها امتثال للمقدّس وكفى.

اذا كان هناك من باب لنقد الشعيرة فهو على اساس من فكرة انسانيّة حيويّة, كأن ترفض علميّات تقديم القرابين البشريّة في بعض الديانات البدائيّة, لأن هذه الشعيرة تنتهك قيمة حياة الإنسان, هذا فقط مدخل نقد الشعيرة الدينيّة, ونقد الشعيرة هنا انسانيٌ أخلاقي وليس لدحض فكرة الدين, وهي لا تدحض بمثل هذه الممارسات.

وعليه, فإن البحث في حكمة الصيام الدنيويّة لاقناع الاخرين بـ"عظمة الدين", او القول بعدم وجود حكمة او ضعف تعليل لها حتى ترفض ويرفض الدين كله.. كل هذا عمل لا عقلاني اولاً, ثم انه غير مفيد ثانياً ...
فاتركوا الجدل العقيم وانشغلوا بالامور التي تحتاج فعلا الى عقلنة ونقاش.

شهر كريم وكل عام وانتم بخير 
==================
من صحفة الكاتب على الفيس بوك

ليست هناك تعليقات: