الوضع الطبيعي أن الدولة لا يمكن
لها ان تمارس غير تقاليدها، ولا تفرض غير سلطتها عبر مؤسساتها الشرعية.. لكن
السؤال: أين الدولة؟
الأمر الواقع مختلف، إذ لا وجود
حقيقياً للدولة، كمنظومة متكاملة الأركان، الدولة منتهكة السيادة داخلياً
وخارجياً، وحكومتها غير قادرة على إنفاذ القانون على مواطنيها، وبالتالي فالكيان
الذي يديرها يسعى بكل الوسائل المتاحة للحفاظ على ذاته، كواجهة شكلية للدولة
الغائبة، بما في ذلك اللجوء إلى الأعراف القبلية في ظل غياب القانون النافذ
والسلطة القوية التي تعمل على تنفيذه.
وفي ظل ذلك الوضع المهترئ الذي
تعيشه الدولة، تعالت الأصوات ناقدة للتحكيم سواء بالبقر، أو الأثوار أو
الكلاشينكوف، أو السيارات، لكأن تدخل الدولة كوسيط في الحروب الجاهلية التي تدور
منذ عامين، أو في غيرها من الأحداث كما حصل في حضرموت، كان من صلب مهامها.
هذا الكيان الذي نتحدث عنه كـ "دولة"،
لم يقم بوظفيته المفترضة، حتى الآن، ولو أنه قام بها بالحدود الدنيا لما وجدت تلك
العصابات والميليشيات أساساً، ولما امتلكت كل ذلك السلاح الذي يشكل تهديداً
محتملاً على الكيان الذي يدير شؤون البلاد، وعلى البلاد ذاتها، متى ما وجد التوقيت
المناسب لذلك؛ ولما كان هناك أساس خصب لكل أعمال العنف تلك سواء من قبل تشكيلات
الدولة أو مناطحيها.
ويتجلى امتهان كيان الدولة في أنصع
صوره، ويبلغ ذروته في الشرط الذي سجله الحوثيون خلف ورقة التحكيم بشكل عنجهي سافر،
إذ يستمرئ القوة ويوغل في إهانة الدولة.. اشترطوا مصادقة الرئيس وتوقيعه على
التحكيم، ليعمّد الرجل الأول أنه ليس هناك دولة..
دعونا من التحكيم؛ ثمة قاضٍ اختطف
في حجة الأسبوع الماضي بعد لحظات من نطقه بالحكم، من قبل أحد طرفي التقاضي، والطرف
الآخر يشهّر به في مؤتمرات صحفية تبثها الفضائيات الرسمية، دون ان يحظى خبر اختطاف
القاضي بحقه البسيط من الاهتمام، بنصف ما يحظى به المواطن الأجنبي في اهتمام
الدولة والإعلام والناشطين.
حتى الآن لم تحرك الدولة ساكناً،
ولا زالت تنتظر الوساطة وتتوعد على استحياء.. عن أي دولة نتحدث بعد اختطاف قاضٍ
يمثل مرجعية للجميع بمن فيهم الدولة.
الدولة تسعى للحفاظ على كيانها
القائم بأي شكل يرضي أولئك الذين ألفوا غيابها المستديم وعقمها الواضح، دون أن
يكون من بين تلك الخطوات العمل على إيجاد الدولة وتعزيز سلطتها وهيبتها كحل أنسب
لكل تلك الأمراض المزمنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق