الثلاثاء، 20 يناير 2015

درس تاريخي للسلطات القمعية.. فضاء الحقيقة لا يمكن ان يضيق..
الحكومة حين تغرّد..!!



وزيرة الاعلام قدمت بالمجان بديلاً مؤثراً للاعلام الرسمي الممول بملايين الدولارات
لسوء حظ الحوثيين.. الاعلام الرسمي ليس ميزة لمن يهيمن عليه غالباً

وزيرة الاعلام.. نادية السقاف


كتب/سامي نعمان
لطالما كانت الحكومات اليمنية المتعاقبة، كغيرها من حكومات دول العالم الثالث غالباً، تفرض تعتيماً اعلامياً في الأحداث التي تدور في بلدانها، خصوصاً فيما يتعلق بأزماتها الداخلية، كحروب صعدة واحتجاجات الجنوب في اليمن.
فخلافاً للمألوف، أضحت الحكومة اليمنية ضحية للتعتيم الاعلامي هذه المرة، ضحية للسياسات التي اعتمدتها في السابق سابقاتها، محاصرة بدون أدواتها الاعلامية الكبيرة -بالمقارنة بإعلام الداخل- بعد أن استولى خصومها عليها، واحتلت موقعها كأنها أحد الناشطين المحاصرين من الاعلام في دولة قمعية، لتنشر اخبارها ومواقفها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لربما هو قدر حكومة محفوظ بحاح الوليدة منذ بضعة اسابيع، في ظل ظروف شاذة، وغير طبيعية، مع سيطرة جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة، أن تكون ضحية لا جلاداً..
لم يسعف الحظ، الزمن، والظروف حكومة بحاح لتمارس التعتيم الاعلامي، إذ لم يكن بيدها منذ الولادة السيطرة على الاعلام، في ظل امساك جماعة الحوثي بزمامه، لكن سابقاتها فعلت وجعلت الاعلام الرسمي معبراً عنها غالباً دون مواطنيها، عدى ما يوافق سياساتها، رغم أن هذا الاعلام، يوصم بأنه عام غالباً، يمول من الخزينة العامة للدولة، لكنه في الحصيلة يعبر عن مصالح وسياسات النخبة الحاكمة وما يتوافق معها إلا فيما ندر.
منذ سيطرة مسلحي جماعة الحوثي على المؤسسات الاعلامية بصورة رسمية في  وقت مبكر، بعد سقوط صنعاء في 21 سبتمبر، فرضت الجماعة رقابتها على اخبار الرئاسة والحكومة غالباً، وصولاً حد حظر الحكومة من نشر مواقفها في الاعلام الرسمي المركزي في صنعاء ابتداء من الأحد الماضي، حينما أعلنت الحكومة موقفاً حاداً تجاه اختطاف الحوثيين لمدير مكتب الرئاسة أحمد عوض بن مبارك، الذي وصفته بالجريمة التي لا تبرر بالمطلق.
والاثنين اندلعت المواجهات في محيط دار الرئاسة، حيث لازال هادي يقيم ويحكم، وغابت عنها أخبار الحكومة، وأدارت جماعة الحوثي الاعلام الرسمي المركزي بما يخدم اجندتها، فلجأت الحكومة لوسيلة الناشطين والمعارضين غالبا في عرض اخبارها ومواقفها.. وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذ وجدت نفسها محظورة من نقل وجهة نظرها كالعادة في مصادر اعلامها الرسمية، وكالة سبأ، القناة الفضائية، جريدة الثورة، إذاعة صنعاء، استفادت الحكومة كثيراً من خبرة وحيوية وزيرة الاعلام نادية السقاف، التي لجأت لكتابة تغريدات في تويتر تعرض فيها أخبار ومواقف الحكومة والرئاسة المحاصرة اعلامياً كما عسكرياً من قبل مسلحي جماعة الحوثي.
نشرت وزيرة الاعلام نادية السقاف العديد من التغريدات التي تضمنت معلومات حول الأوضاع في العاصمة صنعاء، واصبح حساب نادية السقاف في تويتر،  مصدراً ثرياً لوسائل الاعلام المحلية والدولية.
السقاف غردت في تويتر بداية أن وسائل الاعلام الرسمية لم تعد تمثل وجهة نظر الحكومة وانها خاضعة لهيمنة جماعة الحوثي، داعية من يرغب في متابعة  اخبار وبيانات الدولة لمتابعة قناة عدن الفضائية التي تبث من عدن، وهي قناة ثانوية لا ترق لامكانيات قناة اليمن الفضائية في المركز صنعاء.
وبالأمس فقط ربما اكتشفت الحكومة، أن اخبارها القصيرة في مواقع التواصل الاجتماعي كانت اكثر جدوى وفاعلية من مواقفها وبياناتها التي تنشر في وسائل اعلامها المتنوعة منذ زمن، وتعاد بشكل ممل طوال اليوم، وتفرد لها افتتاحيات الصحف والقنوات والاذاعات الرسمية الممولة بملايين الدولارات من الخزينة العامة، رغم أنها لا تفلح غالباً رغم طغيانها في حجب مواقف الأطراف الأخرى المحرومة من الاعلام الرسمي، بل إنها تكون أحياناً أقل تأثيراً منها.
تجربة الحكومة في نشر أخبارها في مواقع التواصل الاجتماعي درس بالغ الأهمية لكل السلطات القمعية، حكومات وتنظيمات وجماعات مسلحة، التي تسعى لحجب الحقيقة واخفاء المعلومات..
فها هي إحدى الحكومات اليمنية التي اعتمدت سابقاتها غالبا سياسة التعتيم، واحتكار الاعلام، وحجب المعلومات، تجد نفسها معرضة لذات الانتهاك، لتلجأ لوسائل خيارات الناشطين والأقليات في نشر أخبارها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما جماعة الحوثي التي طالما شكت التعتيم الاعلامي الذي تمارسه الحكومات، بل واعتبرت ان مطالبتها وايمانا بحرية التعبير (ترديد الصرخة) هي سبب الحروب، تمارس ذات الدور وتخفق فيه.
ربما للمرة الأولى في العالم، تجد حكومة ورئاسة دولة نفسها في الموقع المألوف للمعارضين والناشطين والمقموعين والمحكومين بحجب مواقفهم ووجهات نظرهم في الاعلام الرسمي..
هذه الحالة بحاجة إلى دراسة أكثر وأعمق في المجتمعات العربية التي تستلهم تجارب القمع والانتهاكات، دون الحقوق والحريات.. في الحالة اليمنية المقلوبة، حكومة تعرضت للانتهاك، فلجأت للإعلام البديل، وأوصلت رسالتها أفضل بكثير مما كانت تفعل بآلتها الاعلامية المهولة.
ولعل الميزة الاضافية لرواج اخبار الحكومة عبر حساب الوزيرة السقاف، أن الجميع كان ينتظر منافذها البديلة لايصال أخبارها، عبر بدائلها الخاصة خارج العاصمة، خصوصاً في عدن، فكان تويتر، وسيلة الناشطين والمعارضين والعامة غالبا، والمسؤولين الحكوميين كوسيلة اضافية هي في غنى عنها، غدا كذلك خيار الحكومات في الوصول الفاعل والمؤثر إلى الرأي العام..
ولسوء حظ الحوثيين فإن لجوء الحكومة اليمنية لتويتر قدمها وسوقها بشكل أفضل ربما عما كانت ستظهر فيه عبر اعلامها الرسمي ذي الميزانيات الباهظة والمكلفة، فيما نشرت أخبارها أمس بالمجان.
لعلها تجربة مهمة للحكومة اليمنية لادراك ان المؤسسات الاعلامية التي ينفق عليها عشرات الملايين من الدولارات سنوياً، لم تؤد رسالتها بهذه الصورة التي برزت اليوم في أداء الوزيرة السقاف في تويتر وبجهدها الشخصي، وبدون انفاق يذكر عدى تكلفة بخسة لخدمة الانترنت، وبعض الجهد.
درس بليغ وعميق حري بحكومات العالم، والواقفين في وجه الحقيقة ادراكه، إذ لم يعد مقدوراً في هذا الزمن اخفاء المعلومات، وإعدام الحقيقة التي بات لها ألف باب..
درس حديث ومتقدم للحكومات والميليشيات القمعية، أن الحقيقة لا يمكن أن تعدم، حتى بالنسبة لحكومة لم تألف يوماً التغريد في مواقع التواصل الاجتماعي واعتادت ايصال رسائلها عبر مؤسسات اعلامية مكتظة بآلاف الموظفين..
درس مفاده فضاء الحقيقة لا يمكن ان يضيق، وغبي وأهوج من يظن أن باستطاعته أن يفعل.

ليست هناك تعليقات: