السبت، 17 مايو 2014

الداخلية.. والفوضى المرورية القاتلة..سامي نعمان



انتهى أسبوع المرور، لكن الفوضى المرورية القاتلة، استمرت متسيدة حركة السير، في شوارع المدن الرئيسية، والخطوط الطويلة، دون أن يسهم في الحد منها، وتخفيف تبعاتها الوخيمة، خصوصاً ما يتعلق بإحصائيات ضحايا الحوادث المفجعة.
بالنسبة لبلد كاليمن، يفتقر كثير من أبنائه لثقافة الالتزام، تماماً كما يفتقدون سلطة ضبط حازمة تُعمِل النظام والقانون على الجميع، يأخذ أسبوع المرور، رغم شعاراته الفضفاضة، طابعاً نمطياً رتيباً، إذ تنحصر أنشطته بمهرجانات يدشنها كبار المسؤولين الذين يحضرون بكلمات تزدحم فيها عبارات الأسف، وأمنيات فارغة، ويرافقها معارض لصور مروعة عن الحوادث وضحاياها، لتنتهي دونما أثر ملموس أو تغيير من الواقع المرير.
وفي ذلك الواقع، وخلال الموسم السنوي، الذي يفترض به أن يمثل محطة لتجديد الطاقات وتكثيف الجهود وشحذ الهمم لتحقيق مستوى انضباط مطرد ودائم، يحضر رجال شرطة السير على دأبهم نهاية الأسبوع، في حملات تفتيش انتقائية، تركز غالباً على عينات محددة من السائقين للسؤال عن أوراق السيارات ورخصة القيادة، ولا تخل من الابتزاز المألوف، دون أن يحدثوا فارقاً ملموساً على مستوى تنظيم حركة السير العشوائية حد الهمجية داخل المدن، أو الشروع في اتخاذ اجراءات تحد من نزيف الدم اليمني على الطرقات داخل المدن وفي الخطوط الطويلة.
العام الماضي قتل قرابة 2500 شخص (بمعدل 7 يومياً) في 9000 حادث مروري، وأصيب 12600 شخص (بمعدل 35 اصابة يوميا) نصفهم عاهاتهم مستديمة، وتلك هي أكثر مهمة تبرع فيها وزارة الداخلية، إحصاء عدد الضحايا، على أنها قد تكون ناقصة إذ أن ثمة حوادث مرورية تقع في الأرياف، والمناطق النائية تبقى بعيداً عن مرصد المرور.
وتلك الأرقام ليست طارئة ولا مقتصرة على هذا العام، بل هي دأب الحوادث المرورية المتزايدة سنوياً وهي متوسطها التقريبي منذ 16 عاماً.. إذ تقدر الاحصائيات، عدد ضحايا الحوادث المرورية خلال الفترة 1996-2013 بـ 36000 حالة وفاة، و230 ألف اصابة (نصفها خطيرة)، وقعت في 180 ألف حادث، كلفت البلاد خسائر تقدر بـ 32 مليار ريال.
ولمن يهوّن من تلك الإحصائيات المجنونة للضحايا أن يفكر قليلاً بأثرها وبعدها الاجتماعي، كم من الأسر تشردت أو تردت حالتها أو تفككت بعد فقدان عائلها بحادث سير؟ كم من الأسر التي أهدرت ممتلكاتها وهي تعالج مريضاً أصيب، بعاهة مستديمة ليصبح مآلها أقرب من سابقاتها؟ كم من الأطفال حرموا أمهاتهم في تلك الحوادث؟ كم من الأطفال أجبروا على ترك مقاعد الدراسة والذهاب للعمل المبكر ليوفروا على أسرهم تبعات فقدان العائل أو شلله؟ والأسئلة في هذا السياق كثيرة، ولكل حادث قصته المؤلمة.
وليس أبلغ تعبير على كارثية الحوادث المرورية على المجتمع أكثر مما أوردته اللجنة الوطنية المعنية بالسلامة المرورية التي يترأسها نائب وزير الداخلية، في اجتماعها منتصف العام الماضي، والذي اعتبرت فيه الحوادث خطراً يهدد السلم الاجتماعي.. اللجنة التي تدرك هول الكوارث أقرت في اجتماعها ذاك أن تجتمع كل اسبوعين لمواجهة هذا الخطر المحدق، لكن وإلى اليوم لم ينشر خبر عن اجتماعها منذ ذلك التاريخ.
وزارة الداخلية، وهي واجهة الحكومة الرئيسية في علاقتها بهذه الكوارث، تعزو الأمر بخفة إلى الأسباب التقليدية السائق، والمركبة والطرق، والقضاء والقدر، وما يتعلق بها، ولم تتجاسر يوماً على الحديث عن مسؤوليتها في هذا السياق، وكأن علاقتها بالأمر، كعلاقة هيئة الأرصاد  بالأحوال الجوية، على أن الارصاد تنذر الناس قبل التغيرات الجوية والداخلية تعزيهم بعد الكارثة على الأرض.
لم تقم الوزارة والإدارة العامة للمرور- ومعها الجهات الحكومية المعنية كالأشغال-  منذ سنوات طويلة -إلى اليوم بكل أسف- بأي دور يسهم في تخفيف حوادث السير، بل والفوضى والهمجية التي تتسيد شوارع العاصمة من أكبرها إلى اصغرها، وتتعطل فيها الحركة تبعاً لمزاج مخالف يعكس الطريق في مواجهة الجميع، أو يتوقف بشكل مستفز وسط الشارع، ويذهب لقضاء حاجته..
حتى الآن وبعد قرابة عقد من الوعود، يبدو مخجلاً أن يستمر حال طرق رئيسية حيوية، يدخل تهالكها وضيقها ضمن أهم أسباب الحوادث، كطريق صنعاء الحديدة المعمر منذ الستينات وقريباً منه خط صنعاء تعز.
لم تفعّل الداخلية وإدارتها المختصة قانون المرور، كذلك لم تنسق مع السلطات القضائية لتفعيل نيابات ومحاكم المرور المشلولة، ما تفتح المجال واسعاً لعرف الثلثين بالثلث المهين للدولة، القاتل تماماً كم اسباب الحوادث.. كذلك لم تفكر مطلقاً بتفعيل وسائل الرقابة كالكاميرات والرادارات في الشوارع والطرقات العامة، مع أنها ستمول كلفتها في فترة وجيزة، وتجني الأرباح..
ولو أدرك السائقون أنهم مراقبون ومعرضون لعقوبات مغلظة على تجاوز السرعة أو المخالفة، خصوصاً عند وقوع في حوادث قاتلة، لفكروا ألف مرة قبل تجاوز النظام والمغامرة بحياة الناس.
إن لم تنجح الحكومة في لحجم آلة القتل التي تنال أسر اليمنيين في الصميم وتهدد أمنهم وسلمهم الاجتماعي بشهادة الحكومة ذاتها، من خلال اتخاذ وفرض هيبة الدولة بإجراءات نظامية، فكيف ستنجح في الجوانب الأخرى التي تقتضي الحزم واستخدام القوة متى دعت الضرورة.
بعد انتهاء اسبوع المرور، الذي حضر بشكل دعائي، فإن السلطات التابعة لوزارة الداخلية معنية بفرض هيبة الدولة، وتعميم أسبوع المرور الحقيقي بإعمال النظام والقانون وليس بالابتزاز، على مدار العام، وهي مهمة انسانية، حين يؤخذ بعدها المتمثل بحفظ أرواح الناس ومصالحهم..
خطوة كهذه ستثبت بشكل عاجل نجاح الداخلية بدون كلفة كبيرة، إذا ما أثمرت انتظام حركة السير وتخفيض احصائيات الضحايا، دون أن نعيش حياتنا بانتظار الموت على يد سائق سيارة منفلت، وشرطي سير لا يؤدي مهمته تجاهه، ودولة لا تتحمل مسؤوليتها في حماية أرواح مواطنيها.. بخطوة كتلك سيسود التفاؤل بإمكانية نجاح سلطات الداخلية والدولة في مختلف الجوانب.
================
نشر المقال بجريدة الجمهورية السبت 17/05/2014
http://www.algomhoriah.net/articles.php?lng=arabic&aid=46997

ليست هناك تعليقات: