السبت 12 إبريل-نيسان 2014
بضع جمل في بيان الحكومة الذي
أصدرته رداً على محافظ إب أحمد الحجري، أشارت فيه إلى المسؤولية والعلاقة بين
الرئيس والمرؤوس، كانت كافيةً للرد على خطابه المتشنج، دون الحاجة لاستعارة كلماته
المنفلتة واستعراض القوة في الاتهام والقدح، باتهامها مسؤولاً يخضع لسلطتها، كون
محافظة إب لم تكن تتمتع بحكم ذاتي بعيداً عن مسؤولية الحكومة المركزية.
ما كان أغنى الحكومة عن مجاراة
محافظ إب في اتهاماته وزلات لسانه تجاهها، لتبادله الاتهام بالفشل والحماقة.
وإذا ما كان هناك إجراء قام به رئيس
الوزراء بلقائه معارضين للحجري يطالبون بإقالته، قد أثار حفيظة المحافظ، فكان
الأولى به اللجوء لرئيس الجمهورية المخول بالفصل في الخلافات بين المسؤولين
التنفيذيين رفيعي المستوى، لا أن يلجأ لاستدعاء عصبيته لمواجهة الإجراء، وقد
ساورته الهواجس بتهديد التحركات الأخيرة على موقعه.
رد الحجري، المستمر في وظيفته حتى
اللحظة، بقوة وساق اتهامات خطيرة للحكومة ورئيسها، فردت عليه الحكومة وأكدت في
بيانها على الأعراف والتقاليد الرسمية وأصول الممارسة السياسية، بما تقتضيه آداب
التعامل بين الرئيس والمرؤوس ضمن مستويات شغل الوظيفة في الدولة والحكومة .
لطالما حافظ الحجري طيلة عمره
الطاعن في منصب المحافظ لثلاث محافظات على فضيلة الصمت توازياً مع السلبية التي
كانت ملازمة لفترة عمله التي تناهز 17 عاماً متواصلة، أغلبها في تعز.
لكنه، أبى إلا أن يشوه صمته، في
خطابه الأسبوع الماضي أمام حشد من وجاهات المحافظة من أنصار حزبه وحلفائه، حشدهم
لمواجهة موجة اعتصامات اجتاحت المحافظة، بعد قنوطها من تباطؤ التغيير الفعلي في
السلطة المحلية، بعد مضي عامين على عهد ما بعد علي عبدالله صالح، بل إن التغيير
الطفيف الشكلي الذي شهدته المحافظة على مستوى سلطتها ومكاتبها جاء ضداً على رغبات
الناس.
ورغم ملاحظاتنا على سلوك هؤلاء
والمصطفين معهم في الاحتجاج التعسفي، الذي يفترض به أساساً أن يكون ملتزماً يوصل
رسالة حضارية راقية، بعيداً عن فرض الأمر الواقع، إلا أن من حق رئيس الحكومة أن
يلتقي بمن يشاء وفقاً لتقديراته، دون انتظار موافقة الحجري أو اعتبار لمستوى رضاه.
سينصرف التركيز الآن من جوهر
المشكلة في إب، والمتمثلة في الإدارة التنفيذية للمحافظة، وسوء أدائها، لاحتواء
السجال بين الحكومة والمحافظ، لتدخل المحافظة في احتقان متزايد على خلفية
التراشقات والاصطفافات السياسية والشعبية المتراكمة بين الجانبين.
مشكلة محافظة إب ينبغي التعامل معها
بمسؤولية والنظر إليها بمعزل عن تلك المهاترات، وهذه المحافظة ينبغي أن تحظى بحقها
من الاهتمام الرسمي، وأن تحظى بقيادة ترقى لمستوى تطلعات أبنائها المؤجلة، خلافاً
لمعظم المحافظات الأخرى، حتى في مستوى التغيير والأداء، وإن كانت بعض التغييرات لم
تؤتِ الثمار المؤملة منها.
انتفاضة المحافظ ضد الحكومة ليست
بطولة ولا نزاهة، بالنسبة لرجل عُرف بالسلبية وعدم الحماس لأداء الوظيفة، طيلة عشر
سنوات قضاها في تعز، وعام انتقالي بعدها في الحديدة قبل أن ينتقل محافظاً لإب،
وفقاً لانتخابات شكلية عام 2008، انتهت بالتعيين. الحجري لا يرى نفسه إلا في موقع
المحافظ الذي يتعامل معه كنوع من الامتياز والوجاهة، وخشية فقدانه المنصب خالف كل
التقاليد التي عرف طيلة شغله له، ويسعى حالياً للتعلق بآخر الحيل التي يراها
ملائمة للتعامل مع الواقع بعد أن انكشفت وجاهته باستياء كبير تشهده المحافظة
الوديعة.
تصريحات المحافظ وردود الحكومة،
كانت معيبة ومسيئة لتقاليد وأعراف الدولة، والعلاقة بين مسؤوليها وسلطاتها، ومؤسف
أن تصل تلك العلاقة لهذا المستوى ، وعدم الاعتراف بتراتبية المسؤولية بأكثر من
شكلها ومسمياتها، كما كان عليه الحال في النظام السابق الذي اعتمد نفوذ الوجاهة
والحظوة والقرب من مركز القرار دون احترام للهرم الوظيفي ومسؤولية كل موظف عام
أمام من هو أرفع منه في المنصب.
إدارة الدولة ينبغي أن لا تبقى
رهناً لمزاج وعصبيات الأشخاص، وليست وراثة لأحد، وليست اختياراً، بل هي مسؤولية
والتزام، وليست سجالاً واتهامات متبادلة تحكمها الاصطفافات والولاءات والمصالح
الفردية والحزبية.
يبقى التعويل الآن على رئيس
الجمهورية في احتواء هذا السجال العقيم والاتهامات المتبادلة، واحتواء التوتر
القائم بين مستويات الإدارة في سلطات الدولة، وقبل ذلك الالتفات لما تستحقه هذه المحافظة
من التقدير والتغيير الملائم معاً..
نشر المقال في صحيفة الجمهورية السبت
12 إبريل-نيسان 2014
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=46317
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق