الثلاثاء، 13 مايو 2014

إخماد شرر القاعدة الذي تطاير في الأنحاء - خالد عبدالهادي





العملية العسكرية في أبين وشبوة شتت تركيز المتشددين وسلبتهم الاستقرار وموطىء قدم مهماً لكن إنزال الهزيمة بهم يتطلب استراتيجية أمنية محكمة وإصلاحاً تربوياً عميقاً وتشريعات متشددة لتجريم الإرهاب
إخماد شرر القاعدة الذي تطاير في الأنحاء - خالد عبدالهادي
(عن صحيفة المصدر)


أكملت قوات الجيش طرد مسلحي تنظيم القاعدة من معاقلهم الأساسية في محافظتي أبين وشبوة خلال أسبوع واحد من بدء أكبر عملية عسكرية تهدف إلى القضاء على التنظيم المصنف في صدارة التنظيمات الإرهابية في العالم.
 وأعلنت السلطات العسكرية قتل عشرات من نشطاء "القاعدة" خلال العملية العسكرية بينهم أجانب من جنسيات مختلفة، لكن العدد الأكبر من أعضاء التنظيم فروا من معقلهم الرئيس في منطقة المحفد بأبين والمديريات المجاورة في محافظة شبوة.
ويعتقد أن أعضاء "القاعدة" فروا إلى محافظات حضرموت والبيضاء ومارب التي تحادد شبوة من اتجاهات مختلفة وباتت تصنف على أنها ملاذ للقاعدة خصوصاً محافظة مارب التي بدأ منها المتشددون نشاطهم قبل 14 عاماً ويحظون في أوقات كثيرة بتعاطف القبائل المحلية.
ومع أن قوات الجيش المسنودة بمقاتلي اللجان الشعبية أنجزت الوظيفة الأساسية للعملية العسكرية في وقت قياسي بالمقارنة مع توقعات سابقة بأن تواجه مقاومة قوية من مقاتلي القاعدة المتنقلين.
لكن مقاتلي القاعدة اتخذوا تكتيكاً بالانسحاب من مسرح المواجهة واختفى معظمهم، إما بالهرب إلى المحافظات المجاورة حيث للقاعدة معاقلها أو بالتخفي والذوبان داخل المجتمع المحلي في أبين وشبوة، مستفيدين من اتفاقات وضعها رجال القبائل وقضت بتأمين الطريق الرئيس المار بمديريات شبوة التي دار فيها القتال وعدم اعتراض عابريها سواء من أفراد الجيش أو القاعدة.
 ولم تسفر العملية العسكرية حتى الآن عن قتل أي من قادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تصنفه الدوائر الغربية المختصة بالإرهاب أنه أخطر أجنحة التنظيم العالمي وأقواها كما لم يقع واحد منهم في قبضة الجيش.
طبقاً لهذه المعطيات الواردة من مسرح المعركة، تقتصر مهمة العملية العسكرية التي أمكن تحقيقها إلى الآن في تشتيت التركيز الذي بدا أن تنظيم القاعدة تحلى به خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ، إضافة إلى سلب موطىء قدم من التنظيم المتطرف.
فلقد أفصح احتفال عشرات من نشطاء القاعدة في منطقة جبلية يعتقد أنها بالقرب من مدينة عزان بشبوة احتفالاً بفرار نحو 19 من أعضاء التنظيم من السجن المركزي في العاصمة صنعاء في فبراير الماضي عن مدى الاستقرار الذي تسير عليه حال التنظيم.


وظهر في الاحتفال الذي بثته مؤسسة الملاحم؛ الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة زعيم التنظيم في جزيرة العرب ناصر الوحيشي متوعداً بمواصلة الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى المتحدث باسم التنظيم إبراهيم الربيش وقادة آخرون.
وليس أدل على التركيز الذي تمتعت به القاعدة خلال الأعوام الماضية من تلك الهجمات المحترفة والقاتلة على مجمع وزارة الدفاع ومقر المنطقة العسكرية الثانية في المكلا، فضلاً عن سيطرة المقاتلين المتشددين على مناطق ومدن متعددة وإقامة إمارات إسلامية عليها وكذا قتل مئات من أفراد الجيش والأمن والمخابرات في هجمات على ثكنات عسكرية ونقاط أمنية وعمليات اغتيال.
التركيز والاستقرار اللذان مكنا "القاعدة" من تدبر خططها وعملياتها على ذلك النحو الجريء والنوعي هما ما يمكن أن تكون العملية العسكرية في أبين وشبوة قد أطاحت بهما، مع شرط أن تحول تدابير عسكرية وأمنية نوعية دون إعادة تجمع العناصر المتشددة، فضلاً عن تعقبها وتشتيت وحدتها التنظيمية في محافظات مارب والبيضاء وحضرموت.
ذلك أن الاستقرار والملاذ الآمن اللذين تمتعت بهما "القاعدة" خلال السنوات الثلاث الماضية أتاحا لها تنسيق وتجهيز هجمات نوعية ومميتة من ذلك النوع الذي استهدف مجمع وزارة الدفاع والمقرات العسكرية في حضرموت وعدن وأبين، وكذا تصنيع عدد كبير من العبوات المتفجرة وتجهيز المركبات الملغمة بشحنات ضخمة من المتفجرات.
إضافة إلى طرد مقاتلي القاعدة في أبين وشبوة وفي حال واصلت قوات الجيش طردهم من ملاذاتهم في محافظات مارب وحضرموت والبيضاء، سيفقد التنظيم تلك المزايا ولن يكون في استطاعته تنسيق هجمات ضخمة ودقيقة أو تجهيز أدوات تدميرية بحجم شاحنة مفخخة.
لكن الشبكة الإرهابية التي أعادت تنظيم نفسها مراراً، تستطيع التكيف مع أشد الظروف قساوة، وستستعيض عن نمط هجماتها خلال مرحلة الاستقرار بأنماط جديدة من الهجمات الفردية التي لا تتطلب كلفة وتنسيقاً عاليين وينفر أفرادها الذين شتتهم العمليات العسكرية إلى شنها دون  الحاجة إلى ترخيص من القيادة.
وسيكون ملائماً الاستشهاد بالهجمات المتتالية في العاصمة صنعاء ومحيط القصر الرئاسي على مدى أسبوع والهجوم الانتحاري على مقر للشرطة العسكرية في المكلا يوم الأحد، لتصوير الهجمات التي من المتوقع أن يلجأ لها أفراد القاعدة.
أما إلحاق هزيمة نهائية واستراتيجية بتنظيم القاعدة على الأراضي اليمنية فيتطلب استراتيجية أمنية طويلة المدى وإصلاحاً عميقاً في التنشئة التربوية وعمليات عسكرية محدودة وخاطفة، تنفذها قوات عالية التأهيل ومجهزة بعتاد خاص، إضافة إلى وضع تشريعات قانونية تغلظ العقوبات المتصلة بالإرهاب وتجرم ثقافته والاستقطاب لمصلحته أو توفير الدعم المادي والمعنوي له.
 من مقتضيات الاستراتيجية الأمنية للقضاء على الإرهاب، إصلاح جهاز المخابرات بواسطة انتهاج فلسفة جديدة ومغايرة للأداء الاستخباراتي تكون المعلومة محورها إلى جانب اتباع الأساليب الحديثة وإخضاع العاملين في الحقل الاستخباراتي لتأهيل مكثف وعال، يلبي تعقيدات الحرب على الإرهاب والمستوى الاحترافي الذي تنشط به المخابرات العالمية.
ذلك أن المعلومة الحاسمة هي العنصر الأساسي والأكثر فاعلية في تتبع أنشطة الإرهاب وحركة تدفق الأموال إلى عناصره، مثلما هي العنصر المركزي في تفكيك الخلايا الإرهابية في مرحلة تشكلها، وإحباط العمليات الإرهابية قبل وقوعها بفضل التدخل الحاسم للمعلومة في اعتراض خطط الإرهابيين قبلما تتسلسل إلى مستوى التنفيذ.
وإصلاح الاستخبارات يتطلب بالضرورة خطة لإصلاح جهازي المخابرات )جهاز الأمن السياسي وجهاز الأمن القومي) وردم جدار الجفوة بينهما، وكذا تنظيم دوائر الاستخبارات العسكرية ورفع مستوى أدائها بما هي عليه من الأهمية داخل قوات الجيش.
كذلك، ينبغي تأهيل دفع جديدة من قوات مكافحة الإرهاب وباقي قوى الأمن التي تشترك في عمليات قتالية ضد مقاتلي تنظيم القاعدة، إذ أسفرت مواجهات خاضها جنود من الجيش والأمن  ضد مسلحي القاعدة ورجال القبائل في أكثر من محافظة خلال العامين الماضيين عن سقوط أعداد مضاعفة في صفوف الجنود مقارنة مع ما سقط من القاعدة والقبائل.
ويتضح بجلاء من طريق تتبع المواجهات التي سقط فيها عدد مضاعف من الجنود مقارنة مع عدد القتلى في الجهات المعتدية الأخرى أن ذلك عائد إلى ضعف تأهيل وإعداد الجنود وسوء تجهيزاتهم القتالية، إضافة إلى إخفاق الاستخبارات العسكرية في توفير بيانات تكفي لمنح الجندي أفضلية في القتال.
وما من سبيل لإصلاح هذا الخلل إلا بقلب القاعدة المعمول بها حالياً في التجنيد رأساً على عقب؛ أي اعتماد مبدأ الكيف على الكم، وهو ما تتضمنه خطة إصلاح القوات المسلحة وهيكلتها، ثم إتباع ذلك بإخضاع مجندي الجيش والأمن لخطط تأهيل مكتملة، سواء التأهيل القتالي أو البدني، وتجهيز الجندي المقاتل بما يصنع منه وحدة قتالية مكتملة ومستقلة.
كان تحرك الجيش سريعاً بالفعل وسهلاً إلى حد ما، ليسيطر خلال أسبوع واحد على ساحة قتال تبلغ مساحتها  20 ألف كليومتر مربع في أبين وشبوة، لكن لا بد للسلطات العسكرية والأمنية أن تجد نفسها أمام حقيقة جديدة، فحواها أن كتلة ضخمة من الشرور والنار جرى بعثرتها فتطاير شررها في سائر أنحاء البلاد.
ويجدر أن تتركز المعركة الحقيقية الآن في إخماد ذلك الشرر والسيطرة عليه.

ليست هناك تعليقات: